البطريرك الراعي: الزيارة إلى تركيا ليست سياسية بل رعوية

زيارة البطريرك الى تركيا، اليوم الأول

 

 

تركيا، الاثنين 2 أبريل 2012 (ZENIT.org).

غادر غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي صباح يوم الخميس 29 آذار 2012 مطار رفيق الحريري الدولي متوجهاً إلى تركيا في زيارة رسمية سيبحث في خلالها أوضاع الموارنة في تركيا وقبرص الشمالية إضافة إلى القضية الأرمنية. يرافقه النائب البطريركي العام المطران بولس الصيّاح، راعي أبرشية قبرص المارونية المطران يوسف سويف، راعي أبرشية حلب المطران أنيس أبي عاد والمدير الإعلامي في الصرح البطريركي المحامي وليد غيّاض. وإلى صالون الشرف رافقه كل من وزير السياحة فادي عبّود ممثلاً فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، المطران سمير مظلوم، سفير تركيا في لبنان إينان أوزيلديز، المونسنيور جوزيف البواري ورئيس فرع المخابرات في جبل لبنان العميد ريشار الحلو.

 قبيل المغادرة أكّد غبطته أنّ الزيارة تحمل طابعاً راعوياً روحيّاً وهي تدخل في إطار تعزيز الحوار بين الأديان كما أثنى على القرارات التي اتّخذتها الحكومة الّلبنانية في شأن ملف الكهرباء والتعيينات في جلستها مساء يوم الأربعاء معتبراً إياها خطوة متقدّمة تحرّك الركود الذي يعيشه البلد منذ وقت طويل، وممّا قاله:"أوجّه تحية شكر وتقدير إلى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ممثلاً بمعالي وزير السياحة فادي عبّود وأتمنى له سفراً ميموناً إلى العراق. وزيارتنا اليوم إلى تركيا تحمل طابعاً راعوياً روحياً نوّد الحفاظ عليه. وتابع:"سيكون لنا لقاءات روحيّة مع البطريرك المسكوني والسلطات الكنسية في تركيا. ونحن نلبّي اليوم دعوة رسمية لزيارة تركيا الّتي تربطها بلبنان علاقات تعاون تجسّدت بوضوح من خلال مشاركتها بقوّات اليونيفيل في الجنوب الّلبناني،إضافة إلى عدد من الأمور المشتركة التي نحن بأمسّ الحاجة إلى التّحدث عنها معهم اليوم وهي تتعلّق بأبناء الطائفة في تركيا وفي قبرص الشمالية ويرافقنا في هذه الزيارة مطران حلب لأنّ الرعيّة المارونيّة في تركيا تابعة لأبرشية حلب، كما يرافقنا  راعي أبرشية قبرص المارونيّة المطران يوسف سويف. و أضاف غبطته:"هذه الزيارة تمثّل أيضاً عيشنا للحوار بين الأديان لما فيه من خير وسلام للعالم أجمع. ونحن كبطريركية لنا دور هام   لأننا بطابعنا الراعوي  نتعاطى شؤوناً إنسانية وراعوية إضافة إلى شؤون العيش معاً والسلام والتفاهم. وتابع غبطته:" من المؤكد انّ زيارتنا لا تحمل أي طابع سياسي فنحن لسنا رجال سياسة وإنّما الطابع الراعوي لهذه الزيارة  بأوجهه الإجتماعية والروحية والراعوية والإنسانية هو الذي يطغى اليوم. ورداً على سؤال حول القرارات التي اتّخذها مجلس الوزراء أمس أعرب غبطته عن سروره لإنطلاق هذه الخطوات "لأننا بأمس الحاجة إليها للخروج من الركود الذي يعيشه لبنان والتي تتيح له فرصة استعادة دورته الوطنية وافقتصادية ولإجتماعية ونحن نبارك كلّ الخطوات والقرارات التّي تتخذها الحكومة لكي يستعيد لبنان حياته الإقتصادية والإنمائية والعمرانية . وعن زيارته لرئيس الجمهورية أمس أشار غبطته إلى أنها تدخل في إطار الزيارات التقليدية المتعارف عليها والتي تجرى قبل السفر إلى الخارج. وعن القمّة الروحيّة الإسلامية المسيحية  التي عقدت  مؤخراً في بكركي وانعكاس نتائجها على السياسييّن في لبنان، تمنّى البطريرك الراعي أن تشكّل هذه القمة مدخلاً لبناء وحدتنا الوطنية على القيم والمبادئ معتبراً أنّ ما حصل في القمّة الروحيّة بين رجال دين مسيحيّين ومسلمين هو من أجمل الأمور".

