الشماس نبيل حليم يعقوب
كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك بلوس انجلوس
حـمّلوك الـصليب وإكليل الـشوك… وألـبسوك ثوب الأرجوان
عـرّوك..جـلدوك بالـسياط..وسـاقوك إلـى سـاحة الإعــــــدام
"اصـلبوه"..صارخين..قائلين.."هذا لا مـلك..هـذا إنـسـان"
حـتى بـيلاطس إزداد خـوفـا من فقد الــســلـطان
"يـسـوع الـنـاصري ملك الـيهود" ..كتب العـنوان..
عـذبــوك..وعـيروك..وأذاقوك خـلاً..وانت عطشان
وعندمـا أُكــمـل..نـكـستَ رأسـك..
وإسـتودعتَ روحك إلـى الأب فـي سلام
هــا قد تـمت الأقوال..وعلى قمة الجبل الحجري عُـلقتَ أيها الـملك..
أيها السلطان
هـا قد أتت الساعة
وأتممت القول يـا معـلـم من إنك سـتـبقى معنا زمـنـاً قـليلاً..
مـــات الـحـبيب..ورحـل عنا الراعي والسيد
وإقفرت الحـظيرة وتشتت الإخـوان
صـلبوكَ..فخرجت الثـعالـب من أوكـارهـا.. ونبت الزؤان فـي الـحقول
وأطلت رؤوس الـتنين والوحش والـكـذاب..
يــا معـلـمي..هـل لـي أن أفتح فـمي لأفـهم وأعـي..
لـمـاذا صـنعتَ بنا هـكذا؟
أنــا ..أنــا إبن يـونـا..سـمعان بطرس..
تلك الصخرة التي إلتقطتها من على بحيرات الجليل
أنـا من دعوتني لكي أكون أحد أخصاءك..أحباؤك.. وحاملاً لرسالتك
أنـا الرجـل الأممي..الأمي..والعـامي..أنا إبن الأرض.. نـموذجـاً لبني البشر
أنـا ذلك الإنسان الـمتقلب الأهـواء..أندفع تارة لأطلب آية كالسير على الـَـيم، ثم أغرق
فـي بحر الـعالـم وشهواته ومـلذاته..
ثـم أنهض مرة أخرى وأعلن إنك أنت الـمسيح إبن الله العلي وأثبت عليك نظري وأخطو خطواتـي الأولــى نـحوك ، ومـا أن أنـظر إلى قدمي أتعثر وأبتعد سريعا مـتحججاً من إنك رسولاً بشرياً ولست بالإلـه..
فلم تستطع منعي من السقوط أو إبقائي معك..
ثـم أسـتشعرك بقوة فى عمق كـياني..فأعلن عن غيرتي نحوك فأستل سيفي..كلمـاتـي..
خدمتي للدفاع عنك..وسرعان ما أعود لأنكرك أمام جارية وتحت بريق الذهب ونداء الجــسد..
ولكنك لـم تيأس فأسمعتني صوتك..ودعوتني بإسمي..فصرختُ مندفعـاً بأنـي وإن شكَ فيك الـجميع فأنا لا أشك..وسرعان ما أتمرد عليك وأعلن بأني لستُ أعرفك..
تــبــاً لــي..أنــا الإنسان..الشقي والبائس والعريان
فـأغـفر لـي أرضيتي..بشريتي..وعقلي الـمـحدود..فهـل لـي أن أفهـم وأعـي لـِم متَ؟
عنـدمـا أعلنت لـنا ذات يوم أنه ينبغي لك أن تتألـم كثيراً وتُرذل من الشيوخ والرؤساء وتُقتل وتقوم
لـم أصدق القول..فهرولت نحوك وعاتبتك قائلا:"حاشاك يارب..لا يكون لك هذا..فكيف للـمسيح إبن العلي أن يـموت؟".وبدأت أقترح عليك التـصورات وأملي عليك الشروط ..فأبعدتني مـلقباً إياي بالشيطان وألصقت بي تهمة أني أرضي أبتغي رضاء البشر وليس مـا هو إلـهي..
