بكركي، الخميس 29 سبتمبر 2011 (ZENIT.org)
في الثامن والعشرين من شهر أيلول 2011، عقد أصحاب السيادة المطارنة الموارنة اجتماعهم الشهري في بكركي، برئاسة صاحب الغبطة مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى، ومشاركة صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وقد شارك فيه الرؤساء العامّون بدعوة خاصّة، وتدارسوا شؤونًا كنسيّة ووطنيّة، وفي ختام الاجتماع أصدروا النداء التالي، جريًا على عادتهم في كلّ سنة.
لقد اختار غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، يوم انتخابه، شعار “شركة ومحبّة”، التزم به مع مجلس المطارنة، وهو يعمل منذ ذلك اليوم، بالتشاور معهم، على ترجمته عمليًا على كل الصعد، وبكل الوسائل المتاحة، فتحقّق ما يلي:
أولاً: على الصعيد الكنسي:
1. بعد تثبيت الشركة الكنسية مع قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وترسيخ العلاقات مع مختلف دوائر الكرسي الرسولي، تعزّزت الشركة مع الكنائس، من كاثوليكية وغير كاثوليكية، عملاً بتوصيات جمعيّة سينودس الأساقفة الخاصّة بالشرق الأوسط، وبرسائل بطاركة الشرق الكاثوليك المتتالية، خدمة للحضور المسيحي في هذا الشرق، وعيشه والشهادة التي يجب أن يؤديها كلّ المعمدين في هذه المنطقة، من خلال تحقيقهم الوحدة التي صلّى لأجلها السيّد المسيح ليلة وداعه لتلاميذه: “أيها الأب القدوس، احفظهم باسمك الذي أعطيتني، حتى يكونوا واحدًا فينا، مثلما انت فيّ وأنا فيك، فيؤمن العالم أنك أرسلتني” (يو17/21.11).
2. وترسّخت هذه الشركة ضمن الكنيسة المارونية من خلال شد أواصر المحبّة مع الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين المنتشرين في كلّ العالم، وتمَّ العمل على تقوية التواصل المستمرّ في ما بينهم، بفضل تنظيم الهيكليات الادارية في البطريركيّة، واستعمال الوسائل العلمية والتقنية العصرية.
3. ودعا غبطته في زياراته الراعوية أبناءه، في القرى والبلدات والمدن، إلى التعمّق بشركتهم العاموديّة مع الثالوث الأقدس، بانعاش ايمانهم بالآب الخالق الذي خلق الوجود بفعل محبّة أزلي، وبترسيخ انتمائهم إلى الابن واندماجهم في جسده السريّ، هو الذي رُفع على الصليب بفعل محبّة لا حدود لها، كي “يرفع اليه كل أحد” (يو 12/32)، وبفتح قلوبهم وأذهانهم لأنوار الروح القدس “روح الحق الذي يرشد إلى الحق كلّه” (يو 16/13). كما يدعوهم غبطته إلى توسيع شركتهم أفقيًا كي تشمل كل الناس بتلك المحبّة التي “تصفح عن كل شيء، وتصدّق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء” (كور 13/7).
4. ولقيت الزيارات ترحيبًا وطنيًّا عارمًا، وهي ستتواصل في لبنان وخارجه على النمط نفسه إن شاء الله، بدءًا من زيارة الأبرشيّتين المارونيّتين في الولايات المتّحدة الأميركيّة.
ثانياً: على صعيد الحوار الاسلامي – المسيحي:
إِنّ الوجود المسيحي في هذه المنطقة من العالم، لا يمكنه أن يُستَثْمَرَ ويحملَ شهادته الاّ من خلال انفتاح الأديان على بعضها البعض على مستوى الحوار الروحي والحضاري معه، والعمل معًا على خدمة الانسان ورفع شأنه والحفاظ على حقوقه، والسعي معًا إلى بناء مجتمعاتنا على القيم الروحية والانسانية المشتركة لأدياننا، ولا سيما قيم الحرية والعدالة والمساواة، والحياة البشريّة وكرامة الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله.
لذلك كانت الانطلاقة منذ البدء في الانفتاح على كل السلطات الدينية والتواصل الدائم معها. وعُقِدَت حتى الآن قمّتان روحيّتان، الأولى في الصرح البطريركي والثانية في دار الافتاء، وهناك سعي لعقد قمة روحية على صعيد منطقة الشرق الأوسط. عسى أن تفلح كل هذه المسائل في ارساء قواعد ثابتة للعمل المشترك، ووضع أسس راسخة للحوار الدائم الذي يجب أن يحكم علاقات اللبنانيين وكل أبناء المنطقة ببعضهم البعض.