لأنها تظهر مدى الأخّوة والإحترام والتعاون . وختم غبطته مؤكداً  أنه "بالرغم من كل شيء لا بد من العمل على تعزيز الوحدة الداخلية والتنوع واحترام بعضنا البعض من اجل المصلحة العامة للجميع".

التقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بعد ظهر اليوم، رئيس دولة تركيا عبد الله غول، في القصر الرئاسي في أنقرة، في إطار زيارته الراعوية إلى تركيا، وكان بحث في المواضيع المتعلقة بشوؤن الموارنة في قبرص الشمالية وفي تركيا، إضافة الى القضية الأرمنية، والوضع في المنطقة وخاصة في سوريا، كما نقل غبطته تحيات فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان.

وفي نهاية الّلقاء، أشار النائب البطريركي العام المطران بولس الصيّاح إلى "أنّ أجواء الّلقاء كانت إيجابية جداً، وقد تمّ البحث في القضايا المتعلقة بمسألة التواجد الماروني في تركيا واستعادة أملاكهم، إضافة إلى مسألة الموارنة في القرى الأربعة في قبرص الشمالية، وإتاحة المجال أمام عودتهم إلى قراههم.

وفي الشأن السياسيّ ورداً على سؤال الرئيس التركي للبطريرك الراعي حول رأيه في ما يدور في سوريا، أشار الصيّاح إلى أنّ رأي غبطته في هذا الإطار واضح جداً وهو لطالما كرّره معبراً عن رفضه للعنف ودعمه للسلام والحوار وإيجاد الحلول من خلال المبادرات والمساعي الدولية ومنها مبادرة كوفي انان، للوصول الى تحقيق ما يصبو اليه الشعب السوري من اصلاحات تحقق الديمقراطية والحريات العامة وتحفظ حقوق الانسان.

وأكّد الصيّاح "أنّ المواقف في هذا الشأن جاءت متطابقة مع مواقف الرئيس التركي الذي لا يؤيّد سفك الدماء والحروب أبداً انما يدعم الاستقرار والازدهار للجميع.

وكان البطريرك الراعي قد التقى ظهراً، رئيس الشؤون الدينيّة التركية الدكتور محمد كورماز في المجلس الأعلى للشؤون الاسلاميّة في أنقرة، بحضور نائب رئيس الشؤون الدينيّة الدكتور أكرم كلش ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور راشد كوجوك.

 بداية اللقاء، شكر البطريرك الراعي تركيا على "الدعوة التى وجهتها إليه لزيارة هذا البلد"، معرّفاً بالوفد المرافق، وقال: "يرافقنا ايضاً المطران انيس ابي عاد رئيس اساقفة حلب، لأنّ الموارنة في بعض المناطق التركية تابعون لأبرشية حلب، والمطران يوسف سويف هو راعي أبرشية قبرص المارونية، حيث نملك في القطاع الشمالي منها، أربع مناطق مارونيّة نزح أهلها منها بسبب الاحداث هناك".

