الكنيسة القبطية الكاثوليكية في القرن الثامن عشر

 

خاص بالموقع

إن الأقباط الكاثوليك قد تألموا وعاشوا أجواء التوتر سواء على المستوي الكنسي والسياسي ولكنّهم حضورهم استمر على مدى التاريخ ولم ينقطع اطلاقا كما يعتقد البعض فقد ظلوا في قلب هذا الواقع التاريخي حاضرين في بقاع مصر قبل وبعد المجمع المسكوني الخلقدوني المنعقد سنة451. حيث كان الإيمان الكاثوليكي في مصر يقوم على بعض الفلاحين الذين يعملون ويسهرون على إيمانهم ليصل هذا الإيمان القويم لمؤمنيه.

وابتداء من أوائل النصف الثاني من القرن الخامس عشر، بدأت مبادرة الكرسي الرسولي مع إقامة الراهب غريقون الفرنسيسكاني (1455-1469) ومن بعده جبرائيل بن القلاعي الفرنسيسكاني بين الموارنة، وتزايد عدد البعثات الغربية الموجهة نحو الشرقيين خلال النصف الثاني من القرن السادس[1]، وفي سنة 1653 كان عدد الأقباط الكاثوليك المتحدون مع الكرسي الرسولي حوالي 4300 مؤمن قبطي كاثوليكي وهذه أول إحصائية للكنيسة القبطية الكاثوليكية[2]. وأثناء المساعي الوحدوية التي جرت بين الكرسي الرسولي والأقباط الأرثوذكس من القرن 13 حتى القرن 18- انضم لحضن الكنيسة الكاثوليكية الأقباط المناصرون لوحدة الكنيسة وبالتالي اندمجوا مع الأقباط الكاثوليك المتبقيين. وكان للآباء الرهبان الفرنسيسكان مقر لهم في مدينة الإسكندرية من سنة 1325.

أرسل الكرسي الرسولي إلى مصر مرسلين ووجدوا أقباط كاثوليك متمسكين بالإيمان الكاثوليكي ففي سنة 1632 تأسست الإرسالية الفرنسيسكانية في جنوب الصعيد وكان رئيسًا عليها الأب أندراوس دي أركو الفرنسيسكاني. وكان غرض هذه الإرسالية معاونة الأقباط الكاثوليك على تنظيم كنيستهم، فأوفد مجمع انتشار الإيمان إلي مصر المرسلين فسلمت إلى الآباء الرهبان الفرنسيسكان وذلك في عهد قداسة البابا اسكندر السابع (1655-1667) وعندما قدمت هذه الإرساليات لتنشيط الأقباط الكاثوليك وكان رئيسهم الأب أنطونيوا دا بيستيتشي، والأب فرنشيسكو ماريا داساليمي، نائب رئيس الإرسالية من سنة 1687، ثم رئيس من سنة1697. وقد كتب قنصل فرنسا مالية، في القاهرة، سنة 1696« عدد المؤمنين قاصر على نفر قليل جدا من الكاثوليك وهم على ما علمت من عائلات كاثوليكية أصلاً وقد تغذوا منذ نعومة أظفارهم بالروح الرومانية، وهذا القطيع الصغير كان في  حاجة إلى إكليروس مثقف تشع فيه التقوى وأنوار الفضيلة»، وفي العام 1714 كانت توجد رعايا منتظمة في أخميم وجرجا وفرشوط وطهطا والشيخ زين الدين والأقصر، وقاموله وإسنا وغيرها.

