المرض العشرون: مرض الشبق الجنسي

المرض العشرون: مرض الشبق الجنسي

بعض الأمراض الشائعة والمخفية

بقلم المونسنيور د. يوأنس لحظي جيد

أولًا: وصف مرض الشبق الجنسي

مرض الشبق الجنسي (Hypersexual Disorder) هو حالة مرضية منتشرة جدا وتتسم باندفاعات أو سلوكيات جنسية قهرية ومفرطة ومتكررة تتسبب في أزمات كبيرة وتؤثر سلبًا على كافة جوانب الحياة المختلفة، وعلى العلاقات والأسرة والعمل والصحة. إنه اضطراب لأنه لا يقتصر على الرغبة الجنسية القوية، بل يتجاوز ذلك إلى عدم القدرة على التحكم في هذه الرغبات والسلوكيات والشهوات. إنه نمط سلوكي مستمر ومتكرر يتجلى في الانشغال الشديد بالأفكار، والرغبات والسلوكيات الجنسية. فالشخص المصاب يفقد السيطرة على هذه الدوافع، حتى عندما يدرك أنها تسبب له وللآخرين مشاكل. إنه عبد لرغباته وشهواته.

إنه مرض يصيب الرجال والنساء، وبرغم أنه يتأثر بالمراحل العمرية إلا أنه لا يعرف السن، أو الجنس أو المكانة الاجتماعية، فقد نجد مراهقا رزينا، وشيخا جانحا، علمانيا عفيفا ورجل دين منحرفا.

إنه مرض ينتشر أكثر في المجتمعات المغلقة لدرجة أنه كلما اتسمت المجتمعات بالتحجر والتظاهر الديني والتكلم عن الأخلاق كلما كانت نسبة المصابين بهذا المرض أكبر وأعمق وأكثر انتشارا.

السلوكيات والتصرفات التي تظهر الإصابة بهذا المرض:

  • الاستمناء المفرط والقهري: حين تمارس العادة السرية بشكل مبالغ فيه وقهري وتصبح النشاط الرئيسي الذي يستهلك معظم وقت واهتمام وتفكير المصاب بهذا المرض.
  • البحث المرضي على المواد الإباحية: يمضي المريض ساعات طويلة في البحث عن المواقع والصور والأفلام ومشاهدة المواد الإباحية، مما يؤثر على الحياة اليومية.
  • القيام بسلوكيات جنسية خطرة ومتطرفة: مثل التلصص، حتى على الأقارب، والسعي لممارسة الجنس بأي شكل وبأي ثمن. وحين يصل الأمر إلى التطرف أما عبر التشدد المرضي ورفض كل ما هو جنسي أو الانخراط في الدعارة والخلاعة.
  • السعي القهري لإقامة علاقات جنسية: لا يكتفي المريض بشريك واحد وهو غالبا ما يخون شريك حياته في بحث مستمر عن شركاء جنسيين جدد، في دوامة لا تنتهي ابدا.
  • التفكير الجنسي المستمر والاجتراري: المريض يفكر ليلا نهارا وبشكل مرضي فقط في الجنس ولا يستطيع إبعاد الأفكار الجنسية عن ذهنه، حتى في الأوقات والمواقف غير المناسبة وفي أقدس الأماكن.
  • التحرش الجنسي: يمارس المريض سلوكيات تحرشية أو غير لائقة، وقد يصل به الأمر للتحرش حتى بأقاربه وخاصة بالأطفال والضعفاء وأصحاب الإعاقة. إن رغبته المرضية تجعله لا يتوانى ولا يتراجع ولا يلتزم بأي أحكام أخلاقية أو أدبية.

ثانياً: خطورة مرض الشبق الجنسي

تتعدى خطورة الشبق الجنسي الفرد المصاب لتطال محيطه الاجتماعي والعلاقاتي.

فالشخص المصاب يعيش في ضيقة وضائقة نفسية وعاطفية مستمرة ويعاني من مشاعر الذنب، الخزي، الاكتئاب، والقلق بسبب عدم قدرته على التحكم في سلوكه. وغالبا مايقود الادمان الجنسي إلىإدمانات أخرى مثل المخدرات أو الكحول. كما يقود السلوك الجنسي المفرط والقهري إلى تدمير العلاقات الزوجية والأسرية والاجتماعية بسبب الخيانة، وعدم الثقة، والإهمال. ويتسبب في مشاكل صحية أخرى كالإصابة بمرض الايدز والأمراض المنقولة جنسيًا ومشاكل مهنية تؤثر فيالأداء الوظيفي أو الدراسي نتيجة الانشغال المفرط بالأفكار والسلوكيات الجنسية. يؤدي كل هذا إلى الفشل الدراسي والاجتماعي والوظيفي. وقد يتورط الشخص في مشاكل قانونية بسبب سلوكيات غير قانونية (مثل التحرش، التلصص، أو الدعارة).

