كن صاحب رؤية

إعداد الاخت سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس

 

        أن الرؤية عنصر هام لكل شخص يريد أن يعيش حياة مثمرة، فالذين لديهم رؤية لحياتهم، هم يعلمون ماذا يريدون تحقيقه في الحياة، ومن ثم يضعون له التصور المناسب والخطوات العملية اللازمة لكي تصبح الرؤية حقيقة واقعية. فلو نظرنا إلي حياة القديس بولس نجده صاحب رؤية واضحة في رسالته، وبدون تلك الرؤية، لم يكن ممكنا أن يسافر إلي البلاد البعيدة ويؤسس المجتمعات المسيحية في أماكن رئيسية طوال رحلاته. فقد أمتلك الرسول بولس كثيرا من الخصائص التي أهلته لكي يكون واحدا من أصحاب الرؤي، بل وقادرا علي تحقيقها.

فكيف حقق بولس رؤيته بنجاح؟

1-    وضع بولس كل ثقته في السيد المسيح، ووثق أن كل المشروعات التي يفكر فيها متوافقة تماما مع مشيئة الله لحياته.

2-    كان لدي بولس إرادة عملية، فقد كان شخصا متماسكا جسورا ملتزما، وهذا ساعده علي تحقيق كل ما يحلم به، رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهها.

3-    ثبت بولس نظره علي المسيح، لكي يمنحه القوة والحكمة والقدرة علي التحمل، حتي يري ما يصبو اليه فقال " أسعي نحو الغرض" ( فيليبي 3:4 ).

الإحتياج الي الرؤية

        أن كل جانب من جوانب حياتنا، يتطلب درجات متفاوته من الرؤية، فكل شخص لديه أحلام مختلفة، بعضها يتعلق بأهداف في علاقته العائلية، هواياته، وحياته الروحية.. وكذلك الرؤية لتطوير مواهبه وقدراته. فأذا ما أقبل أثنان علي الزواج، ينبغي أن تكونا لديهما رؤية بعدد الاطفال الذي يرغبان فيه، والطريقة التي سيقومان بتربيتهم عليها، وأهم الاحداث المتعلقة بحياتهما معا، والطموحات والاحلام التي يحلمها الزوجان لما يريدان من أطفالهما أن يحققوه في حياتهم.

        وبدون خلق الرؤية للمستقبل، سيسير الناس بلا هدف في الحياة. لذلك علي كل منا أن ينظر للمستقبل برؤية ونظرة تحليلية لكل الامكانات المتاحة أمامه، ليحقق أفضل ما يمكن تخقيقه في الحياة.

 

ما هو مجال الرؤية

        أن مجال الرؤية يعني: أن الرؤية يجب أن تشمل كل جانب من جوانب الحياة، لأن كل جانب له أهمية خاصة بالنسبة لحياة الفرد ونموه ونضجه. بشرط أن تكون الاهداف الموضوعة واقعية، ونافعة، ومتوافقة مع بعضها البعض، ومع علاقة الفرد مع الله.

        وعلي الفرد أن يكون حريصا عندما يخطط لمستقبله، حتي لا يحلم أحلاما أكبر من أمكاناته وطاقاته، بل يحلم بما يتحدي قدراته الفعلية، ويحقق له التطور والنمو المطلوب، كما يجب أن تكون هذه الاحلام واقعية وليس خيالا، أي يمكن تحقيقها في يوم ما. ولتحقيق رؤيتنا علينا مراعاة ما يلي:

 

1-    عدم الخوف من الفشل

 أحيانا نجد أن الخدمات التي نهتم بها لم تصل إلي مستوي الرؤية التي كانت في البداية، وأن الاهداف التي وضعناها لم تتحقق بالشكل المطلوب، ومن هنا يأتي الاحساس بالفشل. فلعل أحد الاشخاص يقول: لقد خدمت في مدارس الاحد، واجتماعات الشباب، ودرست الكتاب المقدس،… الخ، وقمت بمجهود كبير حتي تنجح خدمتي، لكن مدي تحقيق النجاح في كل منها أختلف بدرجة عن الاخري، فقد نجحت في احداها بينما توقفت في الثانية. ليس علينا النظر إلي الامور بهذه الطريقة، لان خلف كل ذلك كان هناك فرصة للنمو والنضج وأن كان هناك بعض الامور التي نفشل فيها ولم نحقق نجاحا يذكر، لكننا نستطبع أن نستفيد من كل الاختبارات التي نجتازها " أن من لم يختبر الفشل علي الاطلاق، لم يختبر شيئا علي الاطلاق"

 

ولو نظرنا لبولس الرسول، نجد إنه واجه كثيرا من العوائق والمذلة والأخطار في سبيل تحقيق ما كان يحلم به وهو نشر بشارة الخلاص للعالم اجمع، فكل هذه الظروف الصعبة كانت كفيلة بأن تهزمه، وبالرغم من إعلان بولس عن رؤيته، الا إنه كان يفشل أحيانا في تحقيقها. ومع ذلك لا نعتبر بولس فاشلا بل علي العكس، كانت لديه العزيمة علي تخيل أهدافه والجهاد والمثابرة والسعي نحو الهدف، وكان علي قدر كبير من المسئولية لكي يحمل رسالة الانجيل للعالم كله.

