عن موقع ابونا
منذ سنتين، توالت على كنائس الشرق أعمال انتخاب قيادات دينية جديدة، ابتدأتها الكنيسة المارونية الكاثوليكية حين قبل البابا استقالة البطريرك نصر الله صفير، عن (91) عاماً الذي قاد الكنيسة المارونية لمدة خمسة وعشرين عاماً، وانتخب مجلس المطارنة الأسقف بشارة الراعي بطريركاً جديداً، عن (71) عاماً. وفي العام الماضي ودّع البابا شنودة الثالث الحياة الأرضية، عن عمر يناهز (89) عاماً وانتخبت الكنيسة الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني، عن (60) عاماً. وبعده بأيام، ودّعت الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية البطريرك هزيم الثالث، عن عمر يناهز (91) عاماً وانتخبت البطريرك الجديد يوحنا العاشر اليازجي، عن (57) عاماً. ومع بداية العام الحالي، قبل البابا استقالة البطريرك أنطونيوس نجيب بطريرك الأقباط الكاثوليك، عن (78) عاماً، وانتخب سينودس الكنيسة الأنبا إبراهيم اسحق بطريركاً جديداً، عن (58) عاماً. وبعدها بأيام قبل البابا استقالة البطريرك الكاردينال عمانوئيل دلي بطريرك الكلدان الكاثوليك، عن (85) عاماً ، واجتمع الأساقفة في الفاتيكان وتم انتخاب المطران لويس ساكو بطريركاً جديداً، عن (65) عاماً. وقبلها بأيام وبعد رحيل البطريرك توركوم الثاني مانوغيان – بطريرك الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية في القدس، عن عمر يناهز (93) انتخب المجلس البطريرك الجديد نورهان مانوغيان، عن (65) عاماً.
وهكذا، وداعات كثيرة وثقيلة في الكنائس المشرقية، واستقالات وانتخابات جديدة تجري دون صراعات داخلية. وأصبح لدينا عدد لا بأس له من البطاركة المتقاعدين الذين لن يبخلوا على كنائسهم بمشورتهم وحكمتهم وروحانيتهم. وبرزت قيادات جديدة، كانت معروفة في السابق، إلا أن وصولها إلى أعلى المراتب الكنسية تضعهم أمام مسؤوليات أكبر وأكثر صعوبة لما تمر به ليس فقط الكنائس والمسيحيون بل وكل سكان المنطقة العربية المأزومة.
اللافت للنظر أن القيادات الجديدة شابة نسبياً وتتراوح أعمارها بين (55-65) وهو سن مناسب للقيادة بحكمة الشيخ ومهارة الرّبان. إلا أن البطاركة الجدد يعرفون وهم متسلحون بالعلم والمعارف والفضيلة، إن قيادة الكنيسة شأنها شأن الإدارات العالمية لا تتم بمهارة شخص مهما كان متسلحاً بالمواهب، بل هي تحتاج إلى فعل جماعي، وإلى العمل بروح الفريق الواحد وإلى إشاعة جو المحبة والثقة المتبادلة ، والى استشارة ذوي المقدرة في كل كنيسة وهذا جزء مّما تسمّيه الكنيسة اليوم "الشركة" داخل الكنيسة.
ومع هذه القيادات الجديدة التي لم تخل كذلك على المستويات العالمية، حين تنازل البابا بندكتس وتم انتخاب البابا فرنسيس، وكذلك في الكنيسة الأنجليكانية، حين استقال رئيس أساقفة كانتربري روان وليامز، وتم انتخاب جاستن ويلبي، نأمل إشاعة الانفتاح بين رؤساء الكنائس، وهو ما يسمّى بالروح "المسكونية"، فالمسيحيون في الشرق إما أن يكونوا متحدين ويسيروا معاً، أو ستقضي عليهم الهجرة وغيرها من التحديات الراهنة التي لا تغيب عن ألسنة وتحليلات وسائل الإعلام. وهنا تبرز الحاجة إلى نفحة جديدة، ونشاط جديد لمجلس كنائس الشرق الأوسط الذي تفاءلنا بأجوائه الجديدة في بداية العام الماضي، إلا أنه عاد إلى السبات والركود.
أما أهم الهموم فهو هم الأمن والاستقرار داخل البلدان التي يخدم فيها "الآباء الجدد" فمن لبنان إلى العراق إلى مصر إلى القدس إلى سوريا، كلها بلدان تشكل عناوين لعدم الاستقرار في المنطقة، فماذا على رجل الدين الرفيع أن يعمل؟ بدون شك لن ينزل إلى ميادين التحرير أو في متاهات السياسة، فلها رجالها وقياديوها، لكنه يشكل صوتاً لا يستغنى عنه في بث روح الأمل وفي العمل على الوحدة الوطنية، وعلى تجنيب الدين الدخول كسبب للعنف والصراع، وعلى الحوار بين أتباع الديانات وبخاصة بين المسلمين والمسيحيين، وعلى التعامل الحكيم مع نمو الحركات الإسلامية وعلى مساعدة المجروحين في نفوسهم وأجسادهم وعلى رفع الصوت عالياً من أجل الكرامة الإنسانية والحرية الدينية.
هنيئاً لكنائس الشرق قياداتها الجديدة، والشرق بانتظار ثمار طيبة ومزيد من الحضور الفاعل والمؤثر لملح الأرض.