مقابلة مع رئيس الأساقفة سمير نصار
دمشق، سوريا، الاثنين 05 يوليو 2010 (Zenit.org)
على الرغم من أن جذور المسيحية في دمشق ترقى إلى ما قبل زمن القديس بولس، إلا أن الجماعة الصغيرة تناضل اليوم من أجل البقاء.
يوضح سمير نصار، رئيس أساقفة دمشق الذي أتم اليوم سنواته الستين والذي يخدم الكنيسة المحلية منذ سنة 2006 أن الكنيسة عبارة عن أقلية ضئيلة.
في هذه المقابلة التي أجراها البرنامج التلفزيوني "حيث يبكي الله" الذي تبثه الشبكة الكاثوليكية للإعلام المرئي والمسموع بالتعاون مع عون الكنيسة المتألمة، يتحدث رئيس الأساقفة نصار عن المصاعب التي تواجهها كنيسة دمشق وإنما أيضاً عن أسباب رجائها.
س: إن دمشق التي تخدمونها حالياً هي مدينة في قلب المسيحية حيث فقد القديس بولس بصره واستعاده مجدداً. هل يمكنكم إطلاعنا على وضع المسيحيين الراهن في دمشق؟
رئيس الأساقفة نصار: دمشق وسوريا هي بلاد مسيحية قديمة. كانت لدينا في سوريا 33000 كنيسة. كانت سوريا ذات أغلبية مسيحية وما نزال نحتفظ بعدة أماكن مسيحية شهيرة. عندنا كنائس مسيحية كثيرة ما تزال ناشطة جداً. والمسيحيون في سوريا ليسوا ضيوفاً. فهم يشكلون الجذور ونحن نعيش مع المسلمين جنباً إلى جنب منذ القرن السابع.
لكن المسيحية كانت متجذرة جداً في سوريا قبل الإسلام. أجل، قبل القديس بولس، لأن القديس بولس تعمد واستعاد بصره في دمشق، مما يعني أن المسيحية كانت قائمة هنا قبل القديس بولس.
س: ما هو عدد الكنائس التي ما تزال ناشطة اليوم من بين الـ 33000 التي ذكرتموها؟
رئيس الأساقفة نصار: لدينا ثلاث كنائس. عندنا أولاً الكنيستان القائلتان بالطبيعة الواحدة وهما السريانية الأرثوذكسية والأرمنية الأرثوذكسية اللتان يترأسهما بطريركان يقيمان في دمشق. بعدها، عندنا الروم الأرثوذكس، أكبر كنيسة في سوريا، وهناك العديد من الكنائس الكاثوليكية وبعض الكنائس البروتستانتية. إن كل هذه الكنائس قديمة باستثناء البروتستانتية التي نشأت خلال القرن الأخير. أما الكنائس الأخرى فهي كنائس الرسل. إنني أنتمي إلى الكنيسة المارونية التي تأسست في القرن الخامس على يد القديس مارون، الراهب الذي عاش في منطقة واقعة بين حلب وأنطاكية. كنا في الألفية الأولى في سوريا، وبعدها انتقلنا إلى الجبال اللبنانية لننتشر من هناك في كافة أنحاء العالم، في أستراليا وأميركا. ويقيم أكثر من نصف شعبنا خارج الشرق الأوسط.
س: بالعودة إلى سوريا. ما هي نسبة المسيحيين في سوريا؟
رئيس الأساقفة نصار: رسمياً، نشكل 8% إلى 10% من نسبة السكان. ويتحدث البعض عن 4% أو 5%. نحن أقلية إذ نشكل حوالي مليون مسيحي من أصل 21 مليون.
س: ما هي التقاليد الدينية الأخرى القائمة في سوريا إلى جانب المسيحية؟
رئيس الأساقفة نصار: هناك المسلمون السنة أو المسلمون الأرثوذكس الذين يشكلون حوالي 80%. وهناك العلويون الذين يؤلفون الطائفة المسلمة الأخرى ويشكلون 10%. والسكان الباقون هم مسيحيون.
