الكاردينال أنطونيوس نجيب، بطريرك الأقباط الكاثوليك، يتحدث عن الأوضاع في مصر

موقع "حزب الوفد" الإلكتروني- حاورته مريم توفيق

 

يرفض وبشدة إنشاء وزارة للأديان، مدافعاً عن وجهة نظره بأن مصر أكبر من هذا المفهوم الضيق، أو كما قال: "لسنا دولة شيوعية، ولا محرومين من الحرية الدينية ولا نريد أن نكون كالمسيحيين في الصين وفيتنام الشمالية" وبحكم موقعه كبطريرك الأقباط الكاثوليك أكد الكاردينال انطونيوس نجيب أن النظام السابق الذي أسقطته ثورة 25 يناير هو المسؤول الأول عما شهدته مصر من تطرف، فجميع الحوادث الطائفية عولجت بنظام "الخنق" وليس الاستئصال من الجذور "فضلا عن عدم المساواة في بعض الأمور التي تتعلق بالخدمات، فالكنائس على سبيل المثال لا تتقاضى أي مساعدة من الدولة وتعيش على العطايا، فيما تدفع المدارس المسيحية 1٪ من عائدها للتربية والتعليم.

 

وبينما يرى الكاردينال انطونيوس نجيب انضمام رفيق حبيب إلى حزب الإخوان المسلمين حرية شخصية ولا يمثل الكنيسة والمسيحيين، يعتبر السلفيين متطرفين وصدموا الجميع بإعلانهم عن رؤيتهم المتشددة في التعامل مع المسيحيين، ورغم أن بطريرك الأقباط الكاثوليك لا يعترض على انضمام أي مسيحي لأي حزب إلا انه لا يوافق على ظهور حزب له صفة دينية مشيراً إلى أن النظام السابق استخدم عمليات الأسلمة والتنصير لإثارة الفتنة الطائفية.

 

ومثلما حذر من الأجندة الخارجية التي تستهدف أمن مصر واستقرارها وتسعى إلى تخريب البلد تنبه أيضاً إلى خطورة من يساعد أصحاب هذه الأجندات ويمد يده لهم في الداخل، مطالباً الإعلام بدور أكثر فاعلية في التوعية والحفاظ على المكتسبات السياسية والاجتماعية لثورة 25 يناير.. والى الحوار:

 

ثورة يناير العظيمة التي أطاحت برموز الفساد برأيك هل أتت ثمارها؟

 

هذه الثورة كانت مفاجأة مذهلة للعالم الخارجي ولم نكن نتصور أن تتحقق في زمن قياسي، ورغم وجود ضحايا إلا أنها ثورة سلمية حققت بعض الأهداف الأساسية، ووضعت نهاية لنظام كان له بعض الانجازات لكنه مثقل بالسلبيات لأنه كان قائماً على الرئاسة الديكتاتورية والنظام البوليسي، والتحقيقات الجارية أثبتت كم الفساد الذي تفشى وكيف كان منظماً من القمة إلى القاعدة وهناك أهداف أخرى في سبيلها إلى التحقيق وهذا يتوقف على مسيرة القوى الفاعلة والعاملة في مصر، بمعنى أنه إذا كانت هذه القوى تسعي بكل جدية إلى تحقيق العدالة والديمقراطية والمساواة والكرامة الإنسانية نكون حققنا الأهداف وهذا لا يتم بين يوم وليلة، والمسيرة حالياً يوجد بها أقطاب متضاربة، نأمل أن تتلاحم من أجل تحقيق الأهداف النبيلة التي انطلقت منها الثورة لتحقيق السلام والأمان والعدالة لكل أبناء مصر وهذا يتوقف أيضاً على تكاتف كل القوى والنظر إلى مصلحة الوطن أولاً وليس المصلحة الفئوية والطائفية.

