خطاب البابا لدى زيارته لرأس الكنيسة الأنغليكانية

لندن، السبت 18 سبتمبر 2010 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي خطاب قداسة البابا بندكتس السادس عشر لدى زيارته لرئيس أساقفة كانتربري روان ويليمز، رأس الكنيسة الأنغليكانية، في قصر لامبث في لندن، نهار الجمعة 17 سبتمبر 2010.

* * *

صاحب النيافة،

إنه لفرح كبير اي أن أتمكن من رد زياراتكم التي قمتم بها إلى روما من خلال هذه الزيارة الأخوية هنا في مقامكم الرسمي. أشكركم لأجل دعوتكم ولأجل الضيافة السخية التي قدمتموها لي. أحيي الأساقفة الأنغليكان المجتمعين هنا من مختلف أنحاء إنكلترا، وإخوتي الأساقفة من الأبرشيات الكاثوليكية في إنكلترا، وايلز، اسكوتلندا، والمستشارين المسكونيين الحاضرين.

لقد تحدثتم، صاحب النيافة، عن اللقاء التاريخي الذي تم، منذ نحو 30 سنة، بين سلفينا – البابا يوحنا بولس الثاني ورئيس الأساقفة روبرت رونسي – في كاتدرائية كانتربري. هناك في ذلك المكان عينه حيث حمل القديس توماس من كانتربري الشهادة للمسيح سافكًا دمه، صليا سوية من أجل هبة الوحدة بين أتباع المسيح. نتابع اليوم الصلاة من أجل هذه الهبة، معترفين بأن الوحدة التي أرادها المسيح لتلاميذه ستتحقق فقط كجواب على الصلاة، من خلال عمل الروح القدس، الذي لا ينفك يجدد الكنيسة ويقودها نحو ملء الحقيقة.

إن نيتي اليوم ليست الحديث عن الصعوبات التي اعترضت وما تزال تعترض المسيرة المسكونية. هذه الصعوبات معروفة جيدًا لدى الجميع هنا. بل أود أن أنضم إليكم في شكر الرب على الصداقة العميقة التي نمت بيننا ولأجل التقدم الواسع الذي تم في حقول الحوار الكثيرة خلال 40 سنة من بدء عمل اللجنة المشتركة الدولية الكاثوليكية والأنغليكانية. لنوكل ثمار هذا العمل إلى رب الحصاد، واثقين بأنه سيبارك صداقتنا أكبر.

إن الإطار الذي يتم فيه الحوار بين الشركة الأنغليكانية والكنيسة الكاثوليكية قد تطور بشكل دراماتيكي منذ اللقاء الخاص بين البابا يوحنا الثالث والعشرين ورئيس الأساقفة جوفري فيشر في عام 1960. من ناحية، الثقافة العامة تبتعد تدريجيًا عن الجذور المسيحية، بالرغم من الجوع المتفشي للغذاء الروحي. من ناحية أخرى، إن بعد المجتمع المتعدد الثقافات، والظاهر بشكل خاص في هذه الأمة، يحمل معه فرصة اللقاء بأديان أخرى. بالنسبة لنا كمسيحيين، هذا الأمر يفتح إمكانية اكتشاف سبل للشهادة، مع أعضاء الديانات الأخرى، للبعد المتسامي للكائن البشري وللدعوة الجامعة للقداسة، الأمر الذي يؤدي إلى ممارسة الفضيلة في الإطار الفردي والجماعي. التعاون المسكوني في هذه المهمة يبقى أمرًا جوهريًا، وسيحمل بالتأكيد ثماره في تعزيز السلام والتناغم في عالم يبدو غالبًا في خطر التشرذم.

في الوقت عينه، كمسيحيين، يجب علينا ألا نتردد أبدًا في إعلان إيماننا بفرادة الخلاص الذي ناله لنا المسيح، وأن نكتشف سوية فهمًا أعمق للوسائل التي وضعها بمتناولنا لكي ننال الخلاص.

الله "يريد أن ينال الجميع الخلاص، وأن يصلوا إلى معرفة الحق" (1 تيم 2، 4)، وهذه الحقيقة ليست إلا يسوع المسيح، ابن الله الأزلي، الذي صالح جميع الخلائق في ذاته بقوة صليبه. في أمانة إلى إرادة الرب، وكما يعبّر نص رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس، ندرك أن الكنيسة مدعوة لكي تكون منفتحة على الآخرين، ولكن ليس على حساب الحقيقة المسيحية. وهنا جوهر المعضلة التي يواجهها من يلتزم بصدق في المسيرة المسكونية.

في شخصية جون هنري نيومان، الذي سيطوّب نهار الأحد، نكرم رجل كنيسة نشأت نظرته الكنسية في ظل الكنيسة الأنغليكانية ونضجت خلال السنوات الكثيرة التي قضاها في خدمة الدرجة في كنيسة إنكلترا. يستطيع نيومان أن يعلمنا الفضائل التي يتطلبها العمل المسكوني: من ناحية، تحرك نيومان ليتبع ضميره، حتى ولو كلفه ذلك غاليًا؛ من ناحية أخرى، استمر بصداقة حارة مع رفاقه السابقين، الأمر الذي مكّنه أن يستكشف معهم، في روح مسالم حق، المسائل التي يختلفون بشأنها، يدفعه إلى ذلك توق عميق إلى الوحدة في الإيمان.

صاحب النيافة، في روح الصداقة عينه، اسمحوا لي أن أجدد عزمنا على السعي نحو هدف وحدة الإيما، الرجاء والمحبة، بتناغم مع إرادة ربنا ومخلصنا الواحد، يسوع المسيح.

مع هذه العواطف، أفارقكم. نعمة الرب يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدسة معكم جميعًا (2 كور 13، 13).

* * *

نقله من الإنكليزية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2010.