بقلم جون الين جونيور – ترجمة سامح المدانات – أبونا
بلغت بابوية فرنسيس للتو حاجز الستة أشهر، وبالتالي فانه من السابق لأوانه التكلم عن مرحلة النجاح أو الفشل في وصايته على البابوية. وبناء عليه، فان قمة الكرادلة الثمانية الكبار (جي-8) القادمين من حول العالم والتي ستعقد من الأول إلى الثالث من شهر تشرين الأول القادم، بإيعاز من قداسة البابا، ليقدموا له المشورة للقيادة والإصلاح، توصف بإمكانية كونها نقطة تحول عالية الأهمية.
عندما يجلس هؤلاء الأساقفة الثمانية، بالإضافة إلى أسقف سكرتير في غرفة اجتماع مع قداسة البابا فرنسيس في القصر الرسولي، فمن المتوقع أن يتم الخوض في مجموعة من القضايا المتفرقة والمهمة:
– ترتيب البيت الداخلي المستمر في الفاتيكان.
– إعادة تنظيم واحتمال تقليص حجم البيروقراطية في الفاتيكان.
– التأكد من وضع الأشخاص المناسبين في الوظائف الكاثوليكية المناسبة.
– بعض المواضيع الشخصية المعقدة مثل بطلان الزواج، الطلاق وإعادة تزويج الكاثوليك.
لقد تم الإعلان عما يسمى: مجموعة الثمانية “جي-8” في شهر نيسان الماضي، ويشار إليها كخطوة كبيرة نحو مشاركة أكبر من قِبَلْ الأساقفة في حكومة الفاتيكان. والأسقف الأمريكي في هذه المجموعة هو الكاردينال “سيان او ماللي” (Sean O’Malley) من بوسطن، وينضم اليه الكرادلة: جوزيبي بيرتيللو، حاكم مدينة الفاتيكان، اوسكار رودريجيز مارادياجا من تيقوسياقالبا – هندوراس، فرنسيسكو خافيير ايرازوريس اوسَّا من سانتياغو – شيلي، اوسوالد غراسياس من مومباي – الهند، رينهارد ماركس من ميونيخ، لورينت مونسينجوو بَسِّينا من كينشاسا – الكونجو، وجورج بيلل من سيدني. ورودريجيز هو الأسقف المنسق المجموعة.
ويبدو أعضاء هذه المجموعة مستعدين جدياً لهذا الأمر. فمؤخراً أخبر الكاردينال او ماللي “ناشيونال كاثوليك ريبورتر” (NCR) في مقابلة، أنه كان يقوم بمقابلة جميع الكرادلة الأمريكيين والكنديين ليحصل على أفكار للتجديد، كما أنه قام بالكتابة إلى جميع أساقفة أمريكا الشمالية في هذا الخصوص. وقد أجرى ايرازوريس حواراً مفتوحاً في شهر أيار المنصرم مع أساقفة أمريكا اللاتينية قبل أن يتوجه إلى روما، بينما قرر رودريجيز أن يتوقف في كويبيك (كندا) لإجراء جولة استمع فيها إلى الأساقفة الكنديين قبيل توجهه إلى روما.
يبدو أيضاً أن بعض الأساقفة على الأقل جادون في موضوع التغيير. ففي مقابلة حديثة في ألمانيا، قال الكاردينال ماركس: “من المهم أن يكون هناك مقر رئيسي في روما يمكن للكاثوليك أن يفتخروا به”. مضيفاً بمهارة “أن هذا لا يعني أنه ليس هذا هو الحال في الوقت الراهن”.
سيقوم أعضاء مجموعة الثمانية بالالتقاء في بيت القديسة مارثا في الفاتيكان لإجراء جلسة تنظيمية قبل أن يجتمعوا بقداسة البابا. ومن المتوقع أن يكون ما يلي من بين النقاط الرئيسية التي ستؤخذ بالاعتبار:
مكانة مجموعة الثمانية (جي -8):
أحد هذه الأمور هو هوية مجموعة الثمانية نفسها ومهمتها. هل هي هيئة دائماً مثلاً، أو مجرد وسيلة مؤقتة لمساعدة فرنسيس للنهوض بعملية الإصلاح؟.
ولو فرضنا جدلاً أن المجموعة ستبقى لمدة طويلة الأمد، فقد يلزم الأمر إلى تبديل العضوية فيها. وقد أشارت بعض الانتقادات إلى أن فرنسيس لم يقم بتعيين أسقف من أي من الكنائس الشرقية الـ22 في الهيئة. وهذا إغفال مزعج لو أخذنا بالاعتبار الحذر المحيط بالعالم بالكاثوليكي بخصوص مصير المسيحيين في مناطق مثل سوريا ومصر.
