حوار اليوم السابع مع غبطة البطريرك الكاردينال الأنبا أنطونيوس نجيب

سعيد الشحات والكاردينال انطونيوس

الكاردينال أنطونيوس: إذا كان الإخوان يقولون إنهم يعبّرون عن الأغلبية.. فهتلر وموسولينى حكما بأصوات الأغلبية

حاوره : سعيد شعيب

اليوم السابع – الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

 

كان متفقاً أن تكون مدة الحوار مع الكاردينال أنطونيوس نجيب حوالى نصف ساعة، لكنها تجاوزت الساعة، فبطريرك الكاثوليك فى مصر كان لديه الكثير ليقوله، وكان لدىّ الكثير من الأسئلة، فبعد الثورة تغيرت الخريطة السياسية، وانتاب القلق قطاعات واسعة من المسيحيين، بل من كل الأقليات الدينية، وهذا بالضبط ما حوله الكاردينال نجيب إلى تصريحات واضحة فى هذا الحوار الذى أجريته معه فى مدينة ريمنى الإيطالية، على هامش «ميتينج ريمنى»، فأكد بحسم أنه لا يحق للأغلبية- أياً كانت- أن تمس الحقوق الأساسية ولو لمواطن واحد، وطالب بالفصل الكامل بين الدين والسياسة، وقال إن الغرب ليس مسيحياً، ولكن يعيش فيه مسيحيون، ونفى أنه يدافع عن أى نمط سياسى هنا أو هناك، ولكنه يدافع عن قيم إنسانية اتفقت عليها البشرية كلها.

ألم تكن الأوضاع أكثر استقراراً قبل الثورة بالنسبة للمسيحيين؟

كانت الأوضاع بالنسبة للمسيحيين والمسلمين غير جيدة، فلم تكن هناك مراعاة للكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة والحرية الحقيقية.

صحيح أن الأوضاع كانت سيئة قبل الثورة، إلا أنها كانت واضحة بعكس ما يحدث الآن؟

من قال إن الوضع كان مستقراً أو مريحاً، فأنت تعلم أكثر منى بما كان يعانيه المسيحيون، ليس فقط بصفتهم مصريين، ولكن أيضأ بصفتهم مسيحيين، مثل بناء الكنائس وترميمها، والمشاركة فى مؤسسات الدولة، وما يمكن أن تسميه حدود المشاركة الاجتماعية.

لكن المسيحيين كانوا موجودين فى مختلف مؤسسات الدولة؟

غير صحيح، فوجودهم محدود فى الجيش والمواقع الوزارية، ومحرم وجودهم فى المخابرات وأمن الدولة.

هذا فى الماضى، فماذا عن مستقبل المسيحيين؟

عندما يتم تطبيق الخطوات الصحيحة فسوف يعمّ الخير على كل المصريين، فمثلاً الحد الأدنى للأجور ليس للمسلمين فقط، وإذا لم يتم تطبيق الخطوات الصحيحة فلن يكون هناك خير بين المسلم والمسيحى، ولا بين المسيحى والمسيحى، ولا حتى بين المسلم والمسلم.

اسمح لى.. هذا كلام عام ولا خلاف عليه، فما هو موقفكم من الإخوان والسلفيين؟

من يلتزم بأساس المجتمع السليم نؤيده، ومن لا يلتزم بها فهو لا يريد الخير لمصر، نحن نريد الكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة والحرية الحقيقية.

بصراحة أنتم تستخدمون تعبيرات غير واضحة، والإخوان والسلفيون يستخدمون ذات التعبيرات؟
نعم القول سهل، وأسامة بن لادن وهتلر وموسولينى وحتى أوباما يقولون ذلك.

إذن هل ستنتظرون أن يطبق أنصار التيار الدينى تصوراتهم؟

لا، فلابد أن تقوم الدولة على المعايير التى ذكرتها لك، وهى الكرامة والعدالة والمساواة والحرية.

اسمح لى بسؤال مباشر: هل توافق على نموذج دولة الإخوان؟

لا أعرف كيف سيطبقون الشريعة، وهل سيطبقونها على من يرفضها؟! فالمساواة معناها أن أعيش بمبادئى الإيمانية وأمارسها.

