لبطريرك غريغوريوس لحام: علينا ان نحرك المجتمع العربي لدعم حضور المسيحيين العرب

حاوره إميل أمين

القاهرة، السبت 1 يناير 2011 (zenit.org).

على  هامش زيارته الرعوية السنوية للقاهرة التقت زينت صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس لحام  الثالث بطريرك الروم الكاثوليك  الشرقيين في مقر  إقامته ، وغبطة البطريرك لحام معروف بمواقفه العروبية والوطنية وقد كانت مشاركته في سينودس أساقفة الشرق الأوسط الأخير المنعقد في حاضرة الفاتيكان فاعلة وايجابية،  والأكثر أهمية  في تجربة كنيسته العامرة هو متابعة فاعليات السينودس حتى تتحول النصوص والكلمات الى وقائع حية متحركة نابضة لا ان تبقى في إطار التنظيرات الذهنية أو الأطروحات الإيديولوجية .

** صاحب الغبطة بداية في تقديركم هل لبى سينودس الشرق الأوسط سقف الآمال  والتطلعات المنتظرة من المسيحيين العرب ؟

يمكنني القول ان السينودس كان حدثا فريدا وعظيما ونشكر البابا  الذي اظهر محبته الفعلية لمسيحي الشرق الأوسط من خلاله ، وأظن انه كان منبراً عالمياً كنسياً مسيحياً إسلامياً أيضا ووضع قضية مسيحي الشرق الأوسط على  القمة .

 أما فيما يخص تلبية سقف التطلعات فمن الصعب بالطبع حل كل المشكلات بلمسة سحرية ، لكنه حرك بكل تأكيد  القضية على  كافة المستويات  وكان وقفة ضمير لنا نحن الرعاة ونأمل ان تصل هذه المشاعر الى  الشعب والآن أقول ان الطابة في ملعب رؤساء الكنائس الشرقية لتفعيل ما جاء في أوراق السينودس وحتى قبل صدور الإرشاد ألرسولي والذي يمكن ان يصدر خلال سنة أو ربما أكثر ،  نحن من اقترح فعالياته ونحن من ناقشناها ونحن الذين يتوجب علينا كشرقيين مراعاة تنفيذه  الفعلي .

** يرى البعض ان عون الفاتيكان لمسيحي الشرق  لا يرقى أبدا لمستوى دعمه المادي والأدبي لمسيحي أوربا الشرقية في عهد الشيوعية .. ما صحة هذا الحديث  ؟

في زمن الشيوعية لم تكن هناك أزمة اقتصادية طاحنة كالتي يعيشها العالم وأوربا والفاتيكان بلا شك في القلب منها ، وأقول  إننا لا ننتظر  أموالاً من الفاتيكان ، أنا انتظر مساهمات إيمانية مادية حية من أصحاب رؤوس الأموال  العربية من أبناء كنائسنا المشرقية في الداخل وفي الانتشار ،  انتظر مبادرات ايجابية في إطار وطني للقضاء على البطالة ولبناء المستشفيات والمدارس ،  ولتثبيت المؤمنين البسطاء في الأرياف أيا كانت، لا ننتظر من روما المدد المالي مع احترامنا وشكرنا لكل مبادرة من هناك ، أنا أسعى لنشر فكر التضامن الاجتماعي بين الغني والفقير في بلادنا من منظور أوسع .

ليس هذا فحسب بل علينا ان نحرك المجتمع العربي لدعم حضور المسيحيين العرب ، هذا أهم من المال واهم من أي دعم من الخارج واذكر في هذا الإطار بما قاله المفكر اللبناني الكبير محمد السماك في كلمته أمام السينودس في روما : السؤال ليس ماذا سيعمل المسيحيون بعد السينودس ؟ السؤال ماذا سيفعل المسلمون بعد السينودس ؟

** وجهت غبطتك رسائل للزعماء والملوك والرؤساء العرب قبل السينودس وبعده .. لماذا؟ وهل تلقيتم ردود عن رسائلكم  ؟

قبل السينودس بالفعل وجهت رسالة  للملوك والرؤساء العرب اشرح لهم فيها ما هو السينودس  وأهدافه وغاياته وكيف يسير حتى يكونوا على بينة  بأننا لن نذهب لنشكوهم أو لنتظلم من اضطهاد ، أردت ان يكون كل شيء  واضحاً وشفافاً ، وقد أجابني الرئيس الفلسطيني محمود عباس  وأرسل رسالة للبابا  مهتما بالسينودس ، وهناك أيضا من تكلم بشكل طيب عن السينودس مثل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ،   ورئيس مجلس النواب  نبيه بري ،  ومفتى لبنان .

