المسيحي أمام الإباحية الجنسية

"لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير" (رومية 12:21)

 بقلم الأب د. يوأنس لحظي جيد

رئيس تحرير موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي

  

تحاصرنا المناظر الإباحية من كل جهة وتأتينا عبر التلفاز والإنترنت وحتى بدون أن نبحث عنها، وأحيانا بمجرد أن نفكر فيها، وكأنها تلك المارد الذي ما أن تفكر فيه حتى يخرج لك من جهازك ليقول: "شبيك لبيك ها أنا بين يديك". فاليوم لم يعد من الصعب الحصول على أفلام أو مناظر أو قصص إباحية، وهذا ما لم يكن آباؤنا يتخيلونه، في السنوات الماضية.

كل هذه السهولة هي تعبير عن عصر العولمة الذي نحيا فيه ويحيا فينا، لأننا جزء منه شئنا أم أبينا، وبالتالي فلم يعد ينفع "المنع" ولا "التهرب"، لأن الممنوع مرغوب، ولم يعد ينفع التهرب من المشكلة، لأن دفن الرؤوس لا يحل المشاكل بل يزيدها تعقيدا، ولم يعد يصلح استخدام العبارات المحفوظة: "النت حرام، ومعصية"، أو "عيب ما يصحش" أو "لا سمح الله" أو "خليك جامد"… لأنها عبارات لا تعالج المشكلة بل تعبر عن عجز قائلها عن إيجاد حل حقيقي لها.

فماذا نفعل؟ هل نترك أنفسنا لهذا التيار الجهنمي؟ أم نقاومه؟ وبأي وسيلة يمكننا مقاومته؟ وهل يجب مقاومته أم الانخراط فيه؟ وما العيب في التفرج على المواقع والأفلام الجنسية؟ هل الجنس حرام؟ هل المشاهدة حرام؟ هل الانخراط في أحاديث الأصدقاء عن الأمور الجنسية حرام؟ وآلاف الأسئلة التي تدور في أذهاننا وأحيانا تخرج من أفواهنا وغالبا لا نجد لها جوابا مقنعا.

ولأن الكنيسة هي أم ومعلمة فلا يمكن لها أن تترك أبنائها بلا تعليم أو قيادة، ولا يحق لها أن تتظاهر بأن أولادها "ملائكة" لا يفكرون في هذه الأمور، أو أنها لا تمثل بالنسبة لهم أي مشكلة!!! بل على العكس فهي تفهم وتقدر أن أولاد هذا الجيل هم أكثر تعرضا مما سبق للتجارب وللسقوط وللانحراف، وتفهم جيدا، بعين الأم الثاقبة، أن وسائل الاتصال الحديثة هي سلاح ذو حدين، يمكننا به الوصول إلى أرفع المعارف وأسمى درجات الروحانية، ويمكننا الوصول من خلالها إلى أقاصي درجات الفجور والانحراف[1].ولدراسة الموضوع بطريقة عميقة سنقسم دراستنا إلى:

أولا: قواعد أساسية؛

ثانيا: أفكار يجب التحرر منها؛

ثالثا: بعض النصائح والتدريبات العملية؛

رابعا: سنعرض قصة فتاة سقطت في إدمان المواقع الإباحية ثم تحررت

وختاما التعليم الرسمي للكنيسة في هذا الموضوع.

وهنا تجب الإشارة بأننا سنقوم في الجزء الخاص: "التعليم الرسمي للكنيسة في هذا الموضوع" بترجمة وثيقة رسمية للكنيسة بعنوان: "المواد الإباحية والعنف في وسائل الإعلام: إجابة رعوية" صادرة عن المجلس البابوي للاتصالات الاجتماعية سنة 1989، وهي الترجمة الأولى، على حد علمنا، لهذه الوثيقة المهمة التي تعالج الموضوع من أوجهه المختلفة: أثار الإباحية والعنف؛ أسباب المشكلة؛ وكيفية مواجهتها.

راجين من الرب أن ينير عقولنا جميعا لمعرفة "قيمة الحرية كمسيرة نضج مستمرة"، نسير فيها من خلال كل ما نحياه على الأرض نحو الهدف الأسمى من وجودنا، أي الاتحاد بالله. مع يقيننا بأن مَنْ لا يجد الله على الأرض لن يجده في السماء. ومن لا يبني كل يوم نضجه الشخصي لا حجة له. فالسعادة ليست ثمرة تُمنح لنا بل بذرة، يمكننا زراعتها ومراعاتها والتمتع بها كما يمكننا دفنها وقتلها والبكاء عليها، "فلا حجة لك أيها الإنسان".

\"\"

أولا: قواعد أساسية:

1-  لا للإدانة أو المدح: لا يمكننا أن نظر لموضوع الإباحية ووسائل الإعلام من منظار الإدانة أو المدح، فهي حقيقة كائنة، الأمر يكمن في كيفية استخدامنا لها. والقاعدة الأساسية هنا هي كلمات القديس بولس الرسول: "كل شيء يحل لي ولكن ليس كل شيء نافع"، بالتالي سنحاول دراسة هذا الموضوع بعيدا عن "الاكلشيهات المحفوظة" أو النظرة الدينية البحتة أو مجرد تكرار الآيات الكتابية، فالنهج الأمثل هو نهج التحليل والتساؤل، لا الحرم والتلقين؛

2-  لا للهرب أو التهرب: لم يعد التهرب أو التخفي أو إصدار الأحكام الجاهز يفيد في شيء، يجب علينا تعلم ثقافة المواجهة والمناقشة والتحليل والعلاج وعدم الخوف، فيجب طرح الخوف والخجل بعيدا فأفضل طرق العلاج هي "الصراحة والوضوح"، لا لأن عصر الخجل قد انتهى، كما يدعي البعض، ولكن لأننا يجب أن نكون أولاد ثقافة التفكير والتحليل، وهذا عنصر "جيد" تُعلمنا إياه وسائل الإعلام الحديثة؛

3-  إن لم تصعد فأنت تهبط: يجب التيقن من أن الصعود صعب والهبوط سهل، فالتخلص من بعض العادات المرضية والممرضة (أي المسببة للأمراض) هو أمر طويل وأحيانا شاق، ويحتاج إلى إرادة حقيقية وصبر ورغبة صادقة؛

4-  لا مرض بلا علاج: لا يجب السقوط في فخ اليأس أبدا، وكأن ما أمر به أنا لا علاج لها، ولم تصلح في علاجه كل محاولاتي السابقة، فاليأس هو مفتاح الشيطان الأول وهو حيلته الناجحة وضربته القاتلة في صراعه مع أولاد الله؛

5-  ضرورة تدريب النفس: إن مفتاح الحكم على مشاهدة أو عدم مشاهدة هذه المواقع الإباحية هو تربية "طهارة العين"، فالعين الطاهرة هي التي لا تبحث عن الأقذار بل تستطيع أن ترى في السوء خيرا، وترى السماء في التراب، أم العين الشريرة في تلك العين التي ترى الشر في كل شيء، وترى الجنس حتى في ابتسامة الأطفال، وترى الشهوة حتى في أقدس اللحظات… فالأمر والعلاج والحل يكمن في تربية العين، وهذا ما سوف نتعرض لها بالتفصيل لاحقاً. (والسيد المسيح يعلمنا أن العين سراج الجسد كله، ويعلمنا أين أن من نظر إلى امرأة واشتهاها في قلبه فقد زنى بها- أهمية النظرة).

ثانيا: أفكار يجب التحرر منها:

1 – الجنس نجاسة وفسق: كفانا خداعا لأنفسنا فالجنس ليس خطيئة ولا نجاسة متى اقترن بالحب وبالروح، وهو نجاسة ورذيلة فقط إذا اقترن بالشهوة والغرائز الحيوانية (الموجودة داخلنا). فيمكنني أن أرى في المرأة جمال الخالق ويمكنني أن أرى فيها مجرد جسدا لإشباع رغباتي، يمكنني أن أرى في الرجل سندا وعضدا أو مجرد وسيلة للتسلية وللعب… فالشهوة هي التي تقود إلى الخطيئة وهي التي تحدد حكمي على نفسي وعلى مستوايَّ الإنساني ونضجي الروحي…. فليس المهم فقط إلى ماذا أنظر ولكن كيف أنظر؟ فالحل لا يكمن في تغطية النساء وإغلاق القنوات الإباحية واعتقال فتيات/فتيان الليل، بل في تغطية عيني بلباس النضج، وإغلاق قنوات الإثارة في داخلي، واعتقال رغبتي السرية في الفجور.