ويطلعنا العلامة الأب كلود سيكارد اليسوعي سنة 1716 عن عمله في جنوب الصعيد فيقول «أن الخبرة التي اقتبستها مدة إقامتي الطويلة بمصر لم تغير من شعوري المماثل لأسلافي. فالقليل الباقي من الكاثوليك القدماء، هم في حالة بؤس مدقع وهول مفجع، وان انجح وسيلة لرفع مستواهم هو محاربة الجهل بفتح المدارس»

وكان عدد المرسلين سنتذاك ستة مرسلين. والأب جاكومو دي ألبانو، الأب جيرلامو دا مورافيا،الأب يوسف الأوروشليمي، وفي سنة 1723 يوجد «7» مرسلين وتقسيمهم: القاهرة «الأب جاكومو دي ألبانو(المدبر)،الأب بنديتو دا تيانو(الرئيس)، الأب بونافنتورا دا بافبيرا»، وفي جنوب الصعيد«4» وهم : «الأب الديفنسو دا باليرمو،الأب بونافنتورا دا أكوارو، الأب جاكومو دابافييرا، الأب أبولليناري دا ترينتو»، وكان في أخميم«4»،وفي صدفا«2»، وفي جرجا«2»، وفي القاهرة «4».

وبفضل حماس وغيرة الأب كلود سيكار اليسوعي للعمل من أجل أقباط مصر، انضم «12» شخصًا للإيمان الكاثوليكي في عام 1720، ومن بينهم القمص سليمان رئيس دير الأنبا باخميوس أب الشركة في أخميم، بالإضافة إلى جمور الأقباط الكاثوليك المتمسكين بالإيمان الكاثوليكي وازدادت الكثلكة نموًا وازدهارًا في أخميم مما أثر على قري مثل الشيخ زين الدين وبنجا والهماص وغيرها ومراكز مثل طهطا وصدفا وغيرها. وقد أرسل أشخاص كثيرون من جرجا وطهطا والشيخ زين الدين عدّة رسائل يطالبون فيها بتواجد مرسلين عندهم، ويعبرون فيها عن إرادتهم في اعتناق الإيمان الكاثوليكي.

وبدأ الأبوان بينديكتوس وايدلفونسون يساعدان الأب كلود سيكار اليسوعي، فزارا جرجا وبعد وقت قصير من إقامتها، انضم إلى الكثلكة القس القبطي بولس وتبعه سبعة وعشرون شخصًا من جرجا. وفي حبرية البابا[3] أكليمندس الثاني عشر (1730 – 1740) اهتم بشؤون الأقباط الكاثوليك وتشجيعًا لهم وهب دير القدّيس إسطفانوس الكائن في مدينة الفاتيكان هبة مستديمة لا رجوع فيها وتم ذلك في 15 يناير 1731  وهذا الدير هو الذي قد وهبة البابا لاون الكبير (440-461) تحت تصرف الأقباط الكاثوليك المنفيين الذين لجئوا إلى مدينة السلام روما أثناء الاضطرابات التي اجتاحت مصر عقب قرارات المجمع المسكوني الخلقدونى 451.

وقد سعي مجمع انتشار الإيمان مرارًا في استدعاء بعض شباب الذين يرون فيهم الدعوة الكهنوتية من الكنيسة القبطية الكاثوليكية إلى كلية انتشار الإيمان ليتلقوا العلوم الدينية ويساموا كهنة ينفعون كنيستهم التي أصبحت تنهض بفضل غيرة المرسلين. فأسماء الشباب هم: روفائيل طوخي من جرجا، صالح يسطس المراغي من أخميم، أبو الخير بشارة من صدفا، ابيشاي بليطي من جرجا، وميخائيل بشيري، اسحق قرياقص، وفكتور المصري، فام أبو الخير، عبد السيد بطرس النجار، بسادة الفرارجي، روكسي قدسي الصباغ، وفي الحقيقة حازت قرية الشيخ زين الدين نصيب الأسد في ذلك الوقت فأرسل الرهبان الفرنسيسكان خمس شباب من القرية فيهم الدعوة الكهنوتية وهم: بولس كاشور، غبريال عبد السيد، عوض سماريه غبريال، مكاريوس فيتيان، أنطونيوس ملوخية.

