على الرغم من العولمة تنمو العبادة المريمية

 

مقابلة مع المونسنيور نيكولا بوكس

روما، الخميس 21 يوليو 2011 (ZENIT.org)

على الرغم من العولمة هناك ظاهرة تُدهشُ علماء الاجتماع ودارسي الأديان: إنّها العبادة المريمية التي تبدو وأنّها تصمدُ أمام كلّ شيء.

مئاتُ الملايين من المؤمنين يصلّون يوميًا الوردية ويشكّلون مجاميع صلاة وزيارات مريمية.

كما يترددُ الناسُ دومًا إلى المزارات المريمية، والعديدُ من الدعوات إلى الحياة المكرّسة تأتي من مجاميع العبادة المريمية.

وتنمو الحماسة المريمية بصورةٍ خاصّة في أوقات الصعوبات.

من أجل إدراك ظاهرة حيّة مثل هذه في الكنيسة الكاثوليكية، قابلتْ زينيت المونسنيور نيكولا بوكس، لاهوتي ومستشار ليترجي في مكتب الاحتفالات الليترجية للحبر الأعظم.

البعض، حتّى في داخل الكنيسة، ينتقدون العبادة المفرطة لمريم. ماذا تعتقدون في هذا الصدد؟

إنّها علامة حضور وعمل السيدة العذراء التي تقودُ الإنسان إلى يسوع ابنها. والانقيادُ لها يعني الاستسلام كليًّا لله، وباللاتينية “devovere”، والتي منها يُشتق مصطلح العبادة. دون العبادة لا يخلصُ الإنسان، كما يعلّم القديس فرنسيس الساليسي. لا يبدو لي أن هناك إفراطًا اليوم في العبادة، وربما العكس تمامًا، فهي غائبة: فعددٌ غير قليل من الكهنة والمؤمنين يعيشون الليترجيا دون عبادة، ولذلك لا يتحققُ الخلاصُ للإنسان. إذ ينقصُ تمجيدُ الله، الذي هو شرط حتمي، وهذا ما يُعبّر عنه بالعبادة.

للعذراء مريم مكانة مركزية في اللاهوت وفي تأريخ الكنيسة الكاثوليكية. هل يمكنكم أن تشرحوا لنا السبب؟

بفضلها وبفضل موافقتها صارت الكلمة جسدًا، أي صار ممكنًا دخولها إلى التأريخ الإنساني. وكلّ إنسان مدعوٌ ليقدّم ذاته لله لكي يدخلَ في قلب البشر على مثال العذراء مريم. ولكن يحتاج أن نكون عذارى، أي غير مدنسين أو منقادين للعقلية الدنيوية. بهذه الطريقة فقط، يمكنُ التعاون في خلاص العالم على مثال العذراء.

ظاهرة الظهورات تسببُ انتقادات، وخاصّةً في مجال العلم، والكنيسة حذرة جدًا ومحتاطة. ما هو رأيكم بهذا الخصوص؟

يذكرُ القدّيس باسيليوس أنّ كلّ ما له صفة المقدّس يأتي من الروح القدس. هذا يجعلنا نتأمّل في تعابير القدّوس في محاولةٍ لفهم فيما إذا كانت نابعة عن مواهب الروح القدس، والتي من بينها موهبة الرؤية الصوفية. إنّ اللاهوت الصوفي درسَ جيدًا إحدى الظواهر المعروفة: الرؤية. والرؤية بحسب القدّيس أوغسطينوس يمكن أن تكون ثلاثة أنواع: جسدية، روحية أو تصوّرية، وعقلية. ومن أهمّ الرؤى رؤيا القدّيس بولس على طريق دمشق، عندما رأى بعينيه شعاع نور. كانت رؤية جسدية أي من خلال أعين الجسد. وفي الوقت ذاته ظهر له بطريقةٍ تصوّرية شكلَ حنانيا الذي كان عليه أن يذهب عنده. فالرؤية فضلاً عن كونها جسدية كانت أيضًا تصوّرية. وفي النهاية، أدرك الرسولُ بعقله في اللحظة ذاتها مخطط إرادة الله له، وهذه هي الرؤية العقلية. في الجدال الحالي بين مَن يقف مع وضدّ ظهورات مديغوريا، لعلّ من المفيد مقارنتها مع هذه الأنواع من الحياة الصوفية من أجل التأكّد إن كانت تنتمي إلى الظهورات وإلى أيّ نوع. ويمكنُ أن نُضيف أنّه فقط في حالة الرؤية الجسدية فإننا أمام ظهورٍ موضوعي.

في مديغوريا هناك ظواهر خارقة الطبيعة وخاصةً فيما يتعلق بعدد الاعترافات وعشق الصلاة والعديد من الاهتداءات العجيبة. لماذا يحدثُ كلّ هذا؟

يغيب عن نظر كثيرين، حتّى من داخل الكنيسة، طبيعة ومعنى الأسرار، وخاصة الاوخارستيا والتوبة. فهي الوسائل الاعتيادية التي يعمل الربُّ من خلالها ليخلّص الإنسان ويرشدُهُ إليه. فحيثما تمّ الاحتفالُ بالأسرار، كما يذكرُ القديس كيرلس الاسكندري في موعظةٍ شهيرة ألقاها في أفسس خلال المجمع الذي عرّف العذراء مريم بأمّ الله، فبشفاعتها تُقاد الشعوبُ إلى التوبة.