فالجنس هو نعمة الله على البشر، والتي من خلالها يشاركونه الخليقة، ومن خلاله يختبرون، في المحبة الحقيقة، كجزء من السعادة السمائية، حيث "خبرة الوحدة التامة" بلا نهاية. ونقصد بالوحدة التامة العودة حياة البرارة الأولى حيث لا شيء يعكر أو يدنس علاقة الرجل بالمرأة لأن لا شيء يعكر علاقتهما بالله. فالخطيئة هي اختبار "التمزق" والنعمة هي اختبار "الانسجام والوحدة".

2- الجنس مرض الرجال فقط: يعتقد البعض خطأً أن الإباحية والجنس والعنف هي مواضيع تخص الرجال فقط، وهذا أمر غير صحيح، فحتى لو كانت ثقافتنا الشرقية تمنح الرجل مساحة أكبر من الحرية وتسمح له أحيانا أن يعبر عما يشعر، وأن يتصرف كيفما يريد، لاسيما إن كانت تصرفاته لا  تسبب إزعاجاً لأحد، إلا أن قصر المشكلة الجنسية على الرجال فقط هو أمر خاطئ جملة وتفصيلا. فالجنس هو جزء أصيل من الوجود البشري وهو يخص الرجل بقدر ما يخص المرأة، ويهم كليهما بنفس الطريقة والأهمية. لدرجة أن المشاكل التي يعاني منها الرجال هي في الغالب نفس المشاكل التي تعاني منها النساء، والتجارب التي يُحَارب بها الرجال هي نفسها التي تُحَارب بها النساء، لأن موضوع الجنس عند الرجل هو "المرأة" وموضوع الجنس عند المرأة هو "الرجل".

3- الحلال والحرام: يقوم مفهوم الحلال والحرام على عقلية ضيقة تريد أن تتصرف بطريقة "حسابية/فريسية" أي بمعاملة الله وكأنه "كاتب المحكمة" الذي يسجل الحسنات والسيئات ويمسك بيديه الميزان… وهنا نؤكد أن هذه الأفكار غير مسيحية، قد تعلمناها للآسف من الثقافة المحيطة بنا، فأصبحت جزءاً من تركيبتنا الثقافية والدينية، وأصبحنا نعيشها وكأنها جزء أصيل من "إيماننا"ولا نقف حتى أمامها لنتساءل… وبما أن أخطر أنواع الأمراض هي تلك التي تصيبنا ولا نعرف بوجودها، لأنها أحيانا لا تسبب آلاماً مباشرة، فتنخر فينا وتحطمنا ولا ندري بها إلا عندما يكون الوقت قد مضى ولا يمكننا معالجتها، فمرض الحلال والحرام هو واحد من تلك الأمراض المستعصية التي تضرب في كياننا المسيحي القبطي وتجعلنا ننظر إلى كل شيء بطريقة حسابية، متناسين أن المسيحية هي دعوة للحرية: "لقد دعيتم إلى الحرية" كما يؤكد القديس بولس، هي الإيمان بأن "ليس كل ما يدخل الفم ينجسه بل ما يخرج منه"، هي دعوة لغسل الوجه لكي لا نظهر للناس أننا صائمون، هي التأكيد على أن يدنا اليسرى لا تجب أن تعرف ما نقدمه باليمنى… هي اليقين بأن الشرائع والقوانين خلقت للإنسان وليس العكس، هي قبل كل الشيء الارتفاع بالقلب إلى محبة الله والقريب: "أحبب وافعل ما تشاء" لأنك إن أحببت حقا لن تفعل إلا الصواب.

وهنا ادعو إلى الكف عن التساؤل: "هل هذا حلال أم حرام؟" ولنتعلم أن نسأل أولا: "هل هذا نافع للبنان أم ضار؟، هل هذا الشيء أو هذا التصرف يزيدني نضجا وارتفاعا أم يحط بي ويقلل قيمتي أمام نفسي وأمام الله وأمام الآخرين؟". فما أسهل عمل قائمة بالمحرمات والمحللات ولكن إيماننا يطالبنا أولا وقبل كل شيء ببناء ضميرنا ليصبح هو الحكم الذي تضيئه شريعة الله والقائد الذي يرانا حيث لا يرانا أحد. "كل شيء يحل لي ولكن ليس كل شيء ينفع، كل شيء يحل لي ولكني لن ادع شيئا يتسلط علي. الطعام للبطن والبطن للطعام والله سيبيد هذا وذاك. أما الجسد فليس للزنى بل هو للرب والرب للجسد. وان الله الذي أقام الرب سيقيمنا نحن أيضا بقدرته أمين"  (ا كو 6 : 12 ـ 14)

 4- التساهلية: من أخطر الأمراض الروحية التي تصيبنا هي "التساهُلية" أي قول: "طنش، هو يعني أيه المشكلة، يعني هو أنا أحسن من غيري"… فالمجرب يعمل دائما على تبسيط الأمور أمامنا كما فعل في القديم مع حواء، يقول الكتاب: "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله. فقالت للمرأة: أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟" (تك 1:3). كما فعل مع السيد المسيح في الثلاث تجارب: "إن كنت ابن الله فحول الحجر إلى خبز (فما المشكلة؟)"، "إن كنت ابن الله القي بنفسك فالملائكة تحملك (فما المشكلة؟)، إن كنت ابن الله اسجد لي وسأعطيك كل ممالك الأرض (فما المشكلة؟). وهذا يعلمنا أن التجارب دائما تأتي بطريقة "منطقية" وتحت شعار: "وأيه يعني، أجرب، فما المشكلة"…وهنا يجب أن نتعلم من المسيح أن الأسلوب الوحيد الناجح للتغلب على التجربة هو "عدم الحوار مع المجرب"، الهرب منه لأنك إن حاورته غلبك وإن ناقشته أقنعك وإن تكلمت معه أسقطك… تعلم أن تقول له: "اذهب عني أيها شيطان ولا تحاوره إن كنت تريد الانتصار عليه. حاورت حواء فسقطت وسقط معها الجنس البشري، رفض المسيح الحوار فانتصر ناصرا معه كل إنسان. ولكن نصرة لإنسان، أي إنسان، تعتمد على اختياره ومشاركته، المسيح غالبا ما لا يقم الشفاء بل الدواء لم يريد أ يشقى.

5- التحرر من اتهام الآخرين للتهرب من المسئولية: التحرر من التحجج بالآخرين، وبالحرية، وبلباس النساء المتبهرجات، وبتصرفات الشباب المتبجحين، وبشبكة الإنترنت الشيطانية، وبأصدقاء السوء، وبضغوط الحياة، والبطالة عن العمل… كفاك تحججاً بالظروف الخارجية، التي وبرغم أهميتها، لا تسلبك حريتك، بدون إرادتك. فنحن غالباً ما نتخلى عن حريتنا تهربا من المسئولية، ثم نبكي العبودية (كالابن الضال). فما أغرب الحرية البشرية: أنت حر لدرجة أنه بإمكانك التخلي حتى عن حريتك. ولهذا يصرخ القديسون: "أيتها الحرية ما أثقلك من نعمة، وما أخطرك من عطية". أنت حر في قراراتك وفي التزاماتك وفي اختباراتك. أنت حر في تصفح صفحات الإنترنت الإباحية أم لا، أنت حر في سماع الأحاديث السيئة أو عدم سماعها، أنت حر في المشاركة في تلك الأحاديث وتلك "الصحبة" أو لا، أنت حر في جعل نفسك ناضجاً أو في حرمان نفسك من الوصول للنضوج. فالنضج الإنساني هو ثمرة الاختيارات المسئولة، ومكافأة المجهودات المستمرة، وابن الإرادة القوية. وهنا نؤكد أن "ثمة فرق شاسع بين الحرية والإباحية، لان الإباحية هي الاستغلال السيئ للحرية، أما الحرية في المسيح فهي قداسة وسمو وانتصار، ولخطورة الأمر يحذرنا الوحي الإلهي على فم بولس الرسول من الاستغلال الخاطئ و السيئ للحرية، قائلا: "لا تصيروا الحرية فرصة للجسد" (غل 5: 13)، وذلك لأنه متى صارت الحرية في حياتنا لحساب الجسد، فحتماً ستقودنا إلى الانحلال والانحراف عن الحق والوصية المقدسة وتبعية المسيح"[2]. لا تفعل كآدم فتلقي اللوم على حواء، ولا تفعلي كحواء فتلقين اللوم على الحيوانات، فلا حواء ولا الحيوانات هم السبب في سقوطك بل أنت المسئول.