 

المادة الثانية من الدستور التي تقرر "أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للقوانين" تثير قلق بعض الأقباط، ويرى البعض أنها بحاجة إلى تكملة.. فكيف ترى هذه التكملة؟

 

إذا تكلمنا عن الرؤية الأساسية أن المجتمع المدني المقام على أسس الديمقراطية والمساواة والمواطنة الكاملة نستطيع أن نقول إن المادة الثانية لا مكان لها، وإذا نظرنا إلى هذه المادة على أساس التفسير الذي تعطيه القوى الإسلامية العاملة سياسياً حالياً والذي يقول نحن من أجل المجتمع المدني أي لا يخضع لرئاسة دينية كما هو في إيران نظام الملاة، ولكن الإضافة إلى تقال دائماً "بمرجعية دينية" وهذه المرجعية وهي الشريعة أضاعت الجزء الأول لأن المرجعية الدينية ستحكم الدستور والبرلمان فالنتيجة أننا سنعود إلى نفس المفهوم، المشكلة من هم الرجال الذين يحكمون هل هم رجال دين أم غير رجال دين؟ المعيار هو بماذا يحكمون أما من هم الذين يحكمون فلا تفرق المهم الحكم على أساس المواطنة الكاملة ولذلك فإن مجتمعا مدنيا بمرجعية دينية أراه تناقضا لا يمكن أن يتفق سوياً.

 

أصبح الإعلان عن قانون دور العبادة "قاب قوسين أو أدنى" وما يرمي إليه هذا القانون يشغل فكر المسلمين.. فكيف ترون هذا القانون؟

 

هذا القانون كنا نتطلع إليه كسبيل إلى تيسير دور العبادة للمسيحيين وحالياً أثيرت بعض المخاوف من هذا القانون، وأهمها التدخل في إداريات وماليات وأنظمة الكنائس أو الجمعيات المسيحية فهذا القانون ينظم بناء الكنائس والأماكن التابعة للجهات الدينية المسيحية بحيث تبنى على المواطنة بمعنى شروط تنطبق على المباني أياً كان تخصيصها لخدمة دينية أو اجتماعية، إذا كان الاعتبار الديني له حسابات أخرى لدى المسؤولين تكون اعتبارات فنية وليست طائفية، بمعنى أن يكون المبدأ هو توفير أماكن للعبادة والخدمات الدينية بمقدار ما تحتاجه الطائفة المسيحية التي تتقدم بهذا الطلب، أما القانون الذي يعود بالاعتبارات الأمنية والطائفية والموجودون بالمكان يقبلون أو يرفضون كما حدث بكنيسة عين شمس، سنعود إلى ما كنا عليه كما أن التدخل في الأمور الإدارية والمالية لا أظن ستكون لتحسين الوضع بل على العكس ستزيد الوضع تعقيداً.. ونحن ننتظر القانون قبل إقراره ليعرض على الكنسيين فإذا كان هناك اعتراض بدون شك سنقدم الاقتراحات التي توفر للجهات المسؤولة الشروط الضرورية من الناحية الفنية والإدارية المدنية ومن ناحية أخرى توفر حرية الخدمات للجهات الدينية.

 

هناك من يقترح إنشاء وزارة للديانات في مصر يكون لها الإشراف على الأوقاف المسيحية والأوقاف الإسلامية ومعنى الإشراف أن تكون الأوقاف مسؤولة عما يقوله الدعاة والوعاظ ومراقبتهم ومراجعة مصادر التمويل والتفتيش على المكان بالمساواة بين الفريقين كيف ترى ذلك؟

 

في الحقيقة لا أؤيد وزارة للأديان، أمثال هذه الوزارات كانت موجودة في الدولة الشيوعية ومازالت في الدول التي لا تتوفر فيها الحريات الدينية، وعادة تكون مواقفها التضييق على بعض الطوائف الدينية هذا الوضع قائم في الصين، وفيتنام الشمالية ويسبب فعلياً اضطهاداً للكنائس المسيحية.

