بعض الأمراض الشائعة والمخفية
بقلم المونسينيور د. يوأنس لحظي جيد
أولًا تعريف الحشرية والتطفل
يقصد بهذا المرض التدخل في شؤون الآخرين بشكل مفرط ومرضي، والاهتمام بأدق تفاصيل حياتهم الخاصة، أي “الفضول المفرط” الذي يتجاوز الحدود الاجتماعية المقبولة واللباقة وأحيانًا الأدب والكياسة. الحشرية والتطفل وبرغم كونهما سلوكين اجتماعيين غير مرغوب فيهما إلا أنهما منتشران بشكل كبير وعلى كافة المستويات وبين المتعلمين والمثقفين والأغنياء والمقتدرين. وهما أكثر انتشارًا في المجتمعات المغلقة والمتأخرة والمصبوغة بصبغة دينية ومذهبية وطائفية.
ثانيًا خطورة الحشرية والتطفل:
- تدمر العلاقات:
يؤدي التدخل بتطفل في حياة الناس إلى الضرر بالعلاقات الاجتماعية، والشعور بعدم الخصوصية والأمان. ويدفع بالجميع إلى تبني التظاهر والسطحية والاهتمام بما يقوله الناس وعيش الانفصام بين الحياة العامة والحياة الشخصية، بين الحياة أمام الناس والحياة خلف ظهورهم.
- زيادة التوتر والقلق:
يعاني الأشخاص الذين يتعرضون للتطفل من التوتر والقلق، وقد يؤدي ذلك إلى مشكلات صحية ونفسية. والتطفل يدل على خلل لدى المتطفل ويؤدي إلى ازعاج المتطفل عليه.
- فقدان الثقة بالنفس:
يؤدي الشعور المستمر بأن الآخرين يتدخلون في شؤونهم إلى فقدان الثقة بالنفس لدى الضحايا. ويدفع للناس بالانغلاق على أنفسهم لحماية أنفسهم من تطفل المتطفلين.
- صعوبة في بناء علاقات صحية:
يصعب على الأشخاص الذين يعانون من الحشرية بناء علاقات صحية بالآخرين، حيث يركزون على تفاصيل تافهة بدلًا من الجوانب المهمة في العَلاقة.
- الازدواجية:
يعاني الشخص المتطفل من الازدواجية في المعايير لأنه يتطفل ولكنه يرفض أن يتطفل أحد في حياته، يتدخل في حية الناس ولكن يرفض بعنف ان يتدخل أحد في حياته. وينطبق عليه قول السيد المسيح: “لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟” (لو 6، 41).
ثالثًا أمثلة على الحشرية والتطفل:
- المتلصص:
أي الشخص الذي يمضي أغلب وقته متلصصا ومتجسسًا على حسابات وأخبار الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي وجل اهتمامه معرفة قصص الآخرين وملابسهم وتسريحة شعرهم وشكل مجوهراتهم وطريقة كلامهم وكافة التفاصيل التافهة وهو غالبًا ما يحوّل أمور تافهة إلى قضايا مصيرية ويتكلم لساعات عن أشياء لا قيمة لها. يتسم أسلوبه بالمبالغة وكأنه العارف بخفايا الأمور وبأسرار الكون. تجده يتصل بك ويلف ويدور لمعرفة أخبار الناس وليسألك عن فلان وعلان ثم سرعان ما يتصل بفلان وعلان ليقول لهم أنك افشيت سرهما أو ليتكلم عنك معهما. هو غالبًا شخص عديم الإحساس ويسعد بزرع الفِرْقَة والزؤان بين الناس ويسعد بنشر الشائعات وأنصاف الحقائق والأكاذيب.
- المتطفل:
وهو الشخص الذي يطرح أسئلة شخصية بشكل متكرر ومزعج، ولا يعرف لباقة الحُوَار أو احترام المسافات. إنه كالمتلصص يمضي كل الوقت باحثًا ولاهثًا خلف أخبار الناس وبمجرد أن يسمع كلمة أو يرى شيئًا غير مألوف تجده يترك العالم بأسره كي يسأل ويسعى لمعرفة الأسباب والنتائج والتأثيرات. إنه شخص فارغ يُحاول أن يملئ فراغه بالتطفل على الآخرين.
- المنتقد:
أي الشخص الناقد بسبب وبلا سبب لمظهر الآخرين ولحياتهم الخاصة، ولا يعجبه العجب أو الصيام في رجب. هو دائمًا حانق على الأوضاع والناس ويتهم الآخرين دائمًا ويصفهم بأبشع الأوصاف. وهو شخص لا يرى أبدًا أن سبب فشله هو فيه وفي عدم كفاءته وفي تقصيره وهُروبه من المسؤولية. إنه شخص مزعج يصعب التعامل.