6- المظهرية: تقوم المظهرية على الرغبة الطفولية في جعل الآخرين يفهمون أني أفضل مما أنا فعلا، وهذا دليل على أن ثقتي في ذاتي لا تنبع من ذاتي بل من نظرة الآخرين لي، وهذه الحالة المرضية المنتشرة، للآسف الشديد، تدفع بالأشخاص لفعل "أي شيء" المهم "ماذا يقول الناس عني". تحرر من هذا المرض وابنِ ثقتك على نظرتك لذاتك ونظرة الله لك، فهو وحده الذي يعرف حقيقتك مهما أخفيتها عن الآخرين، وهو وحده يحبك كما أنت لأنك خليقته. لا تسقط في هذا البئر الذي لا نهاية له وتذكر قصة (جحا والحمار) فالبشر يصعب إرضائهم وكلما قدمت لهم كلما طلبوا المزيد. فيجب أن تهتم بمظهرك وبسمعتك  وبنظرة الناس لك ولكن لا تجعل من هذا الأمر الأهم في حياتك. فما أمر وأثقل من الحب والاحترام الذي نحصل عليه عن طريق خداع الناس، وما أعزب وأرق من الحب والاحترام اللذان نحصل عليهما كثمرة لاحترامنا لذواتنا وللآخرين.

7- الخفاء والعلانية: يظن كثيرون أن الخطيئة تصبح خطيئة عندما يعرفها الآخرين، فكل الأشياء والأفعال التي نقوم بها هي مقبولة ولا تسبب لنا أي إزعاج ضميري عندما لا يعرف بها أحد. وهذا أكبر دليل على وجود نوع من "انفصام شخصية" نحياه كثمرة لثقافتنا التي تعلمنا أن العيب يصبح عيبا عندما يعرفه الآخرين، وهذا بالطبع مقياس حقير ودليل أكد على شخصية كاذبة ومنافقة تحيى وراء الأقنعة. وهنا نؤكد أن السيد المسيح لم يكن "عنيفا" مع أحد بقدر ما كان مع الكتبة والفرسيين الذي يحيون هذه الازدواجية الإيمانية، فلا يدخلون ولا يدعون الداخلين يدخلون، يحرّمون البعوضة ويبلعون الجمل… ويمكننا القول إن أكثر الأشياء المقززة لله هي الازدواجية الحياتية، فالله يعرف عنا كل شيء لأنه "فاحص القلوب والكلى"، فقد نخدع حتى أقرب الناس لنا ونظهر لهم أننا شرفاء وعفيفين ونزهاء ولكننا لا يمكن أن نخدع الله أو ضمائرنا إن كانت مازالت حيةة. فتحرر من كل الأشياء والأعمال التي تفعلها في الخفاء وتأكد من أن هذا سيكون بداية طريق النضج الحقيقي، وبداية البركة في حياتك. تحرر من الأقنعة إن أردت أن تحيا كإبن للنور.

8- الإدمان: تقول الدكتورة فيولا موريس في مقالها عن: "العلاقات الزوجية …والأفلام الإباحية"[3]: أن الإدمان يحدث تدريجياً فهو يبدأ بنوع من حب الاستطلاع وذلك للتعرف علي عالم الجنس وما يقدمه من صور ومناظر مليئة بالإثارة. ومع الوقت لا يستطيع الشخص مقاومته فيفقد القدرة علي السيطرة علي منع نفسه من مشاهدة هذه المواقع، إذ يدخل الشخص في مجال مختلف يشعر وكأن هناك سيطرة حدثت له أمام النت، وقد وصف بعض الأشخاص أنفسهم بأنه حدث لهم نوع من الاندماج أو التوحد مع أفلام البورنو، وكـأن الجسد انفصل عن العقل وأن شيئاً ما حدث لجسدهم عند مشاهدتهم لهذه الصور والمناظر، وأحياناً يشعرون بنار قوية تشتعل في جسدهم إذ تتلاحق في ذهنهم كل الخيالات التي يشاهدونها فيحدث لهم نوع من الوسواس الذهني المتلاحق فلا يدور في ذهنهم إلا الجنس وهكذا يصبحوا أسرى للجنس.  وفي الواقع فإن الحواس والتي هي مداخل ندرك بها العالم الخارجي ترسل رسالة للمخ تتحول بدورها إلي شفرة كيميائية، هذه الشفرة تحدث انطباعاً علي خلايا الذاكرة، وإن هذه البصمة المتكررة تجعل المخ يرسل للأعضاء الجنسية الصور المرئية، ومن هنا تبدأ محورية الجنس.  كما أن تكرار مشاهدة مثل هذه الأفلام يحدث نوعاً من المردود المتناقض، بمعنى أن يقع الشخص في الحاجة الماسة إلي المزيد من هذه المناظر، ويظل في حالة عدم إشباع مستمر، وهكذا يسقط في دائرة مفرغة من رؤية المناظر وعدم الإشباع ومزيد من الرؤية، وهكذا.

وتشرح الدكتورة فيولا الآثار النفسية لهذا الإدمان: هناك عدة تأثيرات نفسية مدمرة نتيجة مشاهدة هذه الأفلام ومن أهمها هو عدم احترام الشخص لذاته، فهو يشعر بتأنيب الضمير المستمر، وقد يؤدي ذلك إلي احتقار الشخص لنفسه، وهو ما يصيبه بالشعور بالذنب وهو من المشاعر السلبية المدمرة.  كما أن عدم قدرة الشخص علي ضبط النفس يؤدي به إلي الشعور بالضعف وعدم الثقة وعدم القدرة علي السيطرة علي حياته بالكامل، سواء من حيث دقته أو أفكاره التي تلوثت بمثل هذه الصور التي طبعت علي ذاكرته. وقد قال أحد الشباب أنه بسبب إدمانه للبورنو أصبح يرى كل الفتيات وكأنهن عراة تماماً أو كأنه يشاهدهن وهم تحت أشعة ال   Ray)  (X  بما فيهم أمه وإخوته، وهذا الأمر يسبب له ألماً نفسياً بالغاً.

من الإثارة المدمرة أيضاً لمثل هذا النوع من الإدمان عزلة الشخص الاجتماعية وفقدانه القدرة علي التواصل مع الآخرين حيث يستغرق النت أغلب وقته. وقد لا يكتفي الشخص بالمشاهدة لكنه يندفع نحو ممارسات فعلية مما يوقعه في براثن الإدمان الجنسي وبذلك يعطي مكاناً لعدو الخير، وقد يصبح قيداً علي حياته بالإضافة لأنه طريق الدمار للجسد، كما اكتُشف أن أغلب مشاهدي البورنو لديهم عنف شديد تجاه المرأة وتجاه الأطفال أيضا[4]ً.

ثالثاً: نصائح عملية- تدريبات مهمة:

1- طهارة العين: هناك أشياء عندما نصنعها تقربنا من طبيعتنا الإلهية وتجعلنا نلامس السماء وأشياء أخرى عندما نفعلها تخرج الطبيعة الحيوانية التي فينا وتجعلنا نلامس الأرض ونشتهي أكل الخرنوب الذي تأكله الخنزير (قارن لو 15/16). ربِّ عينك على النظر بطهارة للمرأة وللرجل واخلع عنك العين الشهوانية التي ترى النجاسة والشهوة حتى في أطهر وأقدس الأشياء. تربية العين يعني تربية الفكر، فالإنسان ابن أفكاره: إن فكر بطريقة ايجابية عاش بطريقة إيجابية، وإن فكر بطريقة شريرة عاش كذلك. فعلمّ ذاتك، عن طريق إرادتك، أن تقول لنفسك: "لماذا أنظر لها أو له هكذا، هل كنت أحب أن يُنظر لي بهذه الطريقة"، واخجل من نظراتك الشريرة وقل لنفسك لن انظر هكذا أبدا في المستقبل… الأمر يحتاج لتدريب ولوقت ولكنه ممكنا.

2- عدم الخوف: لا تخف من التكلم مع شخص تثق فيه أو مع أب اعترافك، لأنك غالبا لن تخرج مما تمر به من مشاعر وتخبط ما لم يساعدك مَنْ هو أكثر خبرة منك. وهنا تظهر أيضا أهمية الأصدقاء من حيث أنهم يؤثرون كثيرا في رؤيتنا للأشياء وللأشخاص: تحرر من الصديق الذي يشدك للأسفل وحافظ على الصديق الذي يرفعك للأعلى. لا تخف إذا لأن الخوف هو إحدى أهم حيل المجرب لأبعادك عن نور الحرية والشفاء.

