لا تجرب الرب إلهك: تأمل الأربعاء 12 مارس

لا تجرب الرب إلهك: تأمل الأربعاء 12 مارس

“لا تُجَرِّبِ الرَّبَّ إلَهَكَ”

تأمل في قراءات الأربعاء الموافق الثاني عشر من مارس 2014 والسادس عشر  شهر برمهات1730

الأب/ بولس جرس

نص الإنجيل

“أمّا يَسوعُ فرَجَعَ مِنَ الأُردُنِّ مُمتَلِئًا مِنَ الرّوحِ القُدُسِ، وكانَ يُقتادُ بالرّوحِ في البَرِّيَّةِ أربَعينَ يومًا يُجَرَّبُ مِنْ إبليسَ. ولم يأكُلْ شَيئًا في تِلكَ الأيّامِ. ولَمّا تمَّتْ جاعَ أخيرًا. وقالَ لهُ إبليسُ:”إنْ كُنتَ ابنَ اللهِ، فقُلْ لهذا الحَجَرِ أنْ يَصيرَ خُبزًا”. فأجابَهُ يَسوعُ قائلاً:”مَكتوبٌ: أنْ ليس بالخُبزِ وحدَهُ يَحيا الإنسانُ، بل بكُلِّ كلِمَةٍ مِنَ اللهِ”. ثُمَّ أصعَدَهُ إبليسُ إلَى جَبَلٍ عالٍ وأراهُ جميعَ مَمالِكِ المَسكونَةِ في لَحظَةٍ مِنَ الزَّمانِ. وقالَ لهُ إبليسُ:”لكَ أُعطي هذا السُّلطانَ كُلَّهُ ومَجدَهُنَّ، لأنَّهُ إلَيَّ قد دُفِعَ، وأنا أُعطيهِ لمَنْ أُريدُ. فإنْ سجَدتَ أمامي يكونُ لكَ الجميعُ”. فأجابَهُ يَسوعُ وقالَ:”اذهَبْ ياشَيطانُ! إنَّهُ مَكتوبٌ: للرَّبِّ إلَهِكَ تسجُدُ وإيّاهُ وحدَهُ تعبُدُ”.ثُمَّ جاءَ بهِ إلَى أورُشَليمَ، وأقامَهُ علَى جَناحِ الهيكلِ وقالَ لهُ:”إنْ كُنتَ ابنَ اللهِ فاطرَحْ نَفسَكَ مِنْ هنا إلَى أسفَلُ، لأنَّهُ مَكتوبٌ: أنَّهُ يوصي مَلائكَتَهُ بكَ لكَيْ يَحفَظوكَ، وأنَّهُمْ علَى أياديهِمْ يَحمِلونَكَ لكَيْ لا تصدِمَ بحَجَرٍ رِجلكَ”. فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُ:”إنَّهُ قيلَ: لا تُجَرِّبِ الرَّبَّ إلَهَكَ”. ولَمّا أكمَلَ إبليسُ كُلَّ تجرِبَةٍ فارَقَهُ إلَى حينٍ.(لوقا 4 :1-12)

نص التأمل

استغرب دوما كيف يطلب الشيطان من المعلم وهو يعرف قدرة حق معرفة، ان يسجد له؟

وهل كان يتوقع بالفعل ان ينجح في إقناعه بالخضوع الكامل لدرجة السجود؟

وهل لهذه الدرجة الشنعاء هو غافل إلى من يتحدث؟

في تأمل الأحد الماضي عن نفس النص شاهدنا فشل الشيطان الذريع في التعامل مع المعلم:

1-   احتياجات الجسد: لم ينجح في إقناعه بتلبية نداء الغريزة وإشباع البطن بالطعام، مع ان ذلك يعُد من الامور الطبيعية الفطرية التي خلقنا الله عليها ولا يوجد في ممارستها أي عيب أو خطأ أو خطيئة …لأن المسيح برغم خضوعه الكامل لقوانين الطبيعة البشرية وجميع نواميسها يرفض الخضوع لمجرد الحاجة فليس“أبن الإنسان” مجرد كائن يسعى لإشباع وسد احتياجات الجسد مهما بدت واقعية وحقيقية وملحة على حساب القانون وناموس الطبيعة وتلك تجربة نسقط فيها يومياً…لنعود فنكتشف أنه “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”.

