كلمة البابا قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي

روما، الاثنين 15 نوفمبر 2010 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر يوم أمس الأحد قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي.

***

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

في القراءة الثانية من ليتورجيا اليوم، يشدد الرسول بولس على أهمية العمل لحياة الإنسان. هذا الجانب يذكر به أيضاً "يوم عيد الشكر" الذي يحتفل به تقليدياً في إيطاليا في الأحد الثاني من نوفمبر كفعل شكر لله في ختام موسم الحصاد. وعلى الرغم من أن أزمنة الزراعة مختلفة بشكل طبيعي في مناطق جغرافية أخرى، إلا أنني أريد اليوم الانطلاق من كلمات القديس بولس للتأمل بخاصة في العمل الزراعي.

إن الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تناولها اجتماع ما يسمى بمجموعة العشرين، ينبغي أخذها على محمل الجد. فأسبابها عديدة وهي توجه دعوة هامة للقيام بمراجعة عميقة لنموذج التنمية الاقتصادية الشاملة (الرسالة العامة "المحبة في الحقيقة"، Caritas in veritate، رقم 21).

إنه عرض حاد يضاف إلى أعراض أخرى أكثر خطورة ومعروفة مسبقاً منها تزايد الخلل بين الثراء والفقر، وفضيحة الجوع، وحالات الطوارئ البيئية، ومشكلة البطالة التي أصبحت عامة أيضاً.

في هذا الإطار، يبدو الإنعاش الاستراتيجي للزراعة أمراً حاسماً. ففي الواقع أن عملية التصنيع خفضت أحياناً قيمة القطاع الزراعي الذي فقد أهميته على الرغم من الاستفادة بدوره من المعارف والتقنيات الحديثة، فنتجت عن ذلك تبعات ملحوظة على الصعيد الثقافي أيضاً. يبدو لي أن الوقت مناسب لدعوة إلى إعادة تقييم الزراعة ليس بمعنى الحنين بل كمصدر أساسي للمستقبل.

في الوضع الاقتصادي الراهن، تميل الاقتصادات الأكثر ديناميكية إلى اللجوء إلى تحالفات مفيدة قد تكون مضرة بالنسبة للدول الأخرى الأكثر فقراً إذ تزيد أوضاع الفقر المدقع التي تعيشها جموع من الرجال والنساء، وتُستنفد موارد الأرض الطبيعية التي أوكلها الله الخالق – كما هو مذكور في سفر التكوين – للإنسان ليفلحها ويحرسها (تك 2، 15).

إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الأزمة، نلاحظ أيضاً أن بلداناً صناعية قديمة تشهد تشجيعاً على أنماط حياتية متسمة باستهلاك غير مستدام ومضرة أيضاً بالبيئة وبالفقراء.

إذاً لا بد من السعي على نحو منظم إلى توازن جديد بين الزراعة والصناعة والخدمات لكي تكون التنمية مستدامة، ولكي لا يفتقر أحد لا إلى الخبز ولا إلى العمل، ولكي يحفظ الهواء والماء والمواد الأولية الأخرى كخيرات عالمية (راجع "المحبة في الحقيقة"، Caritas in veritate، رقم 27).

لذلك لا بد من تنمية ونشر وعي أخلاقي واضح في مستوى التحديات الأكثر تعقيداً في الزمن الحاضر؛ ولا بد من تربية الجميع على استهلاك أكثر حكمة ومسؤولية؛ وتعزيز المسؤولية الفردية والبعد الاجتماعي للنشاطات الريفية المبنية على قيم ثابتة كالضيافة والتضامن ومشاطرة التعب في العمل.

لقد سبق لكثيرين من الشباب أن اختاروا هذه الدرب؛ وقد عاد خريجون شباب إلى الالتزام بعمل زراعي، وذلك ليس فقط تلبية لحاجة فردية وعائلية، بل أيضاً لإحدى علامات الأزمنة، لإدراك ملموس للخير العام.

دعونا نصلي لمريم العذراء لكي تتمكن هذه الأفكار من حث الأسرة الدولية، فيما نرفع شكرنا لله على ثمار الأرض والعمل البشري.

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010