 

3- عدم التأجيل: من الحيل الأخرى التي نستخدمها مع أنفسنا هي "التأجيل" فنحن نعرف أنه لا يمكن الاستمرار كذلك ولكننا نضحك على أنفسنا بقول: "سأتغير غدا": غدا سأعترف، غدا سأصلي، غدا سأبدأ في التحرر من عاداتي السيئة ومن أصدقائي، غدا سأحذف الأفلام والقنوات الإباحية التي لديَّ غدا، غدا… ذالك الغد الذي لا يأتي بداً فالأمر في غاية البساطة: التأجيل يعني زيف الرغبة، والانطلاق المباشر بدون تأجيل أو تحجج هو بداية العلاج والتحرر. فهل تريد أن تتغير فعلا: أبدأ الآن…

4- عدم الإهمال: كل الأمراض الروحية العظمى تبدأ صغيره وتافهة، فالمجرب يطلب منا في البداية أشياء تافهة ليقودنا رويدا رويا إلى ارتكاب الفظائع، ولهذا يجب "اليقظة" الدائمة والكف عن الظن بأن الأشياء الصغيرة ليست لها قيمة، فرؤية صورة إباحية هو بداية طريق العبودية الجنسية، ولا تنسى أن أكبر الجرائم والخطايا بدأ بفكرة صغيرة. وبالتالي فكن يقظا وساهرا ولا تنسى أو وصية السيد المسيح لنا هي: "اسهروا وصلوا" فالإهمال والتراخي هما بداية السقوط والتهاوي. لا تترك نفسك لأن الأمر يبدأ بجرعات صغيرة كالإدمان ومع الوقت يتحول إلى "مرض" يزداد كل يوم ضراوة وجشاعة.

5- عدم اليأس: لا تيأس أبدا فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، ومهما كانت النتائج عليك بالاستمرار، فالله لا ينظر إلى النتائج بقدر نظرته على المجهود المبذول والإخلاص في ذالك المجهود. اليأس سيدفعك للسقوط أكثر وأكثر وبالتالي سيجعل قيامك أصعب وأشق، أما الرجاء فسيدفعك إلى الثقة في نفسك وفي الله الذي يبارك في كل مجهود مخلص، والذي "يجازيك علانية" عما قمت به في الخفاء.

6- عدم علاج النتائج بل الأسباب: من الغباء معالجة النتائج وترك الأسباب، وبالتالي فعليك التحرر الكامل من كل المواقع والقنوات والأفلام الإباحية إن أردت أن تتحرر فعلا من نتائجهم السلبية في حياتك. فلا تخدع نفسك قائلا: "لن امسحهم ولكني لن أشاهدهم"، لأن الحقيقة هي أنك إن لم تقم بمسح كل المواد الإباحية فهذا دليل على عدم رغبتك الحقيقية في "التحرر"، وبالتالي في النهوض. تعلم لهذا أن تهرب من "أسباب الخطيئة" فالخطيئة هي ثمرة لمسيرة من التراخي، والتحاور مع المجرب. قاوم الأسباب ولا تقاوم النتائج… فإن كان وجودك في مكان معين، أو مع أشخاص معينه، أم أمام صور أو مناظر معينة يجعلك تسقط فقد حان الوقت لأن تتحرر منهم إن كنت تريد حقا عدم السقوط.

8- التأثر السلبي: لا أحد محصن ضد التأثر بهذه المواد، ولا أحد يجب أن يخدع نفسه قائلا: "أنا لا أتأثر"، فالمواد الإباحية كالتدخين السلبي، فحتى إن لم أكن امتلكها ولكني أسمح لنفسي برؤيتها عند أصدقائي، أو بأي طرق أخرى، فالنتيجة لا تتغير.ومن ثم يجب الابتعاد الجذري والكلي عن "أصدقاء السوء" الذين يقودونا شيئا فشيئا، وأحيانا باسم الخوف علينا، إلى الهلاك. فكلما تستمع لأحاديث رخيصة أو تشاهد مناظر إباحية، كلما ذاد في داخلك المخزون "الإباحة" وبالتالي تقلُّ مقاومتك ، وهنا أؤكد: لا تملئ عقلك الباطن بالخلاعة والفسوق لأنه سيقودك لها شئت أم أبيت.

\"\"

رابعا : قصة فتاة سقطت في إدمان المواقع الإباحية ثم تحررت.

فتاة تروي قصة إدمانها على مشاهدة الأفلام الإباحية[5]: اسمي " نرمين" أبلغ من العمر18 عاماً، ذات طبيعة مستقلة وأحياناً خجولة، نشأت وترعرعت داخل الكنيسة، وعندما دعاني فريق الترنيم المشكل حديثاً للعزف معه وجدت مكاني في الكنيسة وكانت الأمور جيدة إلا أنني كنت أشعر بفراغ في حياتي. بعد ذلك في المدرسة الثانوية بدأ الفراغ بالازدياد وبدأ الفضول يأخذني للتعرف على أشياء جديدة علها تملأ الفراغ في حياتي فبدأت بأشياء بسيطة لمحاولة إشباع نفسي فقمت بسرقة بعض السجائر من عمي ولكن هذا لم يجدِ فالفراغ ما زال موجوداً.. لكنني لم استسلم فقلت لنفسي " أنا قوية كالفولاذ وبإمكاني الحصول على ما أريده"… كانت لدي مهارة في استخدام الحاسوب و كنت أستطيع عمل أشياء ليست عادية والدخول إلى مواقع على الإنترنت التي يصعب الوصول إليها، وأخيراً وجدت ما كنت أبحث عنه طوال الوقت وحصلت على الشيء الذي أردته "الأفلام الجنسية الإباحية". لم يكن هذا الشيء الذي اعتبره الآن "مرضاً" بديلاً عن الجنس في حياتي – فقد كنت وما زلت عذراء للآن – ولكنه ببساطة كان شيئاً لملئ الفراغ في حياتي، فعندما أحزن أو أنزعج أو أمر بأوقات سيئة كل ما كنت أفعله هو الذهاب إلى غرفتي وإغلاق الباب، ومشاهدة الأفلام والمشاهد الإباحية وبعد ذلك أشعر بالراحة، وقد كنت أفعل ذلك كلما أردت فهي مجانية ولا تؤذي أحداً ولا أحد يعلم ماذا أفعل. في كل مرة كنت اكتشف أن ما كنت أتلهف لرؤيته يصبح بعد مدة غير كافٍ فهو كالإدمان على المخدرات الذي يصبح أصعب وأصعب مع مرور الزمن بحيث يطلب المدمن جرعات زائدة باستمرار، وهذا ما حدث معي فكان علي البحث عن مصادر أكثر إشباعا ًولم أستطع التوقف إلى أن تدخّل الله.

أنا لا أعرف متى وكيف وأين ولكنني أعلم أنني نظرت إلى نفسي ذات يوم وأدركت فجأة كم أنني في حالة مزرية وتعيسة وكم تورطت في هذا الأمر لقد كان والدي مدمن على شرب السجائر وقد تمكن من التخلص من هذا الإدمان و لم يفعل ذلك بالتدريج بل مرة واحدة، نعم هذا ما علي فعله أدركت أخيراً أن الله هو الوحيد القادر أن يملأ الفراغ في حياتي فقمت بإلغاء كل ما كان على جهاز الحاسوب، كل كلمات المرور، جميع الأفلام والصور الإباحية وكل صفحات الإنترنت كل ما يمكن أن يرجعني إلى هذه الطريق الذي جعلني إنسانة مثيرة للإشمئزاز وذلك لأن الفضول غير المؤذي تحول عندي وبكل بساطة إلى إدمان.

بعد فترة وجيزة ذهبت لحضور اجتماع ديني لمؤمنين مسيحيين وقد دهشت فلم أتوقع أن يكون لذلك الاجتماع هذا التأثير المُغيِّر لحياتي وفي عطلة نهاية ذلك الأسبوع أعدت تكريس حياتي ليسوع المسيح لقد قلت له مرة أخرى "أريد أن أعيش لك ومن أجلك بالكامل وأريد أن أكون خليقة جديدة أتغير بمحبتك التي أظهرتها لي يا الله، أنا أعلم أنني فعلت الكثير من الأشياء الخاطئة لكنني أعلم أنك يا رب خلصتنا برحمتك وليس بسبب أعمالنا". "إذا كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: "الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً" 1 كو 5: 17 – "قد صرنا كلنا كنجس، وكثوب عدة كل أعمال برنا، وقد ذبلنا كورقة، و آثامنا كريح تحملنا" (أش 64:6) – "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه – لا بأعمال في بر عملناها نحن. بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تيطس 3: 4-5).

