تحليل بعض النصوص الكتابية
ترجمه بتصرف عن الإيطالية المونسنيور د. يوأنس لحظي جيد
يوليو 2024
كيف يصف الكتاب المقدس شكل الأرض، وهل يتكلم عنها كمسطحة أم دائرية؟ وكيف نفسر تعبير الزوايا الأربع؟ وهل حقا يذكر إن الأرض مسطحة؟ وهل يتعارض ما يذكره الكتاب المقدس مع الاكتشافات العلمية الحديثة؟
بعض الحقائق الأساسية
- الكتاب المقدس لا يذكر صراحة أن الأرض مسطحة، ولكن غالبا ما يقتبس مؤيدو نظرية الأرض المسطحة بعض الآيات لتأكيد نظريتهم، ويتم تفسيرها خارج السياق التاريخي والأدبي لها.
- توجد تفاسير مختلفة لتعبير “أركان الأرض الأربعة”، بالرجوع للمعنى المجازي وليس الحرفي.
- تتفق الطوائف المسيحية المتعددة والكنيسة الكاثوليكية بشكل عام مع الفهم العلمي لكراوية الأرض، مع وجود اختلافات في التفسير تستند إلى حد كبير على وجهات النظر اللاهوتية.
- يحلل علماء الكتاب المقدس واللاهوتيون سياق ولغة الكتاب المقدس، ويظهرون أن التعبيرات الكتابية تتماشى ولا تتعارض ابدا مع العلم الحديث.
- برغم أن الكتاب المقدس ليس كتاب علم إلا أنه لا يوجد تعارض بين آياته وبين الاكتشافات العلمية الحديثة.
- العلم يحاول شرح كيفية تكوين الأشياء أم الكتاب المقدس فهو يقدم شرحا حول لماذا خلقت.
- التفسير الحرفي للكتاب المقدس يَحدّ بطريقة كبيرة من فهم تعاليمه اللاهوتية والتي كتبها رجالات الله، المُساقين من الروح القدس، بأسلوب أدبي يعكس السياق التاريخي والاجتماعي الخاص بهم ويعرض بطريقة مفهومة للمتلقي مستخدما القصص والتعابير الشعرية والأساليب الأدبية المعروفة.
محتويات المقال:
- هل يذكر الكتاب المقدس صراحة أن الأرض مسطحة أم دائرية؟
- كيف يصف الكتاب المقدس شكل الأرض؟
- ما هي الآيات التي يتم اقتباسها بشكل شائع بخصوص موضوع الأرض المسطحة؟
- أين توجد في الكتاب المقدس إشارات إلى شكل الأرض؟
- ما هو موقف الكنيسة الكاثوليكية من نظرية الأرض المسطحة؟
- كيف فهمت الطوائف المسيحية المختلفة آيات الكتب المقدسة تلك؟
- كيف يفسر علماء الكتاب المقدس تعبير “أركان الأرض الأربعة”؟
- كيف يفسر اللاهوتيون الأوصاف الكتابية للأرض؟
- كيف يمكن مقارنة وصف الكتاب المقدس للأرض بالمعرفة العلمية الحديثة؟
- نصوص كتابية أخرى حول الأرض والكون:
هل يذكر الكتاب المقدس صراحة أن الأرض مسطحة أم دائرية؟
إن الجدل حول ما إذا كان الكتاب المقدس يذكر صراحة إن الأرض مسطحة يستند إلى تفسير بعض الآيات الكتابية. بيد أن نظرة فاحصة للكتب المقدسة تكشف أنه لا يوجد أي نص صريح يصف أو يؤكد أن الأرض المسطحة. في الواقع، يعتمد البعض على تفسير بعض الآيات للاستدلال على أن الأرض مسطحة، مثل تلك التي تتكلم عن “أركان الأرض الأربعة” (إشعياء 11: 12؛ إشعياء 11: 12 ورؤيا 7: 1)، غير أن أغلب المفسرين وعلماء اللاهوت يفسرون هذا التعبير بشكل مجازي، بمعنى أنه يشير إلى كل العالم المعروف، وليس بشكل وصف هندسي حرفي لشكل الأرض.
في الحقيقة، العديد من آيات الكتب المقدسة تصف الأرض بطرق أقرب إلى المفهوم الكروي. على سبيل المثال، يقول إشعياء 40: 22 إن الله “جالس على كرة الأرض”، والذي عند النظر إليه من منظور لاهوتي، يمكن تفسيره على أنه اعتراف بكروية الأرض أو، على الأقل، رحابتها. يشير كذلك سفر الأمثال 8: 27 “حين ثبت السموات كنت هناك وحين رسم دائرة على وجه الغمر”، مما يشير إلى وجود أرض مستديرة.