ويقول بعض المراقبين: إذا كانت الفكرة أن نسمع للكنائس المحلية، فلربما كان من الأفضل أن يتألف المجلس من رؤساء منتخبين في المناطق الإقليمية للأساقفة، مثل المجمع الأسقفي لأمريكا اللاتينية ومجامع اتحاد الأساقفة الآسيويين، خلافاً للكرادلة الذين تم اختيارهم من قبل البابا.
كما تطفو على السطح أسئلة أخرى. مثلاً، هل مجموعة الثمانية محكوم عليها أن تبقى كخزانة مطبخ لا تظهر في أي مكان على اللوائح الهيكلية الرسمية للفاتيكان؟ أم أنها ستصبح دائرة جدية في الحكومة، قد يكون مكانها بين البابا والطبقات الأخرى من السلطة.
وفي هذا الإطار، فقد أخبر أحد كرادلة الهيئة “ناشيونال كاثوليك ريبوتر” (NCR) في منتصف أيلول الجاري، بأنه يتوقع أن يمنح البابا المجموعة (الهيئة) ميثاقاً رسمياً، لكي يكون لها مكانتها الواضحة للعيان التي تخولها الحصول على المعلومات والتعاون من الوكالات والمسؤولين في الفاتيكان. ولكنه سارع إلى التحذير بأن قداسة البابا قد يرغب في رؤية كيفية سير الأمور قبل أن يُسارع إلى وضع المخططات الهيكلية ومهام المجموعة بشكل نهائي.
قد لا يكون البابا فرنسيس مضطرا للإجابة على هذا السؤال فوراً، لأنه مهما كانت النقاط الكنسية دقيقة، فإن الحقيقة السياسية واضحة: أن البابا يأخذ مجموعة الثمانية بكل جدية، وهذا يعني أنّ على جميع من في الفاتيكان أن يحذوا حذوه أيضاً.
الشفافية المالية:
غالباً ما تحسر رؤساء الكنيسة في مناطق العالم الأخرى على مر السنين، ممّا كانوا يرون من تحكم مالي في الفاتيكان ملطخاً بالشوائب وغير فعَّال، ومتمثلاً في فشل المسؤولين بتطبيق نظام تدقيق مالي سنوي موثق ومستقل. ويعتقد معظم المراقبين أن الإصرار على مراقبة خارجية أكثر صرامة ستكون من صلب توصيات مجموعة الثمانية.
ومن المحتمل أن يتعرض معهد الأعمال الدينية، والمعروف للعالم باسم بنك الفاتيكان، لمناقشة طويلة. فقد تساءل بعض أعضاء المجموعة عما إذا كان هناك حاجة فعلية إلى أن يكون لدولة الفاتيكان بنكها الخاص بها.
لكن على النحو الآخر فإن بعض الكرادلة الآخرين يقولون، لو لم يوجد بنك الفاتيكان لقام البابا بإيجاده. ويناقشون قائلين أن الوكالات والإدارات الكاثوليكية تحتاج إلى وسيلة لتحويل مواردهم حول العالم، وخصوصاً في المناطق التي لا يمكن الاعتماد على أنظمتها البنكية أو التي لا يوجد فيها بنوك أصلاً.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد على متن الطائرة في طريق العودة من البرازيل إلى روما، طرح فرنسيس ثلاث نقاط لبنك الفاتيكان: إغلاقه، أو تحويله إلى ادخار استثماري، أو تغيير صبغته واسمه التجاري إلى “البنك الأخلاقي”. وعلى هذا الأساس يقول الكرادلة أعضاء مجموعة الثمانية أن أقرب السيناريوهات المحتملة هي شكل من أشكال البنك الأخلاقي، بمعنى التزام أعمق لأفضل الممارسات العلمانية الشفافة، مسؤولية محاسبية قابلة للتفسير، واستثمار اجتماعي مسؤول.
إعادة الهيكلة:
بقوة عاملة ضخمة في المجلس البابوي الكاثوليكي تبلغ أقل قليلاً من 300 شخص، بالإضافة إلى 1500 أو كذا يعملون لحساب الدولة، فإن الفاتيكان يعتبر بالكاد التمثال الضخم للأسطورة الشعبية. ومع ذلك فإن بعض كرادلة مجموعة الثمانية يعتقدون بأن الوقت قد حان للنظر في تقليص الحجم، مع التركيز بشكل خاص على إلغاء تكرار الجهد في العمل.
ويتساءل بعضهم مثلاً، إذا كان لبعض مستشاري البابا ضرورة أم لا. وإذا كان هدف الدبلوماسية التي تمارسها وزارة الخارجية للدولة نشر العدالة والسلام، مثلا، فلماذا يوجد مكتب استشاري منفصل متفرغ لهذا الغرض؟ وقد تم طرح فكرة التوحيد في حالات أُخَرْ، مثل دمج المجلس الاستشاري للعدالة والسلام، العناية البابوية بالمهاجرين والمتنقلين، مع مكتب مساعدة الفقراء “Cor Unum” في إدارة أو وكالة واحدة.