2-    إحتياجات النفس: فشل الشيطان ايضا في استغلال الحاجات النفسية والإجتماعية التي تأتي في المرتبة الثانية من سلم الغرائز، وهي ضرورية جدا لحياة الإنسان إذ يستمد وجوده ودوره وكيانه من المجتمع… وكان يسوع في بداية بشارته للمجتمع اليهودي المتأصل في السلفية، في اشد الإحتياج لبداية قوية مبهرة مقنعة تلفت الأنظار بشدة وتخرج به بالكامل عن الواقع المألوف… وكان الشيطان يعرف ان مجرد ظهور يسوع هابطا من فوق جناح الهيكل محمولاً على أجنحة الملائكة كاف ليؤمن به من سيراه من اليهود…وقد يكون الشيطان محقا في الواقع ولكن بالتاكيد لم يك هذا كافيا بحال لتحقيق الهدف الحقيقي لميلاد يسوع وتجسده وحياته على الأرض :” خلاص البشر” وبذا يكون النجاح نجاحا مرحلياً على حساب الهدف المحوري… هي تجربة نقع فيها كل يوم… إلى أن نتعلم ان الطريق الوحيد للخلاص هو درب الصليب المار بالجلجثة بالمشبع بقطرات الدم المسفوك والمفروش بجلدات السياط والمتوج بإكليل الشوك، والثبت بمسامير تخترقالأحشاء، والمختوم بحربة تقتحم الجسد فتسفك ما تبقى فيه من قطرات حتى القطرة الأخيرة…هكذا كان طريق يسوع لإتمام الخلاص وهو بلا أدنى شك طريقنا للخلاص وإتمام مشيئة الآب… فتحقيق الذات والوصول غلى النجاح لا يحتاج إلى بدون قفزات بل قطرات عرق ودم وكفاح.

3-   أحتياجات الكيان: كما سبق وقلنا أنه لو كان “إبن الإنسان” قد سقط في الأولى أو الثانية ما دعت ضرورة للذهاب إلى اعالى أعلى جبل في العالم…لكن حيث أن هذا الرجل يظل عتيا على الإقتحام بعيدا عن السقوط عسيرا على الإقناع حتى باستخدام كلمات الكتاب ومزاميره..تتصاعد التجربة لتصل الى الصميم الأبعد، صميم الأنا وجوهر الذات  “غريزتا التملك والتسلط” أعطيك كل ممالك الأرض إن خررت لي ساجداً”

  • كيف يفقد الشيطان صوابه… ؟
  • كيف يركبه الغرور أمام الفشل؟
  • كيف يدفعه الفشل إلى الإفلاس؟
  • كيف يتخلى عن جميع املاكه وسلطانه في سبيل نزوة؟

كلها اسئلة تجتاح ذهني في تأمل اليوم ولا استطيع ان اجد الإجابة الشافية عنها سوى ان الشيطان وإن كان يعلم مع من يتكلم حيث قال في البداية ” إن كنت أنت إبن الله” إلا انه ظل يشك حتى النهاية… وما كان رفض يسوع الملك، ملك الكون، ملك السماوات والأرض، سوى تطبيق وتمسك بالمبدأ الجوهري ” للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد”

هو يعلم الشيطان ما رفضه دوما: أنت من ينبغي ان يسجد وستسجد،

ساهزمك ليس اليوم فقط ولكن كل يوم إلى الصليب

وحتى باب القبر  وبالقيامة ساحطمك تحطيماً

انت من ينبغي ان يفقد ملكه وستفقده حتماً لا طوعا واختيارا ولكن قسراً واندحار

إلى من ينحاز العالم اليوم:

إلى الإشباع الذي سرعان ما يجوع

إلى النجاح الزائف الذي سرعان ما ينطفيء

إلى التملك والسيطرة وإثبات الذات على حساب المبادسء الجوهرية،

وسرعان ما يفقد السيطرة ويكتشف انه عبد ما يملك وأنه قد باع النفيس بالرخيص

واستبدل الالمنتصر الغالب بالفاشل المهزوم

وبذا صار في معسكر الظلام حيث العبودية والموت

انتصار يسوع الأولي اليوم بداية انتصارك وانتصاري