ماء مقابل حياة

أحكــي يا تاريـخ

إعداد الأخت سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس، مايو 2012

إلى أحفادي الأحباء

   ذات يوما عند الظهيرة، ذهبت لأملأ جرتي بالماء من البئر العتيقة التي تركها لنا أبونا يعقوب، فالتقيت بشخص غريب عن قريتنا، كان التعب بادياً عليه، كان منهكاً من دون طاقة، من دون قوة. كان محتاجاً للماء، يريد أن يروي ظمأه!، جلس عند البئر ليستريح. عرفت من لباسه وكلامه أنه يهودي، فلم نكن نحن السامريون مقبولين عند جيراننا اليهود، لأنه كان يُنظر إلينا كأغراب اختلطت دمائهم بالأمم رغم أننا نحفظ الشريعة بإخلاص وننتظر وعد الرب كسائر أبناء يعقوب.

   في بداية الحديث طلب مني ماء مقابل ماء، وأخبرني أنه سيجعل حياتي أفضل إن استمعت إليه بروحي، لم أفهم مغزى كلامه في بادئ الأمر، تكلم معي عن الماء الحي:

"لو كنت تعرفين عطية الله ومن هو الذي يقول لك:

اسقيني، لسألته أنت فأعطاك ماءً حياً"،

 لكني لم أفهم فكنت أظن أنه يتكلم عن ماء البئر، فقلت له "لا دلو عندك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟" لكنه رويداً رويداً ساعدني للوصول إلى مركز حياتي إلى ان أطلب منه هذا الماء "يارب، اعطني هذا الماء" وهنا ضرب على الوتر الحساس

"اذهبي فادعي زوجك وارجعي إلى هنا"

فأجبته بكل عفوية وصراحة "ليس لي زوج"

 فأثنى على صراحتي "أصبت… فقد كان لك خمسة أزواج، والذي عندك الآن ليس بزوجك" كلمني بأحترام يفوق الوصف، أحترم حالتي، شيئاً فشيئاً بدأت رنة صوته تستهويني وتدب نحو قلبي وتغمر كياني بسلاسة عجيبة تماماً كما يغمر نور الفجر أودية "جرزيم" و"عيبال"، لم يكن حديثه كسائر الوعاظ فقد كان فيه مسحة من عبق الأقدمين وحكمة التوراة، حدثني عن أمور عظيمة جعلتني أترك جرتي عند حافة البئر لأنهل من ينبوع ذلك الغريب الذي مر ذات يوم على مقربة من قريتنا. لقد ذاب قلبي وتحرك شيء ساكن في أعماقي.

   وساعدني ذلك الغريب أن أدخل لعمق ذاتي وأبدأ مسيرة إيمانية معه، وسألته أين يمكنني أن أصلي: "أين يجب التعبد هنا أم في أورشليم؟" لكن يسوع جاوبني على الكيف "العباد الصادقون يعبدون الآب بالروح والحق" بهذه الاجابة شعرت بنوع من السعادة، فسألته : متى سيأتي المسيح ويكلمنا عن هذه الأمور. وهنا أجابني هذا الغريب قائلاً:

"أنا هو"

عند سماعي هذه الكلمة ركضت وتركت جرتي، لأنّي لم أعد بحاجة إليها، فقد ارتوى ظمأي، أصبحت أنا ينبوع ماء حي، ماءً للآخرين، مبشرة لكل السامريين. فلم أعد أخاف أن يروني، خرجت للقائهم. وبشرتهم بهذا الشخص الذي هو يسوع المسيح، وأخبرت كل من التقيته أنه قام في اليهودية نبيٌ عظيمٌ، وأن المسيا الذي تحدث عنه موسى قد كلمني أنا السامرية الخاطئة وقال لي كل ما فعلت، وصنع مني كيان جديد.

فآمنت المدينة كلها، وأكتشفوا أنّه: ليس مجرد يهودي، أو أعظم من يعقوب، أو نبي كبير أو حتى المسيح. أنما يقولون:

"فقد سمعناه نحن وعلمنا أنّه مخلص العالم حقاً".

   واليوم وقد مرت سنون عديدة على لقائي بالناصري العجيب، وعلمت أن اليهودية وروما قد أجرمتا في حقه، فصلبوه كمجرمٍ قاتلٍ، ولكن هذا الموت لم يكن النهاية، فقد قام من الموت، وصعد إلى السموات، وأرسل روحه القدوس ليعطي تلاميذه القوة لمواصلة رسالته وإعلان كلمته الحية بكل جرأة إلى كل أرجاء المسكونة. وعلمت أن هناك من دوّن كلامه وذكر هذا اللقاء الشهير الذي أطلق عليه " لقاء يسوع بالسامرية "، وإنه لشرف لي أن تذكر الأمم امرأة من السامرة رأت المسيا عن قرب، فعلمها كيف تملأ جراراً عديدة دون ملل، وتسقي المارة وعابري السبيل من هذا الماء الحي. لأقول مع القديسة مريم " الرب صنع بي عظائم وقدوس أسمه".

وفي نهاية حديثي أود أن اقول لكل منكم : أن الرب يبحث عنك شخصياً، كما بحث عني وجاء إلى البئر، رغم ما كلفه هذا من تعب وجهد، إنه يريد أن يدخل في علاقة حميمة معك، رغم ضعفك وفقرك، إنه يريدك كما أنت بكل ما فيك من قوة وضعف، ليكشف لك عن مكنونات قلبه، عن الماء الحي الذي إذا شربت منه لا تعطش أبداً. يريدك أن تخبر بعجائبه الذي صنعها معك أنت شخصياً، أن تبشر بكلمته الحية التي تملأ كيانك وتجعلك خليقة جديدة. قم الآن وتعال اليه، إنه ينتظرك، تعال وأستقي من الينبوع الحي الذي لا ينضب أبداً. ليمنحك الرب بركته وتكون بركة لكثيرين.

جدتكم السامرية