البابا: أزور المكسيك وكوبا سائرًا على خطى يوحنا بولس الثاني

مؤتمر صحفي في الطائرة البابوية (1)

 

 

روما، الأحد 25 مارس 2012 (ZENIT.org)  

أشار بندكتس السادس عشر في حواره مع الصحافيين خلال الرحلة التي دامت 14 ساعة – من روما إلى المكسيك- يوم الجمعة 23 مارس 2012 إلى "أنه يجب على كما منا أن يحاول ألا يفقد قلبه" بل على العكس عليه أن "يجعل صلة وصل بين قلبه و عقله ليتعاونا لأنه فقط بهذه الطريقة يكون الإنسان كاملا و يساهم في العمل لمستقبل افضل." كما يضع البابا شرطا للتبشير الجديد ألا وهو : " الإعلان عن إله يتناسب مع منطقنا."

ننشر في ما يلي القسم الأول من هذا المؤتمر الصحفي الذي عقده البابا على متن طائرة بوينغ 777 لشركة الطيران "أليطاليا" Alitalia ،نحو الساعة 11h30 بتوقيت روما.

* * *

الأب لومباردي– دعونا نبدأ بسؤال تطرحه السيدة ماريا كولينز وهي مكسيكية من تلفزيون " يونيفيجن" Univision، والذي سيتابع هذه الرحلة.

ماريا كولينز– أيها الأب الأقدس، المكسيك و كوبا كانتا من الأراضي التي خلّفت فيها أسفار سلفكم أحداثًا تاريخية. لذا أي روح و توقعات تسيرون بها اليوم؟

بندكتس السادس عشر– أعزائي، أولا و قبل كل شيء، أود أن أرحب بكم و أشكركم على مرافقتكم لي خلال هذه الرحلة التي نأمل أن تكون مباركة من الرب. أشعر في هذه الرحلة بأنني مستمر برسالة البابا يوحنا بولس الثاني. أتذكر جيدا أول زيارة له للمكسيك و التي كانت حقا تاريخية. في ظل حالة قانونية مضطربة حتى اليوم، فتح أبوابا مغلقة و أطلق مرحلة جديدة من التعاون بين الكنيسة و المجتمع و الدولة. كما أتذكر أيضا زيارته التاريخية لكوبا و ها أنا اليوم أسعى للسير على خطاه و إكمال ما بدأه.

منذ البداية كنت أرغب بزيارة المكسيك فعندما كنت كاردينالا عدت من المكسيك مع أجمل الذكريات وكل أربعاء أسمع تصفيق المكسيكيين و فرحهم. أما زيارتي اليوم  كبابا تعود علي بفرح كبير وبها أكون قد حققت الرغبة التي تراودني منذ زمن، وكتعبير عن مشاعري تراودني كلمات المجمع الفاتيكاني الثاني التي تقول: "فرح ورجاء وحزن وضيقات [البشرية]" Gaudium et spes, luctus et angor   "  فأنا أشارك الأفراح و الآمال إلى جانب الأحزان و الصعوبات التي يشهدها هذا البلد. انا ذاهب للتشجيع و التعليم، لتحدي كل شيء بالإيمان والرجاء و المحبة، كما من خلال الالتزام لفعل الخير و مكافحة الشر. ليكن الله في عوننا.

الأب لومباردي– شكرا أيها الأب الأقدس أما الآن نعطي الكلام لخافير ألاتوري صوريا، من تلفزيون أزتيكا، واحد من أهم التلفزيونات المكسيكية التي ستواكبنا في الأيام القادمة.

خافير ألاتوري صوريا- أيها الأب الأقدس، المكسيك بلد ذات موارد و فرص رائعة، ولكن نحن نرى اليوم أنها أرض للعنف بسبب الإتجار في المخدرات فهناك حديث عن 50000 قتيلًا في السنوات الخمس الماضية. إذًا كيف تواجه الكنيسة الكاثوليكية هذا الوضع؟ وهل ستوجهون أي كلمة للمسؤولين و لتجار المخدرات الذين يتظاهرون بأنهم كاثوليك و محسنين للكنيسة؟

بندكتس السادس عشر– نحن على علم بما تضمه المكسيك من جمال و خيرات كما نحن مطلعون أيضا على مشكلة تجارة المخدرات والعنف، فهي بالطبع مسؤولية كبيرة تتحملها الكنيسة الكاثوليكية في بلد يشكل فيه الكاثوليك 80 % من السكان. يجب أن نجابه هذا الشر المدمر للبشرية بكل الطرق الممكنة.