الإخوان والسلفيون يقولون إنهم سيطبقون الشريعة على المسلمين، وهذا معناه عدم وجود مشكلة للمسيحيين؟

هل يوجد بلد فى الدنيا فيه قانونان، وهل فى هذه الحالة يتحول المسلم الذى لا يريد أن تُطبق عليه الشريعة إلى المسيحية؟

لك جملة قلتها أكثر من مرة وهى: أعطِ الوقت للوقت.. ألا ترى أنها تعبر عن سلبية شديدة للمسيحيين؟

ليس مقصوداً بها ما فهمته، ولكنها تعنى أن تفعل ما تستطيعه، لكن بدون استخدام العنف، واترك للآخر أن يتلاقى مع هذا الفكر، وأن يفحصه، وبالتالى يمكن أن يجد أرضية مشتركة، فربما ما تراه صحيحاً هو غير صحيح، فإذا حطمنا الجسر منعنا التلاقى.

لكن الإخوان والسلفيين يقولون إن الدولة الإسلامية هى تعبير عن إرادة الأغلبية؟

إذا كانت قرارات الأغلبية تمس إنسانا واحدا فى أسس الدولة التى حدثتك عنها، تصبح خاطئة، ألم يقل القرآن إنه من يقتل نفساً كمن قتل الناس جميعا!.

ولكن هذا استبداد للأقلية وفرض إرادتها على الأغلبية؟

الشيوعية والنازية والفاشية أتت باتفاق الأغلبية، وبالتالى فقرارات الأغلبية ليست بالضرورة صحيحة، وفى المجتمعات الديمقراطية الغربية، بما فيها من قيم ليبرالية، ليس من حق الأغلبية المساس بالحقوق الأساسية للإنسان.

ولكن هذا النموذج الغربى ينتهك الأديان، وأنت رجل دين، ويسمح بالإباحية الجنسية وغيرها؟

أنا لا أدافع عن نمط سياسى هنا وهناك، أو عن قوة اقتصادية أوعسكرية، أنا أدافع عن قيم إنسانية، و«محدش قال إن الغرب أمين على هذه القيم»، وكثير من مفكريهم يؤكدون ذلك، ومن الخطأ القول بأن المجتمعات الغربية مجتمعات مسيحية، فهى الآن بعيدة كل البعد عن المسيحية، وإن كان يعيش فيها مسيحيون كثيرون على التزام كامل بمسيحيتهم.

إذن، فالحل أمام العالم حتى يطبق القيم التى تنادى بها أن يحكمه رجل دين أو رجال سياسة خلفيتهم دينية؟

الدين لا يجب أبداً أن يتزاوج مع السياسة، وخبرة الكنيسة الكاثوليكية فى الحكم لم تكن أنصع ولا أجمل فترات تاريخها، بل أصبحت أقوى بعد أن تخلصت من الارتباط بالسياسة.

لو كانت الأغلبية فى مصر مسيحية، هل كنا سنعانى أيضاً من أفكار الدولة الدينية واضطهاد الأقلية المسلمة؟

هذا الأمر لا يتعلق بالدين، ولكن بمدى التطور الثقافى والحضارى، فهو الذى يحدد الأسلوب الذى يرى العلاقة بين المواطن والسلطة الحاكمة، وبين الدين والدولة.

هل كانت الأقلية المسلمة ستعانى من الاضطهاد؟

لا أعرف كيف كانت ستحدث تاريخياً مسيرة الثقافة والحضارة حتى يمكننى الإجابة عن هذا السؤال.

إجابتك يمكن أن يُفهم منها أن المشكلة فى الإسلام كدين؟

مرة أخرى، المشكلة ليست فى الدين، سواء الإسلامى أو المسيحى، ولكن فى التعايش بين الحضارة والثقافة والفكر الدينى.

لك تصريح تقول فيه إنه لا يحق للدولة الإشراف على الكنائس، فهل هى جمهوريات مستقلة؟
كان كلامى خاصاً بالإشراف المالى والإدارى.

