البطريرك صبّاح: السياسة الغربية لا يهمها شأن المسيحيين في الشرق، ولا بأي شكل!

 

حاوره زياد شليوط – الناصرة

في دار مطرانية اللاتين في الناصرة، كان موعدي مع غبطة البطريرك ميشيل صباح، بطريرك القدس السابق للاتين، على اثر عودته من مؤتمر الدفاع عن القدس الذي عقد في الدوحة نهاية الأسبوع الماضي، وشارك فيه غبطته إلى جانب العشرات من رجال الدين والمفكرين. وتناول اللقاء موضوع المؤتمر ووضع المسيحيين العرب خاصة على ضوء ما يجري في العالم العربي ومستقبلهم في الشرق، وكعادته جاءت إجابات غبطته عميقة ورزينة وذات بعد نظر.

 

ما هي أهمية مؤتمر الدفاع عن القدس؟

 

كل مؤتمر يعقد في قضية ما له أهمية في انعقاده بحد ذاته، فهو ينبه الناس إلى قضية يجدر الالتفات إليها. وأهمية هذا المؤتمر بوعود أمير قطر بتقديم الدعم المعنوي والمادي للقدس وأهلها. لكن ليس له انعكاس عملي ولن يغير وضع القدس اليوم أو غدا، إلا إذا جرى تحرك ما فعلي يغير في وضع القدس.

 

التوصية الأساسية بالتوجه لمجلس الأمن لتشكيل لجنة تحقيق دولية، هل هي بحجم التحديات التي تواجه القدس؟

 

التوصية لن تحل الموضوع، حتى لو وصلت التوصية لمجلس الأمن واتخذ القرار الايجابي بالمحافظة على المدينة، فلن يحصل أي تغيير لأن القرارات في مجلس الأمن والجمعية العامة معظمها غير مطبق. القدس بحاجة إلى تحرك ثان وليس إلى مؤتمر الذي يشكل خطوة معنوية ليس لها قيمة عملية.

 

قمتم في الأسبوع الفائت بزيارة رعوية لتونس، كيف وجدتم الوضع هناك بعد الثورة واستلام الإسلاميين سدة الحكم، وما هي وجهة البلاد؟

 

الصورة الخارجية للمجتمع بالنسبة للزائر لم تتغير حتى الآن. المجتمع التونسي حي، شبابي، متحضر ليس فيه مظاهر طائفية دينية حتى الآن فالمسيحيون في تونس ليسوا مواطنين بل جاؤوا اليها للعمل بالأساس. لكن الجميع بحالة ترقب وانتظار، هل تحافظ تونس على أسسها الحديثة أم سيجري تغيير. صحيح أني التقيت بوزير الخارجية هناك ورئيس بلدية تونس، لكن لم نتناول مواضيع سياسية في لقائنا.

 

في مصر وقعت أمور مستهجنة بعد الثورة من اعتداءات على رجال دين وراهبات وبعض الأماكن الدينية، ورغم محدوديتها إلا إنها أثارت قلق المسيحيين هناك، فما هي التحديات داخل مصر في المرحلة الجديدة؟

 

أيضا مصر مثل تونس لم تصل للهدف بعد ولم تستقر على شيء، وكلهم في حالة ترقب. ومع أن الانتخابات أفرزت فوز الإخوان، إلا أن الجميع يترقب التطورات. التوترات المصرية بعضها مفتعل. في تونس العامل الطائفي مغيب، لسبب بسيط ان المجتمع فيها إسلامي وهذه من النعم التي توجد بها تونس، والفتنة لن تدخل إليها من هذا الباب. أما في مصر على كل مواطن أن يكون على وعي سواء المسلم أم المسيحي حتى تعبر فترة التكون. المسلم خائف والمسيحي خائف، والذين هاجروا هم من أبناء الديانتين، والصراع قد يكون مسلم-مسلم أكثر من مسلم–مسيحي، وهم متنبهون للبعد الطائفي وخطر الفتنة في بلادهم. لم يبدأ بعد العمل بأحكام الشريعة، وعندها يظهر موقف الحكومة من المواطنين المسيحيين وغيرهم.

 

الموضوع السوري أوجد انقسامات وآراء مختلفة، وشكل حالة مختلفة. وهنا يظهر التخوف لدى المسيحيين خاصة لدينا في الجليل على أشقائهم في سوريا ويدعمون النظام لأنه احترم المسيحيين ومعتقداتهم، كيف تصفون الوضع بالنسبة للحالة السورية؟

 

النظام الحالي في سوريا علماني وهو مع جميع المواطنين دون تمييز. الموقف المسيحي يجب ألا يسأل عن مصير المسيحيين، طرح هذا السؤال يعني أن المسيحي يعتبر نفسه فئة خاصة، فئة معينة وطائفة عندها يعزل نفسه، وطرح السؤال يدل على عدم وعي. المسيحي السوري سوري وما ينطبق على المواطن المسلم ينطبق عليه كمواطن وليس كمسيحي.

 

حاليا المواطن السوري يتخذ موقفا، الموقف دقيق وحساس ضد او مع، هذا متروك لضمير كل واحد لكن الكنيسة كمؤسسة يجب أن يكون صوتها ورسالتها اعملوا من أجل سوريا لا من أجل النظام وليس من أجل المعارضة.. اعمل من أجل صالح سوريا، واعمل مع الشعب وانظر الى نفسك كمواطن، ما يحصل لك من مخاطر ينطبق عليك أيضا، مثلما تنطبق عليك المحاسن.

 

لكن الغرب يدعو ويتحدث عن الاهتمام بالمسيحيين مثل كلينتون وجوبيه الذي دعا المسيحيين إلى الانخراط في الثورة السورية!

 

هذا كلام خاطئ من قبل من يقوله في الغرب، عليهم ألا يدعوا المسيحيين لاتخاذ أي موقف لصالح أي طرف. المسيحي يقرر لنفسه. في الأربعينات الانجليز دعوا الآشوريين لاتخاذ موقف ثم تركوهم يذبحوا ذبح الخراف. السياسة الغربية لا يهمها شأن المسيحيين ولا بأي بشكل، لكن عندما يتعرض المسيحيون للخطر يتباكون عليهم.

 

المسيحي يجب ألا  ينصاع لأي صوت غربي ولا بأي شكل من الأشكال خاصة وأن ما يحصل في سوريا ليس عفويا ولا صدفة وليس بريئا، فيه أصابع أجنبية بدليل أن من بين تلك الأصوات التي تطلب زوال النظام أمريكا، يا أمريكا ما دخلك أنت؟ دعي الشعب يحكم ويقرر.

 

هناك خشية من تكرار السيناريو العراقي في سوريا!

 

هذا هو الخوف، ما حصل في العراق ليس لان المسيحيين اتخذوا موقفا وعوقبوا عليه، إنما الغزو الأمريكي أطلق كل قوى الشر في العراق وراح ضحيتها السني والشيعي والمسيحي، ولم يتم إسقاط نظام صدام وجاؤوا بحكم قوي بدله. الخوف أن يسقط النظام ويأتي حكم ضعيف بدله، وبذلك ستقع تصفيات وتحدث فوضى. لكن أن يأتي نظام قوي يسيطر على البلاد ويتصرف بالعقل والعدالة وألا يسمح بالفوضى فأمر معقول.

 

ما هي نظرتكم بشكل عام اليوم لمستقبل المسيحيين العرب على ضوء ما يسمى بالربيع العربي؟

 

البطريرك صباح: مستقبل المسيحيين العرب بعد الثورات والتي لم تنته بعد وستسمر وتليها مراحل أخرى يحدده الإنسان المسيحي، إما أن يكون في قلب هذه الأحداث ويدفع الثمن أو يكون متفرجا يطالب بالفتات. أن يكون له موقف ورأي حر، وليس مجرد المطالبة بقلب نظام الحكم. أن يكون صاحب قناعة نحو قيم مثل الحرية، وهذا أمر خطر ويتطلب تضحيات. أما الصراع على الحكم فليس مكلفا بان يدخل في مثل صراع كهذا وأن يقف مع طرف ضد طرف.

 

مستقبل المسيحي بيده، الغرب يمكن أن يضغط على حكومة ما بمنع المساعدات، أو استقبال لاجئين لكن هذا تشجيع للهجرة ومعاكس لمصلحة المسيحيين. المسيحيون عليهم أن يعوا أنهم أمام قضية وان يحترموا الآخر ويعرفوا حجمهم. المسيحي السوري والمصري والأردني يعرف حجمه ووضعه ودوره وإمكاناته في الإسهام. الكنائس فكرت وعقدت السينودس وفي شهر كانون الأول القادم سيعقد مؤتمر آخر للكنائس. الآن الدور على العلمانيين المسيحيين أصحاب الفكر، بأن ينظموا مؤتمرا أو تجمعا للتحليل والتفكير واتخاذ موقف معين لئلا ينجرفوا وراء تيارات، وأن يتحلوا بالوعي وإذا لم يكن وعي سيتبعثرون بين التيارات.

 

لكن الجمهور العادي يريد صوتا كنسيا، هذا ما ينتظرونه من رؤساء الكنيسة، فهم يريدون توجيها من الكنيسة القائدة لهم، وليس من العلمانيين المنقسمين على أنفسهم!

 

الكنيسة تتحمل مسؤولية.. وكل صاحب فكر مسؤول وليس كل إنسان صاحب فكر، إنما كل صاحب قلم وكلمته مقروءة في وسائل الإعلام ولديه رؤية عليه مسؤولية، ويجب أن يقوم بدوره من خلال الكتابة وطرح الرأي. الرئيس الديني عليه أن يشارك وأن يدخل يديه في النار لأن الوضع مشتعل، ويجب أن يدعو أبناءه للتحرك لبناء الوطن، وأن يقول لهم عليكم أن تقرروا إما أنكم أجانب أو مواطنين، لذا عليكم دور يحمل مخاطرة، لا بد من تحرك وتوجيه. المسؤولون عليهم مسؤولية كبرى وتاريخية، الصمت عن مقدرة أو عدم مقدرة لا يفيد. التاريخ سيحاسبهم ويجب أن يقولوا كلمة، وكذلك القيادات الدينية والسياسية الإسلامية وليس المسيحية فقط. كانت توجيهات غير صحيحة في السابق، لا نريد مزاودات إنما كلمة حق وتحديد مسيرة الحق.