ثامنًا مرض الخنوع والعبودية الاختيارية

ثامنًا مرض الخنوع والعبودية الاختيارية

بعض الأمراض الشائعة والمخفية

بقلم المونسنيور د. يوأنس لحظي جيد

أولًا تعريف مرض الخنوع والعبودية:

إنه داء النفوس المنهزمة والمُحبَطة والمستسلمة وهو حالة نفسية واجتماعية منتشرة جدا وتتسم بالخنوع الكامل والخضوع التام لشخص أو فكرة أو نظام ما أو ايدولوجية فكرية أو دينية، مع فقدان الإرادة الحرة والقدرة على التفكير النقدي.

يتجلى هذا المرض في سلوكيات وأفكار تعكس ضعف الشخصية، والاعتمادية المفرطة، وفقدان الثقة بالنفس، والدفاع العنيف عن العبودية واتهام الأحرار بالتآمر والحسد والتطفل.

والعجيب أن المريض بمرض العبودية غالبا ما يميل إلى الجدل وتبرير خنوعه والتغني بمظاهر عبوديته والتفنن في تفسير أنه أختار هذا النهج بحرية وأن وضعه أفضل من جميع الأحرار، بل ويصل به الأمر إلى اتهام الآخرين بعدم احترام حريته الشخصية واختياراته، وكل هذا لأن “الطيور التي تعيش في القفص ‏تعتقد أن الحرية جريمة!“.

فالعبيد المستسلمون لعبوديتهم هم أعنف المدافعين عن عبوديتهم وأكبر وأخطر وأشرس أعداء الأحرار.

ثانيًا: أمثلة على مرض الخنوع والعبودية

  1. المؤمن الأعمى:

إنه مؤمن متعصب لا يقبل النقاش ويرفض المختلفين معه ومع عقيدته ويتعصب ويتشنج لأتفه الأسباب وهو مستعد للتكلم لساعات وساعات في أمور مظهرية وثانوية وهو يقوم بكل هذا لشعوره بأن المساس بأي شيء من معتقداته وبأي مظهر هو إهانة لشعوره بالأمان والأمن ولمشاعره المرهفة. إنه يرزح تحت نير التقاليد والطقوس ويعيش سجينا لاعتقاد أن ما يؤمن به هو الحقيقة المطلقة وأنه الوحيد الذي يملك مفاتيح السماء والأرض وإنه أحد أعضاء في الجماعة الناجية. إنه يرفض المنطق في الحُوَار ويميل إلى العنف في عرض أفكاره ومعتنقاتها. وقد يصل الأمر في بعض الأحيان لتبني العنف وأقصاء المختلفين دون حتى الشعور بالذنب.

المؤمن المتعصب يحيا في عبودية المظاهر والجلباب والشعارات والطقوس والرموز. إنه في حالة عبودية ومقتنع أنه الحر الوحيد. إنه يعيش في سجن بناه من عبارات واعتقادات غير قابلة للنقاش. إنه مرائي يتكلم بأشياء ويعظ بضرورة المحبة والتسامح والتعايش والحوار ولكنه في الحقيقة يكره ويظلم ويتشنج مع المختلفين.

  • المرأة السلعة:

هي المرأة التي تختار أحد التطرفين: إما التعري أو التخفي الكامل.

في حالة التعري هي المرأة التي تستخدم جسدها كسلعة جنسية للإغواء أو تسمح للآخرين باستخدامه وبعدم احترام خصوصيتها وجسدها.

في حالة التخفي هي المرأة التي تتطرف في التغطية لتنعزل عن الناس بحجة التحشم والفضيلة.

وفي كلا الحالتين يتعلق الأمر بالمرأة التي ترفض التعامل مع كونها امرأة بسلاسة وكرامة، ومع جسدها بمنطق وحرية.

فالمرأة التي تتعرى تعتبر نفسها سلعة جنسية وتستخدم جسدها إما للتربح أو للإغراء والحصول على مكاسب سواء مادية أو معنوية. إنها تتغنى بالحرية الشخصية وتعنف منتقديها وتصفهم بالتخلف والرجعية والتحجر والتجمد.

