الأب ميشال السغبيني الانطوني

 نقوم بتنشئة رجال ونساء يعملون على خلق إطار وجو من المودّة والإلفة بين أبناء الديانتين، المسيحية والإسلام

مقابلة مع مدير الدروس في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما

حاورته أندريا كيرك عساف

روما، 18 أكتوبر 2010 (Zenit.org).

المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية، هو بالنسبة للكرسي الرسولي المرجعية في ما يتعلق أكاديمياً بالمسائل الإسلامية والعالم الإسلامي، ومع انعقاد سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط في روما، دعا بندكتس السادس عشر رئيس المعهد للمشاركة في هذه الجمعية الخاصة كخبير على صعيد الحوار المسيحي-الإسلامي.

على هامش أعمال السينودس، التقت وكالة وينيت بمدير الدروس في هذا المعهد الحبري، الأب ميشال السغبيني الأنطوني، للحديث عن تاريخ المؤسسة، التي تأسست لتنشىء الإكليرس حول الإسلام.

أظهر قداسة البابا بندكتس السادس عشر في السنوات القليلة الماضية اهتماما كبيرا للمعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية، لدرجة أنه طلب بشكل مباشر من منظمة خيرية كاثوليكية أن تدعمه ماليا؛ فما الذي دفع البابا برأيكم لأن يعير المعهد كل هذا الاهتمام؟

 

أ. ميشال: يعود تأسيس المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية إلى فكرة إنشاء مركز للتنشئة في تونس عام 1926 من قبل مرسلي إفريقيا (الآباء البيض)؛ يهدف هذا المركز إلى تنشئة كهنة واعضاء الجمعية على العمل والخدمة المسيحيين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. أخذ المركز اسم معهد الآداب العربية الجميلة عام 1931. وفي عام 1964، تمّ نقل المعهد إلى روما بطلب من قداسة البابا بولس السادس. وفقط عام 1979، أخذ المعهد اسمه المعروف به حاليا: المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية.

ويعود الاهتمام الشخصي لقداسة البابا الحالي بالمعهد إلى عام 2006، إذ طلب من مجمع التربية الكاثوليكية أن يدعم ويساهم في إعادة تنشيط عمل المعهد تحت مظلّة الكرسي الرسولي جاعلا هيئة إدارة ممتلكات الكرسي الرسولي شريكا في هذه الانطلاقة الجديدة للمعهد.

ويعتبر البابا بندكتس السادس عشر أن تنشئة الكهنة في العلوم الإسلامية مهم جدا للذين يعملون مع المسلمين، ليس فقط في البلدان ذات الأكثرية الإسلامية أو المعروفة تاريخيا بإسلامية، إنما أيضا للذين يعملون في نطاق العلاقات والحوار مع مسلمي أوروبا. وقد دامت عملية المفاوضات لدراسة المشروع حوالي ثلاث سنوات. وفي شباط 2009 تم توقيع جميع الوثائق ليصبح المعهد خاضعا لسلطة الأب الأقدس من خلال مجمع التربية الكاثوليكية، في حين تقع مسؤوليات العمل الأكاديمي والإداري على عاتق جمعية الأباء البيض. فتكون بذلك قد انتقلت فقط الإدارة الاقتصادية للمعهد إلى سلطة الفاتيكان.

ويرأس المعهد الآن الأب ميغيل أنخيل أيوزو غويكسوت الكومبوني. كما وتتألف هيئة التدريس حاليا من 20 أستاذا ينتمون إلى بلدان مختلفة. فمنهم الكهنة الأبرشيون والروهبان والعلمانيون، ومنهم الرجال والنساء، ومنهم المسيحيون والمسلمون، العرب والأوروبيون.