الخطوة الأولى بنظري هي أن نعلن أن الله هو الدّيان، هو الذي يحبنا ليجذبنا نحو الخير و الحقيقة بدل الشر. هذه مسؤولية كبيرة للكنيسة لتوعية الضمائر على المسؤولية الأخلاقية وللكشف عن دناءة المال الذي يجعل الناس عبيدا له، بالإضافة الى الوعود الكاذبة، والكذب، والاحتيال التي تتستر جميعها وراء المخدرات. علينا أن نعتبر أن الإنسان بحاجة إلى اللامتناهي، وإن لم يكن هناك وجود لله عندها يخلق المتناهي جنته الخاصة التي لا يمكن ان تكون سوى الكذب. لذلك من المهم جدا أن يكون الله موجودا و باستطاعتنا التواصل معه، إنها لمسؤولية كبيرة أمام الله الديان الذي يقودنا و يجذبنا نحو الحقيقة و الخير. لهذا السبب يجب على الكنيسة أن تكشف الشر و تظهر طيبة الله و حقيقة حضوره هو الذي لا بداية له و لا نهاية و نحن عطشى إليه. هذا هو الواجب الكبير للكنيسة. معًا فلنقم بكل ما هو ممكن بل أكثر.

 * * *

 

البابا: الإيديولوجية الماركسية لا تتجاوب مع الواقع الحالي

 

مؤتمر صحفي في الطائرة البابوية (2)

 

 

روما، الاثنين 26 مارس 2012 (ZENIT.org)  – ننشر في ما يلي القسم الثاني من المؤتمر الصحفي الذي عقده البابا على متن الطائرة التي أقلته من روما إلى المكسيك.

* * *

الاب لومباردي– صاحب القداسة، ستطرح السؤال التالي فالنتينا ألأزرقي من محطة تيليفيزا، فهي ترافقنا في معظم أسفارنا و قداستكم تعرفونها جيدا وهي فرحة جدا لأنكم استطعتم و اخيرا زيارة بلدها:

فالنتينا الأزرقي-  صاحب القداسة، نحن نرحب بكم في المكسيك كما أننا فرحون جدا بزيارتكم. إليكم سؤالي:

أيها الأب الأقدس لقد ذكرتم أنه من خلال المكسيك أنتم تتوجهون لأميركا اللاتينية بأسرها التي تعيش ذكرى استقلالها المئوية الثانية. على الرغم من تطورها لا تزال أميركا اللاتينية منطقة تملأوها التناقضات الإجتماعية حيث الأقل فقرا يحتكون بالأغنياء. أحيانا يبدو أن الكنيسة الكاثوليكية لا تشجع بما فيه الكفاية هذا العمل . هل من الممكن أن نستمر بالكلامعن " لاهوت التحرير" بطريقة ايجابية، بعد أن تم تصحيح بعض التجاوزات بحق الماركسية و العنف؟