والمرأة المختفية هي تعتبر نفسها عورة وهي مستعبدة وتسمح للآخرين بالتحكم في لبسها وطريقة كلامها ومستوى تعليمها، فتحيا في سجن عبودية الذكور ولا تشعر بقيمتها إلا إذا حصلت على رضى جلاديها. إنها عبدة تدافع في الكثير من الأحيان عن مستخدميها وسجانيها وتختطب لساعات حول فساحة وروعة وبهاء القفص الذي تحي فيه. إنها مستعبدة وتحاول إدخال جميع النساء لظلام سجنها بدلا من التحرر. إنها عبدة عنيفة مع النساء المتحررات وغالبا ما تصفهن بأبشع الألقاب وتتهمهن بالفجر والفسوق والتبرج.

  • الموظف الخنوع:

إنه عبد المأمور، يخضع لرئيسه بشكل أعمى، حتى عندما يكون الرئيس مخطئًا، وينافقه وينحني أمامه وينفذ تعاليمه الصحيحة والمغلوطة. إنه لا يناقش ولا يجادل ولا حتى يفكر. إنه يخضع لأي مسؤول ويتودد له بشكل مبالغ فيه.

  • الزوجة العبدة:

هي الزوجة التي تتحمل الإساءة من زوجها خوفًا منه أو من الانفصال أو الطلاق. إنها تحي مع زوجها لا كرفيقة درب مساوية له وإنما كخادمة مطيعة لكافة رغباته واحتياجاته وأحلامه وتطلعاته. إنها تعامل زوجها كالسيد المطاع الذي تشعر في كنفه بالأمان والانتماء والأمن.

إنها تتحمل الإهانة والتعنيف والضرب وكأنه حق لزوجها عليها. وقد يصل الأمر لتحمل خيانة زوجها أو ارتباطه بعلاقات أخرى وتبرير الأمر أو التظاهر بأنه شيء عادي ومقبول اجتماعيا ودينيا. إنها كائن يتلذذ بالألم ويبرره ويتنازل بحرية عن كرامته واستقلاله.   

  • المتطرف:

هو كالمؤمن الأعمى، شخص ينضم إلى جماعة متطرفة ويفقد قدرته على التفكير المستقل، بل ويسلم إلى أمير الجماعة حريته وعقله وارادته واختياراته. إنه مطيع حتى الموت ومستعد لتنفيذ

أبشع الجرائم للحصول على وعود وهمية وزائفة. إنه يرفض كل اختلاف ويسعد بالانتماء لمجموعة صغيرة يعتقد أنها الوحيدة التي ستخلص وكل من هو خارجها سيهلك.

إنه عبد يسعي لاستعباد أكبر عدد من الناس وتجنيدهم كي يشعر أنه على حق. إنه مريض ينشر مرضه بين الأصحاء بدلا من البحث عن علاج. إنه أعمي يرفض الرؤية ويلعن النور ويمجد الظلام.

  1. الفاسد:

هو شخص يتنازل عن مبادئه الأخلاقية من أجل الحصول على مكاسب مادية، ولا يتورع في القيام بأي شيء للهث خلف ملذاته وأهوائه وطموحاته. الشخص الفساد يعيش في وحل الفساد ويتهم الآخرين بالفساد والانحلال وهو غالبًا ما يحب الألقاب والمظاهر، ويضع الكتب المقدسة والآيات ولكنه يقبل الرشوة، يحافظ على مواعيد الصلاة ولكنه يسرق مال الأرامل والأيتام، يصوم ويصلي ولكنه ينهب ويزني، يحاضر في الأخلاق ولكنه منحل وفاسق.

