خطابات البابا بندكتس السادس عشر حول القديس بولس، في كتاب بالعربية

 

عن أبونا

يصدر في هذه الأيام الكتاب الجديد الذي أعده "مركز الواحة الدولي للحوار" في البندقية – إيطاليا والمحتوي على الترجمة العربية لتعاليم البابا بندكتس السادس عشر في أيام الأربعاء المكرّسة للقديس بولس.

 

كتاب البابا بندكتس السادس عشر، "بولس الرسول"، إصدار Librairie Pauliste جونيه، Marcianum Press البندقيّة، في حزيران 2010، ص 142، 4 دولار، هو أداة مرنة تلبي حاجة معينة أعربت عنها الجماعات المسيحية المتكلمة بالعربية التي تعيش في بلدان ذات أغلبية مسلمة. وهذه مبادرة ملموسة من الدعم لمن كثيراً يدفع بالدم ثمن انتمائه للإيمان المسيحي.

 

هو كتاب للمسيحيين ولكنه سيستخدمه أيضا المسلمون، وهناك بعض الرسائل القصيرة من البلدان حيث سيتم الاستخدام فيها للتعاليم باللغة العربية. الكتاب متوفّر للبيع بالمكتبة البولسيّة، جونيه، شارع القدّيس بولس.

 

ويسرنا تاليا أن ننشر مقدمة الكاردينال أنجلو سكولا، بطريرك البندقية (فينيسيا)، ومؤسس مركز الواحة،  والتي تم نشرها كذلك في صحيفة الاوسيرفاتوري رومانو في الفاتيكان، بتاريخ 18-6-2010.

 

بندكتس السادس عشر، بولس الرسول، مقدّمة للطبعة العربيّة

 

 + الكردينال أنجيلو سكولا، بطريرك البندقيّة

 

بندكتس السادس عشر رجلُ لاهوت كبير. ولأنّه كبير فهو قادرٌ على تقديم حقائق الإيمان، حتّى الأصعب منها، ببساطة. إنّه يأخذ بيد المؤمنين ويدفعهم إلى رفع أنظارهم لفَهم "سعة وطول وارتفاع وعمق" (أفسس 3، 18) سرّ المسيح. والتعاليم حول القدّيس بولس مثالٌ بليغ على ذلك. إنّها أُلقيت خلال السنة البولسيّة وهي تحمل علامة باباويّة لا لبس فيها، حيث نجح الحبر الأعظم، في عشرين نصًّا قصيرًا، في تلخيص الجوانب الرئيسيّة لعمل رسول الأمم العملاقيّ من الناحيتين الشخصيّة والكنسيّة. ومن غير أن يهمل البتّة الهمّ الراعويّ، يتبع خطاب بندكتس السادس عشر في الغالب ترتيبًا زمنيًّا. في القلب، قلب الكتاب وقلب حياة القدّيس بولس على حدّ سواء، هناك اللقاء مع المسيح المصلوب والقائم من الموت، وهو صُلب الفكر البولسيّ الأصيل.

 

إنّه لشرفٌ لمؤسّسة الواحة الدوليّة نشر الترجمة العربيّة لهذه التعاليم في دار نشر الآباء البولسيّين، وذلك بفضل دعم Aid to the Church in Need. وبينما نأمل بأن يفتتح هذا الكتاب سلسلةً من الترجمات تقدّم للجمهور العربيّ جميع شخصيّات آباء الكنيسة والكتّاب الدينيّين المنيرة، والتي يتطرّق إليها بنديكتوس السادس عشر منذ عدّة سنوات، نغتنم هذه الفرصة لنوجّه كلمة إلى فئات القرّاء الرئيسيّة التي نتخيّل أن يكون هذا الكتاب في متناول يدها.

 

نفكّر في المقام الأوّل، بطبيعة الحال، بالكاثوليك من مختلف الطوائف، والذين يُبدون في الشرق الأوسط حيويّة تفوق أعدادهم بكثير. إنّ معرفة تعليم البابا والتعمّق به لهو بالتأكيد أفضل وسيلة لتعزيز أعظم هبة تركها الربّ لتلاميذه: تلك الشركة (communio) التي تجمع أناسًا من مختلف الشعوب والثقافات، لتجعل منهم، وفقًا لتعبير بولس السادس الجريء "كيانًا عرقيًّا فريدًا من نوعه". ومع ذلك، فإنّنا على يقين من أنّ الكتاب سيلقى استقبالا حسنًا حتّى بين الإخوة المسيحيّين من الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى، وهي غالبًا ذات تقاليد قديمة، ونشأت أحيانًا بفضل تبشير بولس نفسه. إنّ الرجوع إلى جذور الإيمان المشترك فيما نقطع معًا المراحل الرئيسيّة من حياة بطل الإنجيل هذا سيكون فرصةً لإعادة اكتشاف تراثنا المسيحيّ المشترك.

 

في الختام، نأمل أن يلقى الكتاب انتشارًا في العالم الإسلاميّ أيضًا. من المعروف أنّ العديد من المفكّرين وعلماء الدين المسلمين، ومن قبل ظهور النقد الحديث في القرن التاسع عشر، قد أعربوا عن شكوك قويّة حول كتابات بولس، واتّهموا الرسول بالتلاعب بالرسالة الأصليّة المسيحيّة. يكرّس البابا عدّة صفحات لهذا الطرح، مُسلّطًا الضوء من وجهة نظر مسيحيّة على العناصر التي تدلّ على الاستمراريّة الكاملة بين الكرازة البولسيّة ورسالة المصلوب القائم من الموت.

 

من الواضح للجميع أنّ من بين احتياجات عصرنا الأكثر إلحاحًا تحسين التفاهم المتبادل بين المؤمنين من مختلف الأديان. ولذلك يُصبح من الضروريّ أن يتمكّن المسيحيّون والمسلمون من معرفة نظرة الآخر لنفسه ولإيمانه، دون حصره مُسبقًا ضمن مقولاته. هذا هو بالأحرى المثال الذي يقدّمه بعض أبرز أركان الحضارة العربيّة الإسلاميّة، كالعالم أبي الريحان البيرونيّ الذي قدّم، دون التخلّي عن عقيدته الإسلاميّة، سردًا عن الحضارة الهنديّة دقيقًا لدرجة أنّه ما زال يحتفظ بقيمته حتّى اليوم. ولذلك فليتأكّد القارئ غير المسيحيّ من أن يجد في هذا الكتاب عرضًا وثيقًا حول مَن هو القدّيس بولس وما محلّه داخل المسيحيّة. إنّ معرفة وجهة النظر التي بلورها أكثر من مليار مؤمن حول هذه الشخصيّة الاستثنائيّة، لها فائدة ثقافية لا يُمكن إنكارها. وأن تكون لوجهة النظر هذا أسُس سليمة، فيُمكن لكلّ قارئ أن يتحقّق منه من خلال مقارنة موضوعيّة مع المعطيات التاريخيّة المُتاحة.