علاوة على ذلك، لم يكن من الممكن أن تتعرض المعرفة الكونيّة اليهودية القديمة إلى مفهوم الأرض المسطحة كما يريد حديثا تأكيده أولئك الذين يعتقدون بأن الأرض المسطحة. فنصوص الكتاب المقدس التي تتحدث مجازا عن “أعمدة” الأرض أو “أسسها” (أيوب 9: 6، مزمور 104: 5) هي تعبيرات شعرية ومجازية تهدف إلى توضيح استقرار الأرض وسيادة الله على خليقته ولا تريد بأي حال تقديم تفسير علمي لبُنية الأرض.
غالبا ما تستند الحجج التي يقدمها بعض المتبنين لنظرية الأرض المسطحة إلى قراءات انتقائية لنصوص الكتاب المقدس، لا تأخذ بعين الاعتبار السياق اللاهوتي الأوسع والأكثر تعقيدا. يجب التأكيد هنا على أن الكتاب المقدس ليس نصا علميا هدفه شرح تركيب وشكل كوكب الأرض بل هو مجموعة من النصوص والتعاليم اللاهوتية التي تهدف لإرشاد الإنسان وتقديم رؤية إيمانية لمعنى الخلق وهدفه. وتجد الإشارة هنا أنه برغم أن الكتاب المقدس هو كلمة الله التي تخاطب البشر بطريقة يفهمونها ومن خلال لغتهم الشعرية والمجازية والسياق الثقافي والتاريخي لهم، إلا أنه من الواضح أن الكتاب المقدس لم يذكر صراحة أن الأرض مسطحة.
ملخص:
- لا يوجد أيِّة آية أو نص كتابي صريح ونهائي يعلن أن الأرض مسطحة وليس دائرية.
- الآيات التي قد يبدو أنها تدعم نظرية الأرض المسطحة هي مجازية أو شعرية.
- على العكس توجد بعض المقاطع الكتابية التي تشير إلى كون الأرض دائرية أو كروية.
- يجب فهم النصوص الكتابية في سياقها اللاهوتي والتاريخي وبحسب الأسلوب الأدبي المكتوبة به.
كيف يصف الكتاب المقدس شكل الأرض؟
كانت أوصاف الكتاب المقدس لشكل الأرض موضوع الكثير من النقاش والتفسير، سواء تاريخيا أو في الحوارات المعاصرة. تقدم الآيات الرئيسية للكتاب المقدس العديد من الصور التي حللها العلماء واللاهوتيون لفهم النظرة الكتابية للعالم لشكل الأرض. واحدة من أكثر الآيات اقتباسا هي إشعياء 40: 22، التي تتحدث عن الله الجالس “على كرة الأرض”. يشير استخدام كلمة “دائرة” (باللغة العبرية: scossa) إلى شكل كروي ولكنه لا يشير صراحة إلى شكل دائري.
يساهم سفر الأمثال 8: 27 أيضا في هذا النقاش، حيث تتحدث الحكمة عن أن الله “حين ثبت السموات كنت هناك وحين رسم دائرة على وجه الغمر”. مرة أخرى، يتم استخدام مصطلح “دائرة”، والذي يفضل صورة الاحتواء والانحناء، دون وصفها بدقة على أنها كروية. علاوة على ذلك، يصف أيوب 26: 10 أن الله “رسم دائرة على وجه المياه نحو ملتقى النور والظلام”، معززا ببراعة تصوير الحدود المستديرة المحيطة بالأرض.
مصطلح آخر مهم في هذه المناقشات هو مصطلح “أركان الأرض الأربعة” المذكور في إشعياء 11: 12 ورؤيا 7: 1. تنقل هذه اللغة، بأسلوب شعري ورمزي، فكرة أطراف أو حدود الأرض، بدون الإشارة إلى شكل هندسي حرفي. يصف هذا الأسلوب الرمزي أطراف أو حدود الأرض، ولا يشير حرفيا إلى شكل هندسي. غالبا ما صورت المعرفة الكونية اليهودية القديمة الأرض على أنها مساحة مسطحة ذات أعمدة أو أساسات (أيوب 9: 6، مزمور 104: 5)، بما يتماشى مع فهم الشرق الأدنى القديم، والعالم آنذاك، لأن الهدف من استخدام هذه التعبيرات لم يكن تقديم نموذج علمي دقيق بل تأكيد عناية وسيادة الله الخالق على كل الخليقة.
