الفقرة 7: السُّقوط

 

385- الله غير متناهي الجودة وجميع أعماله حسنه. ولكن لا أحد ينجو من تجربة الألم، من تجربة شرور الطبيعة – التي تبدو شبه مرتبطة بحدود الخلائق الخاصة- ولا سيّما من مسألة الشر الأدبي. من أين يأتي الشر؟ يقول القديس أوغسطينوس:«لقد فتَّشت من أين يأتي الشر ولم أجد حلاً»[1]، ولن يجد بحثه الخاص الأليم مخرجاً إلا اهتدائه إلى الله الحي. فإن «سر الأثم» (2تس7:2) لن يتضح إلا على نور سر التقوى[2]. إن كشف المحبة الإلهية في المسيح أظهر مدى الشر وفيض النعمة معاً[3]. يجب أن نعرض إذن لمسألة مصدر الشر ونظر إيماننا مُثبتٌ على من هو، وحده، غالب الشر[4].

1ً. حيثُ كثرت الخطيئة طفحت النعمة

حقيقة الخطيئة

386- الخطيئة موجودة في تاريخ الإنسان: قد تكون من العبث محاولة تجاهلها، أو إلقاء أسماء أخرى على هذه الحقيقة الغامضة. ولكي نحاول فهم ما هي الخطيئة، يجب أولاً معرفة صلة الإنسان العميقة بالله، إذ إنه خارج هذه العلاقة، لا يُكشف عن شر الخطيئة في حقيقة كونه رفضاً ومقاومةً في وجه الله، مع بقائه عبثاً ثقيلاً على حياة الإنسان وعلى التاريخ.

387- حقيقة الخطيئة، ولا سيّما خطيئة الأصول، لا تتضح إلا على نور الوحي الإلهي. فدون المعرفة التي يعطيناها عن الله لا تمكن معرفة الخطيئة معرفة واضحة، فنكون معرضين لتفسيرها على أنها نقصٌ في النمو فقط، ضعفٌ نفسيّ، ضلالٌ، نتيجةٌ حتميةٌ لبنية اجتماعيةٍ غير ملائمة..إلخ. ففي معرفة قصد الله بالنسبة إلى الإنسان فقط تُفهم الخطيئة على أنها سوء استعمال للحرية التي يمنحها الله للأشخاص المخلوقين، لكي يتمكنوا من محبته ومن محبة بعضهم البعض.

الخطيئة الأصلية – حقيقة جوهرية من حقائق الإيمان

388- بنمو الوحي اتضحت أيضاً حقيقة الخطيئة. وإن عرَض شعب الله في العهد القديم لآلام الوضع البشري على نور تاريخ السقوط الوارد في سفر التكوين، فإنه لم يكن باستطاعته الوصول إلى المعنى البعيد لهذا التاريخ، الذي ينجلي فقط على نور موت يسوع المسيح وقيامته[5]. يجب معرفة المسيح ينبوعاً للنعمة لمعرفة آدم ينبوعاً للخطيئة. الروح- البارقليط الذي أرسله المسيح المنبعث، هو الذي جاء لكي «يُفحم العالم بشأن الخطيئة» (يو8:16)، إذ كشف عن الذي افتدى من الخطيئة.

389- عقيدة الخطيئة الأصلية هي على نحوٍ ما «الوجه المناقض» للبشرى الصالحة بأن يسوع هو مخلص جميع البشر، وبأن الجميع بحاجة إلى الخلاص، وبأن الخلاص مقدمٌ للجميع بفضل المسيح. والكنيسة التي عندها فكر المسيح[6] تعلم جيداً أنه لا يمكن المساس بوحي الخطيئة الأصلية بدون الإساءة إلى سر المسيح.