أخذ المعهد صفة "بابوي" أو "حبري" للمرة الأولى في تونس عام 1960، عندما أطلق عليه اسم "المعهد الحبري للدراسات المشرقية" تبعا لوثيقة مجمع المعاهد والجامعات الكاثوليكية. وتُعطى هذه الصفة من قبل مجمع التربية الكاثوليكية لكل جامعة ومعهد يتبع في تعليمه الأكاديمي تعليم الكنيسة الكاثوليكية. ومن هنا نفهم أكثر أهمية المعهد ضمن تعليم الكنيسة من جهة، واهتمام البابا الشخصي بموضوع الحوار مع المسلمين على الصعيد العلمي من جهة أخرى.

ولذلك يقوم نهج المعهد على التنشئة والنشر والبحث، بالإضافة إلى بعض النشاطات، من محاضرات ودورات صيفية وتنظيم مؤتمرات بالتعاون مع بعض الجامعات المحلية وغير المحلية، ونذكر منها: الأزهر في القاهرة، أو الجامعة الحرّة للقديسة مريم المنتقلة (LUMSA) أو الجامعة الغريغورية في روما.

ويمكنني أن اختم بالقول أن قداسة البابا يعلم علم اليقين أن المعهد كان بحاجة ماسّة للدعم المادي، لأن عدد تلامذة لا يقوم بتغطية كل المصاريف التي لا تتوزع على التدريس وحسب، بل أيضا على البحث وتحديث أدوات ومعدات المعهد نفسه. كما ويعلم قداسته جيدا مدى حاجة الكنيسة للمعهد وما يقوم به من تنشئة أكاديمية وعلمية، فكانت هذه المبادرة كي ما يتابع المعهد رسالته في قلب الكنيسة وبخدم عالم يحتاج أكثر من قبل إلى دُعاة حوار وتفاهم بين الشعوب.

ما هو دور المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في سينودس الشرق الأوسط؟

دعا الأب الأقدس رئيس المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية للمشاركة في السينودس بصفة "خبير" يمكنه إبداء الرأي في كل مرّة يتناول فيها معدّي النص النهائي موضوع الحوار بين الأديان عامة ومع الإسلام خاصة. فهو خبير في مجال عمله، يستطيع أن يُبدي رأيه كأكّاديمي ذي خبرة في مجال الحوار على الصعيد العلمي واللاهوتي من ناحية العلوم الإسلامية؛ ومن هنا يمكنه أن يرافق آباء السينودس فيما يخص العلاقات بين الأديان ومع المسلمين تحديدا.

من الأهمية بمكان إذن إشراك مسيحي قام بتنشئة خاصة في مجال الإسلاميات لكي يتمكّن من التحدث بشكل علمي عن الإسلام والمسلمين. وتقوم منهجيّة المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية على أن يدرّس المسيحيُّ الدين الإسلامي للمسيحيين بشكل أنه إذا ما سمعه المسلم يمكنه أن يرى ذاته ودينه في هذا التعليم؛ فلا يرى نفسه غريبا، لأن الدروس تُعطى بشكل موضوعي واحترام كلي، كما أنها ترتكز على النصوص المقدسة بلغتها الأصلية. وأعتقد أنه بهذه الطريقة يمكننا أن نقوم بتنشئة رجال ونساء يعملون على خلق إطار وجو من المودّة والإلفة بين أبناء الديانتين، المسيحية والإسلام. وأعتقد أنه لَمِن المفيد جدا لآباء المجمع أن يسمعوا رأي من يمثّل هذا المنهج.

قرر البابا بندكتس السادس عشر أن يقدّم المحراب الخارجي الأخير من بازيليك القديس بطرس لوضع تمثال للقديس مارون؛ فما هي برأيكم الأسباب والدوافع التي حثّت قداسته لذلك، وإلى ماذا يرمز حضور القديس مارون الدائم في الفاتيكان؟

لماذا مار مارون؟ هو الراهب القديس الذي تأسست ونشأت على قبره الكنيسة المارونية. ولكنه أيضاً ينتمي إلى الكنيسة جمعاء وهو مكرّم ومزّيح في غالبية الكنائس الشرقية. دافع تلاميذه عن تعاليم مجمع خلقيدونية (451) حتى لأصبحوا الخلقيدونيين الوحيدين في كافة المنطقة التي لم تعرف إعادة الاتحاد بالكنيسة الجامعة إلا لاحقا، ما بعد القرون الوسطى.

