البطريرك أنطونيوس نجيب: لا يوجد طلاق في الكنيسة الكاثوليكية ولا لعلة الزنا

أجرى الحوار عوض بسيط : الأقباط متحدون

 

في هدوء يمارس البطريرك أنطونيوس نجيب، بطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية، مهامه الرعوية بعيداً عن الضجيج الإعلامي، منذ أيار 2006، عندما تم انتخابه خلفاً للبطريرك اسطفانوس الثاني. ولكن تسارع الأحداث الأخيرة يستدعي أن نعرف وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية القبطية في العديد من القضايا. لذا كان حوارنا مع غبطة البطريرك.

 

ما هو موقف الكنيسة القبطية الكاثوليكية من حكم الإدارية العليا الخاص بالزواج الثاني؟

 

عن موقف الكنيسة الكاثوليكية من حكم المحكمة الإدارية العليا الخاص بالزواج الثاني، أشير إلى اعتبارات مختلفة؛ فقبل كل شيء، من المعروف عند الجميع أن عقيدة الكنيسة الكاثوليكية لم ولا تقبل فك رباط سر الزواج المقدّس لأي سبب كان غير وفاة أحد الطرفين.

 

وهناك حالات يكون فيها الزواج باطلاً من الأصل، وفي هذه الحالة كل ما تعمله المحكمة الروحية الكنسية هو أن تعلن بطلان الزواج من الأصل، استنادًا إلى الأسباب التي تكون قد تأكدت من وجودها بالأدلة الكافية، وفي هذه الحالة يمكن عقد زواج جديد، ولكنه يكون الزواج الأول الصحيح، حيث أن الزواج السابق كان باطلاً، ولا يوجد زواج ثانٍ إلا في حالة موت أحد طرفي الزواج الأول.

 

أما حالة المحكمة الإدارية العليا فهي التجاء أحد الأزواج الذين حكمت المحكمة الروحية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالطلاق بينه وبين زوجته، طالبـاً إلزام الكنيسة بعقد زواج كنسي ثانٍ له.

 

ولما كان تعليم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الحالي يرفض ذلك، فقد امتنعت عن تنفيذ الحكم، وهنا أقول أن الكنيسة هي الحَكَم الوحيد في الأمور المتعلقة بأسرارها المقدّسة، ومنها سرّ الزواج، وأحكامها تخصّ الضمير في علاقته مع الله، ومن المفروض أن يلتزم بها أعضاء هذه الكنيسة.

 

فإذا أراد شخص أن يلتجئ إلى جهة أخرى خارجاً عنها لتنظيم شؤون حياته، فله كامل الحريّة في ذلك، وإنما عليه أن يكمّل تدبير هذه الأمور بمعرفة تلك الجهة غير الكنسية، التي لا يحقّ لها أن تلزم الكنيسة بأمور مخالفة لعقيدتها وتعليمها، وينطبق ذلك على باقي الكنائس أيضًا، حيث أن كل كنيسة لها تعليمها العقائدي الذي تنبع منه قوانينها وأحكامها.. ولذلك أصابت المحكمة الدستورية العليا عندما حكمت ببطلان حكم المحكمة الإدارية.

 

لماذا لا تعترف الكنيسة الكاثوليكية بالطلاق؟

وما هي حالات الانفصال التي تقرها الكنيسة الكاثوليكية؟

 

لا تعترف الكنيسة الكاثوليكية بالطلاق بناءً على التعليم الصريح والواضح للسيد المسيح وكتب العهد الجديد الملهَمة.

 

يقول إنجيل القدّيس متى (19: 1-9): "وجاء إليه الفريسيون لـيجربوه قائلين له: هل يحل للرجل أن يطلّق امرأته لكل سبب؟ فأجاب وقال لهم: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى؟ وقال: من أجل ذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسداً واحداً. إذاً ليس بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه الإنسان. قالوا له: فلماذا أوصى موسى أن يُعطى كتاب طلاق فتطلق؟ قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم: إن مَن طلّق امرأته إلا لسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني. والذي يتزوّج بمطلّقة يزنى".

 

فاستنادًا إلى باقي كلمات السيد المسيح في هذا النَص، وإلى ما جاء في الأناجيل الأخرى أن عبارة "إلا لسبب الزنا" لا تدلّ هنا على فكّ رباط الزواج، بل على مجرد الانفصال، ويدعم هذا التفسير الدراسات اللغوية في النصوص غير الكتابية القديمة.

 

ويتأكّد هذا المعنى في نفس إنجيل القدّيس متى، إذ يكمّل السيد المسيح في نفس النَص، وبعد الكلمات السابقة مباشرة: "ومَن تزوّج بمطلّقة يزني".

 

فكيف تكون الكلمة بمعنى فكّ رباط الزواج إذا كان كل من الطرفين لا يمكنه الزواج مرة ثانية؟ وإلا يُعتبَر زانيًا، لأن كلام "السيد المسيح" لا يقول "إذا كانت مخطئة".