ومن الجدير بالذكر أن الخمسة  نالوا سر الكهنوت المقدس. والملفت النظر وجدنا إكليريكي من جنوب الصعيد (فرشوط) يدعي ميخائيل الذي التحق بكلية انتشار الإيمان بروما في يوم10يناير لسنة 1639ويعتبر أول طالب قبطي كاثوليكي يدرس بكلية انتشار الإيمان بروما ثم ترك الكلية وانضم للرهبنة الكرملية في 7 يوليو لسنة 1641، فيعتبر سبق كل من روفائيل ميخائيل الزيات الطوخي وصالح المراغي الذي دخل الكلية المذكورة  في يوم 28/ 9/ 1724 ونستنتج من ذلك أن الأحبار الرومانيين كانت لهم علاقات بالأقباط الكاثوليك المنتشرين في مصر حتى أرسل الأقباط الكاثوليك ابنهم ميخائيل ليدرس في المعهد المذكور. ولما كثر عدد المرسلين الكاثوليك في الجيل الثامن عشر الميلاد، وتوطنهم في بلاد الوجه القبلي، انضم إليهم بعض أفراد من القبط، ووقعت بين أيدينا وثيقة مهمة بخصوص غضب الأقباط اليعاقبة على المرسلين وأبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية، حتى عقد مجلس بحضور الرهبان الفرنسيسكان وحضور البطريرك القبطي الأنبا يؤانس السابع عشر (1727-1745)  بالمحكمة الشرعية الكبرى وبعد سماع أقوال المشتكين واجتماع المشتكي عليهم تقرر التصريح « لبطريرك الأقباط باستعمال سلطته الدينية على أبناء أمته والتصرف فيهم بما توجبه قوانينه المرعية وعدم التعرض له أو التعدي على حقوقه» وتحرر بذلك حجة من المحكمة سلمت ليد البطريرك. وهذه هي صورة الحجة الشرعية، الصادرة من المحكمة الكبرى بمصر المحمية، بتاريخ غرة محرم سنة 1151هجرية (15برمودة سنة 1451للشهداء) 11 أبريل لسنة 1738 وها نصها «هو أنه بمصر المحروسة لدى سيدنا مولانا الأمير إبراهيم بك الدفتردار بمصر المحروسة، وحضرات الأمراء الذين انعقدت الجلسة بحضورهم (وقد ذكرت أسماءهم بالكامل في هذه الحجة) وبعد أن رفع كل من المعلم رزق الله الذمي إبراهيم بري النصراني اليعقوبي القائم بخدمة أمير اللواء الأمير إبراهيم بك الدفتردار بمصر المحروصة (وقد ذكر بعد ذلك أسماء الأقباط الذين رفعوا الشكوى للمحكمة من جور المرسلين الكاثوليك وعددهم 24 شخصًا) وغيرهم من النصارى اليعاقبة القبطية والقسيسين والرهبان، يشتكون من أن جماعة من النصارى اليعاقية القبطية مخالفون لملتهم وبطريركهم والقسيسين ورهبان اليعاقبة القبطية، وأن المخالفين المرموقين يريدون الذهاب إلى الإفرنج الغير القبطيين ليدخلوا في ملتهم لعدم دفع الجزية، وأن المعلم يوحنّا بطريرك النصارى اليعاقبة القبطية (يقصد بالبطريرك يؤانس 17) نهى الجماعة القبطيين المرموقيين عن ذلك مرارًا فلم ينتهوا ولم يسمعوا لقوله.

وأن القانون المتعارف بينهم أن كل من خالف كلام بطريركهم يكون مغضوبًا عليه ويلزم الأدب اللائق بحاله. وأنه حصل التوافق والتراضي بين طائفة النصارى اليعاقبة القبطيين المرموقيين  وكبيرهم أن كل من خالف ملته وكان قبطيًا وانتقل من ملته إلى ملة الإفرنج وثبت ذلك عليه بالوجه الشرعي يكون على الأمراء الصناجقة، وأغوات البلكات وكتخدا البلكات واختيارانهم الخروج من عهده من ينتقل من النصارى اليعاقبة القبطيين إلى ملة الإفرنج الخروج عن حقه وتأديبه بما يليق  بحالته زجرًا له ولا مثاله باعتراف كل من طائفة النصارى اليعاقبة القبطية المرموقين، الإعتراف المرعي كما التوافق والتراضى المرعيين. ولما تم الحال على هذا المنوال كتب ذلك ضبطًا للواقع ليراجع به عند الإحتياج إليه، والاحتجاج به وعلى ما جرى وقع التحرير، في غرة محرم الحرام افتتاح سنة 1151هجرية، الإمضاءات( محمد عبد الرازق، محمد على حنفي، على على عبد النبي، محمد فواكه، محمد خلاف، حسن على أحمد) »[4]. ورغم ذلك الصعوبات والشكاوى ضد الرهبان الفرنسيسكان نجد مطرانين يعتنقان الإيمان الكاثوليكي وهما:

