مصر، تونس، ثورة الكرامة، بحسب كاهن رعية رام الله

روما، الثلاثاء 22 فبراير 2011 (Zenit.org) 

ننشر في ما يلي تحليلاً للأب فيصل حجازين، كاهن رعية رام الله في فلسطين، ودكتور في اللاهوت الأخلاقي وأستاذ في جامعة بيت لحم، تحليلاً يتحدث فيه عن "ثورة الكرامة" التي حررت الشعبين التونسي والمصري من "الخوف الذي تسببه أنظمة معتادة على الترهيب".

"هذه الثورة فاجأتنا بقوتها ونتائجها"، يقول الأب حجازين في هذا النص المعنون "ضد أي أصنام ثرنا؟". ويتمنى "حضارة جديدة تعطي الثقة بالذات وتعزز الحوار"، "ذهنية جديدة تحرر من كل السلاسل التي تدمر الإنسان وتذله".

***

بعد الرحيل القسري للرئيس مبارك الذي ترك السلطة، يظن كثيرون أن هذه "الثورة البيضاء"، الثورة التي سميت ثورة الكرامة التي أرشدت الشباب في تونس كما في مصر، لم تكن سوى تمرد على أفراد أو أنظمة. ولكن، إن نظرنا بعمق في الأمور، ندرك أنها ثورة إيديولوجية عميقة ومبنية على مبادئ يصعب صرف النظر عنها.

التصميم الشجاع على استعادة حرية وكرامة الإنسان هو الذي اقتلع الخوف من القلوب. هذا الخوف الذي كان العامل المهيمن، تحديداً للسيطرة على كل هذه الشعوب خلال عقود طويلة. إذاً، فإن هذه الثورة أزالت من القلوب الخوف الذي تسببه أنظمة معتادة على الترهيب والتهديد، أنظمة أبطلت الحرية الفكرية وفرضت الخوف. إنه الخوف الناجم عن عناصر قوية تفرض أفكارها وتقاليدها وعاداتها على كل الأفراد ملغية الشخصية والحرية؛ هو الخوف الآتي من بعيد، والمتمحور بخاصة حول عناصر دينية تبدو وكأنها تحرم الإنسان من حريته وكرامته.

هو الخوف الذي هيمن على المجتمع، وحطم الفرد. هو الخوف الذي حرم الفرد من أبسط حقوقه، وتجاهل أو قوض كرامته الإنسانية.

هذه الثورة التي فاجأتنا بقوتها ونتائجها، فاجأتنا أيضاً بعزم محركيها. فهي ثورة قائمة على مبادئ متجذرة بعمق في الإنسان ونابعة مباشرة من وجوده ومن أهمية شخصيته.

إنها ثورة مرتكزة على قيم أساسية أهمها قيم الحياة والكرامة والحرية والمساواة والعدالة. هي ثورة الإنسان المحروم من كرامته وحقه في التعبير عن أفكاره، ثورة الإنسان المحطم، الإنسان الخائف ممن يقرر عنه ويعتبره قاصراً إلى الأبد وعاجزاً عن التفكير وفهم مصلحته ومصلحة المجتمع.

هذه الثورة ليست موجهة إذاً ضد فرد، أو شخص، أو زعيم، أو قائد، أو مسؤول، ولكنها بالأحرى الثورة أو التمرد على ذهنية، على حضارة ظلمتنا طيلة عقود وعزلتنا في امبراطورية الخوف جاعلة منا كائنات دون البشر بذريعة أن النظام، الدين هو الذي يفرض واجب سحقنا والسيطرة علينا فكرياً وروحياً. إنها ثورة ضد ثقافة الخوف التي انتقلت من مجتمع خاضع للترهيب إلى القادة الذين كانوا قد فرضوا هذا الخوف.

ينبغي علينا الآن أن نبحث عن ثقافة، حضارة تحترم الفرد، الإنسان، وكرامته، وتساعده على بناء ذاته. نحن بحاجة إلى حضارة نتربى عليها منذ طفولتنا، حضارة مطبوعة في قلب الطفل الذي يكتسبها مع حليب الأم، حضارة يتربى عليها في المنزل والمدرسة والكنيسة والجامعة والمسجد والمجتمع. نرغب في حضارة تعطي الثقة بالذات وتعزز الحوار، وتهدم حواجز الخوف في قلوب الشباب والأقل شباباً، الحواجز التي بقيت فترة طويلة في مجتمعاتنا.

نحن بحاجة إلى ذهنية جديدة تحرر من كافة السلاسل التي تدمر الإنسان وتذله. نحتاج إلى ذهنية جديدة، فكر جديد وإرادة جديدة. الفكر الذي يميز بين الخير والشر، وإرادة السير نحو مصلحة الإنسان والمجتمع، وليس نحو الأنانية. نطمح إلى ذهنية تحترم حرية الإنسان. فالحرية أساسية. وهي العنصر الأهم، العنصر المؤسس في الطبيعة البشرية. والحرية طبعاً هي فقط الحرية التي تفعل الخير وتختار الخير. لا يمكن التحدث عن حرية فعل الشر، لأن الشر سلبي. إذاً، تقوم حريتنا على فعل الخير ومقاومة الشر لا على خضوعنا للشر.

ككاهن ومرب ومواطن، أود أن ألخص ما تعنيه بالنسبة لي هذه الثورة أو "ثورة الكرامة" من الناحية الدينية، التربوية والاجتماعية.

دينياً، أعتقد أن الدين يجب ألا يقيد أبداً حرية الفكر. بل يجب أن يكون عامل تثقيف لبناء الإنسان بشخصيته وكرامته وحريته ليكون مسؤولاً عن أعماله ولتكون قراراته مثبتة بضمير صالح يتوج الحرية المفهومة جيداً.

كمرب، أتوجه إلى زملائي، المربين والمربيات في المدارس والجامعات لكي يعززوا قيم الكرامة والحرية والتعبير عن الذات لدى التلاميذ والطلاب، لدى الشباب الذين نستطيع أن نسميهم جيل "ثورة الكرامة"؛ ولكي نبقى نحن المربون بعيدين عن ذهنية الترهيب والتلقين، تاركين لكل تلميذ، مهما كان صغيراً، كرامته وأسلوبه وشخصيته؛ ومانحين الوقت الكافي للحوار مع التلاميذ والطلاب لكي يعبر كل واحد منهم عن أفكاره وعن نفسه، مع تلافي الطغيان والاستبداد الفكري والأخلاقي.

كمواطن، أتمنى أن تعزز السلطات روابط الحوار مع شعوبها في ديمقراطية انفتاح على الحرية الفكرية، الإيديولوجية، الثقافية، الدينية والإعلامية، في سبيل بناء مجتمع قائم على احترام حياة الإنسان وكرامته وحقوقه، مع احترام هذا الوعي المتزايد بحقوق الإنسان وكرامته في العالم.

فلنحترمه في شرقنا العزيز علينا، لكي يتمكن بأسرع وقت ممكن وبالاستلهام من "ثورة الكرامة" من الانضمام إلى حقبة جديدة من الحرية والنور.

الأب فيصل حجازين

دكتور في اللاهوت الأخلاقي