يقدم سفر التكوين 1-2 مزيدا من التفصيل: يبدأ الله الكتاب المقدس بوصف خلق الله للسماوات والأرض، ويصف كونا منظما له اهداف واضحة وليس ثمرة الصدفة أو العبث. يصف السرد الكتابي السماء والفصل بين المياه فوق وتحت، وتشكيل البحار، وظهور الأراضي الجافة، وبلغت ذروتها في خلق الإنسان في تناغم غني بالحياة، يتم كلها تحت إشراف الخالق. على الرغم من أن هذه المقاطع وفيرة في اللغة الرمزية إلا إنها تعكس نظرة شائعة تقوم على ملاحظة الحياة اليومية وتسعى لوصف عملية الخليفة بهدف تقدم شرحا إيمانيا يقوم على الايمان بأن الكون هو ثمرة محبة الله الخالق ويسعى للإجابة على التساؤل: لماذا خلق الله الكون؟ فهدف الكاتب المقدس للوحي الإلهي لم يكن أبدا الإجابة على تساؤل: كيف خلق الكون؟ وإنما، تحت قيادة الروح القدس ومن خلال الأسلوب الأدبي والسياق التاريخي والاجتماعي والزمني، تقديم تصور وإجابة عن الأسئلة الكيانية التي يطرحها اغلب البشر: لماذا أنا موجود؟ من أين اتى الكون؟ لماذا التجاذب بين الرجل والمرأة؟ لماذا يوجد شر في العالم؟ لماذا حُرم الانسان من التنعم بحضرة الله؟ هل من خلاص؟ هل من مخلص؟ …إلخ
خلاصة:
- يستخدم الكتاب المقدس صورا أدبية مثل “الدائرة” و “الزوايا الأربع” لوصف الأرض، ولا يجد آية واحدة تدعم بشكل قاطع نظرية الأرض المسطحة.
- يشير إشعياء 40: 22 وأمثال 8: 27 إلى شكل كروي للأرض.
- تعبيرات مثل “أركان الأرض الأربعة” يجب تفسيرها في اطارها الادبي والمجازي وليس الحرفي.
- تقدم المعرفة الكونية اليهودية وصفا للأرض يعكس الإطار التاريخي والمعرفي القديم.
- يقدم تكوين 1-2 وصفا رمزيا ولاهوتيا للكون وللخليقة.
ما هي الآيات التي يتم اقتباسها بشكل شائع بخصوص موضوع الأرض المسطحة؟
غالبا ما يعتمد الجدل حول شكل الأرض، على بعض آيات الكتاب المقدس، والتي يجب شرحها ضمن الأساليب التفسيرية للنصوص القديمة. عادة ما يستشهد مؤيدو نظرية الأرض المسطحة بآية الأركان الأربعة لإثبات تصورهم بأن لأرض مسطحة بلا حراك، وغالبا ما يهملون اللغة الشعرية والمجازية المميزة لهذه الكتابات القديمة.
يتم تفسير مصطلح “كرة” الأرض في إشعياء 40:22 من قبل البعض على أنه قرص مسطح. غير أن هذا المصطلح، في سياق العبرية القديمة، ينقل بشكل أكثر دقة مفهوم الاستدارة أو الكروية، بما يتماشى مع الفهم العلمي الحديث للأرض الكروية.
وبنفس المنطق يمكن تفسير الآية التي يذكرها سفر الرؤيا 7: 1 “أركان الأرض الأربعة”، والتي يستخدمها مؤيدو الأرض المسطحة لدعم وجود مستوى مسطح مستطيل الشكل. غير أن معظم علماء الكتاب المقدس يفسرون هذه العبارة كتعبير مجازي يدل على كامل سطح الأرض، إلى حد ما مثل التعبيرات الحديثة التي تشير إلى “أركان العالم الأربعة”، والتي تعني الشمولية والعالمية بدلا من الزوايا الجغرافية الحرفية.
آية أخرى غالبا ما يتم الاستشهاد بها في هذا النقاش هي أيوب 26: 7، والتي تقول: “رسم دائرة على وجه المياه نحو ملتقى النور والظلام”. قد يفسر مؤيدو نظرية الأرض المسطحة هذا المقطع على أنه يدعم وجهة نظرهم حول المستوى المسطح، لكنه في الواقع يتماشى تماما مع مفهوم الأرض الكروية المعلقة في الفضاء، وهي فكرة تتطابق مع المعرفة العلمية الحديثة لموقع الأرض في الكون.