وبعدها شرح البطريرك الراعي لما تعنيه كلمة الموارنة قائلاً: "إنّها كلمة مشتّقة من إسم القديس مارون، فنحن مسيحيّيون كاثوليك، ومار مارون عاش بين حلب وأنطاكيا، وتوفي سنة 410 أي في الجيل الخامس، ونحن في الكنيسة الأنطاكية السريانيّة أطلق علينا لقب موارنة نسبة إلى مار مارون، وأنطاكيا هي أوّل كرسي أسّسه مار بطرس قبل روما، كذلك وجد في أنطاكيا أوّل أتباع يسوع المسيح، وأطلق عليهم تسمية المسيحيّين. وتابع غبطته:"كما أن لقبي هو بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق التّي كانت تعني السلطنة العثمانية في الماضي، أي أن الولاية البطريركية كانت ممتدّة على ما يعرف بالسلطنة العثمانية آنذاك بما فيها قبرص. ولهذا السبب، يحمل البطريرك الماروني إسم بطرس. لذلك، جذورنا في تركيا، ونحن موجودون كموارنة في كلّ العالم، نحن سعداء لوجودنا في تركيا، وخصوصاً في هذه الزيارة، ولأنّنا معنيون بالعلاقات المسيحية – الاسلامية في دولة علمانية تحترم الاديان السماوية، ولتركيا دور مهم جدا في هذا الموضوع. لبنان نسميه دولة مدنية تفصل الدين عن الدولة، الحكم والادارة لا يمارسان بواسطة الاحزاب السياسية، وانما انطلاقاً من مبدأ الانتماء الطائفي. وهذا يعني اننا كمسيحيين ومسلمين وضعنا في عام 1943 الميثاق الوطني لنتشارك معاً بالمساواة في الحكم والادارة أي بالمناصفة، وما يدل على ذلك أن رئيس الجمهورية هو مسيحي ماروني، ورئيس مجلس النواب ينتمي الى الطائفة الشيعية ورئيس مجلس الوزراء ينتمي الى الطائفة السنية، وبقية المراكز تأتي مناصفة. إذن، لا دين للدولة في لبنان، بل هو يحترم كل الديانات مع كل حرية العبادة والضمير والمعتقد. لذلك، لا يمكن للبنان الا ان يكون ديموقراطياً ولا امكانية ابداً لوجود نظام ديكتاتوري فيه. كل الحريات الشخصية الفردية في لبنان معترف بها، وشرعة حقوق الانسان معترف بها ايضاً، ومن موقعه الجغرافي والاجتماعي لعب لبنان دور الجسر بين الشرق والغرب، جسر ثقافي، تجاري، اقتصادي وعمراني، ولقد لعب هذا الدور باستمرار بانفتاحه على الشرق والغرب، ولكونه يعيش هذا الواقع. لذلك، يتأثر لبنان بكل ما يحيط به، فهو منفتح على كل الاديان على مستوى الحوار، وعلى المستوى المسكوني منفتح على كل العلاقات مع الكنائس".

بعدها، كانت كلمة للدكتور كورماز قال فيها: "أرحب بكم غبطة البطريرك وبالمطارنة المرافقين. كما تكرّمتم، لنا تاريخ مشترك منذ اربعة عصور، وهو يستمر اليوم بفضل سهولة التواصل. وان وجود دور العبادة ومختلف الديانات في المنطقة يشكل مثالا لهذه المشاركة".

أضاف: "السلم يبدأ من قلوب الناس، السلم ينبع من قلب الانسان. في الشهور الاخيرة استلمت رسائل من بعض الاقليات المسيحية في بعض الدول وبخاصة البلاد التي عاشت الربيع العربي مؤخراً. استلمنا الرسائل من بعض الكنائس، وهي تحثنا على التحرك مع بعضنا بهدف ارساء السلام. ولقد دعانا بطريرك الارثوذكس في روسيا الى اجتماع حول هذا الموضوع. وكذلك، اجريت بعض الاتصالات الهاتفية مع مسؤولي الكنائس في اسطنبول، وخلال هذه المكالمات، تحدثنا عن العلاقات بين الكنائس العراقية والسورية مع الكنائس في اسطنبول. واريد ان اقول لكم هذا الكلام مرة ثانية، وفي حضوركم، الدين الاسلامي لم يترك لنا مجالاً للتردد في كيفية التعاطي مع الاقليات في المنطقة، لذلك قامت العلاقات بين الاديان على الحقوق والاخلاق، وهذا ما يدل عليه وجود الكنائس في المنطقة، وتفوّق الشرق على الغرب الذي يفتقد لهذه التجارب في هذا المجال. وأنا أؤمن بأن الشرق مؤهل ليعلّم الغرب على التعايش بين الاديان، ونحن نتمنى ان تنتهي هذه المشاكل التي عشناها في المنطقة بطريقة سلمية، ومن خلالها نتمنى ان تتحقق ارادة الشعوب وتعيش الاديان في المنطقة، كما كانت في السابق".