كما يؤثر هذا المرض على المحيطين بالشخص المصاب. فيعاني الشريك والأقارب من ألم عاطفي عميق، وصدمة، وخيانة، وفقدان الثقة، وتهتز أركان الثقة والأمان في العلاقة، مما يؤدي غالبًا إلى الانفصال أو الطلاق. يشعر المحيطون بالمريض غالبا بالخزي أو الوصمة الاجتماعية نتيجة لسلوكيات المصاب لاسيما وأن التعامل مع مريض الشبق الجنسي مرهق للغاية، ويستنزف طاقات المحيطين به.

ثالثاً: أمثلة على الشبق الجنسي

من الحياة اليومية:

  • مدمن المواد الإباحية: الشخص الذي يقضي ساعات طويلة يوميًا في مشاهدة المواد الإباحية، لدرجة أنها تؤثر على نومه، وعمله، وعلاقاته، وبرغم أنه يشعر بالذنب بعد كل مرة لكنه لا يستطيع التوقف.
  • الخائن: الشخص الذي لا يستطيع الحفاظ على علاقة عاطفية واحدة، ويشعر بدافع مستمر للبحث عن شركاء جدد، حتى لو كان ذلك يعرضه لمخاطر صحية أو اجتماعية.
  • المتطرف جنسيا: الشخص الذي ينخرط في ممارسات جنسية غير آمنة أو محفوفة بالمخاطر (مثل اللقاءات الجنسية العشوائية) على الرغم من معرفته بالعواقب المحتملة.
  • المتحرش: غالبا ما يتطور الشبق الجنسي إلى سلوكيات تحرشية أو غير لائقة، خاصة إذا كان هناك ضعف في الحكم الأخلاقي أو اضطرابات أخرى مصاحبة.

من الكتاب المقدس:

لا يستخدم الكتاب المقدس مصطلح “الشبق الجنسي” أو “الشهوة المفرطة”، لكنه يتحدث عن الشهوة الجسدية والزنا والبغاء ويُدين هذه السلوكيات بشدة.

  • قصة شمشون ودليلة (قض 16): يصف الكتاب المقدس سلوك شمشون المتكرر في السعي وراء النساء الأجنبيات، وتجاهله للعواقب المحتملة، وسقوطه في يد دليلة بسبب شهوته، ويقدمه الكتاب المقدس كمثال على كيفية تسبب الشهوة غير المنضبطة في تدمير الفرد ومواهبه. لقد استسلم لشهواته مرارًا وتكرارًا حتى خسر قوته وعينيه وحياته.
  • قصة الملك داود وبثشبع (2 صم 11): رأى داود بثشبع تستحم، واشتهها. لم يكن الأمر مجرد رغبة عابرة، بل قاده إلى سلسلة من الخطايا والأفعال القهرية من ارتكاب الزنا، والتآمر لقتل زوجها أوريا للتستر على خطيئته. تُظهر هذه القصة كيف أن الشهوة غير المسيطرة عليها يمكن أن تدفع حتى الانبياء إلى أفعال مدمرة وقاسية.
  • سفر الأمثال: يقدمسفر الأمثال الكثير من التحذيرات ضد الشهوة والزنا وعواقبهما المدمرة على حياة الإنسان وماله وسمعته (مثل أمثال 6: 25-29، 7: 7-27).
  • رسائل القديس بولس: تحذر رسائل بولس الرسول المسيحيين بشدة من الشهوة الجسدية ويدعوهم للابتعاد عن الخطيئة وتنجيس الجسد وهدم العلاقة مع الله (مثل 1 كور 6، 18، أفس 5، 3).

رابعاً: علاج مرض الشبق الجنسي النفسي والروحي

يتطلب علاج الشبق الجنسي الدعم النفسي والروحي، واحيانا العلاج الدوائي:

من الناحية النفسية والدوائية قد يحتاج المريض إلى:

العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لتحديد الأفكار والمفاهيم التي تدفع السلوكيات القهرية وتغييرها، بهدف مساعدة الشخص على تطوير استراتيجيات للتكيف مع الرغبات الملحة وتجنب المحفزات.