لكن مال الكنيسة مال عام وليس خاصا، ومن الطبيعى أن تشرف عليه الدولة؟

هل نحن نأخذ مرتبات من الدولة؟، وهل الكنائس تأخذ مساعدات من الدولة حتى تقول إن هذا مال عام؟!

الكنيسة تعيش على تبرعات أعضائها، وهذه التبرعات مال عام، فكيف نضمن أنه يتم صرفها بشكل صحيح؟

نحن نعلن كل مصروفاتنا ومواردنا، وأنا هنا أتحدث عن الكنيسة الكاثوليكية، ففى كل كنيسة مجلس مكون من أعضاء ومن القسيس، ويعرض كل صغيرة وكبيرة على أعضاء الكنيسة، ليس فقط المال، ولكن الخدمات وكل شىء.

ترفضون تنفيذ أحكام القضاء، وكأنها تصدر لنناقشها، وكأنكم دولة داخل الدولة؟
هناك مجال مدنى، وهو تابع للدولة، وهناك مجال دينى تابع للكنيسة. الكنيسة الكاثوليكية «معندهاش طلاق»، وإذا حكمت المحكمة بالطلاق فهذا مجال مدنى، وليس دينيا.

ولكنكم تعاقبون من يحصل على الطلاق عبر القضاء؟

– «
مفيش حاجة اسمها عقاب كنسى»، عندنا مبادئ إيمانية، وعندما لا تلتزم بها داخل الأسرة الدينية، فالمحظور الوحيد هو الاشتراك فى التناول المقدس، لأن هذا قائم على الالتزام الكامل بالمبادئ العقائدية للكنيسة الكاثوليكية.

أليس هذا عقاباً؟

لا، هو فقط حدود فى المشاركة الروحية، نتيجة لأن الشخص نفسه وضع حدودا لالتزامه بمبادئ العقيدة الإيمانية، إنما كل شىء آخر ميسَّر له ما عدا التناول، كما شرحت لك، فهو يستطيع أن يشارك فى الصلاة والاجتماعات الروحية وكل شىء آخر.

لكنكم تعاملونه كمنبوذ؟

أبداً، ففى الكنيسة الكاثوليكية أعتبره غير ملتزم ببعض القوانين الإيمانية وتطبيقاتها العملية، وبالتالى غير مرتبط ارتباطا كاملا بالوحدة الروحية والكنسية، أما هو كشخص، فهو موضع محبة وعناية ومساعدة إذا لزم الأمر.

إذا كنتم تضعون تصوراتكم الدينية فوق الدولة، فما الفرق بينكم وبين الإخوان والسلفيين؟

ما تسميها تصورات ليست تصورات، وإنما هى عندى مبادئ إيمان وعقيدة، وهى ملزمة لى ضميريا، ونفس الحال بالنسبة إلى أتباع كل ديانة أو أيديولوجية. المشكلة هى كيف نفهم الدولة، هل هى معنية بأمور المجتمع الإدارية والاقتصادية والأمنية والسياسية، الداخلية والخارجية؟ أم أن لها أيضا أن تتحكم فى ضمير الإنسان ومعتقداته وأفكاره؟ الفرق الجوهرى هو أننى لا أطالب بتطبيق معتقداتى الدينية والأيديولوجية على الآخر المختلف عنى، كما تفعل أى دولة دينية، فهى شمولية بطبيعتها، وهنا تأتى أهمية التفرقة بين المستوى المدنى، بقوانينه العامة النابعة من طبيعة الإنسان، المشتركة فى كل زمان ومكان، وهى تتضمن المبادئ الروحية والأخلاقية الأساسية، مثل عمل الخير، ورفض الشر، والعدالة والمساواة والحرية والكرامة، وبين المستوى الدينى الذى يربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى، وهو مجال الدين، أى الضمير والعقيدة والإيمان. هذا التمييز يضمن القبول والاحترام والتضامن بين الناس، للعمل من أجل خير الجميع. وفقنا الله تعالى لأن نعيش كلنا كمصريين، كإخوة، فى تآلف وتعاون من أجل بناء وطننا الحبيب.