الأب القمص يوحنا رزيق، للذكرى العطرة

«أَجْسامُهم دُفِنَت بِسَلام وأَسْماؤُهم تَحْيا مَدى الأَجْيال» (سي 44/14)

«اذكروا مرشديكم الذين كلَّموكم بكلمة الله انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثَّلوا بإيمانهم» (عب 13/7)

     إنَّ كنيستنا القبطيّة تذخر بكثير من الآباء الكهنة الذين فيهم عطر القداسة. أمثال الأب القمص يوحنا رزيق، الذي أحبه الجميع، وتألم على فراقه كل مَن يعرفه. فوجب علينا أنْ نذكر بعضًا من ذكراه العطرة، لتكون لنا نبراسًا.

تواريخ هامة في حياته

«اختارَنا فيه قَبلَ إِنشاءِ العالَم لِنَكونَ في نَظَرِه قِدِّيسينَ بِلا عَيبٍ في المَحبَّة» (أف 1/4)

     ولد ألفونس أسعد رزيق (القمص يوحنا رزيق) بالقوصية، محافظة أسيوط في 7/9/1942، حيث أنَّ أسرته مشهود لها بالإيمان الكاثوليكيّة القويم والتقوى، والسيرة الحسنة.

لقد استجاب لنداءات الروح القدس، فالتحق بالكليّة الإكليريكيَّة بالمعادي في عام 1961، لدراسة الفلسفة واللاهوت. بعد أنْ أنهى دراسته بالكليّة الإكليريكيَّة، سُيم كاهنًا باسم الأب يوحنا على يد صاحب النيافة الأنبا يوحنا نوير، بكنيسة قلب يسوع، بالقوصيّة في 9/6/1968.

محطات في حقل الخدمة الرعويّة

«وما يُطلَبُ آخِرَ الأَمرِ مِنَ الوُكَلاءِ أَن يَكونَ كُلٌّ مِنهُم أَمينًا» (1كو 4/2)

1- في عام 1968، عُين راعياً لكنيسة السيدة العذراء مريم، بنجع رزيق.

2- وفي عام 1969 حتى 1974 عُين راعياً لكنيسة السيدة العذراء بكوم أسفحت، ومرشدًا لبيت الطلبة بأسيوط.

3- وفي عام 1975 حتى 2003 عين راعياً لكنيسة السيدة العذراء مريم بالمنشاة الكبرى. وهي أطول فترة خدمة قضاها في رعيّة.

* وطيلة خدمته برعيّة المنشاة الكبرى، لقد حفاظ على تراثها الروحي الذي رسخه فيها أسلافه الكهنة القديسين أمثال طيب الذكر الأب مرقص تاوضروس. فحافظ على ترسيخ العبادات التقويّة الكاثوليكية الروحية، فأزدهرت الكنيسة طيلة خدمته.

ومع التجديد الروحي، لقد قام أيضًا بترميم الكنيسة لإضفاء لمحة جمالية على شكلها. كما أنه قدم للكنيسة أثناء خدمته بالرعيّة ستة دعوات كهنوتيّة، حيث أنَّ أخر سيامة كهنوتية لآخرهم كانت قبل نياحته بأشهر قليلة. 

5- وفي عام 2003 نظرًا لاعتلال صحته عُين مساعدًا لراعي كنيسة قلب يسوع بالقوصية، ومع كل ذلك جاهد بصبر ودون تذمر، بأمانة في عطائه السخي ولم يقصر في واجباته الروحيّة والكنسيّة. حيث أنّه كان مسؤولاً لنشاط  أغصان الكرمة، والشبيبة المريمية إلى أن رقد في الرب في 12/11/2010.

عطر القداسة

(فنَحنُ لله رائِحَةُ المَسيحِ الذَّكِيَّةُ بَينَ الذينَ يَخلُصونَ» (2كو 2/15)

– لقد اشتهر بالوفاء، والأمانة في الخدمة، فلم يقصِّر يوم في واجباته الروحيّة والكهنوتيّة.

– لقد كان مشجعًا لكل الأنشطة والخدمات الكنسيّة، وساهم فيها قدر استطاعته.

– لقد اشتهر بالطيبة واحترام الجميع كبيرًا كان أم صغير.