إن مثل هذه الخطوات صعبة ودقيقة، وغير سارة لأنها قد تعني أن بعض العاملين في دولة الفاتيكان لسنين طويلة سوف يجدون أنفسهم بدون عمل. وسياسياً، قد يُقرأ التقليص في الحجم في مكتب ما على أنه تراجع في الأمر. وفي عام 2006، حاول قداسة البابا بندكتس السادس عشر أن يدمج مكتب الحوار بين الأديان مع المجلس الثقافي، فوجد نفسه بعد سنة مضطراً لعكس نفسه بعد أن انتشرت الانتقادات بأنه يقلل من التزام الكنيسة بالعلاقات الخاصة بالأديان.
وعلى هذه الخلفية أيضاً، فقد أخبر أحد كرادلة مجموعة الثمانية أن المجموعة ستضطر لإلقاء نظرة على راديو الفاتيكان، وهو أكبر مركز توظيف في الفاتيكان حيث يزيد عدد موظفيه على 400 شخص. ولأنه لا يقبل الإعلانات التجارية وحيث أنه يبث بحوالي 40 لغة، فهو عامل استنزاف متواصل للموارد، وقد اقترح الكاردينال أن هناك حاجة إلى إجراء دراسة للسوق لتحديد فعالية البرنامج حقيقة.
ومن المتوقع أن يتناقش الكرادلة ليوجدوا على الأقل بيروقراطية جديدة – “مجلس بابوي معتدل” مصمم لينسق نشاطات سائر الإدارات المختلفة باسم البابا. وبينما يتحمس بعضهم للفكرة، والتي جاء بها أصلاً الكاردينال الايطالي فرنشيسكو كوكوبالميريو، رئيس المجلس الحبري للنصوص التشريعية، فإن البعض الآخر يخشون من خطر إيجاد نائب للبابا ذي صلاحية مفرطة.
الزواج:
رغم أنه من المتوقع أن تستحوذ العمليات الداخلية للفاتيكان على معظم اهتمام مجموعة الثمانية، وخصوصاً في مراحلها الأولى، إلا أن فرنسيس قد طلب أن يؤخذ بالاعتبار الممارسة الرسولية للكنيسة، وهو الجانب الذي كان دوماً حساساً: الظروف التي يمكن في نطاقها إعلان بطلان الزواج، وإمكانية إعطاء الأسرار المقدسة: وخصوصاً المناولة للذين يتزوجون وهم مطلقون دون الحصول على بطلان زواج.
ويقول معظم المشاركين انه من غير المعقول توقع التوصل إلى حلٍّ سريع للمواضيع ذات الأولوية. والأمر التمهيدي هو ما هي الطريقة المُثلى لمعالجة هذا الموضوع، وهل على مجموعة الثمانية نفسها أن تتعامل معه، مثلاً، أو أن يُعيَّن مجلس خاص يتفرغ لهذا الموضوع، أو أن تقوم إحدى وكالات أو دوائر الفاتيكان المختلفة بتكليف من يلزم للقيام بدراسة حول هذا الموضوع.
وقد قال فرنسيس، خلال المؤتمر الصحفي على الطائرة البابوية، أنه أراد دراسة أعمق في المعالجة الرسولية لموضوع الزواج من قِبَلْ الكنيسة، كما قال أنه يرغب في “إعادة النظر” في المواضيع القانونية التي تحيط بموضوع بطلان الزواج. كما أشار إلى أنه سيكون منفتحاً للممارسات الأصلية التي تسمح للمؤمنين الذين يعيشون زواجاً ثانياً بقبول الأسرار المقدسة، والمشاركة بشكل كامل في حياة الكنيسة.
وقد تم إعلام الكرادلة المشاركين في مجموعة الثمانية أن قداسة البابا ينوي أن يكون معهم في كل مداولاتهم تقريباً، لكي يتسنى لهم الاطلاع بشكل واضح وإدراك ما يدور في خلد فرنسيس بالضبط.
وقد طُلِبَ من الكرادلة الثمانية أن يقوموا، في الرابع من تشرين الأول، أي في عيد مار فرنسيس، أي بعد يوم من انتهاء أعمال القمة، بمرافقة فرنسيس في زيارة، ليوم واحد، إلى مدينة أسيزي الايطالية الشهيرة، حيث يزور الحبر الأعظم عدة أماكن متعلقة بتاريخ القديس فرنسيس، بالإضافة إلى زيارة مركزاً لعلاج الأطفال المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.