لقراءة قصة السقوط

390- قَصَصُ السقوط (تك3) يعتمد أسلوباً خيالياً، ولكنه يؤكد حدثاً ذا أهمية كبيرة، حدثاً جرى في بدء تاريخ الإنسان[7]. والوحي يُعطينا اليقين الإيماني، ب؟أن تاريخ البشر كله موسومٌ بالخطيئة الأصلية التي اقترفها أبوانا الأولان باختيارهما[8].

2ً. سقوط الملائكة

391- وراء اختيار أبوينا الأولين المعصية صوتٌ مُغرٍ معارضٌ لله[9] يحملهما، حسداً، على السقوط والموت[10]. الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة يريان في هذا الكائن ملاكاً ساقطاً يُدعى شيطاناً أو إبليس[11]. الكنيسة تعلم أنه كان أولاً ملاكاً صالحاً من صُنع الله. «الشيطان وسائر الأبالسة خلقهم الله صالحين في طبيعتهم، ولكنهم هم بأنفسهم انقلبوا أشراراً»[12].

392- الكتاب المقدس يذكر لهؤلاء الملائكة خطيئة[13]. وهذا «السقوط» يقوم باختيارٍ حُر لهؤلاء الأرواح المخلوقة، الذين رفضوا رفضاً باتاً وثابتاً الله وملكوته. وإننا نجد إشارةً إلى هذا العصيان في أقوال المجرب لأبوينا الأولين: «تصيران كآلهة» (تك5:3). الشيطان «خاطئ من البدء» (1يو8:3)، «أبو الكذب» (يو44:8).

393- إن ميزة الاختيار الثابت للملائكة، لا تقصيرٌ من الرحمة الإلهية غير المتناهية، هي التي جعلت خطيئتهم غير قابلة الغفران. «لا ندامة لهم بعد السقوط، كما أنه لا ندامة للبشر بعد الموت»[14].

394- الكتاب المقدس يُثبت الأثر المشؤوم للذي يدعوه يسوع «من البدء قتّال الناس» (يو44:8)، والذي حاول أن يحول يسوع نفسه عن الرسالة التي تقبلها من الآب[15]. «ولهذا ظهر ابن الله: لينتقض أعمال إبليس» (1يو8:3). وأفظع نتائج أعماله كان الإغراء الكاذب الذي جرَّ الإنسان إلى عصيان الله.

395- ولكن مقدرة إبليس ليست غير متناهية. إنه مُجرد خليقة، قديرة لكونها روحاً محضاً، ولكنه لا يخرج عن كونه خليقة: لا يستطيع أن يمنع بناء ملكوت الله. وإن عمِلَ إبليس في العالم بعامل الحقد على الله وملكوته في يسوع المسيح، وإن كان لعمله أضرارٌ جسيمة- على المستوى الروحي أحياناً، وبطريقة غير مباشرة، على المستوى الطبيعي نفسه – لكل إنسان وللمجتمع، فهذا العمل تسمح به العناية الإلهية التي توجه تاريخ الإنسان والعالم بقوةٍ ولينٍ. والسماح الإلهي بهذا العمل الشيطاني سر عظيم، ولكننا «نعلم أن الله في كل شيء يسعى لخير الذين يُحبونه» (رو28:8).

3ً. الخطيئة الأصلية

تجربة الحرّيّة

396- الله خلق الإنسان على صورته وأقامه في صداقته. وإذ كان الإنسان خليقة روحانية، فهو لا يستطيع أن يعيش في هذه الصداقة إلا عن طريق الخضوع الحُر لله. وهذا ما يعبر عنه منع الإنسان من أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر، «فإنك يوم تأكل منها تموت موتاً» (تك17:2). « شجرة معرفة الخير والشر»(تك17:2) توحي رمزياً بالحد الذي لا يمكن تجاوزه والذي يجب على الإنسان، في كونه مخلوقاً، أن يعترف به اختيارياً وأن يقف عنده بثقة. الإنسان متعلق بالخالق؛ وهو خاضع لنواميس الخليقة، وللنظم الأخلاقية التي تُنظم استعمال الحرّية.