بندكتس السادس عشر- بطبيعة الحال، يجب ان تتساءل الكنيسة دائما ما إذا كانت تفعل ما يكفي لتحقيق العدالة الإجتماعية في هذه القارة العظيمة. أما عدم السؤال فسيكون عبئًا على ضميرنا، لذلك علينا أن نسأل دائما: ما الذي يجب أن تقوم به الكنيسة؟ و ما الذي لا تستطيع ولا ينبغي عليها أن تفعله؟ الكنيسة ليست قوة سياسية ولا حزبًا إنما هي واقع أخلاقي و سلطة اخلاقية. أما القاسم المشترك بين الكنيسة و السياسة فهو الواقع الأخلاقي. ها أنا أكرر ما قلته من قبل: الإهتمام الأول للكنيسة هو لتوعية الضمائر على المسؤولية الاخلاقية أي خلق المسؤولية الضرورية ، توعية الضمائر على مستوى أخلاق الفرد أو المجتمع فعلى الأرجح هناك نقص في هذا الصدد. نحن نلاحظ ليس فقط في أميركا اللاتينية بل ايضا في الخارج، نوع من الفصام بين الأخلاق الفردية و العامة: شخصيًا، وفي المجال الفردي، هم كاثوليك، و مؤمنون و لكن في الحياة العامة يسيرون في طرق أخرى لا تتوافق مع القيم العالية الموجودة في الإنجيل و الضرورية لبناء مجتمع عادل. لذا علينا أن نوعي الأخلاق الفردية كما العامة لتخطي هذا الفصام. هذا ما نسعى الى تحقيقه مع العقيدة الإجتماعية للكنيسة لأنه من الطبيعي أن نتشارك الأخلاق العامة  هذه مع غير المؤمنين أيضا، فحتما على ضوء الإيمان يمكننا أن نفهم  بعقلنا حقائق كثيرة و الإيمان يساعدنا على تحرير العقل من المصالح الخاطئة و يدفعنا إلى أن نخلق في العقيدة الإجتماعية نماذج أساسية عن التعاون السياسي، لا سيما للتغلب على هذا التقسيم الإجتماعي المعادي للمجتمع، الذي هو وللأسف الشديد موجود. نحن نريد أن نعمل في هذا الإتجاه. لست أعلم عما إذا كان مصطلح "لاهوت التحرير" الذي يمكن تفسيره بشكل جيد من شأنه أن يساعدنا كثيرا. المهم هو أن الكنيسة تقدم مساهمة أساسية للعقلانية المشتركة و ينبغي أن تساعد دائما في توعية الضمائر، سواء للحياة العامة أو الخاصة.

الأب لومباردي– شكرًا يا صاحب القداسة، والآن السؤال الرابع ستطرحه بالوما غوميز بوريرو واحدة من "عمداء" هذه الرحلة رغم أنها ما زالت شابة، تمثل إسبانيا ووجودها معنا اليوم يعني الكثير للشعب الإسباني.

بالوما غوميز بوريرو– صاحب القداسة، عندما ننظر نحو كوبا نتذكر الكلمات الشهيرة للبابا يوحنا بولس الثاني:" لتنفتح كوبا على العالم و لينفتح العالم بدوره على كوبا." مضى أربعة عشر عامًا، ومازالت هذه الكلمات في عقولنا. كما تعلمون بانتظار رحلتكم، ارتفعت أصوات الكثير من المعارضين و المؤيدين لحقوق الإنسان. صاحب القداسة، هل تعتقدون بأنكم ستحيون من جديد رسالة البابا يوحنا بولس الثاني و تفكرون على حد سواء بوضع كوبا الداخلي كما الدولي؟

بندكتس السادس عشر–  كما ذكرت سابقٍا، أشعر بأنني أسير على خطى قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وأقواله التي لا تزال راسخة في عقولنا. فتحت هذه الزيارة مسارًا جديدًا من التعاون و الحوار البنّاء، مسار طويل و يتطلب الكثير من الصبر لكنه في تقدم دائم. أما اليوم فمن الواضح أن الإيديولوجية الماركسية كما عرفت لم تعد تتماشى مع الواقع: لبناء مجتمع جديد، لا بد أن نجد صيغًا جديدة، بصبر كبير و بطريقة بناءة، فمن خلال هذه العملية التي تتطلب الصبر كما اتخاذ القرار، نريد أن نقدم المساعدة بروح من الحوار لتجنب الصِّدامات و أيضا نريد المساعدة في الترويج لمجتمع أخوي عادل وشامل للجميع فمن هذا المنطلق نحن نريد أن نساهم. من الواضح أن الكنيسة هي دائما الى جانب الحرية: حرية الضمير و حرية الدين، وبمساعدة المؤمنين نتقدم بهذا الإتجاه.