في الختام قدّم رئيس الشؤون الدينية في تركيا الى غبطته هدية هي عبارة عن لوحة مؤلفة من اربع وثائق من ارشيف العهد العثماني كتب فيها متصرف جبل لبنان رسالة الى الباب العالي آنذاك يقول فيها: "إن السيد يوحنا رئيس الكنيسة المارونية يريد فتح مدرسة روما ليتعلم رجال الدين في عهد السلطان عبد الحميد العثماني، وهو يحتاج من اجل ذلك الى مبلغ 10 آلاف فرنك. وفي الوثيقة الثانية كان جواب السلطان عبد الحميد الذي أمر بتخصيص هذا المبلغ اي عشرة آلاف فرنك لتأسيس المدرسة. الفرمان يأتي الى البرلمان الذي يوافق عليه، والوثيقة الثالثة والرابعة والاخيرة تمثل تسليم الاموال الى الكنيسة المارونية وفي ارشيفنا الالاف من الوثائق المماثلة التي تؤكد التعايش المسيحي – الاسلامي".

ثم ردّ البطريرك الراعي قائلاً: "نحن نعرف القصّة، ولكن ليس لدينا الوثائق التاريخية، والواقع انه في عهد البطريرك حنا الحاج عام 1584 كانت لدينا مدرسة مارونية في روما امّمها نابوليون بونابرت، واردنا فتح مدرسة جديدة. ومن تفاوض معكم، كان البطريرك الياس الحويك، وقد اشترى المدرسة في روما، وهي اليوم مركز البطريركية اشتراها البطريرك يوحنا الحاج في عام 1895. نحن سعداء بهذه الوثائق، وانا ثاني بطريرك يزور تركيا، بعد البطريرك بولس مسعد في عام 1868، وآنذاك حل البطريرك مسعد ضيفاً على الباب العالي في قصر الضيافة. وانا ممتن كثيراً للحصول على هذه الوثاق، ففي عام 1826 بدأ وجودنا الكنسي في هذه المنطقة لخدمة الموارنة، ونحن حريصون على العلاقة المميزة بيننا، لنبني الثقافة والحضارة الاسلامية والثقافة والحضارة المسيحية، حضارة واحدة نعيش فيها سويا، ونحن في العالم العربي نشعر في هويتنا المسيحية شيئا من الاسلام، وكذلك المسلم يشعر في هويته شيئاً من المسيحية. ونحن نساند الشعوب العربية التي تسعى لعيش الربيع العربي بكل الاصلاحات اللازمة، ولكن ليس عن طريق العنف والحرب لانها تزيد الامور صعوبة، وتخلّف الدم والعنف والاحقاد. نحن ضد العنف من أي جهة اتى، ونتطلّع الى ربيع عربي فيه المزيد من الحريات العامة والديموقراطية وحقوق الانسان والتنوع في المجتمعات. ونأمل ان يصل الربيع العربي الى هذه الخطوة الجديدة. هذا ما نسعى اليه، ونرغب في ان نستمر مسلمين ومسيحيين باعطاء شهادة للغرب بأننا لسنا في صراع، بل نعيش في مجتمع واحد غني بالثقافتين".

وفي ختام اللقاء، قدم البطريرك الراعي ميدالية البطريركية والارزة اللبنانية إلى الدكتور كورماز. ومساء، أقام رئيس الشؤون الدينية في تركيا مأدبة عشاء على شرف غبطته شارك عدد من كبار معاونيه اضافة الى الوفد المرافق.