يتحدث كذلك سفر الأمثال 8:27 عن قيام الله برسم دائرة على وجه الغمر، مما يوحي مرة أخرى باستدارة الأرض، وهذا يتناقض مع نظرية الأرض المسطحة. هذه الآية، إلى جانب إشعياء 40: 22، ضرورية لفهم الأسلوب الشعري الذي يتكلم عن كروية الأرض.
من الأهمية بمكان أن ندرك أن النصوص الكتابية غالبا ما تستخدم لغة مجازية وأوصافا رمزية لنقل الحقائق اللاهوتية، والتي من الممكن للوهلة الأولى أن تبدو أنها لا تتوافق مع المصطلحات العلمية المعاصرة. لهذا السبب، يتطلب تفسير هذه الآيات مقاربة دقيقة، مع الاعتراف بسياقها التاريخي المقصود منها وبالأسلوب الأدبي المستخدم في كتابتها.
خلاصة:
- يصف إشعياء 40: 22 موقع الله فوق “دائرة الأرض”، مما يشير إلى الاستدارة.
- تعبير “أركان الأرض الأربعة” في رؤيا 7: 1 هو مجازي لوصف الشمولية.
- يصف أيوب 26: 7 الأرض كمعلقة في الفضاء، بما يتماشى مع الآراء العلمية الحديثة.
- يصف سفر الأمثال 8: 27 أن الله رسم دائرة على وجه الغمر، مما يؤكد مجددا مفهوم الاستدارة.
- يجب أن تقرأ هذه الآيات داخل النهج التفسيري الذي يعتمد الأسلوب اللغوي والتصويري والسياق التاريخي والزمني والاجتماعي لها.
أين توجد في الكتاب المقدس إشارات إلى شكل الأرض؟
يتطلب البحث في الكتاب المقدس لتوضيح موقفه من شكل الأرض الخوض في عدد لا يحصى من الآيات التي كانت موضوع نقاش لاهوتي مكثف. واحدة من أكثر الآيات التي يشار إليها بشكل متكرر هي إشعياء 40:22، والتي تقول، “إنه جالس على كرة الأرض وسكانها كالجراد. يبسط السموات كالنسيج ويمدها كخيمة للسكنى”. غالبا ما تم تفسير هذه الآية على أنها تشير إلى مفهوم كروي للعالم، حيث يمكن فهم مصطلح “كرة” على أنه استدارة. أيضا، يصف سفر الأمثال 8: 27 “حين ثبت السموات كنت هناك وحين رسم دائرة على وجه الغمر”، مرددا صورة الأرض المستديرة.
ومع ذلك، تقدم بعض المقاطع منظورا مختلفا. على سبيل المثال، أيوب 26: 7 الآية “يمد الشمال على الخواء ويعلق الأرض على العدم”، مرددا مفهوما للأرض معلقة في الفضاء، وهو مفهوم يتماشى بشكل قاطع مع النظريات العلمية الحديثة. ولكن، توجد آيات مثل رؤيا 7: 1 تشير إلى “أركان الأرض الأربعة”، والتي فسرها البعض تاريخيا على أنها تدعم نمط الأرض المسطحة. وهنا تجدر الإشارة أيضا إلى الأسلوب المجازي المستخدم غالبا في النصوص الكتابية، والذي يتعارض مع التفسيرات الحرفية. على سبيل المثال، يشير أيوب 9: 6 إلى “أعمدة الأرض”، قائلا: “ويزعزع الأرض من مكانها فترتجف أعمدتها”، في إشارة إلى الاستقرار والقوة وليس إلى شكل مسطح أو كروي.
على الرغم من أن الكتاب المقدس يحتوي على العديد من الأوصاف التي أثارت جدلا حول شكل الأرض، إلا أنه يجب قراءة هذه الآيات في سياقها التاريخي والأدبي. يدعي العديد من علماء الكتاب المقدس أن هذه الأوصاف مجازية في المقام الأول وتؤكد على عظمة خلق الله بدلا من تقديم تفاصيل علمية دقيقة عن شكل الأرض.
خلاصة:
- إشعياء 40: 22: يصف الأرض بأنها “كرة”، وغالبا ما يتم تفسيرها على أنها تشير إلى الاستدارة.
- أمثال 8 27: يشير إلى أن الله يرسم “دائرة” في الأسفل، في إشارة إلى أرض مستديرة.
- أيوب 26: 7: يصور الأرض على أنها معلقة “على العدم”، وهو تصور يتماشى تماما مع النظريات العلمية الحديثة.