 

1- الأنبا: أثناسيوس:

«لا نعرف عن هذا الحبر الجليل إلا القليل جدًا من المعلومات، وهو أنه دبَّ خلافًا بين البطريرك القبطي الأرثوذكسي الأنبا يؤانس السابع عشر (1727-1745) ومطران أورشليم الأنبا أثناسيوس. فانضم لحضن الكنيسة الكاثوليكية وأقر بالإيمان الكاثوليكي ووقع على الإقرار بهذا الإيمان في يوم 10 أغسطس سنة 1739 أمام كهنة الأقباط الكاثوليك كالأب روفائيل ميخائيل الطوخي الزيات، والأب صالح المراغي، والأب يوحنّا الخياط. فعينه الحبر الأعظم البابا بنديكتوس الرابع عشر (1740- 1758) نائبًا رسوليًّا على الأمة القبطية الكاثوليكية وذلك ببراءة بابوية صادرة بتاريخ 4 أغسطس سنة 1741، واتخذ الأب يسطس صالح المراغى وكيلاً له، وتنيح في 1 يونيو 1744»[5].

 

2- الأنبا أنطونيوس فلايفل:

ولد حوالي 1709، وعلى حسب وثائق جامعة تسالونيكى باليونان أنه من زفتى بالزقازيق، والتحق بالرهبنة الأنطونية (دير القدّيس أنطونيوس الكبير،كوكب البرية، بالبحر الأحمر).

رُسم كاهنًا بهذا الدير، وبعد نياحة الأنبا خريستوزولس(عبد المسيح)، مطران كرسي جرجا وأخميم وقفط وقوس ونقادة وإسنا وأرمنت وكل ضواحيهم للأقباط الأرثوذكس[6]، تم اختيار الراهب القس أنطونيوس فليفل أسقفًا على هذا الكرسي الشاغر ورُسم أسقفًا عن يد البطريرك الأنبا يؤانس 17(1727- 1745) وذلك في العام 1729. وأثناء وكالة المدير الرسولي الفرنسيسكاني الأب يوسف فرنسيس (1757-1761) المدير الرسولي لطائفة الأقباط الكاثوليك، انضم للكنيسة الكاثوليكية هذا الأسقف الجليل الأنبا أنطونيوس فليفل وذلك سنة 1758. وقد كتب المجمع الشرقي في يوم 14/4/1759، للأب يوسف فرنسيس الفرنسيسكاني عن سعادته لاهتداء هذا الحبر الجليل للكنيسة الكاثوليكية. وفي السنة عينها سافر لمدينة روما، وأقام بدير القدّيس إسطفانوس[7].

وقد جاء في تقرير "أوربانوشيري" سكرتير مجمع انتشار الإيمان بروما عن الحالة المسيحية في مصر عام 1760: «إن عدد الكاثوليك لا يزيد عن ألف وثلاثمائة، وعدد الأرثوذكس أربعين ألفًا» ويقول:« أنه في مصر القديمة يوجد ست أو سبع كنائس كاثوليكية، وأما اللاتين كنائسهم في القنصليات: قنصلية فرنسا وقنصلية البندقية، وللرهبان الكابوشيين كنيسة في مقرهم »[8]. وعين الأنبا أنطونيوس نائبًا رسوليًّا في اجتماع 24و 25أغسطس لسنة 1760وبقرار 11أبريل لسنة 1761 وأُرسل لمصر، ونال درجة النائب الرسولي على طائفة الأقباط الكاثوليك وأقام بالقاهرة إلى سنة 1769،على شرط أن يستعين بالأب روكسى قدسي، وقد عين مجمع انتشار الإيمان بروما الأب روكسى قدسي وكيلاً عامًا للأنبا أنطونيوس فليفل وذلك في أول أبريل سنة 1761. وكانت إقامته في مدينة القاهرة[9].