وزير الخارجية التركي إلى الراعي: "زيارة غبطتكم هامة جداً بالنسبة للسلام الديني، نظراً لما تمثّلونه من ركيزةً أساسية في إنطلاقة الحوار بين الأديان"


زيارة البطريرك الراعي الى تركيا، اليوم الثاني

 

 

تركيا، الاثنين 2 أبريل 2012 (ZENIT.org).

إلتقى غبطة البطريرك الراعي نهار الجمعة 30 مارس 2012 مع الوفد المرافق وزير الخارجية التركية أحمد داوود اوغلو لنحو ساعتين في منزله في أنقره، وكانت مناسبة عرض فيها الطرفان لأبرز المواضيع المتعلقة بشأن أبناء الكنيسة المارونية في تركيا وقبرص الشمالية، كما تم التطرق الى أوضاع المنطقة والأوضاع في سوريا.

وشكر البطريرك الراعي الدولة التركية على دعوتها الرسمية له منوهاً بدور السفير التركي في لبنان الذي نظم لهذه الزيارة، وناقلاً تحيات رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى وزير الخارجية التركي، وتمنى غبطته "أن تكون هذه الزيارة منطلقا للتعاون بين البطريركية وتركيا"، وشددّ على "رمزية انطاكيا وأهميتها نسبة للبطريركية المارونية، كونها ترتبط بها من حيث اللقب والجذور والانطلاقة"، متمنياً "لو كان للبطريركية مركز في انطاكيا يجسد تلك العلاقة ويشهد على استمرارية العمق التاريخي".

بدوره رحّب وزير الخارجية التركية داوود اوغلو بهذه الزيارة التي وصفها بالتاريخية وقال:"نحن سعيدون بهذه الزيارة الفريدة من نوعها في تاريخنا المعاصر، وأنا مهتم شخصياً بتاريخ الشرق الأوسط وحضاراته الدينية وأتمنى أن تتكرر وأن يكون هناك زيارات متبادلة، وبعد عودتي من لبنان شرحت لرئيس الجمهورية ورئيس الشؤون الدينية في تركيا كم كانت جميلة ومهمة، واليوم أقول أنه في القرن التاسع عشر كانت زيارة واحدة للبطريرك بولس مسعد وفي القرن العشرين لم يكن هانك أي زيارة، واليوم في القرن الحادي والعشرين أتمنى أن تتواصل وتتكثف هذه الزيارات الى بلدنا".

وأعرب اوغلو عن "أهمية تقريب المسافة، وذلك خلال الاجتماعات المنظمة خاصة عبر المؤسسات الدينية، لأن المؤسسات الدينية تؤثر على السياسة وحيثياتها اليومية وأهميتها، وعندما تكون علاقات رجال الدين في ما بينهم جيدة فهذا من شأنه أن يؤثر على علاقات الشعوب أيضا، ونرى الشرق الأوسط كمنزل واحد مؤلف من غرف عدة ولكن لكل غرفة مدخل الى غرفة أخرى، وهذا ما يجعل أهل هذا المنزل على تواصل دائم مع بعضهم البعض".

وختم "زيارة غبطتكم هامة جداً بالنسبة للسلام الديني، نظراً لما تمثّلونه من ركيزةً أساسية في إنطلاقة الحوار بين الأديان".

بعدها توجّه  البطريرك الراعي ظهراً إلى إسطنبول حيث زار بطريركية الأرمن الأورثوذكس، وكان في إستقباله النائب البطريركي العام للأرمن الارثوذكس المطران آرام ارتشيان موتافيان وتقاسما عند مدخل كاتدرائية السيدة العذراء الخبز والملح، وهو تقليد في الكنيسة الأرمنية يرمز الى الاخوة والمشاركة، ليدخل بعدها على وقع الترانيم الأرمنية للكاتدرائية ويرفع صلاة الابانا وينشد ترتيلة مبارك من فدانا ومن ثم دخل غبطته مع الوفد المرافق دار البطريركية حيث التقى المطارنة والكهنة.