منذ ذلك اليوم تعهدت للرب أن أكون له وأن أفعل ما يريده هو وليس ما يريده العالم مني وأن كل ما أفعله يكون لمجده هو وحده. المحبة التي اختبرتها ولمستها في ذلك الاجتماع كانت الشيء الذي أسرني وأقنعني باتخاذ ذلك القرار، أنا اعلم أن الله يحبني ولكن لم أكن أعرف أنه يحبني إلى هذه الدرجة؛ فقد كنت محاطة بالناس الرائعين من كل جانب وكانوا يخدمونني ويصلون لأجلي ويعطونني النصائح ويعبرون عن محبتهم الواضحة لي، ولكن لماذا؟ لماذا كل هذه المحبة و هم غرباء لا يمتون إلي بصلة قرابة.؟ يقول الكتاب المقدس "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً." (1يو 4: 19) هم أحبوني لأن الله أحبهم وقد لمسوا محبة الله لهم، والآن لأني اختبرت محبة الله لي شخصياً أريد أن أشارك هذه المحبة مع جميع الناس. لم يعد هناك أي فراغ في حياتي، لا حزن، لا وحده، لا غضب ولا خوف. وفي كل يوم أجد شيئاً جديدأ من أجله أشكر الله وأحمده، قال أحد الأشخاص في الكتاب المقدس "في منتصف الليل أقوم لأحمدك" (مزمور 119: 62)، هذا هو ما أشعر به الآن، أريد القيام في منتصف الليل فقط لأحمد الرب وأعبده واشكره على ما فعله في حياتي من تغيير، وليس هناك من هو أكبر أو أصغر من أن يتغير فالله قادر أن يغير أي شخص مهما كان عمره " لا يستهن أحد بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين: في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإيمان في الطهارة" (1تيموثاوس 4: 12) لا تنتظر حتى تصبح عجوزاً جداً أو أن تكون طفلاً صغيراً حتى تدعو الله ليدخل في حياتك، سلم حياتك إلى الله اليوم، سلمها بالكامل، ودعه هو يتولى أمور حياتك. لن تخسر شيء وستنال حياة أبدية؛ يقول الكتاب المقدس: "لأن أجـرة الخطيـة هي مـوت، وأمـا هبـة الله فهي حيـاة أبـدية بالمسـيح يسوع ربنا" (رومية 6: 23) اقبل هذا العرض من الله وتعال اليه أنت ملك لله دعه يتولى أمور حياتك فهو يحبك ويريد الأفضل لك، ولن يتركك ولن ينساك حين يبتعد عنك الأصدقاء ويتخلى عنك الأحباء لأنه هو الكائن و الذي كان والذي سيأتي.

خامسا: ترجمة نص رسالة المجلس البابوي لوسائل الاتصال

المجلس البابوي للاتصالات الاجتماعية

المواد الإباحية والعنف في وسائل الإعلام: إجابة رعوية

مقدمة

1. قد حدثت تغييرات جذرية في العالم في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالنظرة إلى القيم الأخلاقية، وقد أدت إلى تبدلات عميقة في طريقة تفكير وتصرف الأشخاص. قد لعبت، ومازالت تلعب، وسائل الإعلام في عملية التغير هذه دورا هاما في حياة الأفراد والمجتمع، من حيث أنها تعكس وتُنتج تصرفات وأساليب جديدة في الحياة.

2. بعض من هذا التبدلات هي، بدون شك، تغييرات إيجابية. فاليوم، كما أكد قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في بعض ملاحظاته الأخيرة: «إن أول هذه أشياء الإيجابية هو زيادة الوعي التام بين أعداد كبيرة من الرجال والنساء لمفهوم "كرامة الذات" و"كرامة كل شخص بشري"… في الوقت نفسه، في عالم منقسم ويعاني من كل أنواع الصراعات، بدأ يظهر وعي جذري ومترابط، بـ"الحاجة إلى التضامن"، وعيّ بدأ يُترجم  إلى المستوي الأدبي»، ومما لاشك فيه  أن وسائل الإعلام قد ساعدت كثيرا [في نمو هذا الوعي].

3. إلا أن الكثير من التغييرات قد تم للأسوأ. فبجانب التجاوزات السابقة، ظهر مزيدٌ من الانتهاكات لكرامة الإنسان وللحقوق وللمُثل وللقيم المسيحية. وكان لوسائل الإعلام الانتهاكات مسئولة جزئية.

4. مشاركة وسائل الإعلام، كما أكد المجمع الفاتيكاني الثاني، تنبع من حقيقة أنها، إذا كانت صحيحة، "تشكل دعما مهما للجنس البشري"، ومن المؤكد أيضا "أنه يمكن للأشخاص أن يستخدموها في إطار الخطة الإلهية للخالق أو تحويلها إلى وسائل تضرر وتدمر".

5. بين أهم أوجه هذه التطورات المزعجة، في هذه السنوات الأخيرة، النمو المتزايد والملحوظ للمواد الإباحية والعنف اللامبرر في وسائل الإعلام. ووجود كتب ومجلات وتسجيلات وأفلام سينمائية ومسرحية وتلفزيونية، وكذلك أفلام الفيديو، والإعلانات ومن ثمَّ أصبحت وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية تعرض غالبا مشاهد العنف والجنسي وكل ما يدعو إلى الإباحية، برغم أنه أمر غير مقبول أخلاقيا.

6. إن تمجيد العنف والإباحية أصبح وكأنه جزء مقبول في التجربة الإنسانية، دون الدراية بأنه أكبر تعبير عن البعد المظلم في تلك الطبيعة المجروحة بالخطيئة. وقد ازداد بطريقة كبيرة، لاسيما في الربع الأخير من القرن الماضي، حجم انتشارها وبالتالي حجم المشاكل الاجتماعية الخطيرة الناتجة عنها. ففي حين يزداد حجم التخبط حول المعايير الأخلاقية، ازداد وسائل الاتصال في جعل الوصول إلى المواد الإباحية والعنف في متناول الجمهور بما في ذلك الشباب والأطفال. إن هذا التدهور كان يقتصر على الدول الغنية وحدها ولكن بسبب وسائل الإعلام  بدأ الوضع يتسرب لإفساد القيم الأخلاقية شعوب الدول النامية.

7. إن وسائل الإعلام يمكنها أن تكون وسيلة فعالة في (خلق) الوحدة الوطنية والتفاهم المتبادل، كما يمكنها، من الجانب الآخر، أن تكون عائقا يُنتج رؤية مشوهة للوجود، وللأسرة، وللقيم الدينية والأخلاقية؛ رؤية لا تحترم كرامة (الشخص البشري) الأصيلة، (ولا تحترم في النهاية) مصير الإنسان. وقد أعرب أولياء الأمور والأباء، على وجه الخصوص، في مناطق مختلفة من العالم، عن قلقهم المشروع حول الأفلام، وأشرطة الفيديو وبرامج التلفزيون التي تُعرض أمام أطفالهم، والتسجيلات التي يمكنهم سماعها، والمنشورات التي يمكنهم قرأتها. إنهم لا يريدون، بأي شكل، أن يعصف هذا الإنتاج المنحط بالقيم الأخلاقية التي تحاول الأسرة أن تغرسها فيهم، لاسيما وأنه يسهل الوصول إليه غالبا من خلال وسائل الإعلام.

8. وتلخص هذه الورقة أخطر آثار المواد الإباحية والعنف على الأفراد والمجتمع، وتريد أن تظهر الأسباب الرئيسية للمشكلة، القائمة الآن. محاولةً البحث عن وسائل العلاج المتاحة لاسيما لأولئك الذين يشاركون مهنيا في مجال الاتصالات، والآباء والمربين والجمهور والسلطات المدنية والكنسية، والهيئات والجماعات الدينية في القطاعات الخاص.

