اليوم الثالث من صوم يونان: ندم الله

اليوم الثالث من صوم يونان: ندم الله

اليوم الثالث من صوم يونان

تأمل في قراءات الأربعاء 12 فبراير2014 الموافق الثامن عشر من شهر أمشير1730

الأب/ بولس جرس

السنكسار

نياحة القديس ميلاتيوس المعترف بطريرك انطاكية

في مثل هذا اليوم من سنة 381 م تنيح القديس ميلاتيوس المعترف بطريرك إنطاكية . وقد رسم سنة 357 م أسقفا علي سبسطية ولخشونة شعبها تركها وانفرد قرب مدينة حلب بالشام ، وفي سنة 360 م انتخبوه بطريركا علي إنطاكية في ايام قسطنديوس بن قسطنطين الكبير . كان رجلا فاضلا عالما وديعا محبوبا من الجميع . فلما دخل مدينة إنطاكية ظل ثلاثين يوما وهو يقاوم الأريوسيين ويبعدهم عن الكنائس . فلما سمع الملك بذلك نفاه في نفس السنة التي ارتقي فيها البطريركية ، فاجتمع عظماء إنطاكية والأساقفة والكهنة وكتبوا للملك يطلبون رجوع القديس ، فأعاده إليهم حياء منهم ، ولكنه لما عاد سنة 362 م لم يكف عن مقاومة الأريوسيين ، وحرمهم وكل من يقول بقولهم مبينا لهم أخطاءهم وموضحا لهم بتجديفهم ، معلنا وكارزا ومثبتا إن الابن من جوهر الآب مساو له في الجوهر والربوبية . فعاد أشياع اريوس ووشوا به لدي الملك فنفاه مرة ثانية إلى بلاد ابعد من التي نفي إليها أولا . وعند وصوله إلى منفاه سمع به الأساقفة والأباء المنفيون من مختلف البلدان ، فاجتمعوا به وأقاموا معا . أما هو فلم يفتر عن التعليم وتفسير معاني الكتب الغامضة . وكانت رسائله تصل إلى رعيته مع بعد المسافة مثبتا فيها ذكر الثالوث الأقدس ، وكارزا بإيمان مجمع نيقية ، داحضا تعاليم اريوس. وقد أقام في المنفي سنين كثيرة ثم عاد إلى إنطاكية سنة 378 م وشهد مجمع القسطنطينية المسكوني سنة 381 م ثم تنيح بسلام . وقد مدحه القديس يوحنا ذهبي الفم في يوم عيده ، مبينا عظم مقداره ، وانه ليس اقل من الرسل نظرا لما ناله من النفي والإهانة من اجل الإيمان المستقيم . صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائما أبديا امين.

نص الإنجيل

“وأما يسوع فدعا تلاميذه وقال : إني أشفق على الجمع ، لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون . ولست أريد أن أصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق فقال له تلاميذه : من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار ، حتى يشبع جمعا هذا عدده فقال لهم يسوع : كم عندكم من الخبز ؟ فقالوا : سبعة وقليل من صغار السمك فأمر الجموع أن يتكئوا على الأرض وأخذ السبع خبزات والسمك ، وشكر وكسر وأعطى تلاميذه ، والتلاميذ أعطوا الجمع فأكل الجميع وشبعوا . ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة والآكلون كانوا أربعة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد ثم صرف الجموع وصعد إلى السفينة وجاء إلى تخوم مجدل وجاء إليه الفريسيون والصدوقيون ليجربوه ، فسألوه أن يريهم آية من السماء  فأجاب وقال لهم : إذا كان المساء قلتم : صحو لأن السماء محمرة  وفي الصباح : اليوم شتاء لأن السماء محمرة بعبوسة . يا مراؤون تعرفون أن تميزوا وجه السماء ، وأما علامات الأزمنة فلا تستطيعون جيل شرير فاسق يلتمس آية ، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي . ثم تركهم ومضى  (متى 15 : 32 – 16 : 4)