- رؤيا 7: 1: يذكر “أركان الأرض الأربعة”، وقد تم استخدامها تاريخيا لدعم نظرية الأرض المسطحة.
- أيوب 9: 6: يتحدث عن “أعمدة” الأرض لتأكيد الاستقرار عبر لغة مجازية.
ما هو موقف الكنيسة الكاثوليكية من نظرية الأرض المسطحة؟
عند دراسة موقف الكنيسة الكاثوليكية من شكل الأرض، من الضروري النظر في سياق تاريخي وعقائدي أوسع. الكنيسة الكاثوليكية، التي تدعم كل من الوحي الطبيعي والإلهي كمصادر للحقيقة، توفق منذ فترة طويلة بين الاكتشافات العلمية والتعاليم اللاهوتية. تاريخيا، لم يعطِ آباء الكنيسة الأوائل، مثل أوغسطينوس والأكويني، أهمية كبيرة لشكل الأرض، مع التركيز أكثر على طبيعتها المخلوقة ورمزيتها اللاهوتية. تجدر الإشارة إلى أنه في حين كان ينظر إلى كنيسة العصور الوسطى في بعض الأحيان على أنها تروج لأرض مسطحة، فإن هذا التبسيط المفرط يتجاهل الحقيقة الدقيقة المتمثلة في أن العديد من المسيحيين المتعلمين، والمتأثرين بالكتابات اليونانية الرومانية، قبلوا الطبيعة الكروية للأرض.
في الوقت المعاصر، تبنت الكنيسة الكاثوليكية، ولا سيما بعد إنعاش البحث العلمي الذي تجسده الثورة الكوبرنيكية، علم الكونيات الحديث بالكامل. فالتعليم المسيحي في القرن 21 يبتعد عن وجهات النظر الكونية القديمة، بل ويشجع أيضا المؤمنين على عدم مواجهة التقدم العلمي. ويذكر هنا تصالح البابا يوحنا بولس الثاني مع نظرية جاليليو حول مركزية الشمس وكذلك تبني الكنيسة لحقيقة الأرض المستديرة. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد السلطات الكنسية الحالية، بما في ذلك البابا فرانسيس، باستمرار على الانسجام بين الفهم العلمي والإيمان للكون، وتدعم نموذج الأرض الكروي كما أقره العلم. تعتبر الكنيسة أن الأساليب العلمية والأدلة التجريبية تتماشى مع فهم خليقة الله والكون.
خلاصة:
- تدرس الكنيسة الكاثوليكية الاكتشافات العلمية وتؤكد توافقها مع التعاليم اللاهوتية.
- تأثرت وجهات النظر التاريخية للكنيسة بمزيج من الدراسات اللاهوتية واليونانية والرومانية.
- ركز آباء الكنيسة الأوائل على طبيعة الخليقة بدلا من شكل الأرض.
- تدعم سلطات الكنيسة الحديثة حقيقة الأرض الكروية الذي أقره العلم.
- يشجع التعليم المسيحي والتعاليم البابوية المساهمة في التقدم العلمي وعدم التعارض بين العلم والايمان.
- تم التصالح مع النظريات العلمية التي تم معارضتها قديما مثل مركزية الشمس.
كيف فهمت الطوائف المسيحية المختلفة آيات الكتب المقدسة هذه؟
على مر القرون، اختلفت الطوائف المسيحية في تفسيرها لآيات الكتاب المقدس المتعلقة بشكل وطبيعة الأرض. تتأثر هذه الاختلافات إلى حد كبير بالأطر اللاهوتية المختلفة والسياقات التاريخية والتقدم العلمي الذي شكل نظرة كل طائفة للعالم. غالبا ما كان علم الكونيات المسيحي المبكر، والذي يعكس منظور الشرق الأدنى القديم، يصور الأرض على أنها قرص مسطح محاط بالمياه، مع قبة صلبة، أو سماء، في الأعلى. وقد اعتمدت هذه الاعتقادات بعض التعبيرات الوصفية الموجودة في سفر التكوين 1: 6-8 وإشعياء 40: 22.