 

آثار الإباحية والعنف

9. تؤكد التجربة اليومية والدراسات التي أجريت في جميع أنحاء العالم على الآثار السلبية الناجمة عن المواد الإباحية والعنف في وسائل الإعلام. يقصد بالمواد الإباحية، في وسائل الإعلام، الانتهاك الذي يتم من خلال استخدام التقنيات السمعية والبصرية، للحق في "خصوصية" الجسم البشري، في طبيعته الذكرية أو الأنثوية. هذا الانتهاك، للإنسان وجسده، يجعل منه كائنا مشوها، غير محدد المعلم، موجود ليستغل في إطفاء الشهوة والفجور؛ والعنف، في هذا السياق، يقدم كمجرد "عرض"، لإشباع النداء الصادر عن أسفل الغرائز والأعمال، التي تتنافى مع كرامة الشخص، وتعمل على إثارة قوة جسدانية كبيرة تُمارس بشكل شهواني عميق، وفي كثير من الأحيان، همجي. وقد اختلف المتخصصون أحيانا حول مدى تأثير هذه الظواهر، وحول كيفية تأثر هذه المشكلة على الأفراد والجماعات؛ إلا أن الخطوط الأساسية للمشكلة هي واضحة وأكيدة ومقلقة.

10. لا أحد في مأمن من الآثار المهينة للمواد الإباحية والعنف، أو في مأمن من الضرر الناجم عن أولئك الذين تملكت عليهم. الأطفال والشباب، بشكل خاص، هم أول من يمكن أن يصبح ضحية لها. إن المواد الإباحية والعنف السادي تقود إلى تسميم الجنس، وإضعاف العلاقات البشرية، واستغلال الأفراد، ولاسيما النساء والأطفال، وتدمير الزواج والحياة الأسرية، وتعزيز السلوك المعادي للمجتمع وإضعاف النسيج الأخلاقي للمجتمع.

11. ولذلك فمن الواضح أن أحد نتائج المواد الإباحية هو الخطيئة. لهذا يجب اعتبار المشاركة الطوعية في إعداد أو نشر هذه المنتجات الضارة (nocive) شر أخلاقي خطير. فمن المؤكد أن إنتاج وتوزيع هذه المنتجات لا يمكن أن يوجد ما لم يكن هناك حاجة في السوق له، وبالتالي فأولئك الذين يستخدمون هذه المنتجات، لا يتسببون في الضرر الأدبي فقط لأنفسهم الضرر، ولكنهم يساهمون أيضا في تطوير هذه التجارة المشينة.

12. إن ترك الأطفال باستمرار تحت رحمة مشاهد العنف التي تبث في وسائل الإعلام يمكن أن يسبب لهم اضطرابات مع أنفسهم، لكونهم غير قادر بعد على التمييز بوضوح بين الخيال والواقع. ومن ناحية أخرى، يؤثر العنف السادي الذي يبث في وسائل الإعلام على الأشخاص تأثيرا خطيرا، وبخاصة الشباب، إلى درجة الوصول إلى اعتبار الأمر وكأنه مقبول وعادي ويستحق التقليد.

13. يُقال أن هناك صلة بين المواد الإباحية والعنف السادي؛ ولهذا فكثير من المواد الإباحية موصوم بالعنف في أشكاله ومحتوياته. أولئك الذين يشاهدون أو يقرؤون هذا النوع من الإنتاج يتعرضون لخطر أن تنتقل هذه المواقف في سلوكهم، لدرجة أنهم قد يصلون لفقدان أي احترام للآخرين، والذين هم أيضا أبناء الله وأخوة وأخوات من نفس العائلة البشرية. مع مرور الوقت ينتج هذا الربط، بين المواد الإباحية والعنف السادي، آثارا خطيرة، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من مرض عقلي.

14. إن ما يسمى بالإباحية الناعمة "soft core" هو أيضا له تأثيرات تدريجية، أخطره أنه يقود إلى خنق الحس الأخلاقي تدريجيا لدى الأفراد، لدرجة جعلهم في حالة من التخدر الأخلاقي الشخصي، والذي بدوره يقودهم إلى فقدان الإحساس بقيمة حقوق وكرامة الآخرين. المواد الإباحية، مثل المخدرات، والإدمان، من حيث أنها تشجع الأفراد على السعي دائما أكثر للحصول على مزيد من الإثارة والبحث عن منتجات أكثر إثارة "hard core". وأثناء تطور هذه العملية يزداد بطريقة تدريجية السلوك المعادي للمجتمع.

15. إن المواد الإباحية تقود إلى التخيلات وإلى السلوك المرضي. هذا يقوض النمو الأدبي  للأفراد ويضعف النمو الأخلاقي لدي الفرد بالتالي يؤثر على نوعية ونضج العلاقات [الإنسانية]، وخاصة في الزواج والحياة الأسرية، حيث الثقة المتبادلة والإخلاص والنزاهة في الفكر والتصرف لهم أهمية كبيرة.

16. إن الإباحية تشكل عقبة ضد الطابع الأسري للنشاط الجنسي البشري. لدرجة اعتبار الجنس مجرد نشاط يهدف إلى المتعة الفردية وبالتالي تفريغه من كونه تعبيرا عن الحب الثابت في الزواج الدائم، لهذا تظهر المواد الإباحية كخطر يهدد الحياة الأسرية برمتها.

17. أسوأ ما في الأمر، عندما تعمل المواد الإباحية بمثابة مقوي ومنبه، لدرجة التواطؤ غير المباشر، كما في حالات الاعتداء الجنسي الخطيرة والخطرة وعمليات الخطف والاغتيالات.

18. أحد أخطر الرسائل الرئيسية التي تنتج عن المواد الإباحية والعنف هو ازدراء الآخرين، ورؤيتهم كمجرد "أشياء" بدلا من أشخاص. وهكذا، تضعف المواد الإباحية والعنف مشاعر الحنان والرحمة لإفساح المجال أمام عدم المبالاة وأحيانا القسوة.

أسباب المشكلة

19. يبدو أن أحد الأسباب الأساسية لانتشار المواد الإباحية والعنف في وسائل الإعلام هو الترويج للأخلاق الإباحية على أساس البحث، بأي ثمن، عن المتعة الفردية. يضاف إلى ذلك، الفراغ الأخلاقي الذي يصور المتعة الحسية كالوسيلة الوحيد للسعادة التي يسعي إليها الجنس البشري.

20. هناك أيضا عدد من الأسباب المباشرة والتي تساهم كذلك في نمو إنتاج المواد الإباحية والعنف في وسائل الإعلام. نذكر منا:

– التعطش للربح السهل: صناعة المواد الإباحية مربحة. وما أكثر القطاعات، في مجال سوق الاتصالات، التي سقطت بشكل مأساوي أمام إغراء استغلال الضعف الإنسان، لاسيما في الأمور التي تتعلق بالشباب وبالعقول التي يسهل التأثير عليها، بهدف الحصول على أكبر ربح مادي، عن طريق إنتاج المواد الإباحية والعنف. صناعة الإباحية في بعض الأحيان، تكون مربحة لدرجة أنه، في بعض المجتمع، تمثل جزءا من نشاط الجريمة المنظمة؛

– التحجج بمفاهيم تحررية تافهة: فحرية التعبير وفقا للبعض، تعني قبول بعض المواد الإباحية، حتى على حساب الصحة الأخلاقية للشباب وعلى حساب حق كل شخص في "الخصوصية"، أو حتى على حساب منظومة الآداب العامة. فالبعض، وبطريقة خاطئة، يقول أن أفضل وسيلة لمكافحة المواد الإباحية هو إضفاء الشرعية عليه. وتقدم في بعض الأحيان هذه الحجج من قبل الأقليات التي لا تعترف بالقيم الأخلاقية للأغلبية، وبالتالي تدعي أنها غير مسئوله عنها، برغم حقيقة أن كل قانون، ثابت ومعترف به، يحمل في ذاته ضرورة الالتزام به. الحق في حرية التعبير لا وجود له من العدم [بل يُفهم في إطار] المسؤولية العامة في تعزيز الأخلاق الحميدة لدى الشباب، لضمان احترام خصوصية المرأة والأخلاق العامة، وبالتالي تأكيد أن الحرية لا يمكن أن تكون معادلة للفجور؛

– غياب التشريعات الصارمة أو غياب الجدية في تطبيق القوانين القائمة والخاصة بحماية الصالح العام، ولاسيما أخلاق الشباب؛

– الاستهتار واللامبالاة من جانب كثير من الأشخاص، بما في ذلك بعض أعضاء في الجماعة الكنسية، والذين يعتبرون أنفسها، خطأ، إما غرباء عن المواد الإباحية والعنف في وسائل الإعلام [وكأن الأمر لا يعنيه]، أو أنهم غير قادرين على علاج.