الفصل الثالث من سفر يونان النبي

ندم الله

ثُمَّ صارَ قَوْلُ الرَّبِّ إلَى يونانَ ثانيَةً قائلاً: “قُمِ اذهَبْ إلَى نينَوَى المدينةِ العظيمَةِ، ونادِ لها المُناداةَ التي أنا مُكلِّمُكَ بها”.فقامَ يونانُ وذَهَبَ إلَى نينَوَى بحَسَبِ قَوْلِ الرَّبِّ. أمّا نينَوَى فكانَتْ مدينةً عظيمَةً للهِ مَسيرَةَ ثَلاثَةِ أيّامٍ. فابتَدأَ يونانُ يَدخُلُ المدينةَ مَسيرَةَ يومٍ واحِدٍ، ونادَى وقالَ:”بَعدَ أربَعينَ يومًا تنقَلِبُ نينَوَى”.فآمَنَ أهلُ نينَوَى باللهِ ونادَوْا بصَوْمٍ ولَبِسوا مُسوحًا مِنْ كبيرِهِمْ إلَى صَغيرِهِمْ.وبَلَغَ الأمرُ مَلِكَ نينَوَى، فقامَ عن كُرسيِّهِ وخَلَعَ رِداءَهُ عنهُ، وتغَطَّى بمِسحٍ وجَلَسَ علَى الرَّمادِ. ونوديَ وقيلَ في نينَوَى عن أمرِ المَلِكِ وعُظَمائهِ قائلاً:”لا تذُقِ الناسُ ولا البَهائمُ ولا البَقَرُ ولا الغَنَمُ شَيئًا. لا ترعَ ولا تشرَبْ ماءً. وليتغَطَّ بمُسوحٍ الناسُ والبَهائمُ، ويَصرُخوا إلَى اللهِ بشِدَّةٍ، ويَرجِعوا كُلُّ واحِدٍ عن طريقِهِ الرَّديئَةِ وعَنِ الظُّلمِ الذي في أيديهِمْ، لَعَلَّ اللهَ يَعودُ ويَندَمُ ويَرجِعُ عن حُموِّ غَضَبِهِ فلا نَهلِكَ”.فلَمّا رأَى اللهُ أعمالهُمْ أنهُم رَجَعوا عن طريقِهِمِ الرَّديئَةِ، نَدِمَ اللهُ علَى الشَّرِّ الذي تكلَّمَ أنْ يَصنَعَهُ بهِمْ، فلم يَصنَعهُ”.

نص التأمل

 ندامة الله

  1. فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه

          (يونان10:3)

  1. فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه  (خروج 32: 14)
  2. وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها فندم الرب عن الشر وقال للملاك المهلك الشعب كفى! الآن رد يدك وكان ملاك الرب عند بيدر أرونة اليبوسي (2 صموئيل         24: 16)
  3. فالآن أصلحوا طرقكم وأعمالكم واسمعوا لصوت الرب إلهكم فيندم الرب عن الشر الذي تكلم به عليكم (إرميا26: 13)
  4. هل قتلا  قتله حزقيا ملك يهوذا وكل يهوذا؟ ألم يخف الرب وطلب وجه الرب فندم الرب عن الشر الذي تكلم به عليهم (إرميا26: 19)
  5. فندم الرب على هذا لا يكون قال الرب (عاموس 7: 3)   “ضرب شعب إسرائيل بالجراد وشفاعة إرميا”
  6. فندم السيد الرب على ذلك وقال: “هذا أيضا لا يكون ” (عاموس 7: 6). “ضرب شعب إسرائيل بالنار”

سبع مرات في الكتاب المقدس تتكرر كلمة ندم الرب  ويتساءل البعض في استنكار يصل إلى التشكيك في صحة الكتاب المقدي ذاته: وهل يندم الرب؟