ومع ذلك، مع تقدم المعرفة العلمية، لا سيما خلال عصر النهضة والتنوير، بدأت العديد من الطوائف المسيحية في التوفيق بين هذه الأوصاف الكتابية والأدلة الناشئة على وجود أرض كروية. الكنيسة الكاثوليكية، على سبيل المثال، على الرغم من مقاومتها في البداية لمركزية الشمس، تبنت في النهاية الإجماع العلمي. كان رد فعل الكنيسة الأنجليكانية، متأثر بالتقليد الكاثوليكي والإصلاحي، مختلفا: التزم بعض الإصلاحيين بالتفسيرات التقليدية، بينما تبنى آخرون، متأثرين بالثورة العلمية الوليدة، قراءات أكثر رمزية للكتاب المقدس. تطورت الكنيسة الأنجليكانية نحو قبول نموذج الأرض المستديرة بالتوافق مع الفهم العلمي.
في الأزمنة المعاصرة، تقبل معظم الطوائف المسيحية، بما في ذلك الروم الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيين والأنجليكانية ومختلف الفروع البروتستانتية، النظرية السائدة بخصوص الأرض الكروية ومركزية الشمس داخل النظام الكوني الشاسع، ويتم تفسر الآيات الكتابية الخاصة بشكل الأرض بالمعنى المجازي أو الشعري بدلا من الحرفية. هذا الإجماع لا ينكر الحقائق الكتابية، بل يسعى إلى التوفيق بين الإيمان والعقل، مع الاعتراف بأن الغرض الأساسي من الكتاب المقدس هو تقديم التعليم اللاهوتي والروحي وليس التفسير العلمي.
من الجدير بالذكر أنه داخل بعض الدوائر الإنجيلية الأصولية والمحافظة، لا يزال هناك فصيل يدعو إلى التفسير الحرفي لعلم الكونيات الكتابي، بما في ذلك فكرة الأرض المسطحة. غالبا ما ينبع هذا الموقف من نهج تأويلي أوسع يفضل القراءة الحرفية للكتاب المقدس والشك في النماذج العلمية الحديثة.
ملخص:
- عكست التفسيرات الكنسية المبكرة الاعتقاد بكون الأرض مسطحة، بما يتماشى مع الاعتقاد السائد في الشرق الأدنى القديم.
- مع عصر النهضة والتنوير، بدأت العديد من الطوائف المسيحية في تحديث فهمها للأوصاف الكتابية على ضوء الاكتشافات العلمية.
- تقبل الطوائف المسيحية الرئيسية اليوم عموما مفهوم الأرض الكروية، مفسرة مجازيا التعبيرات الكتابية التي قد يُفهم منها أن الأرض مسطحة.
- مازالت تحافظ بعض الجماعات الإنجيلية الأصولية والمحافظة على تفسير حرفي لبعض آيات الكتاب المقدس، بما في ذلك مفهوم الأرض المسطحة.
كيف يفسر علماء الكتاب المقدس تعبير “أركان الأرض الأربعة”؟
عند فحص عبارة “أركان الأرض الأربعة”، عادة ما يفسرها علماء الكتاب المقدس داخل السياقات الثقافية واللغوية للشرق الأدنى القديم. هذا التعبير الاصطلاحي، الموجود في آيات مثل إشعياء 11: 12 ورؤيا 7: 1، لا يقصد به وصفا هندسيا حرفيا بل طريقة مجازية للإشارة إلى سطح الأرض بأكمله. بالنسبة لليهود القدماء، نقلت هذه اللغة المستخدمة مفهوم الشمولية والعالمية، أي كافة الاتجاهات: الشمال والجنوب والشرق والغرب. وهو أسلوب أدبي مازال مستخدم حتى الآن ويعكس الشمولية المطلقة.
بالإضافة إلى ذلك، يشير العلماء إلى أن علم الكونيات اليهودي القديم احتوى على لغة رمزية وشعرية لتوضيح الحقائق اللاهوتية المعقدة. يشبه هذا الاستخدام الاستعارات والتشبيهات الكتابية الأخرى، والتي لا ينبغي أن تؤخذ حرفيا ولكن تهدف إلى تحفيز التفكير في الحقائق الأكبر. على سبيل المثال، يصف مزمور 104: 5 الأرض بأنها “راسخة… بحيث لا يمكن تحريكها أبدا”، متحدثا بذلك عن بقاء الأرض واستقرارها المتصور بدلا من تقديم ادعاء علمي حول خصائصها الفيزيائية.
تتوافق عبارة “الزوايا الأربعة” مع تعبيرات مماثلة في الثقافات القديمة الأخرى، حيث تمثل النقاط الأساسية الاكتمال والعالمية. لهذا السبب، غالبا ما يشير المفسرون الكتابيون إلى أن مثل هذه العبارات كانت تهدف إلى أن تكون تعليمات روحية بدلا من أوصاف خرائطية دقيقة، ترشد المؤمنين لفهم شمولية سيادة الله وخطته.
