مقابلة مع المطران عادل زكي، النائب ألرسولي لطائفة اللاتين في مصر

"ستبرهن الأيام على صدق نوايا الحبر الأعظم المنطلقة من قيم أخلاقية وروحية لا تتبدل ولا تتغير" وما من أزمة بين الفاتيكان والأزهر، ما جرى زوبعة خارجية سطحية  وستعود الأمور عما قريب الى مسارها الطبيعي"

حاوره إميل أمين

القاهرة، الأربعاء 02 فبراير 2011 (Zenit.org)

مطران اللاتين في مصر هو من ينوب عن قداسة الحبر الأعظم على الصعيد والمستوى الكنسي ، فيما يعد سفير دولة الفاتيكان في مصر هو الممثل الدبلوماسي الرسمي لحاضرة الفاتيكان في الدولة الموجود بها ، وبهذا التوصيف فان النائب الرسولي هم المنوط به من قبل الحبر الأعظم الخدمة والمسؤولية التي تخص الكنائس اللاتينية  التي تقيم صلواتها وشعائرها  بالطقس اللاتيني كما هو منتشر حول العالم .

 زينت التقت قي إطار متابعتها وتغطياتها لشؤون الكنيسة الكاثوليكية في مصر صاحب السيادة المطران عادل زكي مطران اللاتين في مصر،  سيما وان مقره الرسمي هو مدينة الإسكندرية حيث جرت الأحداث المؤلمة مؤخرا وكان لنا معه هذا الحوار :

بداية كيف هي الأوضاع حالياً في الإسكندرية وبعد نحو شهر تقريباً من الحادث المؤلم في كنسية القديسين ؟

يمكن القول ان الجو العام بالفعل لا تزال تخيم عليه حالة من الحذر ممزوجة بمسحة من الحزن  والترقب، هناك علامات استفهام معلقة كثيرة عند الناس حول المستقبل وقلق كبير عند الآباء ،  لكن في كل الأحوال نقول ان الله تعالى  يعرف كيف يستخرج من الشرور الخيرات. نحن في مسيرة  ولم نكتشف بعد هذا لكن نؤمن ان ما حدث يدخل بكل تأكيد في مخطط الله .

وبالنسبة لي شخصياً فقد قمت بزيارة الكنيسة ورأيت فظاعة الحدث ، ولمست انطفاء البهجة في النفوس  وتحول الابتسامة الى نوع من الحزن .

هل ما جرى في تقديركم هو نتاج لاحتقان طائفي ام حادث جنائي ام أزمة تقع بين الاثنين؟

نقول بداية إننا نحترم  التحقيقات التي تقوم بها السلطات المصرية ونثق في قدرتها ونذكر بأن مصر تعرضت من قبل لحوادث إرهابية كثيرة تريد النيل من استقرارها، لكن أيضا يمكنني القول ان هناك ضغوطات كثيرة  يعيش المجتمع المصري بأكمله في ظلها، بعضها له أسباب خارجية وأخرى داخلية ، فالمنطقة العربية برمتها تنتابها الاضطرابات ونحن نريد ان ننجو ببلدنا من كل شر، ما جرى في الإسكندرية ليس صراع مسيحي إسلامي، إنما هو جرس إنذار لما هو اخطر وما يراد بمصر وعلى مصر والمصريين التنبه لما جرى ويجري حتى يجنبوا بلدهم الذي يحبون ويخلصون له أي خطر .

لا يمكن لرجل الدين ان ينفصل عن واقع المجتمع .. هل الحالة الدينية المصرية على الجانبين تعاني من خلل ما ؟

من أسف شديد هناك مشاكل كثيرة تنفجر أحيانا في الجانب الديني فقط انطلاقاً من ان المصريين  بمسلميهم ومسيحييهم متدينون،  من بين تلك المشاكل الفقر والجهل والتخلف وغياب التنوير، ناهيك عن الضغوطات الاقتصادية كما ان الازمة المالية العالمية الاخيرة ألقت بظلالها كذلك على  العالم كله ومصر من بينها ونرى في بلد كبير مثل أمريكا كيف ان تلك  الازمة أدت الى توترات عنصرية كثيرة .

كيف رأيتم أداء الإعلام العربي والمصري  في الازمة الاخيرة وهل جاءت التغطيات عاطفية أم عقلانية موضوعية ؟

 لاحظت ان هناك حالة من التضارب في التغطية  وحتى تعرف الحقيقة كان على المرء ان يتنقل بين أكثر من محطة  إذاعية أو فضائية، لكن في كل الأحوال الحقيقة لم يعد احد قادر على تخبئتها أو تغطيتها وان التخبط أو التناقض أو التغطية لم تعد تصلح لمعالجة المشاكل .