عزيزي القارئ: لاتحف من الفشل، سر للامام لتحقق أهدافك، والرب حتما سيقودك ويريك الطريق الذي يجب أن تسلك فيه.

 

2- أقبل الحدود الطبيعية    

        كل منا لديه حدود طبيعية، ربما تُفرض عليه هذه الحدود، كأن تكون صفات وراثية، أو عوامل نفسية طبيعية، أو حتي مؤثرات بيئية، هذه العوامل بدورها تحد من قدراته. ولكن بعيدا عن هذه الحدود، فأن الانسان يبرع في أمور كثيرة. لذلك فأن الامانة الاخلاقية تحتم علي الانسان أن يكتشف ما لا يستطيع أن يفعله أو يحققه، وأن هناك بعض الصعوبات التي لا يستطيع التغلب عليها، وبعض الاهداف التي ليس بمقدوره إنجازها. ولعلنا نتساءل: ما معني" أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني" تدور هذه الآية داخل إطار معين:

         تحتاج أن تضع كل ثقتك في الرب.

         كلمة " أستطيع" تتطلب تفكيرا منطقيا واقعيا، فأنت لا يمكنك أن تخلق جناحين وتطير بهما، فالتفكير المنطقي والعقل الحكيم المتزن أمران مهمان في تكوين الرؤية.

 

  لقد صلي بولس مرارا أن تُرفع عنه شوكة جسده، لكن هذه الشوكة لازمته، وبدلا من أن يتمرد، أختار الخضوع لمشيئة الله. ومن المرجح أن هذه الشوكة كان المقصود بها " ضعف نظره" لهذا كان يحتاج إلي مساعدة الآخرين في تدوين أخباره ورسائله الي الكنائس المختلفة، ولولا هذه الشوكة لما تعلم بولس أن يضع كل ثقله علي الله ليقويه. وأنــت حاول أن تشكل الظروف، فأن وجدتها أقوي من أن تتغيرأقبلها….. وحاول أن تغير أفعالك وسلوكك بقدر ما يتوافق مع الواقع. قال ويليام شوكلي مخترع الترانزستور والحائز علي جائزة نوبل في العلوم:

" عندما تعطيك الحياة ثمار الليمون المرة،

أصنع أنت بها مشروب الليموناده اللذيذ الطعم"

وقد فعل بولس هكذا، فعندما كان ينتظر قرار السلطة وهو في السجن، أستخدم بولس الوقت المتاح أمامه ليحث المسجونين معه عن الخلاص بالمسيح.. لقد اعُطي بولس ثمرة الليمون لكنه اختار أن يصنع منها "مشروب الليموناده" لقد تعلم بولس ماذا يستطيع أن يغيره، وما عليه أن يقبله كما هو.

 

3- أعمل بجدية

     من العناصر القوية التي ساعدت بولس: الارادة، والعزيمة القوية، والمثابرة. وهذه العناصر تعد من أهم أعمدة الرؤية الناجحة. ومن أهم الدوافع التي تؤدي لتحقيقها.

 وأخيرا عزيزي القارئ: أنظر الي حياتك، وحدد المناطق التي تحتاج إلي تطوير، ربما تكون العلاقات الاسرية، أو القدرة علي الاستماع، أو التنظيم وأدارة الوقت، أو دراسة الكلمة،…. وكل منها يمثل أحتياجا خاصاً…. و لديك القدرة علي تحسين وتطوير أي من هذه الجوانب، إن توافرت لديك رؤية عن منطقة الاحتياج في حياتك، وإن توفرت العزيمة التي تدفعك للمواصلة والصبر والاجتهاد، لكي تصل إلي الهدف المنشود.

 يقول أحد الاشخاص: " أن كل الرجال العظماء… أناس يحلمون.. فهم يرون أشياء في يوم دافئ من أيام الربيع، أو في ضوء نار المدفأة في احدي أمسيات الشتاء…. البعض تموت أحلامهم، لكن آخرين يعتنون بأحلامهم، ويحمونها وينمونها، حتي في الاوقات الصعبة.. حتي تخرج في وضح النهار، وتصبح حقيقة للعالم كله ".

 

لذلك علينا أن نتمهل، ونلقي نظرة علي موضوع حياتنا، وأن نختبر كل جانب منها، ثم نضع خطة لما يجب أن تؤول إليه في السنوات القادمة، وعندما تتضح لدينا الرؤية، سوف نستطيع حتما أن نصل إلي الهدف وحينئذ تتسع حياتنا لنحظي بثمر اوفر.

( بتصرف عن الانجليزية ).