البابا يوحنا الثالث والعشرون

1881-1963

البابا 261 للكنيسة الكاثوليكية

إعداد / ناجى كامل – مراسل الموقع من القاهرة  

– إسمه الأصلي أنجيلو جيوسيبي رونكالي، ولد بتاريخ 25 نوفمبر عام 1881 في سوتو إل مونتي في إيطاليا، انتخب بابا لروما عام 1958 حتى انتقل الى السماء فى  3 يونيو عام 1963 في روما. هو واحد من أكثر الباباوات شعبية في التاريخ، بدأت في زمن حبريته حقبة جديدة من تاريخ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية مع افتتاحه المجمع الفاتيكاني الثاني وما حمله ذلك من تغيير وانفتاح للكنيسة على العالم المعاصر. كتب عدة رسائل رعوية هامة تتناول مواضيع اجتماعية متنوعة.

– كان أنجيلو أحد أولاد جيوفاني رونكالي الثلاثة عشر، كان عمل والده مزارع ، وكانت عائلته ميسورة الحال ، وقد تردد عن البابا قوله "توفرت لنا ضروريات الحياة وكنا أقوياء وبصحة جيدة . كان أنجيلو الطفل الثالت للعائلة والولد الأول بين اخوته الذكور، شعر بدعوته للكهنوت عندما بلغ الحادية عشر.

لم يكن أنجيلو طالباً لامعاً ، ولكنه اجتهد ليرسل إلى روما لدراسة اللاهوت عام 1900، وبعد عام واحد قضاه في "سيميناريو رومانو" ( المعهد الروماني) التحق بالجيش لأداء الخدمة العسكرية

سيم كاهناً بتاريخ أغسطس عام 1904 وفي اليوم التالي احتفل بقداسه الأول في بازيليك القديس بطرس ، استدعى  للجيش خلال الحرب العالمية الأولى ليخدم في مستشفى كملحق عسكري برتبة ملازم .

مع تعيين اسقف جديد لأبرشية بيرغامو تم تعيين الاب أنجيلو كسكرتير للمطرانية، وبالإضافة لأعمال السكرتارية قام كذلك بتدريس اللاهوت في معهد الأيبارشية إضافة لتوليه مهام المرشد الروحي للشبان المتقدمين  للكهنوت. وبفضل عمله كمساعد للأسقف اكتسب أنجيلو خبرة رعوية كبيرة.

عام 1920 عينه البابا بندكتوس الخامس عشر مديراً للمنطمة الإيطالية لدعم الإرساليات الأجنبية، سمح له هذا المنصب بنسج شبكة من العلاقات مع شخصيات دينية أوربية مهمة كما أصبح اسمه معروفاً في الوسط الكنسي في روما.

عمل عملا إضافيا  كمؤرخ متخصص بأنشطة وأعمال القديس شارل بوروميه الذي لعب دوراً مهماً في حركة الإصلاح الكاثوليكي في القرن السادس عشر. سمحت له أبحاثه حول هذا الموضوع بفرصة لقاء بأشيل راتي الذي أصبح لاحقا البابا بيوس الحادي عشر.

عام 1925 عيّنه البابا بيوس الحادي عشر وسامه أسقفاً وعمل في الحقل الدبلوماسي الفاتيكاني، فعين قاصداً رسولياً لبلغاريا في مارس عام 1925. وتبعاً للتقاليد رسم رئيساً للأساقفة قبيل مغادرته روما، وقضى العشرة سنوات اللاحقة في تحمل أعباء وظيفته البعيدة عن الأضواء والشديدة الحساسية حيث كان يحمي مصالح جماعة كاثوليكية صغيرة في بلد تغلب عليه الأرثوذكسية الشرقية.

– عين مفوض رسولي لليونان ورئيساً للمهمة الدبلوماسية الفاتيكانية لتركيا. ومرة أخرى توجب عليه تمثيل أقلية كاثوليكية في دولة تغلب عليها الأرثوذكسية الشرقية بدولة مسلمة، وهناك اتخذ من استنبول كمقر لإقامته.

– عام 1944 أرسله البابا بيوس الثاني عشر إلى باريس بصفة قاصد رسولي .

في 30 اكتوبر سنة 1952 تلقى نبأ تعيينه كاردينالاً بكل بساطة وهدوء، وفي 15 يناير  1952 تسلم قبعة الكردينالية، في فرنسا، ومع الكاردينالية أعطِي لقب بطريرك البندقية .

سنة 1954 احتفل   بيوبيله الذهبي، لمرور خمسين عاماً على سيامته الكهنوتية.  – كان كثير الأسفار، وقد طلبه البابا بيوس الثانى عشر  ليكرس كنيسة القديس البابا بيوس العاشر في لورد، لم يخبئ فرحه في ذلك ولاسيما تلك السنة التي هي المئوية الأولى لظهور العذراء لبرناديت. ولم يكن أحد يشك بأن هذا الكاردينال ذو الابتسامة الحلوة والقلب الطيب سيكون عما قريب رأساً للكنيسة.

9 أكتوبر عام 1958 وبعد وفاة البابا بيوس الثاني عشر بتاريخ  تم انتخابه خلفاً للبابا الراحل باسم يوحنا الثالث والعشرون، وكان إختياره رغم كبر سنه مفاجأة في الأوساط الكاثوليكية.

– وانتخب الكاردينال أنجيلو رونكالي بطريرك البندقية ،بعد مداولات مضنية، ولم يكن أحد يتوقع إنتخابه. وقيل: إنّه بابا إنتقالي نظرًا إلى سنّه المتقدّم (77 سنة)، وكانوا على خطأ! فبرغم اعتلال صحته وقِصَرِ حبريّته (5 سنوات)، كانت فترتها ذات تأثير كبير ومقرّر للعقود التالية

الصحافة العالمية قالت عنه  : "  عام 1958 كان عاما حاسما بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، يومها طوت الكنيسة الكاثوليكية صفحة من صفحات جمودها العقائدي بموت البابا بيوس الثاني عشر، لتدفع حركة تجديد لازالت مستمرة ومتواصلة منذ اكثر من نصف قرن من الزمن، بانتخاب مجلس الكرادلة الكاردينال رونكالي، بابا على الكنيسة الكاثوليكية. يومها اعتقد الكرادلة بان انتخابهم هذا الكاردينال العجوز سيكون مرحلة انتقالية ريثما يعملون على انتخاب كاردينال آخر في حال وفاة هذا الاخير. ظنهم خاب فلقد كان هذا الكاردينال العجوز اكثر البابوات تقدما وتطورا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية " .

– في مساء اليوم الذي توّج فيه حبراً أعظم  قال لأمين سره، ما يجول في قلبه:"إني أفكر ببلدي سوتو ايل مونتيه وبأبي وأمي". أما في ساعة تتويجه فقد افتتح خطابه بكلمة من الكتاب المقدس، قالها يوسف الصديق عندما جاءه إخوته، وكان هو قد أصبح وزيراً للفرعون: " أنا يوسف، أخاكم". كان يقوم بمهام أسقف لروما، يزور المرضى في المستشفيات ويتحدث معهم بتلك الابتسامة الحلوة، كما كان يطوف الرعايا في القرى ويتحدث معهم ويسألهم عن أحوالهم… وكان يزور السجناء في سجون روما ويعزيهم بكلام يشجعهم على استئناف الحياة .

– كان يتمنى أن تقوم الكنيسة بمهمتها الأساسية، الأمومة والتثقيف، لذلك كتب رسالته العامة: " أمّ ومعلمة " التي استقبلها العالم بأسره بكل إحترام وإجلال، فقد أوضح فيها معالم الكنيسة بكل أبعادها وإلتزاماتها.

أما أمنيته العظمى فهي وحدة الكنيسة، فكم كان يردّد، في رسالته الأخيرة: " السلام على الأرض" ، فهذه الرسالة أضافت إليه لقباً جديدا هو "بابا السلام" مضافاً إلى لقبه: "بابا الوحدة " و"بابا المجمع". وقال للمنفصلين عن روما: هيا تعالوا نتلاقى معاً فالطريق مفتوح… قابل جميع الوفود الآتية من جميع أنحاء العالم من الطوائف المنفصلة: الانجليكان والأرثوذكس والبروتستانت والجميع بكل محبة .

 بعد تنصيبه بفترة قليلة أعلن عن دعوته لانعقاد "مجمع مسكوني" جديد، المجمع الفاتيكاني الثاني (الأول من نوعه منذ قرابة القرن). بحسب أقواله فأن فكرة عقد المجمع راودته بما يشبه الإلهام المفاجئ، وكانت الفكرة من هذه الدعوة إصلاح الكنيسة الكاثوليكية بما يتوافق مع متطلبات العصر الحديث.

– بعض كرادلة الفاتيكان حاولوا فعل كل ما كان باستطاعتهم لإعاقة انعقاد المجمع، ولكن البابا مضا قدماً بخطته وعاش الى أن رآى افتتاح أعماله  في خريف عام 1962. وبناء على رغبة البابا يوحنا الثالث والعشرون تعهد آباء المجمع بالحفاظ على الإيجابية فلم تصدر عنهم أي أدانة أو حرمان لأي أحد، وتجنبوا الخوض في مسائل العدائية السياسية.  اعتبر البابا المجمع الفاتيكاني الثاني مجمعاً رعوياً، بحيث لم تصدر عنه أي عقائد كاثوليكية جديدة ولكنه رغم ذلك أعاد دراسة وتمحيص عقائد وتشريعات قديمة. وصف يوحنا الثالث والعشرون المجمع بأنه "يوم عنصرة جديد" وتدفق جديد للروح القدس

بعد أن نال جائزة نوبل للسلام وقيمتها مليون فرنك سويسري قال: إن هذا المبلغ هو مخصص لإنشاء مكان يضم ضحايا الثورات والحروب" وهكذا كان… وبعد ذلك صدرت نشرة طبية تعلن إصابته بالسرطان في الجهاز الهضمي، بقي يتألم منه بصبر وفرح. قال في مرضه: هذا السرير هو مذبح، والمذبح يطلب ذبيحة وها أنا ذا الذبيحة". قال طبيبه : "كنت أسمعه يردد دائماً: لتكن مشيئة الله. ثم قال لي: أيها الطبيب، لا تهتم كثيراً لمرضي فإن حقائبي حاضرة، وإني مهيأ للسفر، ساعة يصل القطار.

كان يستقبل زواره بكل بشاشة، فقد علّم الناس كيف يموتون بهدوء وسلام مع الله بعد أن علّمهم كيف يعيشون بالمحبة. ولما دخل في النزاع قال لأخته آسونتا: سأبقى حياً هذه الليلة. وفعلاً بقى حياً تلك الليلة، وفي ليلة 3 يونيو 1963  طلب أن يمنحوه الأسرار الأخيرة، واستقبل الكردينال كوشينياني، الذي ناوله القربان الأقدس، بهذه الآية الداودية: "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب ننطلق" ثم بعد تناوله القربان: صرّح بإيمانه بكل هدوء ورزانة، ثم نال المسحة الأخيرة .

– مات يوحنا الثالث والعشرون مأسوفاً عليه، وقد نعته جميع إذاعات العالم بكلمات التأسف ولاحترام. وضع في الغرفة التي شهدت تألمه، وبقيت هيئته على حالها، فيظنّه الناظر نائماً لولا صفرة بسيطة تعلو وجهه. وعلى صدره صليب بسيط كان قد اشتراه يوم سيم أسقفاً، وقد كتب سنة 1925: أرجو أن تضعوا هذا الصليب فوق صدري عندما أموت.دفن في كنيسة القديس بطرس حيث يرقد سلفاؤه.

* قدمه البابا بنديكتوس السادس عشر فى ذكرى إنتقاله فى 11أكتوبر 2007  :   مثال البابا يوحنا الثالث والعشرين للأطفال المرضى بالسرطان  وقد حيا البابا جماعة من الأطفال آتين من مركز عناية في ميلانو، دعاهم باسم "أصدقاء"، وقد بدت ظاهرة عليهم علامات علاج السرطان وشجعهم " لكي يسيروا بصبر وراء يسوع في مسيرة التجربة والألم  متمنيًا أن تساندهم "الشهادة الإنجيلية التي لا تنتسى" التي قام بها أنجيلو رونكالي " في الالتزام اليومي بالأمانة للمسيح بالرغم من مرضه بالسرطان .

صلواته وبركاته تكون معنا آمين

بعض المصادر: الموسوعة العربية المسيحية –  الموسوعة الحرة ويكيبيديا- وكالة زينيت – الموسوعة البريطانية – موقع الفاتيكان …