لا..أفهـم..لا أعـي..لـمن أذهب الآن وكلام الحياة الأبدية كان عندك..
لـــِم الـصلب والـصليب؟..
أنظر الآن أيها الـملك وعـاين ماحدث..على رأسك إكليل ليس من ذهب بل من شوك
عرشك ليس من عاج مرصع..بل من خشب السنط
علامـة مـلكك ليست نـسراً أو صقراً بل لوحة مكتوبة للـسخرية
أرض قصرك ليست من مرمر بل من حجارة وجماجم مـوتى
يقف الجميع من حولك لا لـيهـتفوا بحياتك..لا لـيـمجدوك..بل للمعايرة والتشكيك
أهـذا أنت ملك الـملوك ورب الأرباب؟
أهـذا هو صــانع الأعـاجيب؟!
لـقد تـحول كل شيئ إلـى ليل طويل..فضاع مني الإيـمان وسقط الرجاء وشككتُ
فقلت..لا ..لا ..أنـي لا أعرف هـذا الإنـسان..أنا لست أعرف هذا الـمصلوب
يـــسـوعـي..مـسيحي..مـليكي..هـو من أنشدت الـملائكة عند مـيلاده..
هــو من إهـتزت الـمدينة عند لقاءه..وصرخ الشيطان وسقط عند رؤيته..
هــو من خرج الـموتـى من القبور عندمـا صرخ ومن يـده أُشبعت الألاف ..
هــو من أسكن العـاصفة بـكلمته وجمع الـخراف بصوته..وفتح أعين العمي بلمسته..
هـو رب الـحياة ..مشرع الوصايا..صاحب الكرم والكرمة والقاضي وحاصد الوزنات..
هــو كاتب العهد..غافر الخطـايــــا ..ورب السبت..
أهــذا أنت..أيها الـمصلوب؟
لا..لا..إبتعد عني فأنـا رجـل خاطئ..حاولت عن عمد أو سهو أن أبتعد عنك لأنك لـم تبتعد
فــأدرت لك ظهري ..وأشعلت في وصاياك ونسيتك وعندي أسبابي..
نسيتك كـآدم وداود عبدك ودنست ردائـي..
نسيتك كـشمـشون جبارك وإنقدتُ لأهوائي..
نسيتك كـسليمان حـكيمك وبنيتُ معابد لألهتي..
نسيتك..وتناسيت كل مـحاولاتك لإعـادتي..
أنـا من كان يرعى فى حبك ويتدلل فى ظـل حـمايـتك
نـسيتك أنا إبن الأرض..من يرتـجي الحية أن تـملأ كـأسه وقطاف الـثمرة الـمحرمة هى متعتي.
فــي ضـيقي شـككتُ فيك..وفـي تـألـمي شـككتُ فى حبك..
فـــي تـيتمي شـككتُ فى رسـالتك..
وفـي عدم إجـابة صلاتـي شككتُ حتى فى وجودك..
أين أنت الآن؟..هــل تنظر لــي؟..هــل تـمد اليد وتـجذبني كـما فعلتَ فى قديم الأيام؟
أواه..يــا ربــي..هــا انـي أسمعك..أراك..ووسط ألامـك نظرتَ..
نـظرتَ إلـي فـي تعفني..وبعد أن فاحت مني رائحة الخرنوب..
نـظرتَ إلـي بلا حديث ..بلا تـمتمة شفاه..
نـظرتَ إلـي..إنـها نفس النظرة التي كانت رِجلاً لـكسيح ..ويداً لأشـل..وعين لأعمى وقيامة لطريح
نـظرت إلـي..نظرة حب..وخِلتها قائلة :
" أهــذا أنت أيها الإنسان؟..
أهـذا أنت أيها الأول والحبيب؟..
أهـذا أنت يا أليفي وحبيبي وأنيسي ومن تحلو معه العشرة؟..
ألا تعرفني؟!..أنسيت هكذا سريعا من أنتَ؟..ومن أنـــا؟..