 ثم بعد السينودس أرسلت رسالة أخرى مشابهة لكي أقول لهم ماذا فعلنا وما أبعاد السينودس وأفكاره بالنسبة للحضور المسيحي في الشر ق الأوسط ذي الأغلبية المسلمة ، وكيف للمسلمين والمسيحيين معا العمل من اجل متابعة مقررات السينودس .

** هل ما جرى في كنيسة سيدة النجاة في العراق كان  الرد الأولي كما اعتبر من قبل المراقبين لما نادى به السينودس ؟

 لا ادري ان كان هذا التوقيت مقصوداً ام لا مع العلم ان هناك سلسلة سابقة ولاحقة من التفجيرات في العراق طالت مسلمين بأكثر من المسيحيين وان كان هذا لا يقلل من جسامة وفداحة ما حدث في كنيسة سيدة النجاة ، وكأنه كانت  هناك رغبة  في ضرب آمال المسيحيين بالسينودس و، لكن من مراحم الله ان هذه الحادثة الأليمة  دعت وسائل الإعلام المسيحية والإسلامية للوقوف صفا واحدا في  وجه هذا  الإثم وأثارت نوعا من غيرة المؤمنين المسلمين  المتحاورين  معنا،  وأظن انه ربما أراد الله تعالى ان تكون دماء شهداء سيدة النجاة صرخة عربية إيمانية مسيحية إسلامية لوقف الانهيار الأمني  هناك ولمواصلة الحضور الإيماني في العراق .

** لماذا رأت بعض الأصوات ان السينودس هول من اشكالية الأصولية الإسلامية ومن الإسلام السياسي على نحو خاص ؟

 لا أحب أبدا فكرة ان أكون في فريق  وخندق وأخي المسلم في خندق أخر ، أنا أظن ان الأصولية ونماءها والحركات التكفيرية بين المسلمين وبعضهم البعض  خطر على الجميع على المسلمين قبل المسيحيين وانه إذا لم نقف معا صفا واحداً فان الأهوال الحقيقية ستحل بالعالم العربي والإسلامي ، سيما وان 60% من العالم العربي في سن الشباب ، هذه هي الكارثة التي أراد السينودس التنبيه لها ودعا في نفس الوقت لوقفة مسيحية إسلامية واحدة في مواجهة هذا الخطر .

** كيف كانت مشاركة المسيحيين العرب في الانتشار في السينودس وما أهمية حضورهم بشكل خاص ؟

  الانتشار المسيحي العربي أمر مهم وقد كان مطارنة  كل الطوائف المسيحية في  المهجر من بين الحاضرين وتكلموا عن خبراتهم ، والمسيحيون العرب هناك جزء وامتداد للمسيحيين العرب في الداخل ولهذا لابد من الاهتمام بهم وإقامة الجسور معهم حتى لا يتيه أبنائهم من الأجيال اللاحقة بعيدا عن جذورهم وهولاء يقع عليهم عبء تمتين علاقاتهم مع الأرض والوطن ، ولا ننسى ان حضورهم هناك يمثل واحدة من أهم الإشكاليات التي  تحدث عنها السينودس والمتمثلة في الهجرة والتي يخشى معها ان تصل العوالم العربية في خلال خمسة عقود من الآن الى  تفريغ الحضور المسيحي منها وهذه خسارة حضارية للمسلمين قبل المسيحيين .

 ** تتحدثون صاحب الغبطة عن خطة خمسية لكنيستكم لجهة أعمال السينودس … هل من تفصيلات ؟

في يونيو حزيران القادم لدينا سينودس عام لكنيستنا ونعمل الآن على وضع خططه وقضاياه وفي مقدمته اقترحت عمل خطة خمسية يقوم عليها الآباء المطارنة والرهبانيات كل في ايبارشيته أو مكان خدمته حتى نتابع أعمال السينودس ونحولها من مجرد أحاديث ورقية الى أفعال إيمانية ووطنية ايجابية خلاقة مترجمة في الإنسان الذي هو صورة الله ومثاله والذي من اجله قام هذا السينودس .

** لماذا كان التمثيل الإسلامي والأرثوذكسي وتمثيل بقية الطوائف ضعيفا على نحو ما في أعمال السينودس ؟

 أظن ان القصور الواضح كان من جهة الكنائس الأرثوذكسية والتي  دعيت ولم يأت منها إلا القليل أما بقية الأديان والطوائف فأظن ان الحضور كان في حدود المقبول سيما وان القضايا المطروحة للنقاش كلها كانت تختص بالكاثوليك العرب وحضور مندوبين من الأطياف والأطراف الدينية المختلفة كان بمثابة  مشاركة في الحضور الرمزي ولنقل إحساس المسيحيين العرب  الكاثوليك على نحو خاص بما يعتمل في صدورهم الى أخوانهم في الأوطان من مسلمين ومن طوائف مسيحية أخرى .