– لقد تحلى بالوداعة والتواضع، فلم نره يفتخر بأعماله ومجهداته على جميع المستويات.

– لقد كان اهتمامه الأكثر بكنيسة البشر، من كنيسة الحجر.

– لقد كان بطيء الغضب والانفعال، خافت الصوت ولا ينفعل سريعًا.

– لقد كان متسامحًا صبورًا إلى أبعد حدود، فعندما كان يجرحه أحد بكلمة، أو بموقف، أو يختلف معه في رأي، فكان لا يهنأ له نومٌ إلا إذا ذهب إلى بيته وصالحه، رغم خطأ الطرف الآخر.

– لقد كان يرفض أنْ يدافع عنه أحد، فعندما يُجرح من أحد، كان يقول أنا خادم السيد المسيح، وهو الذي يدافع عني، ليس عن ضعف، لكن عن قوة حب تمثلاً بمعلمه الصالح يسوع المسيح.

– لقد كان يعمل في الخفاء أعمالاً خيرية كثيرة، عملًا بقول السيد المسيح «متى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يمجدوا من الناس» (مت 6/2).  

– لقد كان محبوبًا من جميع إخوته الكهنة، وفي جميع الأماكن التي خدم فيها مسيحيين ومسلمين، كاثوليك وأرثوذكس.

 

 

العودة إلى حضن الآب السماوي

«أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين! كُنتَ أَميناً على القَليل، فسأُقيمُكَ على الكَثير: أُدخُلْ نَعيمَ سَيِّدِكَ»

(مت 25/23)

ففي فجر يوم الجمعة الموافق 12 نوفمبر 2010، انتقلت روحه الطاهرة إلى السماء إثر أزمة صحية طارئة، ونقل جثمانه إلى كنيسة قلب يسوع بالقوصية. وفي الصباح قام الأب القمص كيرلس عازر، وشعب رعية قلب يسوع بصلاة القداس الإلهي على روحه الطاهرة. ومن بعد القداس الإلهي حتى صلاة التجنيز، التف المؤمنين حول أبيهم الروحي لنوال البركة ونظرة الوداع الأخيرة. وفي تمام الساعة الحادية عشر ونصف من صباح نفس اليوم، ترأس صلاة التجنيز صاحب النيافة الأنبا كيرلس وليم مطران أسيوط للأقباط الكاثوليك، ولفيف من الآباء القمامصة والكهنة والرهبان والراهبات، والعلمانيين، مسيحيين ومسلمين من أماكن مختلف.

ولقد ألقى صاحب النيافة الأنبا كيرلس وليم عظة التأبين التي بدأها بقوله:

«حَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي ومَن خَدَمَني أَكرَمَهُ أَبي» (يو 12/26)

أحبائنا اجتمعنا اليوم، لكي نزف إلى السماء خادماً أميناً، وراعياً فاضلاً خدم المذبح المقدس اثنين وأربعين عاماً بلا كللٍ ولا مملٍ، مكرساً ذاته لخدمة الرب وخلاص النفوس. وعندما نتأمل حياته، نشكر الله على الخير الوفير الذي صنعه الرب على يديه في كلِّ رعيةٍ خدم بها. ونفرح اليوم بأنَّه قد استراح من أتعابه وأنضم إلى مصاف من سبقوه من الكهنة القديسين …. نودعه اليوم وقلوبنا مملؤة بالرجاء، لأنَّنا نعرف أين هو وإلى أي مكان انتقل. فبعد رسالةٍ حافلةٍ بالعطاء والمحبة، استحق أنْ يسمع النداء الإلهي للحياة الأبديّة السعيدة، وينال وعد سيدنا يسوع المسيح بأنَّه حيثُ أكون أنا يكون خادمي.

وفى ختام صلاة التجنيز، تم التّطواف بالكاهن المنتقل محمولاً على أعناق إخوته الكهنة حول المذبح المقدَّس حسب الطقس المتَّبع.   

وبموكبٍ مهيبٍ ترأسه صاحب النيافة الأنبا كيرلس وليم، والآباء القمامصة والكهنة وفريق شمامسة الكنيسة مودعين أبيهم إلى مثواه الأخير بالألحان الكنسية على رجاء القيامة.

 

الرب الإله ينيح روحه الطاهرة في أحضان جميع القديسين. أمين

الأب/ لوكاس رسمي