وبعد انضمام هذا الشيخ الجليل للكثلكة وجاهر بإيمان هذه الكنيسة ولم يخش بطش الناقدين له، فحرمه البطريرك القبطي الأنبا مرقس السابع (1745- 1769) فاضطهده هذا البطريرك بمساعد الأتراك، ولذا قدّم أيضًا الأقباط اليعاقبة  الشكوى في حقه إلى الولاة الإسلام مفترين بكل التهم المختلفة والكاذبة فقبض على هذا الشيخ الجليل في السنة 1763 وسجن أحد عشر يومًا عذب فيهم عذابًا أليمًا قاسيًّا وتعرض داخل السجن بالجوع والعطش وحاولوا أن  يقتلوه، وعندما استطاع أن يتجرد من بين أيديهم تدارك حقدهم وسوء معاملتهم، فذهب إلى مدينة روما حتى وجد السلام فيها، ثم عاد مرة أخرى للقاهرة، ثم توجه إلى الصعيد ومكث في أخميم وفرشوط حتى عام 1774، وسافر إلى مصر وقدم استقالته في العام 1774 بسبب كبر سنه واعتلال صحته[10]. ثم ذهب إلى روما سنة 1777، ثم ذهب للموارنة حتى قضى حياته لديهم وكان الكل يشهدون له بالقداسة والعلم والحكمة. وساعد هذا  الأسقف الجليل الأنبا ميخائيل الطوخى في نسخ الكتب الطقسية. ورقد في الرب في يوم 5/10/1807[11].

وفي سنة 1791 قام بطريرك الأقباط اليعاقبة الأنبا يؤانس الثامن عشر (1769- 1796) برسامة الأنبا يوساب[12] أسقفًا على كرسي جرجا الشاغر، وذهب هذا الأسقف إلى مقر كرسيه فأخذ يطوف إلى المدن، والقرى، والنجوع التابعة لكرسيه، ويصاحبه في التطواف هذا القمص فيلوثاؤوس إبراهيم بغدادي صالح[13] وحدثت مشاجرات ومخاصمات ومنازعات بين القبط الكاثوليك والقبط اليعاقبة يومذاك حتى أنّها وصلت إلى والي مصر السلطان محمود الثاني (1785- 1839) ووقعت بين أيدينا وثيقة مهمة جدًا تطلعنا عن نمو الكثلكة في جنوب الصعيد وها نص الوثيقة الذي يحوي اتفاق الكنيسة القبطية الكاثوليكية والكنيسة القبطية اليعقوبية: «إلى جناب حضرة الأب كبير اخوتنا القسوس والرهبان، وحضرة الأبناء المحترمين كافة الشعب المسيحي تابع الكرسي البطرسي بمدينة جرجا وأخميم وطهطا وفرشوط ونقادة بالوجه القبلي بارك الله عليهم. بعد تجديد البركات الروحانية عليهم وكثرة الأشواق إليهم ليس خافي عليكم الداعي تسطير هذه الحروف هو أنه بسبب الإختلافات الواقعة  والمنازعات الحاصلة بمدينة جرجا وأخميم من قبل بعض زيجات صارت بين القبط اليعاقبة وبين القبط الكاثوليكيين ووقع مشاجرات ومضادات وشكايات جاء منها الضرر إلى الفريقين والآن أنا البادري كيرلس رئيس عام رهبان المرسلين بمصر والصعيد والخواجا كارلوى شنتى قنصل طائفة النمسا بحضور حضرة الأب المكرم البادري اكليمنطس رئيس عام سابقًا اتفقنا مع قدس حضرة سيدنا الأب البطريرك الأنبا يوأنس خادم الرتب المرقسية بكرسي مصر المحروسة دام قدسه آمين. ومع حضرة أولادنا المحترمين المكرمين المعلّم إبراهيم الجوهري والمعلّم جرجس أخيه رؤساء طائفة الأقباط بمصر وعملنا باتفاق واحد هذه الشروط الآتي ذكرها:

الشرط الأول: إن المتزوجين سابقًا من الفريقين يكونوا تحت إرادة نفوسهم إذا رأوا أن يصلّوا في كنيسة الكاثوليكيين أو في كنيسة القبط اليعاقبة بمرادهم ولم أحد له عليهم اغتصاب في ذلك.