عند وصول الصليبيين إلى منطقة شمال لبنان وتعرّفوا على مسيحيي الوادي المقدس، قاديشا، كان بالنسبة لهم اكتشاف كبير إذ أن هؤلاء كانوا خلقيدونيين. وبعد أن عادت الاتصالات مع روما من جديد، تمت إعادة تشكيل هيكليتها في ذلك الوقت، واعترف البابا إينوشنسيوس الثاني بسلطة البطريرك الماروني على أنطاكية.

فأهمية أتباع القديس مارون، أو أبناء "بيت مارون"، هي أنهم كانوا على مرّ العصور بشركة إيمانية دائمة مع أسقف روما. ولذلك فإن الكنيسة المارونية هي الكنيسة الوحيدة التي لا تشكّل فرعاً لأصل غير كاثوليكي؛ بمعنى أنها ليست بفرعين، أحدهما أورثوذكسي والآخر كاثوليكي. إن الكنيسة المارونية بكليتها كاثوليكية الإيمان. بيد أن الكنائس المشرقية الكاثوليكية الأخرى، فهي نتيجة اتحاد متأخِّر لبعض الكنائس المحلية مع كنيسة روما. وتعود بدايات هذا الاتحاد إلى أواخر القرون الوسطى وامتدّ إلى القرن التاسع عشر.

أما في أيامنا الحاضرة، فإن الموارنة يتواجدون بشكل خاص في لبنان، حيث يوجد أيضا مقرّ البطريرك الدائم (بكركي، الديمان صيفا). ففي حين أن لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي يرأسُ جمهوريتَه مارونيٌّ، مسيحي كاثوليكي إذن، فهو يجمع أيضاً أكبر عدد للمسيحيين في بلد عربي نسبة إلى عدد سكانه (يفوق عدد المسيحيين في مصر عدد مسيحيي لبنان بأضعاف كثيرة، ولكنهم أقل بالنسبة لعدد سكان بلدهم). كما أن انخراط المسيحيين اللبنانيين عامة، والموارنة خاصة الذين يشكّلون الطائفة المسيحية الأكبر، في مجال الشأن العام وفي صنع القرار على الصعيد الوطني، ومدى فعاليّتهم وتفاعلهم مع سائر أبناء وطنهم يجعل منهم العضد والسند للمسيحيين المتواجدين في باقي البلدان العربية بشكل عام؛ وهذا بشهادة عدد من مسيحيي بعض الدول العربية المجاورة كسوريا، والأردن، والعراق، ومصر وفلسطين. ومن هنا فإن دور مسيحيي لبنان عامة، والموارنة خاصة، أساسيّ لا بل جوهري بحق إخوتهم في البلدان الأخرى الذين يعوّلون عليهم في كثير من الأمور، لا على الصعيد الوجودي وحسب، بل في شتى المجالات أيضاً.

والسبب الأخير، ربما، الذي دفع قداسة الحبر الأعظم بأن يَخصَّ الموارنة بعد أن خصَّ غيرهم من الشرقيين، هو احتفال الكنيسة المارونية بيوبيل 1600 عام على وفاة القديس مارون (+ 410). يُذكر أن الاحتفالات باليوبيل كانت قد بدأت العام الماضي بعيد القديس مارون (9 شباط 2010)، إلى أن يتم الاحتفال الاخير في شهر شباط من العام المقبل 2011 بإزاحة الستار عن التمثال بعد أن يتم وضعه في محراب خارجي لبازيليك القديس بطرس.