س: كيف تصفون العلاقة الحالية القائمة بين المسيحيين والمسلمين في سوريا؟
رئيس الأساقفة نصار: لقد عشنا معاً خلال 1400 سنة. واجهنا المشاكل أحياناً لكننا عشنا جنباً إلى جنب. نحن نتشارك ونعيش معاً. وفي أبرشيتي في دمشق، يوجد مسجد بالقرب من غرفتي. لذا، أسمع صلاتهم وهم يسمعون صلوتنا. إذاً، هناك تعايش يومي.
س: هل تتواصلون شخصياً مع الأئمة والممثلين الآخرين؟
رئيس الأساقفة نصار: أجل، بالطبع في مناسبات عديدة. هم يزوروننا في عيدي الميلاد والفصح، ونحن نزورهم خلال عاشوراء أو رمضان أو عيد الفطر. إننا نكوّن حقاً عائلة واحدة.
س: كيف استمر التسامح تجاه المسيحيين في سوريا في الوقت الذي شهدت فيه البلدان المحيطة بها كالعراق وغيره تفكك العلاقة بين المسلمين والمسيحيين؟
رئيس الأساقفة نصار: هذا التسامح استمر بفضل الحكم الذي يهتم بالأقليات ويمنع حدوث المشاكل بين المسلمين والمسيحيين. فالسلطة الحاكمة تؤدي دوراً هاماً في هذه المسألة، وتنجح فيه.
س: إن الكنيسة في سوريا تواجه تحديات. ما هي بعض التحديات التي تواجهونها لكونكم أقلية في بيئة ذات أغلبية مسلمة؟
رئيس الأساقفة نصار: نحن أقلية ضئيلة تتراوح بين 5% و8%. هذا هو التحدي الأكبر. قليلون منا هم الذين يعيشون في مجتمع ذات أغلبية مسلمة. والمسلمون لا يجبروننا على اعتناق دينهم. فإن كانت عائلة مسيحية تعيش مثلاً في مبنى تقيم فيه 12 عائلة مسلمة، فإن أبناءها يلعبون مع أبناء العائلات الأخرى ويذهبون معهم إلى المدارس ويطلعون على العقيدة المسلمة أكثر منه على عقيدتهم المسيحية. إننا نفقد وجودنا لأن عددنا قليل، ولأننا لا نحصل على الدعم المحلي الكافي لنكون معاً ونرسخ إيماننا ونعلم أطفالنا ونبقيهم في كنائسنا المحلية.
س: يذهب الطفل المسيحي إلى المدرسة المحلية التي تتألف من أغلبية مسلمة. الأغلبية مسلمة والأطفال المسيحيون يتعلمون القرآن والإسلام. هل يصبحون مسلمين؟
رئيس الأساقفة نصار: شيئاً فشيئاً يتعرفون إلى القرآن ومحمد أكثر منه إلى يسوع المسيح. نقدم لهم ساعة من التعليم الديني ونرسل إليهم حافلة أو سيارة لإحضارهم وإعادتهم. يأتون تارة ويمتنعون عن ذلك طوراً. كما أن ساعة واحدة ليست كافية. لذا، نحن نسعى إلى إيجاد سبيل للحفاظ على حيوية كنيستنا في موطن الكتاب المقدس.
س: هل المشكلة الأخرى تتمثل في أن العقيدة الإسلامية تفرض على شابة اعتناق الدين الإسلامي إن أرادت أن تتزوج شاباً مسلماً؟
رئيس الأساقفة نصار: أجل، إنها مشكلة. وإن أراد رجل مسيحي أن يتزوج مسلمة، ينبغي عليه اعتناق الإسلام. إنها شريعة قديمة لا نستطيع تغييرها. لا أحد يرغم هذا الرجل على الاقتران بمسلمة، وإنما عندما تشكل المسلمات نسبة 95% والمسيحيات 5%، فهذا يزيد الخيارات ضمن نسبة الـ 95%. لذا، عندما يتزوج، نفقد أفرادنا أيضاً بهذه الطريقة.