  • فاقد الهُوِيَّة:

هو الشخص المنتمي لحضارة كبيرة ينحني العالم أمامها انبهارًا وتقديرًا ولكنه يدافع باستماتة عن الذين استعمروه ويتغنى بأمجادهم ويسعى لتطبيق مبادئهم المتخلفة والتمثل بطريقة ملابسهم البالية والتكلم بلغتهم المهترئة وتعنيف بل وقتل من يحاول ايقاظه من “عبودية المحتل”.

إنه منبهر بتاريخ الرعاع الذين احتلوه بل ويعتبر نفسه جزء أصيلًا منهم لدرجة تزوير التاريخ وتزيفه.

هنا يؤكد كارل ماركس أن “العبودية الفكرية أشد خطرًا من العبودية الجسدية، لأنك عندما تستعبد عقل الإنسان فلن يحتاج إلى قيود في يديه”.

  • المدمن والمدخن:

الشخص المدخن أو المدمن هو إنسان يحيا في عبودية ويعرف أنه عبد ولكنه لا يستطيع التحرر بل ولا يريد التحرر. إنه يؤكد باقتناع قدرته عن الإقلاع في أي وقت ولكنه يفشل في الامتناع عن السيجارة أو الإدمان بمجرد شعوره بالحاجة لهما. إنه يهمل كل شيء مقابل الحصول على الجرعة المطلوبة. إنه عبد يظن أن العيش في كنف العبودية هو أروع الأشياء.

المدمن يسرق كي يتعاطى أو يدخن، ويكذب على نفسه والآخرين، ويقصر في حق نفسه ومَن حوله، ويعيش في دائرة التعاسة الشيطانية.

  • العبيد:

في المجتمعات التي كانت تمارس العبودية، كان بعض العبيد يرفضون الحرية حتى بعد منحها لهم، وكانوا يفضلون البقاء مع مستعبديهم. وفي الأنظمة الشمولية والديكتاتورية والأصولية والدينية، نجد أغلبية المواطنين يدافعون عن تلك الأنظمة ويهاجمون المعارضين، حتى لو كانوا يعانون من القمع والظلم. توضح ماري آبنر أن “العبيد السعداء هم ألد أعداء الحرية“.

ملاحظة هامة:

لا يمكن بالطبع تعميم هذه الأمثلة على جميع الأشخاص الذين يتبنون سلوكيات تبرر العبودية والخضوع، فهناك دائمًا استثناءات، وهناك دائمًا أشخاص يرفضون الظلم والقمع، حتى في أصعب الظروف.

ثانيًا: أسباب مرض الخنوع والعبودية

  1. التربية والتنشئة:

ينشأ هذا المرض غالبا نتيجة التربية القاسية أو المتسلطة، أو بسبب التعرض للإهمال أو الإساءة في مرحلة الطفولة. فالأطفال الذين ينشؤون في بيئة متسلطة أو يتعرضون لإهمال شديد هم معرضون أكثر من غيرهم لتبني الخنوع واستعذاب العبودية وارتداء ثوب الخنوع لتلافي مشاعر الآلام والإهمال.

  • الضغوط الاجتماعية:

تدفع الضغوط الاجتماعية، مثل الخوف من الرفض أو الرغبة في الانتماء، الأفراد إلى الخضوع والتنازل عن مبادئهم. فالأشخاص يميلون دائما لدخول في مجموعات والانتماء لأفكار تجعلهم يشعرون بأن لهم قيمة وأنهم ليسوا بمفردهم. إنه الميل للعيش في ظل الآخرين والتحمس للدفاع عنهم لإعطاء معنى وقيمة لأنفسهم.

  • ضعف الشخصية:

الأشخاص ذوو الشخصيات الضعيفة يكونون أكثر عرضة للخضوع والتأثر بالآخرين والانجذاب بسهولة لتبني ما يتبناه الأغلبية والانخراط في أفعال وأعمال وترديد عبارات وأقوال دون تفكير والدفاع عنها بشراسة حتى دون التدقيق بها أو تحليلها.