 

إذا كنت ترى أن هذا يتضمن خلطاً بين ما لقيصر وما لله فكيف يمكن أن نحقق الأهداف ذاتها دون تدخل؟

 

لا يمكن أن ننكر أن الأجواء السابقة والحالية أنتجت رد فعل يميل إلى التطرف من كل الجوانب، ولدي ملاحظة أن الكنائس المسيحية لا تتلقي أي مساعدة من الدولة وبالتالي لا تدخل في إطار الأنظمة الإدارية الوزارية للدولة، بينما الأوقاف الإسلامية هي وزارة لها ميزانيتها وموظفيها ولها الأبنية الخاصة بها فلا يجب أن نساوي بين الاثنين، نحن نعيش على العطايا والمدارس لا تتلقى أي أموال من الدولة، بل على العكس تدفع المدارس من عائدها 1٪ للتربية والتعليم كل المباني لدينا لا تقام من وزارة الأوقاف وكل رجال الدين والقائمين بالخدمة لا تمولهم الدولة.

 

هل ترى أن حادث قرية صول عولج بطريقة صحيحة من الدولة والكنيسة؟

 

جميع الحوادث تعالج بأسلوب النظام السابق وبالتالي ليست معالجة ولن أقول تسكين، بل خنق للحالة دون وصول إلى وضع يعالج جذور هذه الأحداث، وهذا رأي معظم الكتاب ممن قرأت لهم.

 

قبل أن نفيق من حادث صول انفجر الوضع في إمبابة فهل ما حدث نتيجة متوقعة لقصور معالجة حادث "صول" أم أن لكل حادث حديثاً؟

 

الواقع كما هو فطالما لا يوجد إجراء جذري يضع حداً لمثل هذه الحوادث وطالما لا يتخذ إجراء حاسم لمحاسبة ومجازاة من يقومون بهذه الأحداث فنحن عرضة لتكرارها.

 

المهندس نجيب ساويرس مقبول ومحبوب وطنيا لم يعهد فيه تطرف ولكنه أنشأ حزب "المصريين الأحرار" لم يعلن نفسه رئيساً له فما رأيكم أن يكون شخص مسيحي مؤسساً ورئيساً لحزب؟

 

الرؤية المسيحية للخدمة السياسية هي تكوين المسيحيين على معايير المجتمع السليم والصحيح والبناء، ثم تكليف كل واحد باختيار التوجه للعمل السياسي الذي يراه أفضل والكنيسة لا تطلب من أبنائها الانضمام لحزب فهي تقول هذه المعايير وانتم تختارون ما يتفق مع تلك المعايير ونحن لا نوافق على تكوين حزب له صفة دينية، لا مانع أن يكون أي مسيحي حزبياً بشرط ألا يكون الحزب طائفياً بل مفتوح للجميع مسيحيين ومسلمين.. فجميع الكنائس في مصر اتفقت على عدم تأييد إنشاء حزب مسيحي له صفة دينية.

 

بالمقابل اختار الحزب المقترح لجماعة الإخوان المسلمين نائبا لرئيس حزب "الحرية والعدالة" شخصاً مسيحيا هل ترى أن هذا الاختيار يعبر عن جدية في التحام القوي الوطنية أم أنها حركة مظهرية للدعاية وتهدئة المخاوف؟

 

الجواب لديهم إنما بالنسبة للدكتور رفيق حبيب فهو يمثل نفسه وهذا موقفه ورأيه الشخصي، ولا نستطيع أن نأخذه معياراً للتعامل بين الكنائس والجماعات الإسلامية وانضمامه حرية شخصية لكنه بكل تأكيد لا يمثل الكنيسة والمسيحيين وبالتالي لا يمكن الاستناد إليه لإعلان أي موقف من الكنائس ككل.

 

قفز على السطح في الحياة السياسية المصرية جماعة السلفيين كيف تنظر لتوقيت ظهورهم؟ وكيف تقيس توجههم المستقبلي من خلال تصاعد المد الديني في مصر؟

 

لم نكن نسمع عنهم، لكن قرأنا في الصحف أن النظام السابق كان يستخدمهم بدون إعلان عنهم لضرب فئات أخرى وعموما سواء هو أم جماعات دينية جديدة فهم يشكلون التوجهات الإسلامية المتطرفة وقد أعلنوا بوضوح منذ البداية رؤيتهم في التعامل مع المسيحيين وكانت إعلانات صادمة حتى بالنسبة للمسلمين أنفسهم.