في أعقاب تعليقات الحبر الأعظم رأينا هجومات عريضة تجاهه …. كيف تقرأون هذا التوجه ضد البابا بندكتس ؟

استغرب واستعجب كذلك استخدام أحاديث البابا كمنطلق للتهجم عليه. الحبر الأعظم  لا يوجه إلا نداءات للضمائر وهو لا ينادي  إلا بالسلام والعدالة واحترام الحقوق لفئة بعينها في بلد بعينه. أحاديث الحبر الأعظم تشمل كل البشرية من مشارقها الى مغاربها، وكون  البعض يود  ان يدخل تصريحات الحبر الأعظم في سياق العاب سياسية ومقايضات فكرية أو طائفية  داخلية  فهذا أمر غير مقبول  وستبرهن الأيام على صدق نوايا الحبر الأعظم المنطلقة من قيم أخلاقية وروحية لا تتبدل ولا تتغير .

رغم العلاقات المميزة بين الفاتيكان ومصر تم استدعاء السفيرة المصرية للتشاور …. هل يرقى الأمر لمرحلة الازمة بين البلدين ؟

 بالمطلق ما من أزمة ، أنا اعتبر ان ما جرى  زوبعة خارجية سطحية  وستعود الأمور عما قريب الى مسارها الطبيعي، سيما وان العلاقات بين حاضرة الفاتيكان ومصر لها جذور تعود الى أكثر من ستة قرون، واستدعاء السفيرة للتشاور بعد مقابلة سعادتها للمطران مامبرتي، أمين سر العلاقات مع الدول، أمر يقطع الطريق على أي تهوين أو تهويل في موقف البابا .

لماذا جاء موقف الأزهر الشريف  وشيخه الدكتور احمد الطيب متشددا بشكل كبير، تطور لاحقاً الى إجراء وقف الحوار مع الفاتيكان ؟

أنا اعتبر ان هذا إجراء مؤقت هدفه امتصاص الازمة الاخيرة ولا أقول ان مسيرة الحوار بين الأزهر والفاتيكان تتعرض لتعقيد جوهري، هو إجراء لتهدئة الرأي العام ولتخفيف حدة الاحتقان الديني أو الطائفي ان وجد، ولا أود القول ان البعض استخدم الفاتيكان ككبش فداء وان كانت هذه حقيقة واقعية، لكن كلي أمل أنها أزمة سرعان ما ستعبر الأجواء وبخاصة ان البابا  تكلم كأب لجموع المؤمنين حول العالم وليس لجهة مصر فحسب .

هل تحادثتم مع سفير الفاتيكان في مصر بشان اشكالية الحوار هذه بصفتكم مطران للاتين ؟

 حصلت مشاورات جماعية بين مجلس الأساقفة والبطاركة الكاثوليك في مصر بشكل عام وليس محادثات ثنائية  وكان هناك حرص كبير على ان يكون الموقف الكاثوليكي في مصر موحد ويمثل بصورة مشرفة الكنيسة في الوطن .

بعيداً عن الازمة الاخيرة  هل من جدوى حقيقية في تقديركم للحوار بين الأزهر  والفاتيكان بشكل عام ؟

 أنا أرى ان الحوار خطوة ايجابية للغاية افرزها المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني على كل المستويات والحوار وسيلة للتقارب مع الآخر والأديان حوار بين السماء والأرض  فكيف لا يتحاور البشر .

وأنا أرى ان الحوار مع الأزهر الشريف بوصفه قلعة الإسلام المصري السمح والمعتدل أمر حيوي حتى ولو لم تظهر على السطح وبسرعة فوائده أو نتائجه، ولهذا اشدد على ضرورة ان يكون الحوار مستمراً ومتصلاً كجسر من جسور التواصل بين المصرين وبعضهم البعض ، لما فيه من غنى. و لذا فلا بديل عن التمسك بالاستمرار في الحوار بعد انقشاع الغيمة الاخيرة .