كيفية معالجة مشكلة

21. إن انتشار المواد الإباحية والعنف من خلال وسائل الإعلام يلحق ضررا على الأفراد والمجتمع ويخلق مشكلة ملحة تتطلب استجابات واقعية من قبل الأفراد والمجتمعات. ففي حين يجب احترام الحق المشروع في حرية التعبير والتبادل الحر للمعلومات، يجب أيضا، في نفس الوقت، احترام حق الأفراد والأسر والمجتمع في "الخصوصية"، والآداب العامة وحماية القيم الأساسية للحياة.

22. في هذا المجال هناك سبعة قطاعات عليها واجبات يجب أن تقوم بها: وسائل الإعلام، والآباء، والمربين، والشباب، والجمهور، والسلطات المدنية، والكنيسة والجماعات الدينية.

23. المهنيون العاملون في مجال الاتصالات. سيكون من الظلم أن ندعي أن جميع وسائل الإعلام والاتصالات والعاملين فيها يشتركون في هذه التجارة البشعة. فكثيرون من هؤلاء يتميزون بسمو أخلاقهم المهنية والشخصية، ويحاولون جاهدين تحمل مسؤولياتهم في تطبيق المعايير الأخلاقية الأساسية، مدفوعين في ذلك من احترامهم الكامل للخير العام. فجهودهم – وخاصة جهود أولئك الذين يسعون إلى توفير الترفيه العائلي النافع – تستحق إعجابنا وتشجيعنا.

ونحن نحث أولئك للعمل سويا على وضع وتنفيذ صيغة "اتفاق أخلاقي" في وسائل الإعلام والإعلان لتحديد التشريعات الأخلاقية المستوحاة من مفهوم "الخير العام"، لصالح نمو الجنس البشري عامة. هذه التشريعات الخاصة بالسلوك هي في غاية الأهمية خاصة بالنسبة للتلفزيون، الذي يبث الصور مباشرة في المنزل حيث يمكن للأطفال، في كثير من الأحيان وحدهم، وغير خاضعين للرقابة. إن التحكم الحقيقي في النفس هو أفضل الطرق، فالتحكم الذاتي داخل وسائل الإعلام يمكن أن يكون أول وأفضل طرق الدفاع ضد أولئك الذين يريدون تخريب وسائل الاتصالات والتواصل والمجتمع عن طريق بحثهم فقط عن الربح من إنتاج البرامج الإباحية والعنف.

 24. الآباء والأمهات. يجب على الآباء أن يضاعفوا جهودها لزرع منظومة أخلاقية كاملة في أنفس الأولاد والشباب. ويشمل هذا تعليمهم النظرة السليمة تجاه النشاط الجنسي البشري، على أساس احترام كرامة كل شخص لكونه ابناً الله، [وتعلم] فضيلة العفة وممارسة ضبط النفس. فالحياة الأسرية السليمة القائمة على أباء وأمهات مؤمنين، يعيشون بأمانة مطلقة تجاه بعضهم البعض وتجاه أولادهم، هي المدرسة النموذجية للتدريب على القيم الإنسانية السليمة.

في الوقت الحاضر ما أحوج الأطفال والشباب أن يتعلموا [التمييز أي] معرفة كيفية اختيار البرامج وكذلك التدرب على فهم [حقيقة] وسائل الإعلام. في هذا المجال يمكن لأولياء الأمور أن يؤثروا على أولادهم بشكل رئيسي من خلال إعطاء المثل؛ فتعاملهم المتساهل أو السلبي مع وسائل الإعلام سيكون بالتأكيد سببا لسوء فهم [مدمر] لأولادهم. فمن أهم الأشياء هو مقدرة  الوالدين في إعطاء "المثال" لأبنائهم، مقدمين شهادة عن الحب المتبادل والحنان في الزواج، فضلا عن الاستعداد الدائم للمناقشة مع أولادهم بمحبة وتفاهم أي نوع من المواضيع التي تهمهم. ويجب تذكر أنه في التعليم: "يمكن الحصول أكثر عن طريق الاقتناع لا عن طريق المنع".

25. المربين: إن المتعاونين الرئيسيين من الأباء في تشكيل المنظومة الأخلاقية للشباب هم المربيين. لهذا فعلى المدارس والبرامج التعليمية الأخرى تعزيز وغرس القيم الأخلاقية والاجتماعية لضمان الوحدة والنمو الصحيح للأسرة والمجتمع.

من بين برامج التعليم القيمة، والتي تبث في وسائل الإعلام،  تلك التي تهتم بتأصيل الروح النقدية، والمقدرة على التمييز في استخدام التلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام الأخرى، لجعلهم قادرين على عدم الانخداع وعدم الوقوع في فخ الاستماع والرؤية السلبية، أي متابعة البرامج لمجرد المتابعة.

من المهم أيضا تأكيد أهمية واجب المدارس في التربية على قدسية احترام الشخص البشري، وقيمة الحياة الأسرية، وأهمية النزاهة الأخلاقية الشخصية.

26. الشباب: يمكن للشباب أنفسهم المساهمة في وقف تدفق المواد الإباحية والعنف في وسائل الإعلام من خلال الاستجابة الايجابية لمبادرات آبائهم ومعلميهم وتحمل المسؤولية عن قراراتهم الأخلاقية وتعلم اختيار [الأفضل] من وسائل الترفيه.

27. الجمهور: أيضا الجمهور يجب أن يُسمع صوته. فعلى الفرد والجماعة، والمواطنين – بمن فيهم الشباب – توصيل وجهات نظرها على المنتجين، ووكلاء المبيعات والسلطات العامة. هناك حاجة ملحة لإجراء حوار بين المنتجين وممثلي الرأي العام بحيث يصل، كل من يعمل في وسائل الإعلام، إلى معرفة الاحتياجات الحقيقية و[احترام] مصالح المستخدمين.

28. السلطات المدنية: إن المشرعين والقضاة والإداريين والقانونيين مدعوون للتصدي لمشكلة المواد الإباحية والعنف في وسائل الإعلام: يجب سن القوانين الصحيحة حيث لا توجد تشريعات، ويجب توضيح القوانين الغامضة وينبغي تطبيق القوانين القائمة.

وبما أن إنتاج وتوزيع المواد الإباحية له بعض الآثار الدولية، فهذا يجب العمل على السيطرة على هذا "النشاط التجاري المنحط"، على الأصعدة الإقليمية والقارية والعالمية. إن أولئك الذين قد بدءوا بالفعل بهذه المبادرات يستحقون دعمنا وتشجيعنا.

إن القانون والقائمون عليه لديهم واجب مقدس لحماية الخير العام، ولاسيما فيما يتعلق بالشباب وأفراد المجتمع الأضعف. مع مراعاة الآثار السلبية المترتبة على المواد الإباحية والعنف، يجب استخلاص: أن "الخير العام" يكون مهددا وموضع تساؤل بقدر القيود أو اللوائح المفروضة على تعبئة وتوزيع هذه المنتجات. فالسلطات العامة يجب أن تشعر بأنها مجبرة على اتخاذ إجراءات الفورية لمعالجة المشكلة حيث توجد بالفعل، ومنعها حيث يمكن منعها قبل أن تصبح مزعجة وملحة.

29. الكنيسة والجماعات الدينية: إن المسؤولية الأولى والدائمة للكنيسة، هي ترسيخ القيم الأخلاقية الأساسية، بما فيها تلك المتعلقة بالأخلاق الجنسية. ولهذا ففي عصر الإباحية والارتباك حول القيم الأخلاقية، يجب أن يكون صوت الكنيسة "صوت نبوي"، حتى وإن أدى هذا إلى النظر إليها، غالبا، كعلامة تناقض [إزعاج contraddizione].

إن ما يسمى بـ"نهج" البحث عن الارتياح الفردي الفورية، يتعارض بشكل أساسي وجذري مع التحقيق الكامل والتام للشخص البشري. إن التربية على [احترام] الحياة الأسرية والعيش بمسئولية في الحياة الاجتماعية يتطلب التدرب على العفة والانضباط الذاتي. على النقيض من ذلك، فالمواد الإباحية، والعنف غير المبرر يدفع إلى طمس الصورة الإلهي المطبعة في كل شخص، وإضعاف الزواج والحياة الأسرية، مما يضر بطريقة خطيرة على الأفراد والمجتمع.