 

من المعروف حساسية الشرقيين تجاه المرأة وكل ما يتعلق بها ديناً ودنيا وهذا التصور يلقي بظلاله على ما يحيط من عوامل إثارة لمسيحيات أسلمن أو مسلمات تنصرن والأسماء معروفة ورد الفعل عنيف كيف نفهم المشكلة؟ وماذا تقترح للحد من أثرها السلبي؟

 

المشكلة ليست تكرار هذه الحوادث ولكن استخدام هذه الحوادث لإثارة الفتنة الطائفية، ثم يقال إن هناك أيادي خارجية، ومبارك ونظامه والآن تخلصنا من هذا النظام وحتى نكون واقعيين ولا نخفي الحقيقة فإن قادة الجماعات المتطرفة الموجودة في الداخل يستغلون الأحداث لإشعال النار ورأينا آلافاً تتجمع في المصادمات وهم أصلاً ضحايا لقيادات يجب أن يتخذ تجاهها موقف حاسم، لا ننكر أن هناك أجندات خارجية من جهات متعددة، تهدف إلى التخريب وهدم الواقع الجميل، لكن هناك من يساعد في الداخل وأيضاً يمد يده لهذه الأجندات.

 

والحل في وقفة حاسمة مع المسؤولين عن هذه الأحداث، أما الجناة فيجب اتخاذ موقف قضائي رادع، والمصالحات يجب أن تنتهي وأيضاً التوعية من القيادات الدينية، وأرى أن الإعلام مقصر جداً في هذه الناحية.

 

كما يتأثر الإنسان بموروثه يتأثر بثقافته ونحن الآن على أبواب مرحلة لتجديد المنهج التربوي في المدارس فالمبادئ والمواد التي تقترح إضافتها إلى أساليب التعليم الراهنة لكي نصل إلى مواطن معتدل؟

 

هناك اعتبارات موضوعية أولاً من الناحية الفنية يكون هناك مستويات ومضمون تعليم قائم على المستوي العلمي الفني الرفيع.. والمضمون الأخلاقي يجب أن يبني على القيم البناءة القائمة على التعارف والصداقة والمشاركة الايجابية والتعاون وقبول الآخر، المساواة بين الجميع، وعدم النظرة الدولية لأحد سواء لشخص أو فئة تدين بدين معين إضافة إلى تقوية الروابط والأطر التي تجمع بين القطاع الواحد في المدرسة أو العمل، وحتى نرتفع بالمستوى الحضاري والإنتاجي في الوطن فهناك ضرورة لرفع المستوي العلمي بما يساير المستوي العلمي والعالمي.. ولخلق الروح الطيبة في الوطن نرفع من المقررات ومن لغة وخطاب المعلم كل ما يمكن أن يخلق كراهية أو رفض أو تعصب، بل على العكس يدرس كل ما يخدم الاعتبارات الايجابية، وأسعدني جداً ما دعا إليه فضيلة شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب من خلال مؤسسة بيت العائلة فهناك لجنة للتعليم لها نفس الأهداف.

 

كيف ترى مستقبل مصر؟

 

المستقبل بين يدي الله بدون شك لكن المستقبل سيصنعه أبناء هذا الوطن، وأنا رغم كل الغيوم الموجودة إنما قلبي ممتلئ بالرجاء والتفاؤل ولدي ثقة كبيرة في حضارة مصر العريقة وفي إرادة أبنائها الذين انطلقوا بالثورة وكل من انضم إليهم، لن يدعوا الأهداف النبيلة تزول والدليل جمعة الغضب الثانية التي أعلنوا فيها عدم التنازل عن الأهداف الأولى رغم التحذيرات التي أعلنت إنما نجحت تماما وبعون الله تعالى ستكون هذه القوى مساندة للقائمين بالعبء الكبير في هذه المرحلة القوات المسلحة والحكومة ليتحقق الحلم الجميل.