ثالثاً: على الصعيد الوطني:
منذ نشأة المارونية، كان للبطاركة دور كبير في الحفاظ على الشعب وقيادته وتنظيم حياته الروحية والاجتماعية والوطنية. وقد أصبحت البطريركية شريكًا أساسيًا في تكوين الوطن اللبناني، أقلّه منذ إمارة فخر الدين الثاني حتى انشاء لبنان الكبير، فالاستقلال، وحتى يومنا هذا. وما انفكّت البطريركيّة تعمل على ترسيخ هذا الدور التاريخي وتسعى إلى تفعيله أمينة لتاريخها، حاملةً همّ الوطن وجميع أبنائه، بل همّ المنطقة المشرقية التي يرتبط مصير لبنان بمصيرها. ويؤلمها ما آلت اليه أوضاع الشعب اللبناني، ولا سيما المسيحيين من بينهم، بسبب الحروب والتقاتل والاصطفافات السياسية مع المحاور الاقليمية والدولية. ولأنّ غبطته مؤمن بأن في الاتحاد القوّة، فقد آل على نفسه منذ اليوم الأول لانتخابه، وانطلاقًا من الثوابت الكنسيّة والوطنيّة، أن يدعو الجميع إلى الحوار والتفاهم ورصّ الصفوف والخروج من منطق الحرب إلى منطق السلم، والى تغليب روح الشركة والمحبّة في علاقاتهم ومسؤولياتهم، فكان لقاء القادة الموارنة، ثمّ توسّع هذا اللقاء ليشمل كل النوّاب الموارنة، كي يبحثوا معًا في أمور جوهريّة تتعلّق بمصيرهم ومصير الوطن، حتى اذا توصّلوا إلى تكوين قناعات مشتركة، يطرحونها على شركائهم في الدولة والوطن.
ومن هذا المنطلق، يبني غبطته تواصله الدائم مع المسؤولين الكبار في الدولة، من فخامة رئيس الجمهورية، إلى دولة رئيس مجلس النوّاب ودولة رئيس مجلس الوزراء، ورؤساء الطوائف اللبنانية والأحزاب والتكتلات، ومن ثمَّ مع المرجعيّات الدوليّة وزياراته إلى الدول التي تربطها بلبنان علاقات تاريخية ولها اهتمامات بالأوضاع فيه وفي سائر بلدان المنطقة.
وقد كانت زيارته الأولى إلى فرنسا تلبية لدعوة من رئيسها، احياءً لتقليد عريق في العلاقات بين هذه الدولة الكبرى والبطريركية المارونية، مناسبة كي يتبادل الآراء مع المسؤولين الكبار فيها، وكي يشهد للحقيقة بجرأة وشجاعة، ويطالب الأسرة الدولية أن تتحمّل مسؤوليتها في نشر العدالة والمساواة، ورفع الظلم عن الشعوب، من خلال السهر على تطبيق قرارات مجلس الأمن تطبيقًا عادلاً، والعمل على وقف الحروب وإحلال السلام في المنطقة.
وإنّنا لَنَامل في هذه المرحلة من تاربخنا وتاريخ المنطقة أن تتحقّق لجميع المواطنين الحريّة والمساواة في الحقوق، بالتعاون وبعيدًا عن العنف، فيعيش المواطنون معًا بالاعتدال وقبول الآخر كما تُجمِع عليه أديانُهم.
خاتمة:
ان الكنيسة المارونية تحمل منذ نشأتها، مشعل الحرية والدفاع عن كرامة الانسان وحقوقه. وقد ضحّى الموارنة عبر تاريخهم بالكثير الكثير كي يحافظوا على الوديعة الأثمن لديهم: الايمان والحرية. وكانوا دائمًا يستمدون القوّة على الصمود من وحدة كلمتهم، والتفافهم حول بطريركهم والثقة بقيادته وحكمته. ونحن اليوم بأمسّ الحاجة للعودة إلى هذا السلوك التاريخي، في هذه الظروف الصعبة التي تهدّد وجودنا ودورنا ورسالتنا، كلبنانيِّين عامّة ومسيحيِّين خاصة. فلنعد جميعًا إلى أصالتنا، نحن اللبنانيين، ولنشبك الأيدي، ولنجلس إلى طاولة حوار أخوي صادق شفاف، نلقي فوقها هواجسنا وشكوكنا، ونجدّد الثقة بعضنا ببعض فنقوى جميعًا ويقوى بنا لبنان.