لهذا فالكنيسة مدعوة لأن تتحد مع الكنائس والطوائف والجماعات الدينية الأخرى، حيثما كان هذا ممكنا، من أجل تعليم وتعزيز هذه الرسالة. عن طريق أيضا إلزام مؤسساتها وكهنتها لضمان تعليم كيفية استخدام وسائل الاتصال العامة، وحول دورها في حياة الفرد والمجتمع. وإعطاء اهتمام خاص لمساعدة الوالدين في هذا المجال.

وهذا ما يُفسر وجود مناهج لتعليم وسائل الإعلام كجزء من البرامج التعليمية في المدارس الكاثوليكية، وغيرها من المبادرات الكنسية في التعليم والحلقات الدراسية، وبرامج التدريب الدينية للرجال والنساء وأعضاء المعاهد العلمانية، وبرامج التعليم الرعوية المستمرة للكهنة واجتماعات للشباب والكبار. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكهنة ورجال الدين والنساء اللواتي يشاركن في التعليم يجب أن يكونوا هم أنفسهم قدوة في التمييز عند استخدام وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية.

30. في الختام، يجب معرفة أن موقف الانتقاد فقط، من قبل الكنيسة، تجاه وسائل الإعلام ليس كافيا ولا مناسبا. على العكس من ذلك، يجب على الكنيسة الدخول في حوار مع الإعلاميين تقديرا لمسؤوليتها ولتشجيعهم في مهمتهم، ولدعمهم حيث يكون ذلك ممكنا ومطلوبا. إن الإعلاميين الكاثوليكية ومنظماتهم المهنية، والتي لديها معرفة محددة [خبرة] بشأن هذا الموضوع، مدعوون للعب دورا رئيسيا في هذا الحوار.

31. يجب على النقاد الكاثوليك والمنظمات الكاثوليكية العاملة في مجال الاتصال أن يكونوا قادرين على تقديم "مساعدة قيمة" للعاملين في وسائل الإعلام وللعائلات عن طريق تقييم المنشورات والمنتجات، بوعي ووفقا للمبادئ الأخلاقية والواضحة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التعاليم [والإرشادات] الخاصة بوسائل الإعلام والاتصال هي بالفعل متوفرة في وثائق الكنسية الموجودة، بما في ذلك مواقف العديد من الأساقفة حول مشكلة المواد الإباحية والعنف، وهي تستحق الدراسة والتنفيذ المنهجي.

32. هذه الوثيقة هي موجهة: للأسر، الذين أعربوا بوضوح كبير عن قلقهم؛ لرعاة الكنيسة، لدعوة إياها إلى التفكير في نطاق أوسع من أي وقت مضى حول الطبيعة الأخلاقية للمشكلة – مشكلة الانتشار الكبير للمواد الإباحية والعنف في وسائل الإعلام – ولاسيما في السنوات الأخيرة، وكيفية تنفيذ دعوة القديس بولس: "لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير" (رومية 12:21)[6].

المجلس البابوي للاتصالات الاجتماعية.

مدينة الفاتيكان، 7 مايو 1989

 

 

الخاتمة

 

أخوتي الأحباء

حاولنا في الصفحات السابقة توضيح الآثار السلبية لمشاهدة المواد الإباحية والجنسية، ومنها:

         الوصول إلى عدم احترام الذات واحتقارها؛

         الشعور الدائم بالذنب وبالقذارة وبتأنيب الضمير؛

         فقدان الثقة في الذات وبالآخرين؛

         الإدمان أي العبودية التي تزداد كل يوم؛

         فقدان القدرة على التحكم في التصرفات؛

         الوصول إلى العزلة والانعزال الاجتماعي والثقافي والإنساني؛

         قتل "صوت الروح" والتحول إلى كائن شهواني وجسداني لا يفكر سوى في إشباع "الجسد"، الذي لا يشبع أبدا؛

         عدم احترام الآخرين والتعامل معهم وكأنهم "أشياء" وليسوا "أشخاص"؛

         العنف المتزايد ضد الذات والآخرين، خاصة ضد المرأة والأطفال، والذي قد يصل إلى الجريمة.

كما أوضحنا بعض طرق العلاج، ومنها:

         التدرب على "طهارة العين"؛

         التحرر الفوري من كل المواد الجنسية وكل المواقع وكل الأشخاص وكل ما له علاقة بالإباحية والعنف؛

         الانفتاح وعدم الخوف (الاسترشاد)؛

         عدم التأجيل؛ عدم الإهمال؛ عدم اليأس؛

         الحذر من التأثير السلبي؛

         الرجاء في الله الذي فيه تجد النفس كل فرحها، وبعيدٌ عنه لا تجد سوى الجوع والضياع والفراغ.

والآن يعود القرار لك، ولا تنس أن الكتاب المقدس يعلمنا: أن الله وضع أمامنا طريق الحياة وطريق الموت، وطلب منّا أن نختار فإن اخترنا الخير نحيا وإن اخترنا الشر نموت (قارن إر 21: 8؛ تث 30: 15). وبالتالي "لا حجة لك أيها الإنسان" لأن أسوأ شيء هو أن يموت الإنسان وهو مازال على قيد الحياة، عندما يخنق بداخله الروح، ولهذا يقول الكتاب المقدس عن الأشرار: "يختار الموت عن الحياة)"أر 8 : 3( وأيضا " لك اسم أنك حي و أنت ميت" (رؤ 3 : 1) .

 

والرب يبارك الجميع

الأب د. يوأنس لحظي جيد

رئيس تحرير موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي

 

 

مراجع رسالة المجلس البابوي لوسائل الاتصال

(1) "Communio et progressio", 22.

(2) "Sollicitudo rei socialis", 26.

(3) "Inter mirifica", 2a.

(4) "Familiaris consortio", n. 76; cf GIOVANNI PAOLO II, Messaggio per la Giornata Mondiale delle Comunicazioni sociali, 1 maggio 1980.

(5) Fra questi possono essere citati:

1) "Pornography: The Longford Report", Ricerche – Mursia, Milano 1978;

2) "Final Report of the Attorney Generals Commission on Pornography", Rutledge Hill Press, Nashville, Tennesse (U.S.A.), 1986;

3) ISPES (Istituto di Studi Politici, Economici e Sociali), "I e II Rapporto sulla Pornografta in Italia", Roma 1986 e 1988.

(6) "Communio et progressio", 67.

(7) La CEE (Comunità Economica Europea), il Consiglio d\’Europa e l\’UNESCO, fra gli altri, hanno preso iniziative in questo senso.

(8) Cf CONGREGATION FOR CATHOLIC EDUCATION, Guide to the Training of Future Priests concerning the Instruments of Social Communication, Città del Vaticano, 1986.

http://www.vatican.va/roman_curia/pontifical_councils/pccs/documents/rc_pc_pccs_doc_07051989_pornography_it.html




[1]  ولقد صرحت وزارة العدل الأمريكية قائلة: "لم يسبق في فترة من تاريخ وسائل الإعلام بأمريكا أن تفشى مثل هذا العدد الهائل الحالي من مواد الدعارة أمام هذه الكثرة من الأطفال في هذه الكثرة من البيوت من غير أي قيود".  كما تفيد الإحصاءات بأن 63% من المراهقين الذين يرتادون صفحات وصور الدعارة لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه على الإنترنت علما بأن الدراسات تفيد أن أكثر مستخدمي المواد الإباحية تتراوح أعمارهم ما بين 12 و17 سنة . والصفحات الإباحية تمثل بلا منافس أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثا وطلبا .راجع: http://www.saaid.net/mktarat/abahiah/1.htm

[2]  http://vb.orthodoxonline.org/

[3] http://www.arabchurch.com/forums/showthread.php?t=118851

[4]  لقد وجد عالم النفس د/ ادوارد دونرستين من جامعة وسكونسون بأمريكا بأن الذين يخوضون في الدعارة والإباحية غالبا ما يؤثر ذلك في سلوكهم من زيادة في العنف وعدم الاكتراث لمصائب الآخرين وتقبل لجرائم الاغتصاب .كما وجد عدد من الباحثين بأن مثل هذه الإباحية تورث جرائم الاغتصاب، وإرغام الآخرين على الفاحشة، وهواجس النفس باغتصاب الآخرين، وعدم المبالاة لجرائم الاغتصاب وتحقير هذه الجرائم: راجع : http://www.saaid.net/mktarat/abahiah/1.htm

 [5] http://www.jesus-nazareth.com/vb/showthread.php?t=14919

[6] http://www.vatican.va/roman_curia/pontifical_councils/pccs/documents/rc_pc_pccs_doc_07051989_pornography_it.html