تأمل المجلس الحبري قلب واحد حول رسالة البابا بمناسبة الصوم الكبير

روما، الثلاثاء 08 مارس 2011 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي تأملاً لاهوتياً ورعوياً للمجلس الحبري "قلب واحد" حول رسالة بندكتس السادس عشر بمناسبة الصوم الكبير "فقد دفنتم معه في المعمودية، وفيها أيضاً أقمتم معه" (كول 2، 12).

نقاط التأمل في رسالة الأب الأقدس لصوم 2011

"فقد دفنتم معه في المعمودية، وفيها أيضاً أقمتم معه" (كول 2، 12)

هذه الكلمات التي يوجهها القديس بولس إلى جماعة كولوسي تدخلنا إلى المعمودية، الموضوع الذي اختاره الأب الأقدس لرسالته بمناسبة الصوم الكبير لهذه السنة. الحبر الأعظم، واستناداً إلى أحد أقوال رسول الأمم، يعطينا هدف هذا السر: "غايتي أن أعرف المسيح وقوة قيامته والشركة في آلامه؛ والتشبه به في موته" (فيل 3: 10، 11).

المجلس الحبري "قلب واحد" (Cor Unum) هو المديرية التابعة للكرسي الرسولي والمسؤولة عن تقديم هذه الرسالة. ومهمته الرئيسية تقضي بنشر تعليم الكنيسة حول المحبة، وإعلان مختلف المبادرات الملموسة المدعومة من قبل الأب الأقدس، في مجال المحبة. وفي سبيل مساعدتكم على إذاعة هذه الرسالة وسط كنائسكم المحلية، جماعاتكم أو هيئاتكم، نقترح عليكم بعض التأملات حول الصلة الجلية القائمة بين المعمودية والمحبة، الصلة التي رغب البابا في تسليط الضوء عليها.

أمام المعاناة الواقعية التي نجدها على صعيد عالمي – الكوارث الطبيعية والأوبئة والمجاعات والحرب – نحن مجبرون على تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً في المقام الأول، وعلى إيجاد حلول ملموسة لتخفيف حدة البؤس (الله محبة رقم 31 أ). ولكن، وإن كان من المهم تأمين الاحتياجات المادية، فهي لا تستطيع وحدها أن توفر لنا السعادة والسلام الدائمين. لقد أسس المسيح الكنيسة ليعطينا أكثر من ذلك. فالمعاناة، سواء كانت عالمية أو فردية – المرض، الوحدة، المخاوف المالية أو العائلية، وأخيراً الموت الذي يعتبر أكبر عدو لنا – تستلزم جواباً وحده امتلاك الحياة الأبدية قادر على إعطائه: "غايتي أن أعرف المسيح وقوة قيامته والشركة في آلامه؛ والتشبه به في موته، على رجاء القيامة من بين الأموات!" (فيل 3: 10، 11).

هذه الهبة تعطى لنا خلال عمادنا. والحوار الذي ينشأ خلال الطقس يشير في الواقع إلى هبة "الإيمان" وإلى وعد "الحياة الأبدية". وسر العماد يعني ويحقق هذه الهبة في الوقت عينه: "هذه الحياة نقلت لنا يوم عمادنا عندما أصبحنا مشاركين في موت المسيح وقيامته"، كما يكتب الأب الأقدس في رسالته. إن كلمة العماد المشتقة من اليونانية " báptizein" تعني انغماس أو غوص من يسميه القديس بولس "الإنسان العتيق" (كول 3، 9) أو "الإنسان الذي يعيش بحسب الجسد"، في مياه المعمودية. إنه إنسان لا يعيش إلا لذاته، منفصلاً بكبرياء عن الخالق ومغلقاً عينيه بأنانية أمام محنة قريبه. هذا ليس فقط وصفاً لاهوتياً: فكل واحد منا يستطيع أن يميز فوراً في ذاته هذا "الإنسان القديم" لأننا نختبر التأثيرات المباشرة لهذه الطبيعة الفاسدة فينا، والتي تختصر في الخطايا المميتة السبع: الغضب، الجشع، الكسل، الكبرياء، الفجور، الغيرة والشراهة.

