” أنا والآبُ واحِدٌ”: تامل الأربعاء 19 مارس

” أنا والآبُ واحِدٌ”: تامل الأربعاء 19 مارس

” أنا والآبُ واحِدٌ”

“فإنَّكَ وأنتَ إنسانٌ تجعَلُ نَفسَكَ إلَهًا

تأمل في مسألة الثالوث الذي حير الألباب وهوسهل الفهم بسيط الإستيعاب

 الأب/ بولس جرس

إبان ايام ثورة يناير وبعد إنهيار الشرطة والإنفلات الأمني ساد الرعب منطقتنا السكنية في مدينة نصر خرجت إلى شرفة منزلي على صياح رجل اجش الصوت غليظ النبرات يصيرخ  في صوت آمر ” إنزلوا، ماذا تنتظرون، ان يقتحموا بيوتكم ويغتصبوا نسائكم ويحرقوا عربياتكم؟ البلطجية جايين على هنا” وكانت الأنباء تتواتر عن وصول بلطجية من عزبة الهجانة إلى “السراج مول”  ونهبه وتدميره تماما وانهم قادمون الآن نحو ” جنينة مول” حيث منطقتنا السكنية وانهم كالتتار لا يتركون امامهم ولا خلفهم شيئا…

كان الموقف إلى جانب انه صعب وعصيب محرجا بالنسبة لى فأنا رجل كاهن وجميع سكان العمارة يعلمون ذلك ويقدرونه ويحترمون وجودي بينهم برغم دهشتهم واستغرابهم المبدئي…هل انزل حاملا السلاح وهل يليق اساسا أن انزل؟ لكن كيف اتخاذل عن حتى عن المشاركة في حماية بيتي وقد ترفعت عن النزول إلى ميدان التحرير واكتفيت بمتابعة الأخبار جالسا اتقلب على الكنبة وجميع القنوات…

حزمت امري بالنزول للمشاركة مع اهل الحي في الدفاع عن حيّنا برغم إعتراضات إبنة شقيقتي التي تقاسمني الحياة وترتعد خشية وخوفاً علىّ… وحال ظهوري على باب العمارة وسط التجمع سكت الصخب ورايت عيون الناس مسلمين ومسيحيين تتطلع في تساؤل صامت واندهاش فتبسمت لهم وقلت انا معكم في السهرة اليوم  لإداء الواجب الوطني والدفاع عن حياتنا ومنازلنا… ووقفت اتبادل اطراف الحديث معهم عن الثورة وما نعانيه من مخاوف وما ينتاب قلوبنا من هواجس وخوف على البلد ومستقبلها وما نتوقعه من عواقب…

ومع مرور الليالي زالت الرهبة وتقاربت المسافات حتى كان بعضهم يقرعون جرس الباب عليّ طالبين مني النزول لمجرد رؤيتي وتبادل الحديث معي…وحيث انا بطبعي ملول من الجلوس لفترات طويلة كنت اقوم بجولات في الحي يصحبني فيها من ملّ الجلوس مثلي… وفي إحدى الجولات وصلنا إلى كاتدرائية مدينة نصر لنطمئن على الأحوال هناك وكان رفيق التمشية في تلك الليلة مسلما فانتهز الفرصة ليسألني على استحياء عن معضلة  غير مفهمومة بالنسبة له وللكثير من المسلمين بل والمسيحيين الذين سألهم سابقا حسب قول محدثي الطبيب النابه المشهور… فلما وجد مني إصغاء وتقبلا استطرد…إني استنكف على شخص مثقف متعلم مثلك والكثير من العلماء والعظماء في المغرب والمشرق أن يشركوا بالله…فهل المسيح حقا ابن الله بأي معنى وكيف ؟؟؟؟

قلت ببساطة عندما ظهر الله لموسى على الجبل قال “أنا الكائن” ونحن وأنتم نقول ” ألله حي”،  فالله كائن حي ، بل هو بالأحرى الكائن الحي من الأزل إلى الأبد. هل في هذا مشكلة؟ قال: كلا لا خلاف على الإطلاق.

استطردت : أنت كائن حي، تسير معي الآن، فإذا أُصبت لا سمح الله او قتلت ماذا يحدث؟ اين الدكتور الذي يحادثني؟ قال الجثة للدفن والروح عند خالقها… قلت حسنا فذاتك مكونة من جسد وروح  وانت كائن ناطق…

قال طبعا. قلت الله هو ذات وروحه هو الروح القدس لأنه روح الله القدوس، قال حسنا جدا قلت: لدي سؤال بسيط، كيف خلق الله العالم؟ قال سبحانه بالكلمة يقول للشيء كن فيكون… أبديت إعجابي الحقيقي بإجابته الدقيقة وقلت إذا كانت  كلمتك تعبر عن ذاتك وشخصيتك وثقافتك ومستواك العلمي والمادي وافجتماعي وكلمة الإنسان هي ذاته وحضوره كذا كلمة الله هي ذات وحضور الله… قال بالقطع.

استطردت:  فالمسيح هو ” الكلمة” التي هي جوهر وذات وحضور الله. فصا الطبيب: الله الله طيب بس الكلمة غير مساوي للشخص لأنها تاتي بعد وجوده …

حسناً اجبت متسائلاً بابتسامة هل القرد في بطن أمه حيوان ناطق؟ قال كلا لأنه لن يتكلم يوما وليست لديه موهبة الكلمة. قلت اما الطفل في بطن امه فهو كائن ناطق حتى لو لم ينطق بعد لأن الكلمة موجودة فيه حتى ولو لم يقلها بعد، لذا نقول أن المسيح هو الكلمة الكائن في حضن الآب منذ الأزل!!!!!

قال يا إله السماوات تريد ان تقول ان الله ذات حي بروحه ناطق بكلمته الأزلية ؟؟

 قلت: وهذا هو الثالوث الذي به نؤمن…

في اليوم التالي قال لي وهو يضحك ” أنت خطر مش بس عالدولة لأنك ثورجي تؤيد “العيال في التحرير” لكنك ايضا خطر على الإسلام في مصر والعالم… أنا يا عم مش هاتمشى معاك تاني احسن تعمدني…

ليس اففتخار بالطبع هو الهدف من هذه القصة بل كيفية مواجهة هذه التهمة الموجهة إلى يسوع اليوم ““فإنَّكَ وأنتَ إنسانٌ تجعَلُ نَفسَكَ إلَهًا” والتي مازالت موجهة إلى كل مسيحي في الشرق إلى اليوم وكل يوم” كيف تجعل من المسيح  وهو بشر ابناً لله”

والسؤال اليوم هو نفس ما وجهه اليهود إلى المسيح: “إلَى مَتَى تُعَلِّقُ أنفُسَنا؟ إنْ كُنتَ أنتَ المَسيحَ فقُلْ لنا جَهرًا”،  كذا اعتقد أن هذه الإجابة صالحة إلى اليوم: “أجابَهُمْ يَسوعُ:”إنِّي قُلتُ لكُمْ ولستُمْ تؤمِنونَ، الأعمالُ التي أنا أعمَلُها باسمِ أبي هي تشهَدُ لي ولكنكُمْ لستُمْ تؤمِنونَ لأنَّكُمْ لستُمْ مِنْ خِرافي، كما قُلتُ لكُمْ.”