** هل بدأت تتجلى في الأفق إرهاصات لحاجة الى مجمع مسكوني فاتيكاني ثالث عن قريب وقد مر على الفاتيكاني الثاني قرابة خمسة عقود ؟

 قبل التفكير في فاتيكاني ثالث آنا اقترحت أمرين :

 الأول هو الدعوة الى  سينودس مسيحي عربي له طابع سوسيولوجي أكثر منه عقائدي يشارك فيه كافة الطوائف المسيحية بعيدا عن الجدل العقائدي  ويمكن ان تكون هذه الفكرة باعثا لإعادة أحياء مجلس كنائس الشرق ا لاوسط الذي بدأت الخلافات تفت في عضده مؤخرا وان يكون هو الداعي والمنظم لمثل هذا السينودس أو المجمع .

 والأمر الثاني هو الدعوة لمؤتمر مسيحي إسلامي  مشترك بدون تشنج عقائدي أو سياسي تكون مهمته مواجهة الأخطار  التي تواجه المجتمعات المؤمنة في زمن العولمة المنفلتة مثل الإباحية والإلحاد وأخطار وسائل الإعلام والمعلوماتية غير المنضبطة ،  وهذا يمكن ان يكون  انجازا رائعا يتجاوز كل التحديات المشتركة .

** لماذا انزعجت إسرائيل كثيرا من فاعليات السينودس على نحو ما رأينا ؟

كانت تصريحات المطران سليم  بستروس الخاصة بإشكالية ارض الميعاد هي التي أثارت في واقع الأمر هذا الانزعاج وأنا درست الموضوع بإمعان ولم أجد فيه أي هجوم على  اليهود ، هذا فكر إيماني مسيحي ،  ولا يعني هذا أيضا المطالبة بإلغاء اليهودية أو القضاء على اليهود ، لكن يعني انه لا يجب ان نبقى أسرى فكر مقيد للإنسان ،  مضى الزمن الذي نقول فيه شعب مختار فبعد المسيح صار الجميع شعب مختار ، وفي الحقيقة ان هذا الموضوع يعود بنا الى اشكالية ملاك الحقيقة المطلقة فكل إنسان يرى ان دينه هو الأصح والصوب والأفضل مع ان الله تعالى لا يدعو لتشارع أو تنازع باسمه وإنما يوحد الناس تحت سمائه ورحمته .

** هناك أجواء حرب جديدة في المنطقة.. هل ستدفع هذه من جديد المسيحيين العرب لمزيد من الهجرة للخارج ؟

 انأ لا أظن ان هناك مجال للحرب حاليا ، لان تنامي القوى على الأرض بات يغير الموازين والكل يعرف ان الجميع يتسلح  ومغامرة إسرائيل في لبنان 2006 قد تركت تأثيرات سلبية جدا على إسرائيل ، وتبقى بالطبع تلك الحروب عامل محفز لمزيد من الهجرة ففي أعقاب حرب تموز 2006 هاجر من لبنان نحو مليون شخص غالبيتهم من المسيحيين .

 وفي الحقيقة تبقى اشكالية هجرة المسيحيين العرب من اخطر واكبر المعضلات التي تواجه بقاء المسيحية المشرقية وأقول ان المسيحيين العرب مدعوون للحياة وليس فقط للشهادة والموت وبقائهم في أوطانهم شهادة حية وشركة فاعلة للحفاظ على الإيمان ، فقط عليهم ان يعيدوا ترتيب أولوياتهم ومشاركة بعضهم البعض في الخيرات الارضية وتفعيل شراكاتهم الوطنية مع أخوانهم من المسلمين في بقية أرجاء الوطن العربي الكبير .

** كيف تقرأون دعوة الحبر الأعظم في عظة قداس الميلاد والتي  طالب فيها السياسيين بالتعاضد مع مسيحي الشرق الأوسط ؟

أنا بهذا المعنى كتبت في أول ديسمبر الجاري رسالة الى كل الكرادلة  ورؤساء الأساقفة والأساقفة اللاتين اذكرهم بما جاء في السينودس بالنسبة لمعضلات التي تواجه المسيحيين العرب ،  وأشير عليهم بأهمية تفعيل الحوار المسيحي في هذه الأوقات ، إضافة الى ذلك اشدد على أهمية قيامهم بدور فاعل على صعيد  حض دولهم وحكوماتهم الأوربية نحو قيام سلام عادل شامل في الشر ق الأوسط .