الشرط الثاني: إن من الآن فصاعدًا لا أحدًا من القبط الكاثوليكيين يتزوج من بنات القبط اليعاقبة ولا أحدًا من القبط اليعاقبة يتزوج من بنات القبط الكاثوليكيين ولا أحد من القسوس معه إجازة يكلل لبنت من بنات الكاثوليكيين إلى قبطي يعقوبي ولا يكلل من بنات القبط اليعاقبة إلى قبطي كاثوليكي. وعند عقد زواج الرجل والإمرأة يتبعوا بعضهم إما في كنيسة اليعاقبة أو في كنيسة الكاثوليكيين ويكون ذلك بغير اغتصاب بل بإرادتهم لأجل منع الشرور.

الشرط الثالث: أن لا يدخلوا قسوس اليعاقبة بيوت الكاثوليكيين ليكرزوا، ولا قسوس الكاثوليكيين يدخلوا بيوت القبط اليعاقبة لأجل الكرازة لئلا يحصل بسبب ذلك نزاع.

الشرط الرابع: أن لا يكون اغتصاب لا على الرجال ولا على النساء إن الكنيسة البطرسية أو الكنيسة اليعقوبية بل الاختيار لهم في ذلك محل ما يريدوا أن يصلوا لأن الله خلق الإنسان مخير بارادته كذلك المكاتب كل طايفة تقرى أولادها عندها.

الشرط الخامس: إن من الآن فصاعدًا لا أحد من الفريقين معاه إذن أن يراعي لا إلى حكام الشرع ولا حكام السياسة بل إن اقتضى الأمر في منازعة أو خصومة أحدثها بينهم العدو الخبيث خزاه الله فأنتم تخاطبونا وجماعتهم يخاطبونهم وكل حصل منه مخالفة يصير نحن الجميع ضده ويكون تحت القصاص لأن أملنا وغاية مطلوبنا من الآن وصاعدًا عدم منازعات والخصومات ونكون مع بعضنا بالمحبة الكاملة ونطلب من الله دوامها إلى النفس الأخير. وبركة الرب القادر على كل شيء تحل على كم وتشملكم نفسًا وجسمًا بشفاعة ذات الشفاعات معدن الطهر والجود والبركات سيدتنا كلنا وفخر جنسنا البكر البتول مريم وجميع الشهداء القدّيسين. آمين. حرر في 2 كريانوارنوس سنة 1794 مسيحية. إمضاءات ( ختم بالشمع الأحمر)»[14].

وفي الحقيقة أن الأنبا يوساب كان غاضبا، حتى أنه كان يقول على الأقباط الكاثوليك هم الأقباط الإفرنج ومازال هذا اللقب موجود في قرى الصعيد، وهو أيضًا كان له دور في قطع مساعي الوحدة وقد وفانا التاريخ الكنسي بأن الأب روفائيل بسكي القبطي الكاثوليكي عند بعثته لروما ما بين السنة 1806والعام 1807 أرسل مع الأب روفائيل بسكي برسالة رقيقة من المجمع المقدس إلى البطريرك القبطي اليعقوبي مرقس الثامن (1796-1809). وفي يوم 26/10/1815 سطّر المعلّم اسحق الملقب بالمعلّم غالي سرجيوس فلثاؤوس رسالة إلى المجمع، مقترحًا عليه أن يبعث برسالة إلى البطريرك القبطي اليعقوبي بطرس السابع (1809-1852) في شأن مساعي الوحدة.