  • الخوف:

يدفع الخوف من السلطة، أو من فقدان الأمان، أو من العزلة، الشخص إلى الخنوع تحت سلطة الآخرين للشعور بالأمن والانتماء.

  • التلاعب النفسي:

إن الأفراد الذين يتعرضون للتلاعب النفسي من قبل أشخاص ذوي نفوذ أو سلطة أو قدرة على الإقناع، غالبا ما يفقدون السيطرة على أفكارهم وسلوكياتهم، ويسقطون تحت سيطرة هؤلاء.

  • التلاعب النفسي والإيديولوجيا:

– الدعاية والتلقين: قد يستخدم المستعبدون الدعاية والتلقين لغرس أفكار تبرر العبودية وتجعلها تبدو مقبولة أو حتى مرغوبة.

– تشويه الحقائق: قد يتم تشويه الحقائق وتزوير التاريخ لتقديم صورة إيجابية عن العبودية وتشويه صورة الحرية.

– استغلال الدين أو الثقافة: قد يتم استغلال الدين أو الثقافة لتبرير العبودية وجعلها تبدو وكأنها أمر إلهي أو تقليد اجتماعي مقبول.

  • الهُوِيَّة الجماعية:

– الاندماج في الجماعة: قد يجد البعض هويتهم في الجماعة التي ينتمون إليها، حتى لو كانت هذه الجماعة تمارس القمع.

– رفض الآخرين: قد يرفض البعض الآخرين الذين يحاولون تحريرهم لأنهم يرون فيهم تهديدًا لهويتهم الجماعية.

– الخوف من التغيير: قد يخاف البعض من التغيير لأنهم اعتادوا على الوضع الحالي، حتى لو كان هذا الوضع غير عادل.

  • العوامل الاقتصادية:

– الخوف من المجهول: قد يخاف البعض من فقدان مصدر رزقهم أو مكانتهم الاجتماعية إذا تحرروا.

– الاعتقاد بأن الحرية تعني الفوضى: قد يعتقد البعض أن الحرية تعني الفوضى وعدم الاستقرار، وأن العبودية هي الخِيار الأفضل للحفاظ على النظام.

ثالثًا: أضرار مرض الخنوع والعبودية

  • فقدان الهُوِيَّة:

يفقد المريض بالعبودية هويته الحقيقية ويصبح نسخة مشوهة من الشخص الذي يخضع له. إنه يقلد جلاده، ويتكلم مثل سيده، ويهاجم من يحاولون تحريره، وإذا سمحت لهم الظروف لاستعباد آخرين فهو غالبا مت يمارس ضدهم أبشع أنواع العنف والبطش والظلم.

فالشعوب التي تم استعمارها لفترات طويلة نجده تتغنى بالمستعمرين وتحتقر تاريخها وحضارتها وأبطالها حتى لو كانوا أعظم من تاريخ وحضارة وبسالة مستعمريهم. إنهم يزورون التاريخ ويطمسون الحقيقة ويسعون للتغني بروعة وبداعة وعبقرية مستعمريهم.

إنهم يقتلون حتى أبنائهم الذين يحاولون أيقاظهم من وهم التغني بالمستعمر ويعذبون من يتجاسر على شرح جرائم المستعمر، ويقصون من يتطاول على المحتل، ويذبحون كل من يحاول أن يشعل لهم نور الحقيقة.

  1. تدني احترام الذات:

يشعر الفرد بالدونية والعجز، مما يؤثر سلبًا على ثقته بنفسه، ويدفعه لتعويض هذا الشعور بإقناع نفسه بأنه محظوظ وبكرم ونخوة مستعبده. إنه يدخل في دائرة مغلق يقلل فيها من قيمة نفسه ليسمو بقيمة جلاده.

  1. العلاقات السامة والاستغلال:

يدخل الفرد في علاقات سامة قائمة على الاستغلال والتبعية فيصبح عرضة للاستغلال المادي والمعنوي من قبل الآخرين.