الرئيس مبارك في خطابه الأخير تحدث عن دور الدولة في حماية كل مواطنيها ….هل الأقباط في حاجة الى حماية خارجية ؟

أولا الحماية الحقيقية لكل المصريين من مسلمين وأقباط في يد الله حامي وحارس الكل أولا وأخيرا،  وبالطبع المصريون يرفضون فكرة الحماية أو الوصايا الدولية، والدولة تسعى  وتجتهد، لكن يجب على المسؤولين ان يعلموا ان الله تعالى اختارهم للعناية بالناس ولذلك تبقى مسؤولية تأمين كل مواطن في ذمتهم وعليه لابد من ترجمة  الشعارات الى  وقائع حقيقية على الأرض  حتى لا تتكرر مأساة الإسكندرية مرة أخرى،  ونحن كرجال دين نضم صوتنا الى صوت الدولة في رفض الإرهاب فالإرهاب يعني التخلف والخوف ومعهما لا ازدهار ولا تقدم ولا حضارة .

ما الذي تحتاجه مصر في تقديركم لتغيير حقيقي يعود بها الى مصاف الدول التنويرية من جديد؟

أعود هنا الى الحديث عن التكوين والتربية على احترام الأخر ، دون ان نركز على الدين في خانة البطاقة، ان نغير من المقررات التعليمية التي  تدعو للتعصب والتطرف ، الاهتمام بالبرامج الإعلامية التي تعلي من  حقائق وليس شعارات المواطنة ان يكون تعبير الدين لله والوطن للجميع حقيقة واقعة مطبقة على الأرض، نحن نصلي في قداساتنا من اجل الوطن والحكومة عن اقتناع وقناعة لأننا نريد لبلدنا مزيد من الازدهار .

هل هناك اشكالية في المبادئ والقيم داخل المجتمع المصري ؟

 بالمطلق لا، المبادئ الأخلاقية والفضائل موجودة عند المسلمين وعند المسيحيين، علينا فقط تلقينها لأبنائنا، ما تعانيه مصر الآن هو نتاج أخطاء عشرين أو خمسة وعشرين سنة مضت، نريد الاهتمام بالإنسان المصري فالإنسان هو دائما وابدأ هو القضية وهو الحل .

كيف تقيمون فكرة بيت العائلة التي طرحها الإمام الأكبر شيخ الأزهر في محاولة لتقريب العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر ؟

أي مبادرة هدفها التقارب والتفاهم والوفاق هي شيء جميل  أتمنى لهذا المقترح ان ينجح  وان يجد طريقه الى الأرض ولا يهم ان كانت نتائجه ستأتي غدا أو بعد غد لكن يكفي ان نقول أنها فكرة طيبة  نابعة في تقديري من قلوب صافية وتدفع لتبادل الغنى المشترك بين الإسلام والمسيحية وتقود الى مزيد من الوفاق  والوئام .

البعض يرى ان الكنيسة الكاثوليكية في مصر توانت أو تخاذلت في التعاطي مع الإعلام في الازمة الاخيرة .. ما تقييم هذا الكلام ؟

الأمر ليس توانياً أو تخاذلاً،  بل دعوة مستقبلية  لأن تكون هناك  فاعلية أكثر في  الإدلاء  بالرأي والكشف عن الحقيقة وإسماع صوت الكنيسة بعقل وموضوعية وبحب أيضا، فنحن مواطنين مصريين وقضايانا هي جزء من قضايا الوطن ويجب ان يكون تفاعلنا مع كل قضايا الوطن بإيمان بحب الوطن وخدمته والإخلاص له الى ابعد حد ومد .

هل هذه الدعوة  هي الوجه الآخر للقول بغياب جهاز إعلامي حقيقي للكنيسة الكاثوليكية في مصر بطوائفها السبع؟

بدون شك هناك احتياج حقيقي وماس للكنيسة الكاثوليكية في مصر لجهة التواجد في ساحة الكلمة والنور وفي مجال الإعلام والفضائيات  وأنا أرى ان وجود  جهاز إعلامي قوي هو أمر لا غنى  عنه ونوع من أنواع تعميق الرسالة التي يجب ان تكون ظاهرة وواضحة، لكن هناك محاولات وخطوات  لكن لم يعلن عنها وكلها تصب في خانة التواجد الإعلامي للكنيسة الكاثوليكية المصرية على الساحة المحلية .