العماد هو "اللقاء مع المسيح"، حسبما يكتب الأب الأقدس في رسالته. وهو يطهرنا من الخطيئة الأصلية التي ينقلها أهلنا، ومن جميع الخطايا الناتجة عنها. كما يعطينا طبيعة جديدة من خلال نقل روح يسوع المسيح لنا. هذا "الإنسان الجديد" يعيش وفقاً للمشاعر عينها التي كانت تنعش المسيح، بفضل "الحياة الأبدية" التي يتلقاها في الروح القدس. ويضع لنا القديس بولس قائمة ثمار روح الله الساكن فينا: "المحبة والفرح والسلام، والحِلم واللطف والصلاح، والأمانة والوداعة وضبط النفس" (غل 5، 22). ففي صميم كل إنسان – معمد أو غير معمد – ترقد هذه الرغبة في نيل هذه الثمار والعيش منها. هذه الحياة هي وحدها قادرة على أن تكون علاجاً مستداماً لجميع الآلام أكانت شخصية أم عامة.

الطبيعة الجديدة التي ننالها في العماد هي مصدر أعمال المحبة التي تنجز من باب محبة الله والقريب، هذه المحبة التي هي الوصية الأولى والأعظم في الشريعة الجديدة، والتي تلخص الإنجيل كله (مت 22: 34، 40). كما أن الصوم والصدقة والصلاة هي وسائل تساعدنا على إماتة طبيعتنا القديمة وتفتح قلبنا على الله وعلى إخوتنا وأخواتنا المحتاجين.

الإيمان الذي يحمل الوعد بالحياة الأبدية الذي نناله عند العماد، لا بد من تنميته على الدوام (تعليم الكنيسة الكاثوليكية، رقم 1254). لهذا الصوم، يقترح علينا الأب الأقدس مساراً أو "خارطة طريق" لمساعدتنا. وهناك ثلاثة عناصر من المفيد اقتراحها على جماعات رعوية أو هيئات أخرى، كمدارس كاثوليكية وجامعات أو على أفراد.

أولاً، وطوال آحاد الصوم الخمسة، يعطينا الأب الأقدس مواعيد ملموسة مع أشخاص وأحداث محددة. يضعنا أمام كلمة الله المعلنة في هذه الآحاد، متمنياً بذلك أن نلتقي شخصياً بالمسيح، الملبي لأعمق رغبات الإنسان والعالم أجمع. هذا اللقاء يحدث في الوقت الذي نمضيه فردياً أو جماعياً في البحث في مقاطع الكتاب المقدس، مما يسمح لنا خلال الأربعين يوماً بالإصغاء والتأمل والعمل بحسب مشيئة الله.

ثانياً، يظهر اللقاء مع المسيح، في كلمته وأسراره، بأعمال رحمة ملموسة. هنا أيضاً، ستتمكن رعايانا وجماعاتنا وهيئاتنا التربوية والمؤسسات الأخرى، وسنتمكن جميعاً في هذا الزمن المناسب وبمعونة نعمة الله من تبديل قلوبنا بالتخلي عن حياتنا الأنانية للنظر إلى الله والقريب المحتاج. إنه الاندفاع عينه الذي يميز حملات الصوم التي تنظمها المجالس الأسقفية أو هيئات أخرى.

ثالثاً، يقدم لنا الأب الأقدس زمن الصوم كدرب، كرحلة نقوم بها، كزمن يؤتي فيه ما زُرع في العماد ثماراً. ويقول أن العماد يعكس الحياة الكاملة لكل إنسان، التي يتم عيشها بين قيامة المسيح والقيامة الذاتية. هذا العرض السامي للشركة مع الله في الأبدية يعطي شكلاً لحياتنا الحالية الاجتماعية والفردية. وتدلنا هذه النقطة الثالثة على ضرورة تشجيع سلوك هذا المسار، بمعونة النعمة، وبخاصة من خلال الاقتراب الدائم من سري المصالحة والافخارستيا.

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2011