ملخص:
- “أركان الأرض الأربعة” هي تعبير مجازي، وليس وصفا هندسيا حرفيا.
- إنه تعبير يشير إلى مفهوم الشمولية العالمية، ويشمل جميع الاتجاهات: الشمال والجنوب والشرق والغرب.
- يعكس هذا التعبير الأسلوب الرمزي والمجازي المستخدم في وصف الكون في العالم اليهودي القديم.
- كان الهدف من هذه اللغة تحفيز التفكير في الحقائق اللاهوتية بدلا من توفير المعلومات العلمية.
كيف يفسر اللاهوتيون الأوصاف الكتابية للأرض؟
إن تفسير الأوصاف الكتابية للأرض هو مهمة معقدة يتعامل معها اللاهوتيون بمزيج من التبجيل لآيات الكتاب المقدس والفهم الصحيح لسياقها التاريخي. يقدم النص الكتابي، الغني بالرمزية والحكمة والمعرفة الكونية القديمة، أرضية مشتركة كان تصف الكون بطريقة ثلاثية: السماوات في الأعلى، والأرض في الوسط، والمياه أدناه. ينعكس هذا التقسيم الثلاثي بوضوح في أجزاء مختلفة من الكتاب المقدس، بما في ذلك الوصايا العشر (خروج 20: 4)، التي تعكس رؤية كونية تتفق مع معرفة الشرق الأدنى القديم.
يؤكد اللاهوتيون أن هذه المقاطع لا ينبغي تفسيرها بنفس الأساليب العلمية الحديثة، بل يجب فهمها في سياقها التاريخي والأدبي. ويؤكدون على ضرورة التمييز بين الحقائق اللاهوتية للكتاب المقدس والآراء والمعرفة الكونية السائدة في وقت كتابته. على سبيل المثال، عندما يتحدث إشعياء 40: 22 عن الله الجالس فوق “كرة الأرض”، وهنا يؤكد العلماء أن هذا الوصف ينقل أيمانا بالسيادة الإلهية والقدرة الكلية، وبرغم توافقه مع العلم الحديث إلا أن القصد منه لم يكن ابدا تقديم بيان علمي دقيق عن شكل الأرض.
علاوة على ذلك، فإن الإشارة في أمثال 8: 27 إلى أن الله يكتب دائرة على وجه الهاوية غالبا ما تفسر بمعنى مجازي، يرمز إلى النظام والحدود التي وضعها الخالق. وهنا يؤكد اللاهوتيون أيضا أن هذه الأوصاف يتردد صداها مع الموضوعات اللاهوتية الأوسع لوصف قوة الله الخلاقة والعناية الإلهية بدلا من تقديم معايير جغرافية ملموسة.
علاوة على ذلك، فإن مفهوم “أركان الأرض الأربعة”، المذكور في مقاطع مثل إشعياء 11: 12 ورؤيا 7: 1، يفهمه العلماء عموما على أنه تعبير مجازي يدل على الأرض كلها، ويرمز إلى الشمولية العالمية والسلطة الإلهية على كل الخليقة. يتماشى هذا التفسير مع النظرة القديمة للعالم التي تصورت الأرض على أنها مستوى أفقي واسع مع نهايات تمتد إلى أبعد الأماكن.
لذلك، يتعامل اللاهوتيون مع الأوصاف الكتابية للأرض بأسلوب يكرم، من ناحية، الطبيعة المقدسة للنص، ومن ناحية أخرى يعترف بسياقاته الثقافية والأدبية القديمة. يضمن هذا التفسير المرن والدقيق أن تظل التعاليم الروحية والأخلاقية للكتاب المقدس ذات أهمية أساسية، متجاوزة حدود الفهم الكوني القديم، وحدود النظريات العلمية المتغيرة والمتطورة دائما.
ملخص:
- يفسر اللاهوتيون الأوصاف الكتابية للكون داخل السياقات التاريخية والأدبية.
- يتم تفسير آيات مثل إشعياء 40: 22 وأمثال 8: 27 على أنها مجازية، لنقل حقائق لاهوتية إلهية بدلا من نقل نظريات علمية.
- يتم تفسير تعبير “أركان الأرض الأربعة” على أنها مصطلح مجازي عن الشمولية والعالمية.
- يحافظ النهج التفسيري على التبجيل والأمانة للتعاليم الروحية والأخلاقية للكتاب المقدس والاحترام للاكتشافات العلمية الحدية.