  1. تدهور الصحة النفسية الشخصية والعامة:

يؤدي الخنوع والعبودية إلى الشعور بالقلق والاكتئاب والإحباط سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي. إن مرض العبودية والخنوع يحول الأشخاص والدول والجماعات الدينية والثقافية إلى مستشفيات أمراض عقلية مفتوحة. تتعامل معهم فتجدهم يتصرفون كالمجانين وغالبا ما تقتنع نفسك، مع مرور الوقت، أن ما يقومون به هو الطبيعي وأنهم على حق وأنت

 على باطل. إنهم أشخاص ومجتمعات مريضة ومُعدية لأنه بدلا من أن تحاول الشفاء تسعى إلى إمراض وإحباط حتى من يحاول علاجها.

  1. تدمير المجتمع:

يؤدي انتشار هذا المرض إلى تدمير القيم الأخلاقية والمجتمعية والوصول إلى أشخاص ومتجمعات مزيفة ومنافقة تتبنى الرياء والمظهرية، تتكلم عن الأخلاق وهي تغرق في الفسق والفساد؛ تهتم بالمظاهر وتهمل المضمون؛ تصلي وتصوم وتتعبد وتسرق وتزني وتظلم وتستغل. إنهم أشخاص ومجتمعات مريضة بالازدواجية والزيف والنفاق والرياء وغياب الشعور بالذنب أو بتأنيب الضمير.

رابعا: طرق العلاج من مرض الخنوع والعبودية

  1. العلاج النفسي:

يساعد العلاج النفسي الفرد على استعادة ثقته بنفسه، وتطوير مهارات التفكير النقدي، وتعلم كيفية وضع الحدود في العلاقات. الخروج من مرض العبودية يحتاج لكثير من الإرادة ولمتخصص محترف يقود الشخص لبناء ثقته في نفسه والخروج بتروي للمشي بخطوات ثابته على درب الشفاء والتحرر.

  • بناء الثقة بالنفس:

لا يمكن التحرر من مرض العبودية إلا بالتزام الفرد بالعمل على بناء ثقته بنفسه من خلال تحقيق أهداف صغيرة، وتطوير مهاراته، والاعتناء بصحته النفسية والجسدية.

  • تحديد القيم والمبادئ:

يحتاج الإنسان عامة والمصاب بهذا المرض إلى تحديد قيمه ومبادئه الخاصة، والالتزام بها في جميع جوانب حياته. فالصدق مع الذات هو مفتاح العلاج.

  • تطوير مهارات التواصل:

يساعد التعبير عن الذات والحوار مع الآخرين على اكتشاف الكثير من الأمور وأحيانا الوصول لمعرفة الكثير من العبوديات التي نحيا في كنفها بلا وعي أو معرفة، لذا يجب على الفرد تعلم كيفية التعبير عن آرائه واحتياجاته بوضوح واحترام، والتحرر من التشنج والتعصب والانغلاق.

  • تجنب العلاقات السامة:

يجب تجنب العلاقات السامة التي تستنزف طاقة الإنسان وتجعله يشعر بالضعف، وتقوده دون أن يشعر للانغلاق والاختفاء والاحتماء في كهوف الخوف والانعزال. العلاقات السامة هي أحد اكبر أسباب العبودية والتحرر منها هو أول خطوات العلاج.

  • الوعي الذاتي:

يحتاج الإنسان إلى أن يراقب أفكاره وسلوكياته، وأن يتحدى الأفكار السلبية التي تدفعه إلى الخنوع ويتبنى الأفكار الإيجابية التي تقوده للمعرفة والتحرر.

يقول نيتشه: “تقاس قوة العقل بمدى قدرته على تحمل الحقيقة التي لا تناسب قناعاته” والتحرر من العبوديات التي تكبل قدرته على التحلق والانطلاق والتفكير.

لماذا يحب البعض العيش كعبيد ويبررون أفعال مستعبديهم ويهاجمون من يريد أن يحررهم؟

لأن الإنسان هو كائن معقد وفي كثير من الأحيان غير منطقي وعاطفي ويميل للهروب من الحقيقة والاختفاء في كهوف العناد والتلذذ بالوحل وتفضيل العيش في ظلام الاستعباد المريح عن العيش في نور الحرية المقلق.