الأب لومباردي– شكرًا صاحب القداسة و كما يمكنكم أن تتخيلوا،ستجذب هذه التصريحات اهتمامنا جميعًا في كوبا. ننتقل الآن للسؤال الخامس ونعطي الكلام لجان لوي دو لا فاسيار مراسل وكالة الأنباء الفرنسية في روما ممثلا الشعب الفرنسي فقد اقترح علينا عدة اسئلة مهمة لهذه الرحلة فمن العدل أن يطرح عليكم أسئلتنا و توقعاتنا.

جان لوي دو لافسيار– صاحب القداسة، منذ مؤتمر أباريسيدا Aparecida ونحن نتكلم عن "إرسالية قارية" للكنيسة في أميركا اللاتينية. في غضون أشهر قليلة سيبدأ السينودس حول التبشير الجديد وستفتتح سنة الإيمان. نجد في أميركا اللاتينية تحديات العلمنة والبدع. أما كوبا فلا تزال ترزح تحت وطأة الانتشار الكبير للإلحاد وتوسع الديانات الكوبية. هل تعتقدون أن هذه الرحلة ستشكل دعمًا "للتبشير الجديد" وما هي النقاط التي تعطونها الأولوية في هذا السياق؟

بندكتس السادس عشر– بدأ التبشير الجديد مع المجمع الفاتيكاني الثاني. كان لدى يوحنا الثالث و العشرين حدس قوي تكلم عنه كثيرا يوحنا بولس الثاني و أخذه على عاتقه. تغير العالم كثيرا اليوم وأصبحت الحاجة للتبشير الجديد أكثر وضوحًا: في ظل الضياع الذي يعيشه عالمنا الحالي هو بحاجة لكلمة ترشده. يشهد العالم اليوم حالة مشتركة: العلمنةَ، والإبتعادَ عن الله وإقصاءَه عن حياتنا اليومية. من ناحية أولى هناك سياقات محددة: ذكرتم من بينها كوبا كالتوفيق بين المعتقدات الأفريقية الكوبية ومصاعب أخرى و لكن من ناحية ثانية علينا أن ننطلق من المشكلة الموحدة: كيف يمكننا اليوم في هذا النهج من العقلانية الجديدة أن نكتشف وجود الله كتوجيه وأمل أساسي لحياتنا والقيم التي تبني مجتمعًا ما، و كيف يمكننا أن نأخذ بعين الاعتبار خاصية مختلف الأوضاع.

أعتقد أن الخطوة الأولى المهمة هي: الإعلان عن إله يتناسب مع منطقنا لأننا نرى عقلانية الكون و نعلم بأنه يوجد شيء وراءها ولكننا لا نرى كم أن هذا الإله قريب وكم يعني لنا الكثير وفكرة الإله الكبير الملك و الإله الصغير المتواضع القريب منا ترشدنا و تظهر لنا قيمة حياتنا. هذه هي نواة التبشير الجديد.

تولد المسيحية الجوهرية حيث تتواجد فعلا هذه النواة لنتخطى اليوم كل الصعوبات الحياتية و من ناحية أخرى يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الحقيقة المطلقة. بشكل عام، لا تنساب المسيحية في أميركا اللاتينية من العقل بل من القلب وهو شيء مهم جدًّا. يحب الجميع سيدة غوادالوبيه لأنهم يفهمون بأنها أم للجميع وهي حاضرة منذ زمن في أميركا اللاتينية الجديدة بعد مجيء الأوروبيين. في كوبا أيضا لدينا نوتردام دل كوبر Notre Dame del Cobre  التي تلمس القلوب، والجميع يعلم أن هذه العذراء موجودة وتساعدنا، وتحبنا، ولكن حدس القلب هذا يجب أن يتصل بعقلانية الإيمان وعمقه الذي يتخطى العقل. يجب الا نفقد قلبنا بل على العكس علينا أن نقيم صلة وصل بين قلبنا وعقلنا ليتعاونا لأنه فقط بهذه الطريقة يكون الإنسان كاملا ويساهم في العمل لمستقبل افضل.   

 * * *

نقلته إلى العربية نانسي لحود – وكالة زينيت العالمية

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية