القماط والكفن

بقلم نيران إسكندر

عُرِف القماط والكفن منذ القدم. وتشير السجلات الأثرية إلى بداية إستخدام القماط حوالي 4000 سنة قبل الميلاد في آسيا الوسطى وخاصة حين كان الأفراد يُهاجرون من منطقة إلى أخرى بسبب التصحّر فيُلف الطفل الرضيع ويُحمل على الظهر [المصدر: [http://en.wikipedia.org/wiki/Swaddling. ولم يقتصر القماط على تلك المنطقة بل أستخدمته الكثير من الشعوب لأنه يُساعد الوليد على النوم. أما الكفن فهو عبارة عن قطعة قماش مغطاة بالشمع تُلف بها الجثة لتحفظها من الرطوبة والفساد لحين القيامة كما كان يُعتقد، كما في أيام الفراعنة.

وإن أردنا أن نعرف متى يُلبّس القماط للوليد، ومتى إستخدم الله القماط مع إبنه إسرائيل، وما هو هذا القماط، فما علينا إلا أن نقرأ ما جاء في سفر حزقيال الإصحاح السادس عشر عن كلام الله للنبي حزقيال قائلاً عن إسرائيل، إسرائيل التي إعترف ملكها داوود في مزمور 51 بخطيئته، وذنبه ونجاسته [أي لا يزال في الدم كإمرأة بعد الولادة وقبل إنقضاء فترة الطهارة وهي أربعون/ثمانون يومًا (الأحبار 12: 1-5)]، ودعا إلى الله سائلاً إياه محبّته ورحمته عليه: "أما مولِدُكِ فإنّكِ يوم وُلدتِ لم تُقطع سُرَّتُكِ ولم تُغسلي بالماء تنظيفًا، ولم تُملّحي بالملح، ولم تُلَفِّي بالقُمُط. …. فمررتُ بكِ رأيتُكِ متخبِّطةٌ بدمِكِ، فقلتُ لكِ في دمكِ: عيشي. … فنميتِ وكبرتِ وبلغتِ سنَّ ذُروة الجمال … لكنّك كُنتِ عريانةً عُريًا. فمررتُ بكِ … فبسطتُ ذيل ردائي عليكِ وسترتُ عورتك، وأقسمتُ لكِ ودخلتُ معك في عهدٍ، يقول السيدُ الرب، فصِرتِ لي. فغسلتكِ بالماء ونظّفتُ دمكِ الذي عليكِ، ثم مسحتُكِ بالزيت، وألبستُكِ وشْيًا ونعلتُكِ بجلدٍ ناعم، وحزّمتُكِ بالكتان الناعم وكسوتك بالحرير، وحلَّيتُكِ بالحُليّ، وجعلتُ أساورَ في يديكٍ وطوقًا في عُنقِكِ. وجعلتُ حلقةً في أنفكِ وقُرطين في أذنيكِ وإكليلَ فخرٍ على رأسِكِ. … وأكلتِ السميدَ والعسلَ والزيت، وكُنتِ في منتهى الجمال حتى صَلَحتِ للمُلك. فذاع أسمكِ في الأممِ لجمالِكِ، لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلتُه عليكِ، يقول السيد الرب." (حزقيال 16: 4-14).

بمقارنة ما فعله الله مع بني إسرائيل نلاحظ أن "القماط" هو بهاء الله، وقطع الحبل السرّي هو الإنقطاع عن العالم/الخطيئة ونسيان تلك المرحلة والدخول مع الله في عهد تضامن: "زواج"، أما الغسل بالماء فهي الحياة الجديدة المبنية على التوبة عن الأعمال القديمة الخاطئة والمثول لكلمة الله لإسعاده، وبالتالي فإن الفرك بالملح ليتقوّى المولود هو المعونة الإلهية التي تجعل الإنسان يملأ قلبه من محبة الله له ومحبته لله وخلقه (قولسّي 3: 1-17، متى 5، 6، 7). ولكوننا ‘بني إسرائيل في الروح‘ فإن هذه الخطوات تتمثّل بمفاهيم أسرار الكنيسة السبعة كالتالي:

·   إن قطع الحبل السرّي يتمثّل بمفهوم سرّيْ "الزواج" و"الكهنوت" حيث يترك الإنسان أباه وأمه ويلتصق بشريك حياته: الله،

·   والغسل بالماء للتنظيف يتمثّل بـ "سر المعموذية" و "سر الإعتراف" و "سر مسحة المرضى" حيث التوبة والإعتراف بالخطايا والنية بعدم العودة إلى السلوك الخاطيء فالحصول على الغفران والتنقية،

·   أما التمليح بالملح فهو الثبات بالله، إذ أن الملح هو روح الله وروح الرب يسوع المسيح الذي يُثَبَّتْ فينا بقوة الروح القدس لنُصبح مِلح الأرض أي الإنسان الذي تملأ محبة الله قلبه، وهذا يتمثّل بـ "سر التثبيت/الميرون" و "سر الإفخارستيا: جسد ودم الرب يسوع"،

وحين تتم كلّ هذه الخطوات نُلف بالقماط الذي يرمز إلى الثوب اللائق لحضور حفل العرس الذي دعانا الله إليه. فالقماط هو قطعة من القماش، وغالبًا ما يكون من الكتان، يُلف به الوليد بعد أن يُقطع الحبل السرّي، ويُغسل بالماء ليُنظّف من الدماء والطبقة الدهنية التي كانت تكسو جسمه في داخل رحم أمه، ويُفرك بالملح لتقويته أو بزيت الزيتون؛ وبهذا يصبح الوليد جاهزًا لأن تستلمه أمه لتُغذّيه بحليبها وحمله إلى البيت. ولهذا، فالقماط هنا يرمز إلى أن لابسه قد أصبح نقيًا بلا نجاسة؛ ومن هنا نستطيع أن نفهم أن الملاك حين أخبر الرعاة بأن العلامة التي سيعرفون بها المُخلّص المسيح هي "طفلاً مُقمّطًا مضّجعًا في مذود" (لوقا 2: 12) دلالة على أن هذا الطفل هو قدّوس مُلتحف ببهاء الله، بالإضافة إلى إن المُخلص المسيح إبن الله سيخضع كليًا، من الناحية الجسدية، للقوانين الفيزيولوجية/ الطبيعة التي تحكم الجنس البشري.

   القماط هذا يُذكّرنا بالكفن، فالكفن للميّت كالقماط للمولود. فحين يتم التأكد من أن الإنسان قد مات [قُطع إتصاله مع الحياة] يُغسل جسده بالماء ثم يُدهن بالطيب والبخور، ويُصبح جاهزًا ليُلف بقطعة قماش من كتان مُشمّع تُسمى الكفن لكي لا يفسد الجسد بإنتظار الذهاب لبيت أبيه السماوي، وحينها يُصبح الكفن قماطًا إذ نكون أحياء في حضن الآب.

  قماطنا أو كفننا هو ثوب العرس لباس الجسد النوراني الذي يُلبسنا إياه السيد يسوع المسيح حين نسمع كلمته ونعمل بها فنستحق الخلاص بموته على الصليب. هذا الثوب هو نقاء التقوى وضياء نور الله وبهاءه؛ هو نار الروح القدس الذي ظلّل به الله على أنفسنا حين كنّا على الأرض ونقّانا وجعلنا أبناءً له؛ وبالتالي هو "ثوب الخدمة في ملكوت الله على الأرض كمنديل إبنه الحبيب الذي إئتزر به وخدمنا حين غسل أرجلنا فأراحنا من تعب الطريق الذي نسلكه في هذه الحياة: ثوب خدمة لإيصال الراحة للآخرين: ثوب خدمة لإيصال محبة الله للآخرين" (يوحنا 13: 1-16). فالإنسان حين يعي أنه إبن الله ويُحب الله فتبدأ غيرته على أسم الله القدوس بالعمل على نشر "الإنجيل" ونشر "معرفة الله ومحبته" بين البشر سواءً بالكلمة أو بأعمال الرحمة التي تعكس "الله محبة" ممتلأً بمواهب روحه القدوس ومُتسلّح بصفات إبنه الحبيب "كلمة الله ومحبته" [سلاح الله الكامل (أفسس 6: 10-17)]. ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا تُرك الكفن في قبر السيد المسيح (يوحنا 20: 5) [بالإضافة إلى كونه قد قام من بين الأموات]، إذ هو النور والنقاء والبهاء والسمو، وهو ليس بحاجة إلى لباس آخر على جسده المُتجلّي. وكذلك نفهم لماذا قال الرب يسوع لتلاميذه: "حلّوه، ودعوه يذهب" (يوحنا 11: 44) عن أليعازر بعد أن أعاد إليه الحياة على الأرض [بالإضافة إلى كونه قد قام من بين الأموات وأصبح حرًا من قيد الخطيئة]، فهو قد تحرّر من الكفن الذي يُعيق حركة الجسد في هذا العالم [فالكفن المادي هنا يُمثِّل: العمى، الشلل، نزيف المرأة، البرص، الأنانية، التكبّر، الجشع، الكراهية … وغيرها من الأمراض الجسدية والروحية وحتى الموت التي تُعيق الإنسان من العمل بملكوت الله على الأرض والتي شفاها الرب يسوع]، لأن أليعازر بقوة الله قد شُفِيَ وجسده لم يعد معرّض للفساد فكلمة الله قد أحْيته. ونحن كأليعازر لا نحتاج مِن بعد كفن من قماش لملاقاة الله لأننا بالعماذ بالماء الحي والروح قد لبسنا الكفن الحقيقي: المسيح إبن الله (رومة 13: 8-14، غلاطية 3: 23-29).

  وللإنسان الحي، فإن ثوب الخدمة [أي سلاح الله الكامل] والثوب الذي ألبسه الله لبني إسرائيل "عروسته" هما واحد وهو من مواهب وعمل الروح القدس (الحكمة 5: 15-19)، ويتكون من:

·   الدرع والحزام : البر النابع من التقوى وإلتزام الحقلباس مُطرّز (وشيًا) وحوله حزام من الكتان الناعم الذي لا يُعرِّق فلا يتسخ الجسم بالعرق بعد أن إغتسل، وفوقه عباءة (الكسوة) من الحرير [دلالة على أناقة تُلفت النظر: القداسة (رؤيا يوحنا 19: 7-8)]

·   النعال : الجَلَدْ لنشر الإنجيل نعال من جِلْدٍ ناعم فلا يؤثر على القدمين حين يكثر المشي [دلالة على بذل الذات بفرح وبدون كلل محبةً بالله]

·  السيف والترس : كلمة الله والإيمانالأساور في اليدين كنزٌ ثمين هبة من العريس [دلالة على غِنى العريس]

·  الخوذة : الخلاص – ما يوضع على الرأس من:

(1) حلقة في الأنف [دلالة على الإنتماء لله من خلال نسمة الحياة / حلول الروح القدس فينا فنصبح أداة الروح (يوحنا 20: 21-23)]،

(2) قرطين في الأذنين [دلالة لآذان تسمع (بمعنى تسمع وتفهم) لكلمة الله]، و

(3) إكليل فخر على الرأس [دلالة على: أولاً: مخافة الله وإمتلاء لابسه بالحكمة (يشوع بن سيراخ 1: 11-19)، وثانيًا: بما أن العريس هو تاج/غطاء رأس العروس، فالتاج دلالة على العريس يسوع المسيح (1 قورنتس 11 : 4-16 )]

وهذا الثوب لا يُمكن أن يُلبس دون أن يتحلّى الإنسان بطوق في العنق أي يضع ثقته الكاملة بالله ويستسلم لمشيئته قائلاً له "هاءنذا. إستخدمني." [أي يُصبح أسير الروح القدس وكالريشة في مهب ريح الله (يوحنا 3: 4-8)].

  نحن نحصل على هذا الثوب، بقوة الروح القدس، حين نتغذّى بكلمة الله المسموعة والممضوغة [السميد والعسل والزيت]. ففي القدّاس الإلهي، حيث يجتمع إثنان أو أكثر، مؤمنين بإسم يسوع المسيح وعالمين بمن هو، يمر بهم الله ويقطع سرّتهم عن أعمال الماضي الخاطئة ويغسلهم من أدناس الخطيئة ويُعطرهم ويُقوّيهم ويُثبّتهم بمحبته ويُلبسهم ثوبًا ناصع البياض وحُلي تبهر العيون [بنعمة الرب يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس (2 قورنتس 13: 11-13)] فيُصبحوا مؤهلين لحضن الآب، مؤهلين لدخول الملكوت والوقوف أمام العريس يسوع؛ مؤهلين للخدمة بِعَكْسِ محبة الله للآخرين ممن لم يحضروا القدّاس الإلهي. فالآب هو الذي يختار ويُهيء العروس لإبنه الحبيب، كما سبق وأعطى للعاقر بنين. 

لنُصلِّ:

  ربي وإلهي، ليس لدّي كلمات أجمل مما قاله فيك نبيّك أشعيا: "أُسرُّ سرورًا في الربّ وتبتهج نفسي في إلهي لأنه ألبسني ثياب الخلاص وشملني برداء البر كالعريس الذي يعتصب بالتاج وكالعروس التي تتحلى بزينتها، فكما أن الأرض تُخرج نباتها والجنة تُنبتُ مزروعاتها كذلك السيد الرب يُنبتُ البر والتسبحة أمام جميع الأمم." (أشعيا 61: 10-11).

   أشكرك يا رب على كلّ نِعمك علينا، يا مَن هيّأت لباسي الأولي والأخير وعلى الدوام من دون إستحقاق وإرتضيت بي إبنًا وعروسًا وأنت الإله العلي والملك المجيد. آمين.