س: ماذا عن مسألة الاهتداء؟ هل يأتيكم إلى الكنائس الكاثوليكية المارونية مسلمون مهتمون بالاهتداء؟ وكيف تستجيبون لمسألة الاهتداء خاصة وأن الاهتداء في الإسلام معاقب عليه بالإعدام؟
رئيس الأساقفة نصار: هذا تعصب، لكن العديد من المسلمين يأتون إلى كنيستنا؛ هم يتابعون التعليم الديني ولقاءاتنا لكنهم لا يستطيعون أن يتعمدوا. يمكنهم أن يكونوا مسيحيين إن أرادوا في قلوبهم لكنهم لا يظهرون الأمر.
س: إذاً، إنهم مسيحيون سريون؟
رئيس الأساقفة نصار: لا يستطيعون إظهار الأمر، لكننا نرحب بهم بقلوب مفتوحة. ويأتي البعض منهم إلى القداس يومياً، وإلى الدراسات البيبلية والتعليم الديني. يأتون وإنما يضطرون إلى البقاء مسلمين ظاهرياً.
س: إذاً، يجب أن تكونوا حذرين ككنيسة؛ عندما يأتي إليكم شاب راغب في الاهتداء، كيف تتصرفون؟
رئيس الأساقفة نصار: يمكنني أن أستقبله لكنني لا أستطيع أن أعمده، وإلا واجهت مشكلة مع الحكومة. […] لكنها كنيسة فرحة. عددنا قليل وإنما نؤلف كنيسة نشيطة ونعيش حياة مسكونية رائعة. نحن نعمل معاً؛ في دمشق نحن تسعة أساقفة، خمسة أرثوذكس وأربعة كاثوليك، ونلتقي مرة في الشهر لنتشارك عملنا الرعوي وننظمه ونصلي معاً. هذا جيد جداً. في الكنيسة، لا يأتي الكاثوليك فقط إلى قداسي، وإنما أيضاً بعض الأرثوذكس والمسيحيون الآخرون. كما أن المؤمنين في أبرشيتي يذهبون للمشاركة في قداس الكنيسة الأرثوذكسية مما يجعلنا شبه عائلة.
س: ما هو مصير الشرق الأوسط من دون سوريا؟ بمعنى أن الكنيسة الكاثوليكية في العراق تضمحل سريعاً، والأمر سيان في كافة مناطق الشرق الأوسط باستثناء لبنان. وحتى الشباب في لبنان يغادرون…؟
رئيس الأساقفة نصار: إن ألقيتم نظرة على الشرق الأوسط، لرأيتم أن الحرب قائمة بين تركيا وكردستان؛ والحرب قائمة في العراق؛ وبين الفلسطينيين وإسرائيل، إضافة إلى الحرب في لبنان. سوريا هي البلاد الوحيدة التي تعيش في سلام في المنطقة. لذلك، يأتي الجميع إلى سوريا لأنها البلاد السلمية الوحيدة التي توفر للإنسان إمكانية العيش والعمل والصلاة والتعلم فيها. إنها مدينة جامعة. لذلك، من دون سوريا، تغادر أغلبية الشعوب الشرق الأوسط؛ الأفراد سيغادرون ويهاجرون.
س: هل أنت متفائل بشأن الكنيسة؟
رئيس الأساقفة: يجب أن أكون متفائلاً. نحن كنيسة الرجاء. لا نستطيع أن نكون متشائمين. هذا هو إيماننا. يجب أن نكون شهداء. وأرى أن بعض المسيحيين العراقيين سعداء على الرغم من الاضطهاد. لقد كان يسوع المسيح لاجئاً وشهيداً، وهو يمدني بالقوة في إيماني في هذا العالم؛ ومن الرائع أن أظهر أهمية بقائنا الضروري.
هذه المقابلة أجراها مارك ريدمان للبرنامج التلفزيوني والإذاعي الأسبوعي "حيث يبكي الله" الذي تنتجه الشبكة الكاثوليكية للإعلام المرئي والمسموع بالتعاون مع الجمعية الخيرية الكاثوليكية "عون الكنيسة المتألمة".
على شبكة الإنترنت:
للمزيد من المعلومات: www.WhereGodWeeps.org