- ناشر الإشاعات:
نشر شائعات وأقاويل عن الآخرين ويختلق الحكايات ويتفنن في نشرها بين الناس ويسعد عندما تنتشر وهو أحيانًا من كثرة كذبه يصدق أكاذيبه ويدافع عنها بشراسة وعنف.
رابعًا أسباب الحشرية والتطفل
- الشعور بالنقص:
يلجأ بعض الأشخاص إلى الحشرية والتطفل للتغطية على شعورهم بالنقص أو الفراغ في حياتهم. فهم يشعرون أن حياتهم بلا قيمة ويحاولون بهذه التصرفات خداع أنفسهم ومن حولهم.
- الخوف من الوحدة:
يدفع الخوف من العزلة والوحدة بعض الأفراد إلى البحث عن أي تفاعل اجتماعي، حتى لو كان على حساب خصوصية الآخرين. والسعي لمعرفة أخبار الناس يعكس رغبة في أن يسعى الآخرون لمعرفة المتطفل حتى يشعر بالأهمية.
- الغيرة والحسد:
تدفع الغيرة والحسد الكثير من الأشخاص إلى التجسس على حياة الآخرين ومقارنتها بحياتهم الخاصة. إما ليشعر بالنقص أمام الأفضل منه وبالتالي يبرر شعوره بالنقمة والظلم وأما ليشعر بالتعالي والافتخار على من هم أقل منه ليبرر تصرفاته ومعاملة السيئة لهم.
- الرغبة في السيطرة:
يرغب بعض الناس في السيطرة على الآخرين، ويستخدمون الحشرية كأداة لتحقيق ذلك. فالمعلومات تتحول إلى أسلحة والأسرار إلى وسيلة ابتزاز وتهديد وسيطرة.
خامسًا: طرق العلاج من الحشرية والتطفل
- التعرف على الأسباب:
معرفة الداء هي نصف الطريق ولذا يجب على الشخص الذي يعاني من الحشرية أن يحاول فهم الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك. وأن يواجه نفسه بصراحة.
- بناء الثقة بالنفس:
يمكن للمرء أن يعمل على بناء ثقته بنفسه من خلال تحقيق أهداف شخصية وتطوير مهارات جديدة.
- تطوير الهوايات والاهتمامات:
يمكن أن تساعد الهوايات والاهتمامات على صرف الانتباه عن حياة الآخرين والتركيز على الذات.
- العلاج النفسي:
في بعض الحالات، قد يكون العلاج النفسي ضروريًا لمساعدة الشخص على التغلب على مشكلات عميقة مثل انعدام الأمن أو القلق. فالمتطفل المرضي يحتاج لعلاج نفسي لا أن يحاول إقناع نفسه ظاهريا بأنه غير مخطئ فيمَا يفعله، ولكنه يعرف داخليًا أنه مخطئ، مما يعني استمرار شعوره بالتوتر في علاقاته. إنه ينتقل من أزمة لأزمة وتدخل العلاج النفسي ضروري لإخراجه من هذه الدائرة المغلقة.
- العلاج الروحي:
يتم معالجة الكثير من الحالات من خلال المتابعة الروحية والالتجاء لمرشد روحي يستطيع متابعة المريض بهذا المرض والخروج معه من نفق التطفل عن حياة الآخرين للوصول إلى يقين أنه “لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ ” (مت 7، 1 – 3).
ختامًا
يعتبر التطفل مرضًا مزعجًا لأنه يحول الإنسان لذئب لأخيه الإنسان يتصيد أخطائه وهفواته ويضخم آثامه. إنه مرض يقود الإنسان إلى تحجر القلب وفقدان الشفقة وإدمان التدخل في حياة وأسرار الآخرين. وهو مرض يزداد سوءا وتحكمًا في الشخص المريض به، فهو غالبًا ما يبدأ بسيطًا وبشكل اهتمام بأحوال الآخرين ليتحول إلى سرطان يجعل الإنسان يمضي كل وقته في تعقب الأخبار والقصص والأسرار وفي حالة عدم الوصول لها يبدأ في تأليفها واختراعها وتصديقها. إنه مرض قد يسقط فيه الصغير والكبير، المتعلم وغير المتعلم، الغني كالفقير. وهو تعبير عن حالة فقر داخلي وجفاف عاطفي وإنساني وروحي يسعى الشخص لمجابهة بطرق خاطئة.
لا يتحرر من هذا المرض سوى الأشخاص الأحرار والفعالين والذين يعتبرون الوقت فرصة وكنز لا يجب إضاعته في تفاهات. الأشخاص الذين يطبقون القادة الذهبية: “فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ” (مت 7، 12).
قمنا في الأسابيع السابقة بالتكلم عن:
أولًا: مرض الإنكار
ثانيًا: مرض الإسقاط
ثالثًا: مرض التظاهر
رابعًا مرض الكذب والإنكار
خامسًا مرض تبلد أو موت الضمير
سنتناول في الأسابيع القادمة بعض الأمراض الأخرى (للحديث بقية).