الأب رفعـت بدر
التأم على مدار يومين، في مدينة البندقية – فينيسيا، مؤتمر دولي دعت إليه اللجنة العلمية في مؤسسة الواحة للحوار بين المسلمين والمسيحيين، والتي أسسها ويرأسها الكاردينال أنجلو سكولا، بطريرك تلك المدينة البحرية.
تشرّفت بالمشاركة للسنة الخامسة في هذا المؤتمر السنوي، وممّا يلفت النظر هذا العام هو أولا العنوان: «الشرق الأوسط، إلى أين»؟ وعنوان فرعي: «نحو المدنية (ولا يستخدم المركز كلمة العلمانية) الجديدة». وقد قال الكاردينال سكولا في كلمة الترحيب أن مؤسسة الأبحاث والدراسات «الواحة» تقصد بالشرق الأوسط أيضاً شمال أفريقيا بالإضافة إلى الدول المتعارف عليها بالشرق أوسطية وهي تهدف من اختيار موضوع ساخن وحيوي إلى تبيان قرب الشعوب الغربية (الأوروبية) من الشعوب العربية التي تنادي بالاصلاح والمساواة. وبيّن أن الأمر-المؤتمر- لا يعني الوقوف مع-أو ضد- الثورة، وانما إلى إظهار أنّ القضيّة ما عادت محصورة ببعض مطالبات اقتصادية هنا وهناك، بل هي قضية الإنسان المعاصر الذي لم يعد يرضى بالواقع فذهب باحثاً عن مساحات واسعة من الحرية.
الأمر المميّز الثاني في مؤتمر الواحة هذا العام هو استضافة نخبة من المثقفين ورجال الدين والباحثين – مسيحيين ومسلمين من المنطقة العربية الساخنة، للتباحث على شطآن البندقية في مواضيع تخص مواطني الشرق الأوسط. ومن المتحدثين هذا العام الكاردينال أنطونيوس نجيب، بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر، وقال في كلمته: إن أجمل ما كان في الثورة المصرية الأخيرة أنها لم تحمل طابعاً دينياً، بل قوّت أواصر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين وقال أن الكنائس قد رفعت الصلوات من أجل إعادة الحياة العادية والسلام إلى مصر وقد رأينا كيف أحاط المسيحيون باخوتهم المسلمين في ميدان التحرير أثناء تأدية الصلوات لكي لا يتعرضوا لأي خطر. وبالنسبة للمستقبل، فقال الكاردينال: إننا مصممون على النظر نحو المستقبل بإيجابية ونحن ماضون للتعبير عن إيماننا عبر دعوتنا لتحقيق المساواة الدستورية الكاملة بين كافة أطياف المجتمع المصري.
أما المطران مارون لحام، رئيس أساقفة تونس، فقدَّم رؤية «الراعي الروحية» للأوضاع الحالية والمستقبلية في تونس، وقدّم رسالته الراعوية الرابعة التي نشرها بهذا الخصوص. وكان لافتاً استضافة الدكتورة السعودية أماضي الرشيد لتكون أول مشاركة سعودية في مؤتمرات الواحة السنوية.
وهكذا ومن ضيف إلى آخر – ومن الوقوف على أوضاع ثورة إلى أخرى، استطاع الحضور تلمُّس بعض التحليل الذي لا يخلو من المخاوف حول أوضاع مواطني المنطقة بشكل عام والأقليات بشكل خاص – وبخاصة المسيحيين. وهؤلاء هم بلا شك جزء لا يتجزأ من المعادلة في أوطانهم، ولم يكونوا بعيدين عن المطالبة بالتغيير الديمقراطي والإيجابي في بلدانهم، لكنهم باتوا ينظرون وينتظرون دساتير جديدة في بلدانهم، تخرج برضى – واستفتاء – شعبي، وبروح عصرية، لتقول بأن «المواطنة» هي الأساس ومنها تنبع مبادئ بات إنسان العصر والمواطن في بلدان الشرق يركز عليها في مطالباته ومنها: العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، بغض النظر عن جنسهم أو عرقهم أو ديانتهم.
هذا ما يريده مسيحيو المشرق لا أكثر ولا أقل. والواحة التي التأمت أيضاً في الأردن عام 2008 تحت عنوان « الحرية الدينية»، ما زالت تهتم بالتحفيز على إقرار مبدأ المواطنة للجميع وترسيخه… فكراً وممارسة.
عن جريدة الرأي الأردنية
abouna.org@gmail.com