لتعريف معنى الندم أو الندامة نرى: أن الندامة في المفهوم الديني هي “التوبة عن الشر والرجوع عنه والقصد الثابت بعدم العودة إليه” فهل صنع الرب شراً  ؟ نلاحظ في النصوص السبع ان الرب الإله كان ينتوي ان يسحق ويدمر ويعاقب بل أن يبيد… كما اعتقد ان هناك نص ثامن في قصة نوح والطوفان : ” وندم الله لأنه صنع الإنسان”  كلها تعني الندامة لا عن شر فعله بل عن عقاب كاد ان ينزله وقرار كاد أن يتخذه وتلك الندامة الجميلة تُعلى من قدر الله وتبين مكامن قلبه والندامة في نص اليوم خير دليل على ذلك:” فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه “

حقا لقد كانت الخطايا بشعة وشنيعة تغضب الرب لدرجة اللجوء إلى القوة في محوها لكن الرجوع والتوبة عندالرب وامامه أمر لا يقاوم  لا يستطيع قلبه أن يعاقب ابنا يعود إليه تائبا نادما طالبا الغفران، فما بالك بأهل نينوى الذين بمجرد مرور هذا الغريب المتعجرف بشوارع مدينتهم الواسعة الممتدة لمسيرة ثلاثة أيام  وليوم واحد فقط سار فيها يونان منذرا أهلها ومحذراًشعبها بكلمات تعد على أصابع اليد الواحدة: “بعد أربعين يوما تهلك نينوى”

–        فآمَنَ أهلُ نينَوَى باللهِ: مع أن الرسالة هي تهديد واضح وليس فيها أي تعاطف ولا حتى نافذة للرجاء

–        ونادَوْا بصَوْمٍ: الصوم هو إنقطاع عن ملذات الحياة وشمل الإنسان والحيوان والطعام والشرَابْ.

–         ولَبِسوا مُسوحًا: مالمسوح هي ثياب الحداد والفقر والتوبة والحزن والندامة وقد لبسوها جميعا من الملك حتى الطفل الرضيع “مِنْ كبيرِهِمْ إلَى صَغيرِهِمْ”.

–        وبَلَغَ الأمرُ مَلِكَ نينَوَى، فقامَ عن كُرسيِّهِ وخَلَعَ رِداءَهُ عنهُ، وتغَطَّى بمِسحٍ وجَلَسَ علَى الرَّمادِ: ها هو الملك الجبار ينزل عن عرشه ويخلع صولجان ملكة وينزع عنه ثياب جبروته ويجلس على الرمادليحترق كبده وتدمع عيناه حزنا ومدما على خطاياه.

–        ويَصرُخوا إلَى اللهِ بشِدَّةٍ: توسل يونان وصرخ بشدة من قاع البحر وبطن الحوت وجوف الهاوية فسمع الرب صلاته وقبل توبته وأمر الحوت فقذفه ونجى حياته من الهاوية…بعد ان كان يهم بمعاقبته… فلماذا لا يتحنن ويغفر لماذا لا يندم ويغيير خططه في إهلاك شعبها الذي يصرخ صائما ويجلس على الرماد تائباً..

–         ويَرجِعوا كُلُّ واحِدٍ عن طريقِهِ الرَّديئَةِ وعَنِ الظُّلمِ الذي في أيديهِمْ: وهذا اهم ما في الأمر التوبة تعني الرجوع عن طريق الرزيلة وترك السبل الرديئة والتوقف عن العسف والجور والظلم….

وكأننا بخطايانا نكاد نخرجك عن طبعك… حقا يا رب أنت أب قبل أن تكون إلها، ورحيم قبل أن تكون عادلا، وغفور قبل ان تكون ديانا، ورفيق حين تسمع صراخ بنيك وحنون حين ترى توبتهم…

لك أن تندم أيها الإله فأنت القلب الذي يشعر ببؤس وألم وضياع بنيه فيشفق ويرحم ويتحنن