العلاج بالقبول والالتزام (ACT): لمساعدة الشخص على تقبل الأفكار والمشاعر غير المرغوبة (مثل الرغبات الجنسية الملحة) دون الحكم عليها، مع التركيز على الالتزام بالقيم الشخصية.

العلاج الديناميكي النفسي: لمساعدة الشخص على استكشاف الجذور العميقة للسلوك، مثل الصدمات الماضية، مشاكل التعلق، أو النزاعات الداخلية التي قد تغذي الشبق الجنسي.

العلاج الأسري أو الزوجي: ينصح في حالة المرضى المتزوجينبالعلاج المشترك لمساعدة الشريك في فهم المرض، ومحاولة إعادة بناء الثقة، إن أمكن، وتطوير طُرق للتعامل.

في بعض الحالات، قد يصف الأطباء أدوية معينة، خاصة إذا كان الشبق الجنسي مصحوبًا باضطرابات أخرى مثل الاكتئاب، القلق، أو اضطراب ثنائي القطب.

من الناحية الروحية يحتاج العلاج إلى:

الاعتراف وممارسة سر التوبة: يحتاج المريض أولا إلى التحلي بشجاعة الاعتراف بمرضه والتوجه لله بطلب التوبة والتقرب من سر التوبة. يحتاج للتحدث مع مرشد روحي أو كاهن للحصول على التوجيه الروحي، ولفهم الجذور الروحية للمشكلة.

يحتاج العلاج إلى الانخراط في خدمة الآخرين والتركيز على العطاء وخدمة المجتمع لتحويل الطاقة الجنسية إلى طاقة خير وعطاء مما يمنح الشخص شعورًا بالهدف والمعنى، ويقلل من انشغاله بالذات وبالشهوات. فلا شفاء روحي ونفسي وجسدي بدون التحرر من الانغلاق على الذات والخروج للقاء الآخرين كأشخاص وبناء الثقة في النفس وفي الآخرين وفي الله.

الخلاصة:

الشبق الجنسي ليس مجرد ضعف أو انحطاط أخلاقي بل هو اضطراب سلوكي معقد له عواقب وخيمة على الفرد والمحيطين به. إنه اضطراب لا يمكن أن يعالج بمجرد الإنكار أو الادعاء أو التظاهر بأن كل شيء تمام، لأنه تعبير عن خلل في المنظومة النفسية والروحية والأخلاقية. يتطلب التعافي منه أولا فهمًا عميقًا للجذور النفسية والروحية، وثانيا شجاعة الاعتراف به وثالثا طلب المساعدة المتخصصة.

إنه تعبير عن الانغلاق في الذات والشهوات والعيش في سجن الأفكار والصور والمخيلات الجنسية. يحتاج المريض لشجاعة كسر القيود وتحرير الذات من سجن المخيلات.

يحتاج الأشخاص المصابين تعلم كيفية إدارة رغباتهم وشهواتهم وميولهم، وإعادة بناء حياتهم وعلاقاتهم، والعيش بسلام داخلي ونزاهة والوصول إلى رؤية الآخر ككائن يستحق الاحترام والتقدير لمشاعره واحاسيسه واحتياجاته.

إن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى نحو الشفاء والتحرر من قيود هذا الوباء المدمر.

قمنا في الأسابيع السابقة بالتكلم عن:

أولًا: مرض الإنكار

ثانيًا: مرض الإسقاط

ثالثًا: مرض التظاهر

رابعًا: مرض الكذب والإنكار

خامسًا: مرض تبلد أو موت الضمير

سادسًا: مرض التطفل والحشرية

سابعًا: مرض العناد

ثامنًا: مرض الخنوع والعبودية الاختيارية

تاسعًا: مرض التطرف

عاشرًا: مرض الحصان المَيْت

حادي عشر: مرض استغلال الآخرين والتلاعب بهم

ثاني عشر: مرض عمى البصيرة

ثالث عشر: مرض القطيع أو التحجج بالأغلبية

رابع عشر: المراهقة المستمرة وعدم النضج

خامس عشر: مرض الخيانة

سادس عشر: مرض لعب دور الضحية

سابع عشر: مرض الفساد الروحي والأخلاقي والعاطفي والمالي

ثامن عشر: مرض تضخيم صورة الذات

تاسع عشر: مرض الرياء والتملق

سنتناول في الأسابيع القادمة بعض الأمراض الأخرى (للحديث بقية).