في أول شهر مايو لسنة 1819، حثّ المجمع مرة أخرى المعلّم غالي، الملقب قيم مصر العام، على التحدث إلى البطريرك بالإتحاد. وأضاف المجمع: «لعلّ العناية الإلهية قد أعادت إلى سيادتك هذه التكريمات، حتى إذا ما التهبت بحبة مضطرمة، استطاعت، في المناسبات، أن تستخدم جميع الوسائل التي استحسنتها، لكي تستيقظ، في نفس البطريرك، استعداداته الطيبة التي أظهرها في الماضي».

بالإضافة إلى ذلك يخبرنا غبطة أبينا البطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار، في مؤلفه «تاريخ كنيسة الإسكندرية» عن غيرة المعلّم غالي ومحبته المخلصة للحبر الروماني وللكنيسة الكاثوليكية، ونجد موقف الشهامة والرجولة في المساعي الوحدوية بين الكرسي الرسولي والأقباط اليعاقبة وها النص الذي سطره مثلث الرحمات صاحب الغبطة البطريرك الأنبا كيرلس الثاني مقار: « كان بعض الأقباط يتوقون إلى هذا الإتحاد، والخديوي ذاته يري أن مصر تتقدم وترتقي لو أنها اتصلت بمركز المسيحية. لذا حبذ مشروع الإتحاد وعضده، فاجتمع في سنة 1814أقطاب الطائفة القبطية، والتأم المجمع تحت رئاسة غبطة البطريرك بطرس والأساقفة للخروج بهذا المشروع إلى حيز التنفيز. ولما علم بذلك قداسة البابا أرسل خطابا إلى البطريرك يحثه فيه على التمسك إلى النهاية بنواياه الحسنة». ثم أن البطريرك المؤرخ العظيم بنص الخطاب المذكور بيوم 8 يوليو لسنة 1815، وأردف قائلا: «ولكن مع الأسف المرير لم ينجح المشروع، فقد قام المطران يوساب أسقف أخميم يناهض الوحدة. فبعد أن حررت وثيقة الإتحاد، ووقع عليها البطريرك وسائر الأساقفة وسلّمت إلي الأنبا يوساب للتوقيع عليها، مزقه، وقضي بذلك على وحدة الكنيسة القبطية، ومستقبل الأمة المصرية الزاهر المجيد». وقد كتب ريمون جنان عن المحاولة الأخيرة للمساعي الوحدوية الآتي: «المعلّم غالي القبطي الكاثوليكي هو الذي قام بها».

  بنعمة الله

مراسل الموقع بإيبارشية سوهاج

الأب إسطفانوس دانيال جرجس عبد المسيح

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما – سوهاج

stfanos2@yahoo.com

 




[1] راجع، برنارهيبرجية، « تطور الكثلكة»، المسيحية عبر تاريخها في الشرق، مجلس كنائس الشرق الأوسط، لبنان، ص 632 – 648.

[2]  راجع أستريون أرجيريو،«المسيحيون في العصر العثماني الأول، المسيحية عبر تاريخها في المشرق»، مجلس كنائس الشرق الأوسط، بيروت،2001، ص623.

[3] ظهر لقب "البابا" في الإسكندرية وأول من حمله هو بطريرك الإسكندرية الأنبا هيراكلاس (230-246) ولأجل محبة المؤمنين والكهنة والأساقفة للبطريرك المذكور الذي اتسم بالأبوة المصبوغة بالأمومة لقب "بابا"، وكانت توجد مراسلات بين كرسي روما والإسكندرية فكان الحبر الروماني بونتبتنوس الأول (203-235) أو أنتيرس (235-256) أوفابيانس (236-250) يخاطبون أسقف الإسكندرية "بابا" ولكن هيراكلاس المذكور أرسل في إحدى رسائله للكرسي الرسولي الآتي:« بما أن الجالس على عرش القديس بطرس الرسول هو الرئيس الروحي على جميع الكنائس في العالم وأنا الجالس على كرسي تلميذ القديس بطرس الرسول القديس مرقس الإنجيلي فهذا اللقب "بابا" ينقل  منّا إلى سيادتكم لأجل الأبوة التي سلّمها يسوع المسيح للقدِّيس بطرس الرسول» ومن هنا نُقل هذا اللقب من كرسي الإسكندرية إلى كرسي روما.