 

ماذا عن ما بعد السينودس .. كيف تترجم الكنيسة ما جرى في المناقشات على ارض الواقع ؟

 بداية على مستوى الاجتماع السنوي لمجلس الأساقفة والبطاركة الكاثوليك في مصر والذي انعقد في الفترة من 27 الى 29 ديسمبر المنصرم، كان التركيز الرئيس على مقررات السينودس وأسفرت النقاشات عن اختيار عشر ة محاور من المحاور الأساسية لما ورد في  الورقة النهائية   واختير نص لكل محور ووضع تساؤلات عليه، وهذه ستطبع وتوزع على كل الايبارشيات والكنائس من اجل تدارس كيفية عيشها وتطبيقها على ارض الواقع .

وعلى مستوى الكنيسة اللاتينية  قمنا بالتنسيق مع الآباء الكهنة  ليكون الموضوع الذي نتعمق  ونتحدث فيه هذا السنة كسنة رعوية هو موضوع الشركة والشهادة  وتم إعداد كتاب خاص في هذا السياق يستخدم كمرشد في اجتماعات الشباب والأسرة والعظات.

موضوع الشركة موضوع غني كيف سيتم  تطبيقه في الواقع العلمي ؟

نعم هناك غنى كبير في موضوع الشركة ولهذا كان التركيز على كلمة الله التي توضح لنا عمق حياة الشركة  وكلمة الله هي البند الأول والركيزة الأساسية في أعمال السينودس  ولذلك خصصنا  الأيام القادمة لدراسة حياة الشركة عبر دراسة إنجيل القديس لوقا  والتي سيكون مرشدها الأب يونان عبيد من لبنان والذي يتابع معنا العظات عن كلمة الله حتى تثمر في قلوبنا وفي كنيسته .

يلحظ المرء ان هناك تراجع واضح لدور العلمانيين الكاثوليك على الساحة المصرية  بخلاف الستينات حيث كانت المشاركة افعل من اليوم . ما سبب ذلك في تقديركم ؟

 هذا موضوع مهم ومثير ونحن بالطبع نحتاج الى أضخاص فعالين علمانيين على غرار  الشخصيات الكاثوليكية العلمانية  التي زخرت بها مصر في خمسينات وستينات القرن المنصرم ، ولذلك فانه من اهتماتي الأولى التكوين والإعداد للشباب وللحقيقة أقول انه لدينا  أشخاص لديهم القدرة والمواهب المختلفة وقادرون على القيام بدور فاعل لخدمة الوطن ثم الكنيسة، هم فقط في حاجة الى مساندة وتشجيع وإعطاء الوقت  والمجال حتى ينطلقوا، اليوم الكنيسة تحتاج الى  العلماني المثقف أكثر من أي وقت مضى ولا بد للكنسية من تشجيع تلك العناصر وإفساح المجال أمامها لتقوم بدورها المطلوب منها بكل حب .

هل من مستقبل في تقديركم للحضور المسيحي العربي في هذه الرقعة الجغرافية من العالم ؟

 استشهد في الجواب هاهنا بما قاله الكاتب اللبناني الكبير الأستاذ محمد السماك أثناء مناقشات سينودس الشر ق الأوسط  من ان  المنطقة العربية في حاجة للمسيحيين العرب حتى يتمكن  المسلمون أنفسهم من العيش سويا معا،  وليس مع المسيحيين فقط ، فلا عيش ولا سلام ولا توافق اجتماعي إسلامي إسلامي إلا بالحضور المسيحي، ولك ان تتخيل العكس حال غياب هذا الفصيل من الساحة العربية التي شكلوا  فيها رافداً حضارياً منذ زمان وزمانين ونصف زمان ،  الحضور المسيحي العربي صمام أمان لكل المذاهب والتيارات الدينية والفكرية في الوطن العربي .

كيف تعيش الكنيسة اللاتينية في مصر على الرغم من قلة عدد أتباعها ؟

 بداية اشكالية قلة العدد أمر لا نتوقف عنده كثيرا ذلك انه ربما يكون العدد القليل هذا مثل الخميرة التي تحدث عنها يسوع فعلى الرغم من صغرها هي تخمر العجين كله،  وكنائس اللاتين مفتوحة لكل المؤمنين على اختلاف  طوائفهم، من يأتينا نقدم له بكل الحب وجبة روحية  دون ان نسال عن جذوره نهتم به روحياً عندما يا إلينا طالبا دعم روحي لكن فيما خص المسائل الإجرائية والطقسية فنحن نلتزم بالقانون الكنسي في الأمور الإجرائية كالزواج  والعماد فكل ملزم بالرجوع الى طائفته حتى لو كان يمارس حياة روحية وصلوات طقسية لدي، وليس في هذا تقصير من جانبنا بل احترام للأخر  .