أنسيت سريعا سر إختيارك؟..
أنسيت سريعا سر مـحبتي؟..
أنسيت سريعا إنك إبن للسماء ..أحد خاصتي؟؟
أنسيت صوتي وتعليمي ووصيتي وآياتي وأنكرتني لأنني علقت على خشبة وتركتـك هنيهة؟..
لـقد مـتُ عـلى الصليب..لكي تكون لـكم حياة..
لـقد مـتُ على الصليب ..لكي تكون لـكم دالة عند الأب السماوي..
لـقد مـتُ على الصليب..لكي تكون لـكم مغفرة…ولكي أكـــسو عريـكم..
لـقد مـتُ عـلى الـصليب… لأنني أحببتكم يا بني البشر..ولكي لأعطيكم الـمجد والـملكوت..
لـقد مـتُ على الصليب..لـكي يتم ما قيل بأنبيائي..ولأعطي لكم رجاء القيامة..
فعـش على هذا الرجـاء..وتــأمــل وأعـمل ..وتذكر قولـي أنا معكم لإنتهاء الدهر"..
شــكراً..شـكراً لك يا رب الكرم..شكراً لك أيها الحبيب ..
هـا أنا أسجد تحت أقدام صليبك أبكيك بـكل وجـــدان..
بـموتـك يارب خلصـتني من الخـطية ومن أسنان ذلـك الشيطان..
أقـبلك يا سيدي لأنك كسوتنـي حتى لا أبــقى عـريــان..
يــا من أحببتني دائمـا..هـل تقبلني مرة أخرى بعد أن شككتُ فيك؟
يـا من غفرتَ لـي أكثر من سبعين مرة سبع مرات ..هـل تقبلني مرة أخرى وتغفر لي..
وترحم..وترأف..وتضمني إلـى صدرك كعادتك معى يا أبي السماوي؟..
ألا يـكفـي يا سيدي عذاب الحرمـان ومرارة الـكأس الفارغة وشقاء الإحساس ببعدك؟..
بـُعدك عنـي هـو الـجحيم..وصمتك هـو صدى للهاوية..
فياليت لـي فى عيني ينابيع دموع تكفي الغفران..
آبــتِ..لا تنزع روحك القدوس مني فأشابه الهابطين فى الجب الأسفل..
فـى هذه اللحظات الـمباركة يارب..لـيتوقف عقلي..ذاكرتي..وإرادتـي..
لـتنحط كـل قواي البشرية..ولينحدر روحك القدوس الآن ويرفرف ويحـل ويسيطر ويـملك
فأخضع بكـليتي لـمشيئتك..فتفضل يارب..وإستـخدمني كـما تريد بكامل حريتي كـأداة حب
فـي يدك أنا غير الـمستحق..إفعل بي مـا تشاء حتى أعيد لك إخوتي الذين أعطيتهم لـي..
كــمل اللهم عـمل نعمتك في..وقوِ ضعفي..وهبني نعمة الثبات فى دعوتـي حتى النفس الأخير..
وحـدي لا أستطيع أن أصنع شيئا..سيقوى علي الوحش والتنين والنبي وأصحاب الوسم ولكن بك وحدك سيكون الإنتـصار…فلتكن يارب أيام تجندي على الأرض هي صفحة إنتصار جديدة لـنعمتك على قوات الجحيم.
أريدك ياقدوس أن أشابهك لا فى صنع الـمعجزات بل أن أكون محباً وأن أراك فى كل الوجوه ويروك في ليس فى رداء
أو مسوح بل فى عملي وسلوكي وأخلاقي التى هي منك.
ساعدني لكي أتمم أعمال كرامتك على الأرض ولأثمر ثمراً يليق بقداستك فلا تستحي بي إذا ما أتيت فى مجدك فتدعوني إلى مائدتك السماوية مع ملائكتك وقديسيك وكل مختاريك الذين سبقونا الى المجد فنحيا معك الى دهر الدهور آمين.
تـأمـل الجمعة العظيمة – لوس أنجلوس 10/4/1998