[4] راجع كامل صالح نخله، «دفاع القضاء والحكومة عن كنيسة مصر»، مجلة صهيون، عدد 9، سبتمبر، 1951، ص211-212.

[5]  راجع عبد المسيح دانيال،«تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية (1560-1777)»، مجلة الصلاح، السنة 79، أكتوبر،2008، ص 18-22، وارجع أيضًا عبد المسيح دانيال جرجس،« بطاركة وأساقفة الكنيسة القبطية الكاثوليكية (1722-2006)»، جريدة حامل الرسالة، العدد 2526، 27/5/2007، السنة 49،ص4، وراجع، إسطفانوس دانيال (الأب)، «الكنيسة القبطية الكاثوليكية في القرن الثامن عشر(1) »، جريدة حامل الرسالة السنة 51، 6 ديسمبر2009، العدد 2658، ص4.

[6] ظلّ هذا الكرسي شاغرًا حتى سيم الأنبا يوساب الأبح سنة 1791.

[7] راجع «المرجع السابق».

[8]  Les Missions d Egypt et enthiopie en 1678 d apres Ie rapport de Mgr Cerri، Secretaire de  lacangnegatio de peap، de propaganda Fide، au pape nnocent X 1 – Dans Documents omnis Terra gg – 4، Novembre 1973

[9] راجع مجموعة من المؤلفين،« تاريخ الكيسة القبطية الكاثوليكية »، أعمال المجمع السكندري، القاهرة، ص67.

[10] راجع الكسندر اسكندر(الأنبا)، « تاريخ الكنيسة القبطية»، الجزء الثاني، القاهرة، 1961،ص65-66.

[11] – راجع، بطرس سعد الله (الأب)، «اليوبيل الماسي للكلية الإكليريكية للأقباط الكاثوليك (1899-1974)»، القاهرة، 1974، ص 13، وبطرس سعد الله (الأب)، «تاريخ الإكليروس للأقباط الكاثوليك (1724-1962)»، القاهرة، 1963، ص70، وكلية العلوم الإنسانية واللاهوتية، «اليوبيل المئوي للكلية الإكليريكية»، القاهرة، 2001، ص14-15، ويوحنّا كابس (الأنبا)، «لمحات تاريخية عن النواب الرسوليين  لطائفة الأقباط الكاثوليك في القرن التاسع عشر»، القاهرة، 1987، ص138، ومجموعة من المؤلفين، «دليل إلي قراءة تاريخ الكنيسة، المجلد الثاني: الكنائس الشرقية الكاثوليكية»، دار المشرق، بيروت، 1997، ص179-180.

[12] ولد يوسف في سنة 1735 بقرية النخيلة- أبو تيج – أسيوط، وفي سنة 1760 التحق بالرهبنة بدير القديس أنطونيوس الكبير بقرية بوش"حاليا قرية ناصر بالقرب من مدينة بني سويف" وسُيم أسقفًا في سنة 1791، ورقد في الرب يوم 10 مارس 1826، وله من العمر 91 عامًا. ( راجع زخارياس الأنطوني(القس)،« يوسابيات»، الجزء الثاني، القاهرة، ص 45-67).

[13]  ولد في مدينة طنطا سنة 1737، سُيم كاهنًا في شهر يونيو 1862 عن يد الأنبا يؤانس(1854-1894)  مطران المنوفية، ونال رتبة القمصية في سنة 1865 عن يد المطران المذكور، وتنيح في يوم 10 مارس 1904. ( راجع ميشيل ذكي عبد الملاك، « القمص فيلوثاوس إبراهيم»، القاهرة، 2002، ص 1-29).

[14]  راجع « الجوهريات دفاع المعلمين الجوهرين عن كيان العائلة القبطية»، مجلة نهضة الكنائس، في عددها الصادر يوم  6 يونيه لسنة 1956، ص 171-172، وراجع أيضًا « على هامش التاريخ: الكثلكة والمعلم غالي»، مجلة صديق الكاهن، فبراير/ مارس، القاهرة، 1961، ص12-13.