كيف يمكن مقارنة وصف الكتاب المقدس للأرض بالمعرفة العلمية الحديثة؟
العلاقة بين الأوصاف الكتابية للأرض والفهم العلمي الحديث هي نسيج معقد بين علم الكونيات القديم والاكتشافات المعاصرة، فيه يتشابك الإدراك البشري للأرض مع الوحي الإلهي. وهنا يجب التأكيد على أن الكتاب المقدس وبالرغم من أنه ليس نصا علميا، وليس الهدف منه نقل نظريات علمية، إلا أن أوصافه والتي غالبا ما تستخدم اللغة السائدة والأسلوب الأدبي المستخدم من قبل الكاتب البشري، إلا أنه لا يتعارض مع العلم الحديث.
لقد أثبت العلم الحديث، من خلال تخصصات مثل علم الفلك والجيولوجيا، بشكل لا لبس فيه أن الأرض كروية مفلطحة، تدور حول محورها وتدور حول الشمس. يتم تعزيز هذا الفهم من خلال الأدلة التجريبية القاطعة مثل صور الأقمار الصناعية ودراسات الجاذبية والمجرات. عند فحص النصوص الكتابية مثل إشعياء 40: 22، الذي يتحدث عن جلوس الله فوق “كرة الأرض”، يرى بعض العلماء أن هذه الآية تشير إلى كروية الأرض، برغم عجز المعرفة آنذاك عن الوصول إلى هذه الدراية التفصيلية التي لدينا اليوم.
إن الغرض الأساسي من الكتاب المقدس ليس نقل النظريات العلمية، بل إعلان الحقائق الإلهية الضرورية للحياة الأدبية والأخلاقية. أدرك اليهود القدماء عالمهم من خلال تفسير السماوات والأرض والجحيم، وهذه المعرفة شكلت تعبيراتهم اللاهوتية والكتابية. من الأهمية بمكان أن نعتبر أن علم الكونيات الكتابي كان مستنيرا بفهم الوقت، وأن استخدام اللغة المجازية قد خدم لتوصيل حقائق روحية أعمق بدلا من الحقائق العلمية الحرفية.
في الختام، على الرغم من أن أوصاف الكتاب المقدس للأرض تستخدم صورا كونية قديمة، إلا أنها لا تتعارض بطبيعتها مع جوهر الفهم العلمي الحديث. من خلال الاعتراف بالقصد اللاهوتي والمجازي للكتاب المقدس، يمكننا تقدير رسائله الروحية الخالدة، دون أن نتوقع بالضرورة أن تتماشى مع التفاصيل العلمية المعاصرة.
ملخص:
- يستخدم الكتاب المقدس لغة أدبية، واصفا الكون كما يبدو للمراقبين البشريين.
- تشير آيات سفر إشعياء 40: 22 إلى تصور قديم لشكل الأرض على أنه كروية.
- يؤكد العلم الحديث وبأدلة تجريبية وافرة على أن الأرض كروية وتدور حول محورها وحول الشمس.
- يعكس علم الكونيات الكتابي النظرة الثلاثية القديمة للعالم لدى شعب إسرائيل والتي تشمل السماوات والأرض والجحيم.
- الغرض الأساسي من الكتاب المقدس هو نقل الحقائق الإلهية والإرشادات الأخلاقية، وليس النظريات العلمية.
نصوص كتابية أخرى حول الأرض والكون:
متى 4: 8: ” ثم مضى به إبليس إلى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك الدنيا ومجدها”.
حزقيال 10: 1: “ونظرت فإذا على الجلد الذي على رؤوس الكروبين مثل حجر اللازورد، كمنظر هيئة عرش قد تراءى فوقهم”.
إشعياء 66: 1: “هكذا قال الرب: السماء عرشي والأرض موطئ قدمي فأي بيت تبنون لي وأي مكان يكون مقر راحتي؟”.
أيوب 26: 10: “رسم دائرة على وجه المياه نحو ملتقى النور والظلام”.
أيوب 26: 7: “يمد الشمال على الخواء ويعلق الأرض على العدم” .
أيوب 9: 6: “ويزعزع الأرض من مكانها فترتجف أعمدتها” .
إشعياء 40: 22: إن الله “جالس على كرة الأرض وسكانها كالجراد. يبسط السموات كالنسيج ويمدها كخيمة للسكنى”.
الأمثال 8: 27: “حين ثبت السموات كنت هناك وحين رسم دائرة على وجه الغمر”
La Terra è piatta secondo la Bibbia? Esame dei testi biblici (https_christianpure.com)