لأن العديد من الأشخاص هم في قرارة أنفسهم مازوخيين/ مازوشيين ويستمتعون بإلحاق الألم بأنفسهم عقليًا وجسديًا.

لأن مرض العبودية هو تكيف نفسي يلجئ إليه الكثيرون كآلية دفاع عن النفس، مثل متلازمة ستوكهولم (حيث يتعاطف الضحايا مع مختطفيهم أو معتديهم، وقد يصل الأمر إلى أن يطور العبيد ارتباطًا عاطفيًا بمستعبديهم كوسيلة للتكيف مع وضعه الصعب).

لأن المستعبد طواعية أو المضطر يميل إلى الإنكار والتبسيط من مرارة واقعه لتجنب الألم النفسي الناتج عن الاعتراف بالظلم. كما أن التعود والتطبيع مع الواقع الذي يصعب تغييره يدفع بالأشخاص الذين يعيشون في بيئة قمعية لفترة طويلة، إلى التعود والتطبيع الواقع وتقبل الظروف كأمر طبيعي لا يمكن تغييره.

وأخيرًا لأن الخوف من العقاب قد يدفع المستعبد لا فقط لقبول العبودية بل إلى الانتقام وعقاب العبيد الآخرين الذين يحاولون التمرد أو طلب الحرية. فأخطر شيء في مرض العبودية هو اعتيادها وكأنها شيء طبيعي والتعود على الاعتماد على المستعبدين.

إن العبيد الذين اعتاد الاعتماد على مستعبده لتلبية احتياجاته الأساسية، ينشأ لديه شعور بالاعتمادية والتبعية، ويلجؤوا إلى العنف إذا ما حاول أحد المساس بشعورهم الكاذب بالأمن والانتماء. إنهم يفضلون شعورهم بالانتماء والأمان في الجماعة التي ينتمون إليها، حتى لو كانت هذه الجماعة تمارس القمع.

ختامًا:

مرض الخنوع والعبودية هو مرض خطير يؤثر على الفرد والمجتمع، وهو مرض منتشر جدا ويصعب وجود إنسان لا يعاني منه بشكل من الأشكال، فحتى أكثر الناس حريةً في أمر ما قد يكونوا أكثرهم عبودية في بعض الأمور الأخرى.

ونظرا لصعوبة اكتشاف العبوديات والتحرر منها نحتاج جميعا إلى طلب المساعدة النفسية والروحية، والعمل على استعادة حرية التفكير والتقييم.

إن الأمر يحتاج لشجاعة كسر القيود والتحليق في سماء الحرية واستنشاق عبير التحرر من عبودياتنا النفسية والجسدية والروحية والاجتماعية والدينية.

يحتاج إلى فهم أن الحرية هي حق أساسي لكل إنسان، وأن النضال من أجل الحرية هو واجب أخلاقي.

من ناحية أخرى، نحتاج جميعا إلى الايمان بأن التعاطف مع الظالم لا يجعلنا أبرياء، وأن مساعدة المستعبدين على التحرر هو واجب مقدس، مهما كانت التكلفة ومهما كانت مقاومة المُستَعبَد والمُستعبِد.

نحتاج إلى الاقتناع بأن الأحرار فقط يعرفون قيمة الحرية ويسعون لنشرها مهما كان الثمن.

قمنا في الأسابيع السابقة بالتكلم عن:

أولًا: مرض الإنكار

ثانيًا: مرض الإسقاط

ثالثًا: مرض التظاهر

رابعًا مرض الكذب والإنكار

خامسًا مرض تبلد أو موت الضمير

سادسًا: مرض التطفل والحشرية

سابعا: مرض العناد

سنتناول في الأسابيع القادمة بعض الأمراض الأخرى (للحديث بقية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *