الخدمـة …ضروريتها…ومتاعبها

 

الشماس نبيل حليم يعقوب [1]

 

 

لقد جاء فى رسالة القديس بولس الأولى لأهل كورنثوس عن الخدمـة:" هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ، ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِينًا" (1كورنثوس 1:4-2) فلنتأمل فى النقاط التالية:

1.   ما هى الخدمة وهدفها؟

2.   ما هى الكنيسة؟

3.   متاعب وصلبان

4.   ماذا نصنع؟

خدام المسيح..جنود المسيح..وكلاء أسرار الله..شهود للـه كلها تعنى خدمة الـسيد المسيح. فماذا يعنى خدمة؟، وما هو هدفها؟، ولـمن تُقدّم؟، وأين تُقدّم؟، وهل هناك متاعب؟، وهل لهـا جزاء؟

أسئلة كثيرة يمكن أن تدور فى عقولنا وسمعنا كثيراً هذه الكلمة، أو بمعنى أصح هذه الدعوة:"الخدمـة".

"أنى أريد حراساً لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام"(اشعيا6:62)

الخدمة هى دعوة..إختيار..إتباع..تسليم كامل..وإلتزام.

"اتبعني" قالها الرب لرسله و أيضاً هو الذى قال:"ليس أنتم الذين إخترتموني بل أنا الذى إخترتكم"، فأجابه ارميا فى القديم قائلاً:"ها آنذا فأرسلني"، وجاوبته مريم العذراء قائلة:" هآنذا آمة الرب".

الرسل كانوا منذ بداية الكنيسة يعتبرون أنفسهم خدماً وكانت خدمتهم فى سبيل تكوين جماعة المؤمنين كجماعة واحدة تحمل رسالة الخلاص للجميع.

الخدمة هى حرب ضد الكبرياء وحب الذات وضد محبة العالم وشهواته.

الخدمة هى مصارعة ضد أجناد الشر لكي يملك المسيح الى دهر الدهور.

"ليأت ملكوتك" هذه هى طلبتنا وصلاتنا وهذه خدمتنا أن نعد بيسوع المسيح وبقوة الروح القدس ملكوت الله، "فيصبح المسيح هو كل شيئ وفى كل شيئ"(كولوسي11:3).

لقد إختار الرسل الشمامسة وهى كلمة سريانية معناها "خدم" ليخدموا الموائد ويهتموا بالأرامل ويوزعوا الأرزاق اليومية (اعمال1:6)، وكانت خدمتهم هم أيضا فى سبيل جماعة المؤمنين كي تظل جماعة واحدة (اعمال 7 و 26:8).

قبل ان نعرف مكان الخدمة فعلينا ان نعرف اولا ما هى الكنيسة؟

ما هى الكنيسة؟

هى بيت الله..بيت الصلاة..جبل صهيون..مدينة الله الحي اورشليم السماوية والتى تحفل بالملائكة..وأيضا هى بيت الشهداء وبرج الخلاص.

·       الكنيسة هى سر..سر من الله كشفه للبشر كما يعلن بولس الرسول:"إن هذا السر عظيم أقول هذا بالنسبة للمسيح والكنيسة"(افسس32:5).

·       الكنيسة هى آيـة.. تحقق للبشر ما تشير اليه عن الله بمعنى عندما نقول ان الله محبة فيلزم ان تعلن الكنيسة هذا بأعمالها.

·       الكنيسة هى شعب الرب:"أنتم لم تكونوا حينا شعباً أما الآن فشعب الله"(1بطرس10:2).

·       الكنيسة هى جسد المسيح وعروسه: "أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها، مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدسة وبلا عيب"(افسس25:5-27)،وذلك "لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه"(افسس30:5)،و"وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعل رأسا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكل" (افسس22:1-23).

·       الكنيسة هى هيكل الروح كما جاء:" أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم"(1كورنثوس19:6).

·       الكنيسة هى شركة المؤمنين (اعمال31:9)

·       الكنيسة هى بيت الله فيقول الرسول بولس:"لكي تعلم كيف يجب أن تتصرف في بيت الله الذي هو كنيسة الله الحي عمود الحق وقاعدته" (1 تيموثاوس 3: 15).

·       الكنيسة هى خادمة البشر بأجمعهم.

·       الكنيسة هى الكرمة المقدسة، وقد شبَّه الرب نفسه بصاحب الكَرم الذي يخرج ليستأجر فَعَلَة (خدام) لكرمه (إنجيل متى 20).  وقد قال الرب عن نفسه كذلك: "أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ" (إنجيل يوحنا 15: 1).

فهل عرفنا الآن معنى "كنيسة" فهى ليست بناء حجري وليست حوائط وكراسي وصور وأيقونات وستائر ومذبح و….فهى إمتداد لتجسد المسيح الإله والإنسان وهى تجمع فى شركة جماعة لها قلب واحد وفكر واحد ورأي واحد ومحبة بعضهم لبعض فى المسيح يسوع القائل:"لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم"(متى20:18).

هدف هذه الجماعة هو كالتالى:

       ان تحب الله من كل القلب والفكر

       ان تمجدّ الله فى كل شيئ

       ان تُظهر نِعم الله كما قال الرب:"انتم نور العالم…ليروا اعمالكم الصالحة فيمجدوا اباكم الذى فى السموات"(متى16:5).

       ان تنشر كلمة الله "سأبشّر بإسمك اخوتي واسبحك فى الكنيسة"

    (عبرانيين12:2).

       ان تهتم بالمؤمنين وإحتياجاتهم (2كورنثوس 8و9) و(1تيموثاوس 5).

       ان تهتم بخلاص الأنفس "لكي يحصلوا هم أيضا على الخلاص الذى فى المسيح يسوع والمجد الأبدي"(2تيموثاوس10:2).

غير ان هناك بعض المؤمنين الذين يقع عليهم بصفة خاصة مسؤولية خدمة رعاية الكنيسة وهم اولا الرسل ومن بعدهم الأساقفة ومعاونوهم من القساوسة والشمامسة فمسؤولياتهم هى خدمة وحدة شعب الله جسد المسيح كما ان المسيح هو راعِ لرعيته.

لقد جمع السيد المسيح خدمات ثلاث كان يقوم بها فى العهد القديم ثلاث فئات مختلفة:

       خدمة كلمة الله وكان يقوم بها الأنبيـاء فى القديم

       خدمة الصلاة والذبائح وكان يقوم بها الكهنـة فى القديم

       خدمة الرعايـة وكان يقوم بها الـملوك

والسيد المسيح كان هو النبي والكاهن الأعظم والـملك والراعي الصالح.

فالكنيسة هى جسد المسيح وهى عبارة عن شعب أنبياء وكهنة وملوك فيقول القديس بطرس:" كونوا أنتم أيضا مبنيين – كحجارة حّية – بيتا روحيا، كهنوتا مقدسا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1بطرس5:2). فكل واحد منا يحمل جزء من هذه السمات الثلاث:"كلمة الله-الصلاة والشكر-والرعاية" فلابد ان نعلنها ونشهد بها ليصبح جسد المسيح حيّاً مشهوداً له ومقدساً.

فلا يمكن القول "انا لست بكاهن"، "انا لا أعرف الصلاة"، "لا أعِن بأحد"، "لا أريد ولا أحب قراءة الكتاب المقدس"، "لا ينبغى الحضور من أول القداس أو لا ينبغى حتى حضوره ويكفى مرة واحدة فى العام أو فقط فى المناسبات"،"انا لست بأسقف او كاهن أو شماس فلست إذن مسؤولا عن الفقراء ومشاغلهم أو بزيارة المرضى أو المحتاجين حتى لكلمة تشجيع"..وغيرها من الحجج والأعذار للتقاعس عن الخدمـة.

ان الروح القدس قد حلّ عليّ ولقد مُسحت بزيت الميرون فى سر المعمودية وقُدست وتطهرت بدم المسيح وأشترك فى كسر الخبز مع الكاهن وأدعو الله الأب بأبا،فإذن أنا لست غريبا "إذن انتم لستم غرباء بعد ولا دخلاء بل انتم رعيّة مع القديسين وأهل بيت الله وقد بنيتم على اساس الرسل والأنبياء وحجر الزاوية هو المسيح يسوع الذى فيه ينسق البنيان كله فينمو هيكلاً مقدساً فى الرب وفيه أنتم أيضاً تبنون معا مسكنا لله فى الروح"(افسس19:2-22).

فلا أحد يظن ان الكنيسة هى كاهن وشمامسة فقط فالكنيسة هى كل فرد منا، جماعة واحدة.

ماذا حدث؟ انا لن اقول قول بولس الرسول الى اهل كورنثوس "انكم قد شبعتم، قد استغنيتم، قد ملكتم"(1كورنثوس 8:4).

الى متى سننتظر؟ أحتى يحين موعد مجيئ يسوع الثانى وبعدها نقول:

– أنا يا سيدي خفت.

– أنا لم أعرف ماذا أفعل بالوزنات.

– أن لا احب الخدام الآخرين الذين يعملون معى فى الكنيسة أو حقل الخدمة.

– أنا كنت لا أحب كاهنك يا يسوع ولا أرغب فى التعاون معه.

– أنا لا أعرف لغة القداس او ألحانه.

– أنا يا يسوع لا أجيد الترنم أو القراءة أو الوعظ أو التعليم.

– أنا يا يسوع لا أحب ان يترأس عليّ أحد.

– أنا يا يسوع لا أحب النميمة والحسد والثرثرة ولهذا لا أحب التواجد فى الخدمة.

– أنا يا سيدي لا اعمل كخادم حتى أكنس وأغسل وأنظف موائد وأرضيات.

– انا يا سيدي ليس لي معرفة بأحد ولا أرغب فى معرفة أحد.

– أنا يا يسوع أعمل طوال الأيام وليس لي وقت للترفيه ولا لإضاعة الوقت فى الكنائس.

أتوجد أعذار أخر؟؟؟؟

ربما تكون هذه هى الأيام الأخيرة التى قال عنها بولس الرسول فى رسالته "لأن

الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين بلا حنو، بلا رضى، ثالبين، عديمي النزاهة، شرسين، غير محبين للصلاح، خائنين، مقتحمين، متصلفين، محبين للذات دون محبة لله لهم صورة التقوى"(2تيموثاوس1:3-4).

ان الدعوة للخدمة ما زالت مفتوحة وكل واحد حسب ما وُهب له: "هكذا نحن الكثيرين: جسد واحد في المسيح، وأعضاء بعضا لبعض، كل واحد للآخر ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا: أنبوة فبالنسبة إلى الإيمان أم خدمة ففي الخدمة ، أم المعلم ففي التعليم أم الواعظ ففي الوعظ ، المعطي فبسخاء، المدبر فباجتهاد، الراحم فبسرور"(رومية5:12-8).

وعلينا ان نتذكر مثل العبد الأمين "من أعطى كثيرا يُطلب منه كثير" (لوقا48:12).

والآن هل فى الخدمة صلبان ومتاعب؟:

نعم..ونجد اوضح مثال لنا هو القديس بولس نفسه فإذا ما قرأنا جميع رسائله سنجد فيها:مقاومة وتشكيك – إختلاف مع الخدام (قوم عن حسد وخصام وتحزب) – نفور البعض من الخادم وتخليهم عنه وذلك نتيجة عدم رغبتهم فى التدين او عدم رغبتهم فى سماع كلمة الحق – متاعب طبيعية كالسهر والسفر والمشقات – متاعب صحية – ضعف وفتور فى الحياة الروحية للشعب مع كثرة خطاياهم- إنقسامات وخصومات ومشاكل فى الشعب لهذا قال بولس:"لا يكون بينكم انشقاقات هل إنقسم المسيح"(1كورنثوس10:11-17) – عدم التقدير أو اللامبالاة لهذا قال بولس:"كلما أحبكم أكثر أُحب أقل"(2كورنثوس10:12)- إهانات نفسية (رفض زيارات التفقد او المكالمات) – شهادة زور-الإحساس بالظلم وغيرها.

تلك بعض من المشقات التى قد تواجه الخادم ولهذا نصح الرسول تلميذه قائلا:

"احتمل المشقات كجندي صالح للمسيح يسوع"(2تيموثاوس3:2). ان الخدمة بركـة "حتى انهم ألحّوا علينا فى طلب النعمة والإشتراك فى الخدمة التى للقديسين" (2كورنثوس4:8).

ربما قد تسأل ما هو الجزاء؟

"بهذا يعرفون انكم تلاميذي"

فقدم نفسك ولا تخف لأن الرب معك والباب مفتوح لكل الأعضاء للبناء الروحي والرب يمجد كنيسته الى دهر الدهور. آمين.

                ——————-



[1] عظة فى 8/9/1996 بلوس انجلوس