 ولاحقا كتبت رسالة أخرى الى رؤساء أوروبا وأمريكا  وبعض من دول أمريكا اللاتينية وللاتحاد الأوربي ركزت فيها على القول بأنه إذا أرادوا  ان يبقى المسيحيون العرب في أوطانهم فان عليهم ان يعززوا فرص السلام وإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يولد الأصولية والعنف ، سيما وان مواقف أمريكا راعي السلام مؤخرا غير مفهومه فكيف لها ان تقف عاجزة عن وقف الاستيطان الإسرائيلي ، في الوقت الذي تفرض فيه العقوبات طولا وعرضا على إيران وسوريا والعراق وأي بلد عربي ، وما من فيتو على تصرفات إسرائيل .

 في رسالتي هذه قلت لهم ان تفريغ الشرق من مسيحييه سينشئ لنا في القريب العاجل معسكرين متقابلين غرب مسيحي وشرق إسلامي ما يعود بنا الى دائرة صدام الحضارات ،  ثم يبقى هناك هاجس غربي يتمثل في المسلمين الموجودين هناك وهولاء باتوا مواطنون بحكم الهجرة .

وعليه فأنني أضم صوتي لصوت الحبر الأعظم من اجل تعزيز هذا الحضور في هذا الوقت الحساس جدا .

** ليلة عيد الميلاد أفادت التقارير الإخبارية الواردة من بغداد ان كنيسة سيدة النجاة اكتظت بالمؤمنين الذي لم يلتفتوا الى التهديدات . ما دلالة هذا المشهد بالنسبة لغبطتكم ؟

سررت كثيرا بهذا التحدي الإيماني الايجابي وهو ليس تحدي بالقوة بل بالإيمان ، وقد حدث من قبل لكنيستنا  كنيسة القديس جاورجيوس في حي   الكرادة عام 2003  وأبنائنا هناك أعادوا بنائها وأقاموا من حولها معهد للعلمانيين الراغبين في دراسة علوم الفلسفة واللاهوت ،  واكرر من جديد ما قلته عشية حادث سيدة النجاة نحن لسنا غنما للذبح نحن مواطنون نريد ان نعيش مواطنتنا ونستمر في عطائنا لعالمنا العربي ونزيد من مشاركتنا في صنع الحضارة الإسلامية والعربية معا .

** ماذا عن المؤتمر الأخير الذي عقد في سوريا للحوار والإخاء العربي المسيحي كنوع من أنواع تلبية مقررات سينودس الشرق الأوسط ؟

 بعد انتهاء فعاليات السينودس أردت ان أتوجه لإخواننا المسلمين لأقول لهم ما الذي جرى في السينودس  وألقيت بالفعل  محاضرة في بيروت واقترحت إلقاء محاضرة في دمشق وقام السيد وزير الأوقاف بتوجيهات السيد الرئيس بشار الأسد بطرح فكرة إقامة مؤتمر عالمي حضره نحو ثلاثة آلاف فرد أكثرهم مسلمين بجانب عدد كبير من بطاركة المنطقة وأساقفتها وكهنتنها وكان عرسا للتلاقي والتآخي الإسلامي المسيحي تحدث به العالم اجمع واعتبر الأمر نوع من الشركة والشهادة الحقيقية لمسيحي الشر ق الأوسط ووجه من وجوه الانفتاح السوري على العالم برمته .

** في كلمة أخيرة ما هي أفضل وأنجع السبل لتوطيد فرص البقاء والعيش المشترك للمسيحيين العرب في عالمنا العربي باشكالياته الآنية مع أخواننا المسلمين؟

أمامنا تاريخ وهو معلمنا الأكبر ، المسيحية المشرقية عاشت وصمدت عبر أكثر من 1400 عام ، نعم اختفت في شمال إفريقيا لكنها بقيت في بلادنا  ، وأشير هنا الى ان صعوبات الأمس اشد هولا من صعوبات اليوم ، والعالم اليوم أصبح منفتحا بعضه على بعض بشكل أكثر ايجابية فعلى سبيل المثال لو حدثت كارثة كنيسة سيدة النجاة قبل خمسين عاما ما سمع بها الناس قبل سنوات لكن الآن العالم كله قام ولم يقعد وفي مقدمة القيام أخوة من المسلمين المعتدلين  المتفهمين للأهمية التاريخية والحضارية للوجود المسيحي العربي ،  وما من مستقبل للمسيحيين والمسلمين في عالمنا إلا بالسير معا يدا بيد فالتفرقة ضعف والاتحاد قوة كما تعلمنا منذ زمان وزمانين .