وكانت مناسبة وجه في خلالها تحية الى بطريرك الأرمن الارثوذكس ميسروب موتافيان الثاني، متمنياً أن يسنده الله النعمة الالهية على الوضع الصحي الذي يعيشه، داعياً بالتوفيق للنائب البطريركي لتوليه مهام البطريرك في هذه الفترة الانتقالية.

وأشار البطريرك الراعي إلى "أننا في لبنان على علاقة وثيقة بالكنيسة الأرمنية ونحن ننظر إليكم ككنيسة موجودة في تركيا تحمل قيم الكنيسة الأرمنية الروحيّة المسيحيّة، وتحمل رسالة كبيرة للكنيسة تشهدون لها ولهذه الدولة التي تحترم كل الديانات، وأقول من أهداف هذه الزيارة الرسمية التي جاءت تلبيةً لدعوة من الدولة التركية، هو اللقّاء مع الكنائس المسيحية، والى الجانب اأاول لهذه الزيارة الذي هو العلاقة بين الكنيسة المارونية والدولة التركية في ما يتعلق بالتعاون معا من أجل حوار الأديان والثقافات والمجتمعات. الى هذا الجانب هناك الجانب الكنسي، ويسعدنا أن يكون هذا الوجه الثاني الوجه المسكوني ووجه اللقاء مع الكنائس متجسداً بهذا اللقاء في بطريركية الأرمن، ونحن في لبنان على علاقة متينة مع الكنيسة الارمنية، سواءً كانت الكنيسة الارثوذكسية أم الكاثوليكية، ونحن على تواصل دائم ولقاء وتعاون في علاقاتنا وحياتنا المسكونية، ونحن نقدّر كم أن الدولة التركية معنية بالحضور المسيحي في تركيا والشرق الأوسط أن يكون فاعلاً بقيمه المسيحية المتنوّعة والثقافية مع العالم الإسلامي. وهذا ما لمسناه من لقاءاتنا مع المسؤولين الرسميين من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ورئيس الشؤون الدينية".

وختم آملاً "أن تكون هذه الزيارة نقطة انطلاق للتعاون الوثيق بين الكنيسة المارونية والكنيسة الأرمنية في اسطمبول وتركيا والعالم".

وبدوره رحب موتافيان بالبطريرك الراعي وقال:" منذ خمسين سنة وأنا هنا، لم أشهد زيارة لأحد من طرف البطريركية المارونية، ويسعدني اليوم أن أستقبلكم. كلنا أشجار في الحديقة نفسها، وكلنا نتبع كنيسة المسيح".

وأشار الى الدور الكبير "الذي يلعبه رجال الدين في حماية رعاياهم".

وأضاف "نشكر حكومة تركيا لاعتبارها واحترامها الكبير للذين هم من غير المسلمين، وقد تجسد هذا الامر بدعوتها لغبطتكم لزيارة تركيا".

بعدها توجه البطريرك الراعي الى إسطنبول حيث كنيسة السريان الكاثوليك، وقرعت الأجراس وارتفعت الصلوات. وكان في استقباله الخوراسقف يوسف ساخ ومجلس الملة والاخويات. وبعد رفع الصلاة أعرب غبطته عن سعادته بهذه الزيارة قائلاً "أحمل اليكم سلاماً من صاحب الغبطة البطريرك يوسف الثالث يونان. لمسنا في خلال الزيارة إهتمام تركيا بالحضور المسيحي في المنطقة لما يمثله من قيم، واليوم بدأنا زيارة الكنيسة وسنتابعها غداً، ونحن بأمس الحاجة في الشرق الى أن تكون كنيسة واحدة على تنوع طوائفها، والكنيستان السريانية والانطاكية عائلة واحدة. وكان حواراً مع أبناء الرعية أطلعهم فيها غبطته على تاريخ الموارنة ونشأتهم وتوزعهم في مختلف بلدان العالم".

هذا ورحب ساخ بزيارة البطريرك الراعي، مثنياً على "هذه الخطوة الهامة جداً في تاريخ الكنيسة وفي مجال وحدتها"، داعياً غبطته الى "تكرارها لما تمثل من أمل في نفوس المسيحيين وليس فقط في تركيا بل في كل المنطقة".