مهارة الرد على الانتقادات
هل تجد صعوبة في قبول النقد؟ هل أنت حساس؟ هل تميل إلى اتخاذ موقف دفاعي عندما يُشار إليك بالتعييب أو الانتقاد أو الذم؟
لا أحد يحب أن يُنتقد ومن الطبيعي أن يتسبب الانتقاد في نوع من الحرج والقلق وبعض الضيق. ومع ذلك، يمثل الانتقاد جزء من الحياة ولا يمكن لأحد، ولا سيما إن كان في موضع مسؤولية، إلا أن يتوقع تعرضه للانتقاد والذم، فمَا من نبي أو فيلسوف أو مفكر أو فنان أو أي شخصية عامة إلا وكان محل انتقاد وفحص، كما هو معرض للمدح والتصفيق والشهرة. فإذا كان النقد قائمًا على أساس جيد، ومنطقي، ودلائل واضحة، فإنه بالتأكيد فرصة للنمو وللتحسين والنمو الشخصي، وإذا كان هدامًا وسلبيًا ومنحازا فإنه فرصة لتعلم ضبط الذات ومقياس للنضج الذاتي.
فكيف لنا أن نتعلم مهارة التعامل مع الانتقادات؟
نعرض بعض الخطوات التي يمكن أن تساعدنا في اكتساب مهارة ضبط النفس والرد على النقد بطريقة أكثر هدوءً وإيجابية، بطريقة بناءة وتحويل النقد إلى فرصة للنمو والتعلم.
أولا استمع للنقد
عندما نواجه النقد، من المهم ألا نسمح لمشاعرنا أن تسيطر علينا. إن الشعور بالتوتر لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع وإهدار الطاقة والقدرة على الرد الصحيح، بل وغالبا ما سيقودك للجواب أو التصرف بطريقة خاطئة أو مُبالغ فيها. حاول الاستماع في صمت، وإذا لزم الأمر، أطلب من منتقدك إعادة صياغة اللوم للتأكد من أنك فهمت بشكل صحيح ما يقوله، ولمنح نفسك الوقت الكافي للسيطرة على مشاعرك المتأججة كي يتمكن عقلك من التحكم في الموقف وإيجاد الردود المنطقية عن طريق تحليل الانتقاد جيدا قبل التسرع بالرد.
ثانيًا التعرف على النقد البناء
النقد غالبا هو دليل غَيْرَة واهتمام من قبل المنتقد ويشير إلى رغبته في شد انتباهك لما قد تكون أهملته أو لم تأخذ بالك منه. والمثل المصري يقول: “يا بخت من بكاني وبكى عليَّ، ولا ضحّكني وضحّك النَّاس عليَّ”. فحاول عدم شخصنة الأمور والرد على الانتقاد وعدم مهاجمة شخص الناقد. وتعلم الفصل بين الأفكار والأشخاص، بين الانتقاد والناقد، بين ما يُقال ومَنْ يقول.
ثالثًا خذ وقتا
إذا شعرت بالغضب أو العصبية، فمن المناسب أن تقترح على منتقدك مناقشة الأمر بعد قليل. فليس من العيب منح نفسك بعض الوقت قبل التسرع بالرد لأن الإنسان يندم دائمًا على التكلم بتسرع ولا يندم ابدًا على الصمت، لأن الصمت هو علامة نضج والتهور هو علامة ضعف.
رابعا لا تقاوم
لا تتخذ مباشرة موقف المقاوم لتبرير نفسك، أو الأسوأ من ذلك، لا تقع في تجرِبة مهاجمة المنتقد لأن المهاجمة في هذه الحالة ليست أفضل أسلوب للدفاع، فالهجوم على الآخر غالبا ما يؤكد أنه وضع أصابعه في الجرح وأنه أصاب الهدف. بدلًا من ذلك، حاول الفهم بشكل أفضل عن طريق طلب توضيحات وأمثلة.
خامسًا انتقادات تصرفاتك وكلماتك لا يعني الهجوم عليك
لكي نتقبل النقد بطريقة صحية، علينا ألا نعتبره انتقادًا لشخصنا بل لبعض تصرفاتنا أو أقوالنا. فالكمال لله وحده ويجب عدم الوقوع في تجربة الكبرياء باعتبار أنفسنا فوق الانتقاد. فكما يجب التفرقة بين الانتقاد والناقد يجب التفرقة بين الانتقادات والمُنتَقًد. وتعلم فضيلة التواضع والتي ستسمح لنا بطرح السؤال على أنفسنا: قد يكون عند منتقدينا حق فيما يقولونه؟ قد تكون انتقاداتهم دليل على إخفاقنا في عرض افكارنا أو في طريقة تصرفاتنا أو في خلل فينا؟
سادسًا كن عطوفًا ومتسامحًا
إن أكبر دلائل النضج الإنساني هو عدم التركيز على أنفسنا والخروج من سجن الذات إلى حرية الشعور بالآخر وتفهمه. وفقط الشخص الناضح هو القادر على التعاطف والشعور بالآخر، لذا اطرح على نفسك هذا التساؤل: “ربما لديه حق؟ ربما ما يقوله حقيقي؟ ربما تسببت أنا في وصوله لهذا الرأي؟”. ضع نفسك مكان منتقديك وستجد حالا أن غضبك المبالغ فيه لا أساس له.
سابعا لا أحد كامل
يمكن أن يحدث لأي شخص أن يرتكب خطأ أو يتخذ خيارًا خاطئًا. يجب أن نقبل عيوبنا وأخطائنا. فرفض العيوب والهجوم على من ينتقدنا هو دليل ضعف. فمن المحزن التعرض للانتقاد، إلا أنه من المهم قبول النقد لأننا جميعًا سنختبره وسنتعرض له ولأننا يمكن أن نتعلم منه الدروس لنصبح أفضل. قبول النقد يعني أولًا وقبل كل شيء قبول أنك إنسان، وأنك لست بصنم أو فوق الانتقاد.
وختامًا دعونا نتعلم من الانتقاد أكثر مما نتعلم من المدح والثناء. وإذا كنا نسمح لأنفسنا بانتقاد الآخرين وبإصدار أحكام وآراء حوا أشخاصهم وحول ما يقومون به، والدفاع عن هذه الآراء باستماتة فيجب علينا أن نمنح الآخرين نفس الحق، لأن السيد المسيح يعلمنا أن القاعدة الذهبية في التعامل مع الآخرين هي: “فكلُّ ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم. لأن هذا هو الناموس والأنبياء” (متى 12، 7).
فموقف رفض الانتقادات واعتبار النفس فوق النقد هو موقف لا يعبر سوى عن ضعف صاحبه وغالبا عن صحة الانتقادات الموجهة له. فالإنسان الحر والناضج يحلل ما يسمع ويرد عليه بهدوء واحترام ويحاول بكل الطرق أن يستوعب ما يقوله الآخرين ويفرق بين المنتقد وانتقاداته ولا يهبط ابدًا إلى مستوى شريعة العهد القديم: “العين بالعين والسن بالسن” أو الهجوم أو الشجب أو التحقير أو التقليل من قيمة المنتقد. فأسواء شيء قد نقوم به عند سماع الانتقادات هو التحقير من الآخر، أو التعميم وكأننا عندما نعمم البلاء نهونه على أنفسنا ونقلل من خطورته.
الموقف الصحيح والناضج، لا سيما بالنسبة للمسؤولين، هو دائمًا التصرف بنبل وبحكمة وبتفهم وبتحليل وبتمهل وبحس أبوي وعدم السقوط في المغالطات المنطقية، وتعلم أنه: “لَيسَ بالحَقِّ وَحْدَهُ تَكسِبُ جَدَلًا أَوْ تَقهَرُ خَصْمًا أَوْ تُقنِعُ النَّاس… تَبْدأُ حِواراتُنا غَالِبًا بوضْعِ أُسُسٍ مُتَوَهَّمة، وفَرْضيَّاتٍ مُسَلَّمٍ بِها؛ سَعيًا مِن أحَدِ الطَّرفَيْنِ إلَى إِثْباتِ نَظَرِيَّتِه، وصِحَّةِ مَا ذهَبَ إلَيهِ في مَسألةٍ مَا، ويَذهَبُ الكَثِيرُ مِنَّا إلَى التَّعاطِي مَعَ هذِهِ الفَرْضيَّاتِ الَّتي رُبَّما تَكُونُ استِنتاجًا خاطِئًا أوْ مِن وَحْيِ خَيالٍ مَحْض، دُونَ تَفْنيدِها أَوِ الوُقوفِ عَلَى صِحَّتِها أَوْ أَصْلِها، فنَرَى أَنفُسَنا وقَدْ وَقَعْنا أَسْرى لبَعضِ المُغالَطاتِ المَنْطقيَّة، الَّتي تَجعَلُ مِنكَ خاسِرًا عَلى طُولِ خطِّ الحِوارِ أَوِ الحِجَاج. والتَّصدِّي للمُغالَطاتِ المَنْطقيَّةِ فَنٌّ يَجبُ أنْ تُتقِنَه إنْ كُنتَ تُرِيدُ النَّجاحَ في إِيصالِ أَفْكارِك، فمِنْ أَينَ تَبدَأ؟ وعَلامَ تَعتمِدُ في تَقدِيمِ حُجَجِك؟ وكَيفَ تُفشِلُ حُجَجَ الخَصْمِ وتُفكِّكُ بَراهِينَه غَيرَ المَنْطقيَّة؟” هذه هي الأسئلة التي يجب أن تطرحها على نفسك قبل الرد.
نقول دائمًا “الإنكار لا يثبت شيئا” فرفض المرض أو الادعاء بأن الطبيب أحمق لن يشفينا من أمراضنا. فالأمراض لا تُشفى بحجب المواقع أو بالتحريض على الآخرين أو بتحقيرهم وذمهم والتشهير بهم، تُشفى فقط إذا تقبلنا أمراضنا بتواضع، وعلاجناها بالأدوية الصحيحة، وعملنا على مداواة أسبابها وأعراضها ونتائجها.
ختامًا، نؤكد أن الأمراض الروحية لا تُشفى إلا بتعلم السجود أمام القربان، والتواضع أمام الرحمَن، وقبولها بشجاعة الندمان، واللجوء إلى الطبيب الحنان، وتهذيب القلب واللسان، وتعلم أنك مجرد إنسان، وأن المشي في طريق الشفاء هو اختيار الشجعان.
الأب د. يوأنس لحظي جيد