الدور الاجتماعي للكنيسة الكاثوليكية لا يقل عن دورها الروحي
حوار: مايكل فيكتور
في طريقي إلي كاتدرائية القديسة العذراء مريم للأقباط الكاثوليك – بمدينة نصر، كنت أعلم أني ذاهب لأحاور ليس فقط المعاون البطريركي بل أيضا أستاذا بجامعة القاهرة.. وعضوا بنقابة الصحفيين وصاحب مؤلفات كثيرة كلها تدور حول الإنسان والإيمان.
داخل المكتب البطريركي حاورته وطني لساعات طويلة، تحدث فيها الأنبا يوحنا قلتة المعاون البطريركي للأقباط الكاثوليك من عمق قلبه عن مولده ونشأته.
قال إنه من مواليد قرية صغيرة القطنة بمحافظة سوهاج ولصغر القرية وعدم وجود مدرسة بها كان يذهب إلي القرية المجاورة الغنايم وبعد أن أتم دراسته الأولية التحق بالإكليريكية الكاثوليكية بطهطا ثم إلي طنطا وأنهي دراسته اللاهوتية في الكلية الإكليريكية بالمعادي، بعدها التحق بجامعة القاهرة – قسم الدراسات العربية والإسلامية إلي أن نال درجة الدكتوراه وعين مدرسا في أكاديمية الفنون في زمن رئاسة الدكتور رشاد رشدي، ومن تلاميذه إلهام شاهين، ودرية شرف الدين.
من وسط هذا المناخ الفني والثقافي انتقل إلي الجامعة الأمريكية ليصبح أستاذا في الفلسفة الإسلامية، إلي أن سيم أسقفا بالكنيسة الكاثوليكية عام 1986 معاونا للبطريرك حتي الآن.
* ما مهام المعاون البطريركي؟
** البطريرك في حاجة إلي معاونين من الأساقفة والكهنة والعلمانيين، فيختار البطريرك معاونا له أو أكثر ليساعده في مهامه.. والقانون الكنسي يقول إن المعاون البطريركي يعمل كل ما يطلب منه البطريرك.. وأما عن مهامي فهي تتعلق بالنواحي الثقافية والعلاقات المسكونية والحوار الديني، والأنبا بطرس فهيم هو أيضا معاون بطريركي للكنيسة الكاثوليكية ومهامه رعاية الشباب ومدارس الأحد والجمعيات.. فنحن داخل الكنيسة نعمل في تكامل.
* وما خدمات الكاثوليك للمجتمع المصري؟
** الكنيسة الكاثوليكية أهم ما يميزها في هذا الأمر، هو التعليم والمدارس، وهذا يرجع إلي النهضة التعليمية العظيمة التي نهضت بها مصر علي يد محمد علي باشا وأخرجتها من العصور الوسطي وأدخلتها إلي عتبات الحضارة الحديثة، ومنذ ذلك الحين فتح محمد علي المجال للمدارس الأجنبية الكاثوليكية، فجاء الإخوة الفرنسيسكان، وجاء الإخوة اليسوعيون – الجيزويت – وراهبات القلب المقدس.. وتكاثرت الرهبانيات لتفتح المدارس في كل أنحاء مصر حتي وصلنا اليوم إلي 170 مدرسة كاثوليكية من الإسكندرية إلي أسوان للمسلمين والمسيحيين، ومن هذه المدارس تخرج 90% من وزراء مصر، فتخرج منها عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية الأسبق، حسين كامل بهاء الدين، وزير التعليم الأسبق، الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، ولنا الشرف أن نقول إن جمال وعلاء مبارك كانا تلميذين في مدارس سان جورج بمصر الجديدة، والسيدة سوزان مبارك حرم الرئيس مبارك تخرجت من مدرسة سانت كلير.
من هنا فالكنيسة الكاثوليكية تقوم بدورها الثقافي الكبير وتركز علي هذا الجانب لكي تساهم في نهضة المجتمع المصري.
أما الأمر الثاني فهو العناية الصحية فلدينا كثر من مائتي مستوصف تحزم الطبقات الفقيرة.. داخل الأحياء الشعبية والعشوائيات.
تهتم الكنيسة أيضا بالفن، فهناك المركز الكاثوليكي وهي تقيم منذ زمن مهرجانا سنويا لتكريم النجوم إيمانا بأن العمل الفني رسالة تفيد المجتمع.
لدينا أكبر مكتبة في الشرق الأوسط مكتبة الآباء الدومنيكان بالعباسية ومن أصدقائها الكاتب الكبير أنيس منصور وكان يتردد عليها كبار الكتاب والأدباء مثل الدكتور طه حسين وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس ونجيب محفوظ.. والمكتبة تضم الآلاف من الكتب في كل فروع المعرفة والفكر والفلسفة والثقافة.
* كم يبلغ عدد الأقباط الكاثوليك في مصر؟
** للأسف علم الإحصاء مجهول تماما في الشرق العربي، وليس هناك إحصاء لأي شيء ما بدقة.. فإذا سألت كم عدد المصريين يقال لك مرة إنهم 80 مليونا ومرة أخري 75 مليونا.. وعندما تسأل عن أي إحصاء يقال لك تقريبا أو حوالي وهذا أيضا ما يحدث إن سألت عن عدد المسيحيين في مصر. هناك من يقولون لك إنهم 10 ملايين، وآخرون يقولون إنهم 12 مليونا، وهكذا، وأذكر هنا أن الكاتب الصحفي حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب في الفصل الخاص بالأقباط قال هذه العبارة علي مسئوليتي عدد الأقباط لا يقل عن 6 ملايين وهذا في الثمانينيات.. ولك أن تتصور كم عددهم الآن!!
* كم عدد الكنائس الكاثوليكية في مصر؟ وهل تتناسب مع عدد الشعب الكاثوليكي؟
** عدد كنائس الأقباط الكاثوليك 160 كنيسة متواجدة في سبع إيبارشيات.. أما عن ما إذا كانت تكفي عدد الشعب، فهناك مناطق تكفي وأخري لا تكفي، والمؤلم أن هناك مناطق جديدة لا يوجد بها أي كنيسة!
* هل هناك مشاكل من جهة الحصول علي تراخيص كنائس في المناطق الجديدة؟
** توجد صعوبة في أخذ التصاريح.. ولازلنا نأمل أن يصدر القانون الموحد لبناء دور العبادة، فنحن جزء من نسيج المجتمع المصري، ولنا الحق ويعطيه لنا الدستور أن نبني كنائسنا، يجب أن تتغير الفكرة التي ورثناها أيام الأتراك والمماليك.. أقصد بتقسيم الملل والمذاهب فنحن نعيش عصر العولمة.
* إلي أين وصل الحوار المسيحي – الإسلامي مع الكاثوليك؟
** الحوار الديني بين المسلمين والمسيحيين ليس حديثا معاصرا، ولكنه يرجع إلي زمن قديم، ففي القرن العاشر الميلادي كان الخليفة المأمون يجمع كل الأديان ليتحاوروا أمامه، وكان يجزل لهم العطاء، وظل الأمر هكذا، ولكن الحوار كان يخضع للظروف السياسية، مثل الحروب الصليبية التي عطلت الحوار، رغم أنه في القرن الحادي عشر جاء القديس فرنسيس وقابل السلطان الكامل في دمياط، وفي هذا قال أحد المؤرخين لقد كسب فرنسيس أكثر من أربعين موقعة حربية بالحب والسلام لأنه استطاع أن يقنع السلطان الكامل بوقف الحرب وإنقاذ الجرحي ودفن الموتي، وتوالت الحوارات بين المسلمين والمسيحيين حتي وصلنا إلي المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1964 في روما، الذي أصدر بيانا عن موقف الكنيسة من المسلمين وهذا كان نقطة انطلاق وتكونت عنه لجنة باسم لجنة المجمع الشرقي لعلوم الحوار الإسلامي – المسيحي.. هذه اللجنة تجتمع سنويا بالتبادل فتجتمع في روما وفي العام التالي تجتمع في الأزهر، ونحن نلتقي في هذه الحوارات لمناقشة القضايا المشتركة وخاصة القضايا الأخلاقية التي تمس المجتمع والناس والحياة، بعيدا عن العقائد أو الثوابت كما يقال
* لماذا لا يناقش الحوار العقائد؟
** لأننا مازلنا لا نحتمل هذا الحوار ويظل حوارنا في الأمور المشتركة مثل العدالة، المال، النظرة إلي المرأة، الأخلاق إلي أن يأتي جيل آخر قادر علي أن يخوض الحوار في العقائد.
* ما آخر المستجدات في وحدة الكنائس؟
** آخر مؤتمر شاركت فيه كان في 24 يناير هذا العام 2009 بروما بين الكنيسة الكاثوليكية وجميع الكنائس الأرثوذكسية الشرقية وكان يمثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس لعلمه الواسع وثقافته اللاهوتية العميقة، وقاد الحوار بالتبادل مع الكاردينال كيسبار بروح مسكونية رائعة يستحق عليها التهنئة، فأنا أري أن الأنبا بيشوي أصبح أستاذا في الحوار بهدوئه وتواضعه وثقافته
.
* تستمر الحوارات ولكننا لم نجد أي وحدة بين الطوائف المسيحية.. لماذا؟!
** دون حرج أري أن الحوار المسيحي ليس فلسفة ولا منطقا ولا لاهوتا فقط، الحوار المسيحي صلاة وتأمل في سر التجسد والفداء.
* ما رأي نيافتك في اشتغال رجال الدين بالسياسة؟
** أرفض تماما انشغال رجال الدين بالسياسة، فرجل الدين رجل صلاة ولكن إذا كان لرجل الدين مواقف سياسية تكون لصالح الوطن، لصالح المسيحيين والمسلمين معا، ففي مثل هذه المواقف المهمة لا مانع، لأن مصر لن تنهض بالمسلمين وحدهم ولن تنهض بالمسيحيين وحدهم.. بل لن تتقدم إلا بتقدمنا معا.
* ما رأي الكنيسة الكاثوليكية في زيارة القدس؟
** الكنيسة الكاثوليكية لا تقوم بزيارات رسمية للقدس وغبطة البطريرك الأنبا أنطونيوس نجيب لا يشجع السفر في هذه المرحلة تعاطفا مع الإخوة الفلسطينيين ومع السياسة المصرية ومع الرأي العام الذي يتعاطف مع رأي قداسة البابا شنودة الثالث وموقفه المعروف، ولكن دعني أقول لك بصراحة إن الكنيسة الكاثوليكية وإن كانت لا تشجع، ولكننا في نفس الوقت لا نحرم الشخص من حقه في الزيارة.
* بمناسبة مرور ثلاث سنوات علي تولي الأنبا أنطونيوس نجيب رعاية الأقباط الكاثوليك.. كيف تم اختياره بطريركا؟ وهل هناك لائحة لاختيار البطاركة؟
** بالتأكيد.. اجتمع المجمع المقدس وتم الانتخاب وفقا للائحة، وكان ذلك في الأول من مايو 2006، فكان اختيار الروح القدس فالأنبا أنطونيوس علي درجة عالية جدا من السمو الروحي وممارسة العمل الرسولي ويمتاز أسلوبه بأمرين: يعمل في صمت ولا يحب الدعاية، ويشير برأيه في أي موضوع بهدوء وحكمة وشعاره الحق بالمحبة. منذ توليه الرعاية اتجه إلي نوع من تغيير الفكر الروحي فاهتم بالكهنة وبالأساقفة وبالرهبانيات.
*انتخاب الأنبا أنطونيوس بعد أن قدم الأنبا إسطفانوس البطريرك السابق استقالته فما هي الأسباب التي يمكن أن يستقيل من أجلها البطريرك؟
** في الكنيسة الكاثوليكية العالمية هناك قانون كنسي – دستور – ينص علي أنه إذا بلغ البطريرك المنتخب من العمر 75 عاما يلتزم بانتهاء توليه الخدمة كبطريرك ماعدا الاختلاف حول شخصية بابا روما إذ لا يخضع للقوانين لأن له سلطة مطلقة ونحن نعتبره نائبا عن المسيح فلمن يقدم استقالته؟!
* الكثيرون يرون أن استقالة بطريرك كاستقالة أب من أبويته؟ ما تعليقك علي ذلك؟
** البطاركة الشرقيون اعتمدوا علي مرجعية الطقوس الشرقية إن البطريرك الأب لا يستقيل من أبويته وهو أب الطائفة ولذلك قليلون جدا من البطاركة الذين يستقيلون، ولكن يمكن للمجمع المقدس أن يطلب من البطريرك الاستقالة في حالة المرض الشديد أو العجز إذا اتفقت علي ذلك الأغلبية.
* إذن المجمع المقدس هو الذي طلب من المتنيح الأنبا إسطفانوس الاستقالة؟
** الأنبا إسطفانوس قدم بنفسه وبرغبته وبإرادته الاستقالة عندما بدأت صحته تضعف وبدأ يشعر أنه يحتاج إلي الراحة والكنيسة تحتاج إلي من يرعاها أكثر.. وكان وقتها عمره قد بلغ 86 عاما.
* ما الإنجازات التي تمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة منذ تولي غبطة البطريرك الأنبا أنطونيوس نجيب البطريركية؟
** الأنبا أنطونيوس أسس نشاط الروابط وهي مجموعات تجمع المهن والأنشطة المختلفة، والهدف منها التعرف علي أبناء الطائفة والتعاون المشترك في مختلف التخصصات، فهناك رابطة الأطباء، الصيادلة، المحامين، رجال الأعمال، والسيدات..
كما اهتم اهتماما كبيرا بالكلية الإكليريكية ومدارس الأحد وفي خطته إنشاء مركز ثقافي وبيت للطلبة والطالبات والحلم الأكبر لغبطته هو إنشاء مقر جديد للبطريركية.
* هل هناك مشاكل تواجه الكنيسة الكاثوليكية؟
** التكوين الكهنوتي من أكثر ما يشغل الكنيسة حاليا لأن المجتمع في حاجة إلي من يجمع ما بين الثقافة العصرية واللاهوت المسيحي العميق، ونحن في حاجة إلي كاهن مثقف مستنير، وفي ذات الوقت علي عمق بالعقيدة والإيمان.. كاهن لا ينشغل بالأمور الحياتية ويترك حياته الروحية.
الأمر الأكثر أهمية هو التساهل في العقيدة تحت الضغط، فلا ينبغي التضحية من أجل إرضاء الناس، كثيرون يطلبون الطلاق، ويريدون الزواج مرة أخري، فالمسيحية واضحة في هذا والمسيح كان واضحا في هذا أيضا.
كما تحتاج الكنيسة إلي عدة رهبانيات أكثر فأصبحت مدارس الفرير الآن تحت رئاسة العلمانيين بعد أن كان كل القائمين عليها رهبانا وراهبات.. وكذلك المستوصفات والمستشفيات.
* ماذا تتمناه لمستقبل الكنيسة الكاثوليكية بمصر؟
** آمل أن ننشئ جامعة تدرس فيها شتي العلوم ويدرس فيها كل المصريين – مسيحيين ومسلمين – آمل أيضا أن يعود الكاثوليك إلي الاهتمام بالثقافة وبالصحة، وأن يكثر عدد الكهنة المتبتلين والمتزوجين، فنحن نحتاج إلي كليهما في رسالتنا.