فهل من مصغٍ بيننا؟
في الأيام المنصرمة و فيما الحاضر يثّقل على بشريتنا إستعرض التاريخ عظمته أمامنا. فقد نقلت مصر رفات 22 فرعونا محنطاً إلى متحف جديد في موكب خاص سار عبر شوارع العاصمة القاهرة يوم السبت المنصرم.نُقل الملوك الثمانية عشر وأربعة من الملكات، في مشهد تاريخي مهيب أطلق عليه اسم ” موكب الفراعنة الذهبي” سارت فيه المومياء الملكية، مسافة 7 كيلومترات من المتحف المصري في ميدان التحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط جنوبي العاصمة.
بعد اربعين دقيقة من إنطلاقه كان في استقبال الموكب عند الوصول الرئيس المصري، وأطلق حرس الشرف 21 طلقة تحية لملوك مصر القدماء.كان يقال قديماً أن من لا يتعلم من التاريخ يلعنه الحاضر…. أي أمثولة من هؤلاء ؟ إستوقفني أن الموكب ضم الملك رمسيس الثاني أحد أشهر الفراعنة في البلاد والملكة حتشبسوت .هي الأنثى القوية التي حكمت بصفتها فرعون مصر ، و كانت ترتدي لحية مستعارة للتغلب على التقاليد التي كان تجبر النساء البقاء في أدوار ثانوية ضمن التسلسل الهرمي الملكي… ونجحت! أمثولة لمن في مجتمعاتنا – من رجال و حتى نساء – يتبنى أفكار وسلوكيات ترسخ لأفضلية الرجل على المرأة، وترى أن تفوقه الجندري يتيح له امتيازات وحقوق لا يجب أن تحصل عليها الأنثى! حتشبسوت من آلاف السنين تؤكد أن السيدات “يفهمن بالقيادة” مثل قرائنهن الرجال!رمسيس الثاني.
يطول عنه الحديث ولكن من الجيد ان نعرف أنه لا يزال يسلمنا رسالة سنوياً عبر مدفنه في معبد أبو سمبل . ففي كل عام، في مدينة أسوان المصرية ، تضيء أشعة الشمس وجه تمثاله القديم داخل المعبد الذي شُيّد في الصخر بعمق 48 متراً.
لمدة 20 دقيقة تنور الشمس داخل القبر مرتين في السنة في 22 فبراير (يوم مولد رمسيس الثاني ) و 22 أكتوبر (ذكرى تتويجه) .
صُمم داخل المعبد لتضيء الشمس على وجه الفرعون ولكن تصميم المعبد العالي الدقة، لا يسمح لأشعتها ان تصل الى وجه (بتاح) الذي يعتبره قدماء المصريين إله الظلام!
يقول دارسو تاريخ العمارة أن من خلال التصميم يمكننا فهم إيمان رمسيس الثاني الذي من جملته اعتقاده ان الموت ليس بنهاية الطريق و لا ظلمته تحجبنا إلا إخترنا الظلمة.و نحن اليوم حين نضع إيماننا قيد العيش نتوّج ” أبناء” العلي…
فهل ندرك اننا أبناء النور وأن – حتى موتنا – ليس استقرار في القبور إنما هو عبور الى قلب النور؟
من موكب قدماء المصريين يهمس التاريخ لنا …يدعونا ألاّ نستقر في ظلمة حاضرنا.فهل من مصغٍ بيننا؟
أنطوانيت نمّور – عن موقع زينت