 

وفي إنجيل القدّيس مرقس (10: 1-12) لا يذكر السيد المسيح الكلمات "إلا لسبب الزنا". وهذا هو النص كاملاً: "فتقدم الفريسيون وسألوه: هل يحلّ للرجل أن يطلّق إمرأته؟ -ليجربوه- فأجاب وقال لهم: بماذا أوصاكم موسى؟ فقالوا: موسى أذن أن يُكتب كتاب طلاق فتطلق، فأجاب يسوع وقال لهم: من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية. ولكن من بدء الخليقة الله ذكراً وأنثى خلقهما الله. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسداً واحداً. إذاً ليس بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان. ثم في البيت سأله تلاميذه أيضاً عن ذلك، فقال لهم: مَن طلَّق إمرأته وتزوّج بأخرى يزني عليها، وإن طلّقت إمرأة زوجها وتزوّجت بآخر تزني".

 

هنا الكلام واضح وصريح، ولا يحوي أية استثناءات ولا يمكن للأناجيل أن تتناقض.

 

وفي الرسالة إلى كنيسة روما يقول القدّيس بولس (7: 2-3): "المرأة المتزوّجة تربطها الشريعة بالرجل ما دام حيّا، فإذا مات تحرّرت من رباط الشريعة هذا. وإن صارت إلى رجل آخر وزوجها حي فهى زانية. ولكن إذا مات زوجها تحرّرت من الشريعة، فلا تكون زانية إن صارت إلى رجل آخر".. وهنا أيضاً لا استثناء من أي نوع.

 

ما تجيزه حالة الزنى هو إذًا الانفصال فقط، والهدف منه هو:

 

1- إعطاء فرصة لكلا الطرفين للتفكير في جسامة الذنب المُرتكَب ومحاسبة الذات.

 

2- إعطاء الوقت الكافي لكليهما ليدركا أن الخيانة غالبًا ما تكون ثمرة حياة زوجية فاترة، وعلاقات غير سويّة من الطرفين، ليشعرا أن كلاً منهما مذنب ولو بدرجة ما.

 

3- إعطاء الفرصة للطرفين لممارسة فضيلة التوبة، واليقين بأن المحبة الحقيقية تصفح وتضحّي، على مثال "السيد المسيح".

 

على أساس هذه العقيدة حدّد القانون رقم 863 من قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية هذا الأمر كالتالي:

 

البند 1– يُرجَى الزوج كل الرجاء ألا يأبى –بدافع المحبة والحرص على خير الأسرة- الصفح عن القرين الزاني، وألا يقطع شركة الحياة الزوجية. أما إذا لم يعفِ له عن الذنب صراحة أو ضمنًا، فيحق له حل شركة الحياة الزوجية، ما لم يكن قد رضي بالزنى أو أتاح له سببًا، أو اقترف هو نفسه الزنى.

 

البند 2- العفو الضمني يحصل إذا عاشر الزوج البريء الزوج الآخر بعطف زوجي من تلقاء نفسه بعد علمه بالزنى. لكنه يُفترَض إذا حافظ لمدة ستة أشهر على شركة الحياة الزوجية بدون رفع الأمر إلى السلطة الكنسية أو المدنية.

 

البند 3- إذا حلّ الزوج البريء شركة الحياة الزوجية من تلقاء نفسه، يجب عليه في غضون ستة أشهر، أن يحيل قضية الانفصال إلى السلطة المختصة، التي عليها بعد التحقيق في جميع الظروف، أن تقدّر إن كان ممكنـًا حمل الزوج البريء على العفو عن الذنب وعدم التمادي في الانفصال.

 

فالكلام هنا عن حلّ شركة الحياة الزوجية؛ أي عن الانفصال فقط وليس عن حلّ رباط الزواج، فالرباط الزواجي يبقى ويدوم طالما الطرفان على قيد الحياة.

 

أما الحالات الأخرى التي يسمح فيها قانون الكنيسة الكاثوليكية بالانفصال عن شركة الحياة الزوجية فهي: "إذا جعل أحد الزوجين حياة زوجه أو أبنائه المشتركة في خطر أو بالغة المشقّة، فإنه يتيح للطرف الآخر سببًا مشروعًا للهجر بقرار من الرئيس الكنسي المحلي، أو حتى بمبادرته الشخصية إذا كان في التأخير خطر.. وفي كل الحالات، يجب استئناف شركة الحياة الزوجية لدى زوال سبب الانفصال، ما لم تقرّر السلطة المختصة غير ذلك" (قانون 864).

 

وتضيف القوانين: "عند انفصال الزوجين، يجب دائمًا اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمعيشة الأبناء وتربيتهم" (قانون 865).

 

"وبوسع الزوج البرىء وجدير به أن يقبل من جديد الزوج الآخَر في شركة الحياة الزوجية. وفي هذه الحالة يتنازل عن حقّ الانفصال" (قانون 866).