خطيئة الإنسان الأولى

397- الإنسان، عندما جربه الشيطان، قضى في قلبه على الثقة بخالقه[16]. وعندما أساء استعمال حريته، عصى وصية الله. في هذا قامت خطيئة الإنسان الأولى[17]. وكل خطيئة، في ما بعد، ستكون عصياناً لله، وعدم ثقة في صلاحه.

398- في هذه الخطيئة فضّل الإنسان نفسه على الله، وبذلك عينه حَقَرَ الله: اختار ذاته على الله، على مقتضيات كونه خليقة، ومن ثَمَّ على صالحه الخاص. وإذ كان الإنسان مخلوقاً في حالة قداسة، فقد كان مُعداً لأن «يُؤلهه» الله تأليهاً كاملاً في المجد. وبإغراء من إبليس أراد أن «يكون مثل الله»[18]، ولكن «بدون الله، وليس بحسب الله»[19].

399- الكتاب المقدس يبين عواقب هذه المعصية الأولى المأسوية. فقد فَقَدَ آدمُ وحواءُ حالاً حالة البرارة الأصلية[20]. لقد خافا من هذا الإله[21] الذي تصوراه على غير صورته، على صورة إلهٍ غيور على امتيازاته[22].

400- التناسق الذي كانا عليه، والذي أولتهما إياه حالة البرارة الأصلية، قد تهَّدم؛ وسيطرة قُوى النفس الروحانية على الجسد تحطمت[23]؛ اتحاد الرجل والمرأة أصبح تحت تأثير المشادات[24]؛ وعلاقاتهما ستكون موسومة بسمة الشهوة والسيطرة[25]. التناسق مع الخليقة نُقض: الخليقة المنظورة أصبحت بالنسبة إلى الإنسان غربية ومُعادية[26]، وبسبب الإنسان أخضعت الخليقة لعبودية الفساد[27]. وأخيراً فإن العاقبة التي أُنبئ بها بصراحة لمعصية[28] الإنسان ستتحقق:«سيعود الإنسان إلى الأرض التي منها أُخذ»[29]. وهكذا دخل الموت في تاريخ البشرية[30].

401-منذ هذه الخطيئة الأولى، غمر العالم «اجتياح» للخطيئة حقيقي: قتل قاين أخاه هابيل[31]؛ الفساد الشامل في عَقِب الخطيئة[32]؛ كذلك في تاريخ إسرائيل، فكثيراً ما تبرز الخطيئة كعصيانٍ خاصٍ لإله العهد، وكمخالفة لشريعة موسى؛ وبعد فداء المسيح أيضاً، تبرز الخطيئة بين المسيحيين على وجوه متعدد[33]. والكتاب المقدس وتقليد الكنيسة لا يزالان يذكران بوجود الخطيئة وشمولها في تاريخ الإنسان:

«ما يكشفه لنا الوحي الإلهي يتفق ومعطيات خبرتنا. فإن تفحص الإنسان قلبه وجد أنه ميال إلى الشر أيضاً، وأنه غارقٌ في غمر من الشرور لا يمكن أن تصدر عن خالقه الصالح. فكثيراً ما يرفض الإنسان أن يرى في الله مبدأه، فينقض النظام الذي يتوجه به إلى غايته القصوى، وينقض في الوقت نفسه كل تناغم في ذاته أو بالنسبة إلى سائر البشر وإلى الخليقة كلها»[34].

عواقب خطيئة آدم في البشرية

402- جميع البشر متورطون في خطيئة آدم. القديس بولس يُثبت ذلك:«جُعِلَ الكثيرون (أي جميع البشر) خطأةً بمعصية إنسان واحد» (رو19:5): «كما أنها بإنسانٍ واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس لأن جميعهم قد خطئوا …» (رو12:5). وقد قابل الرسول شمولية الخطيئة والموت بشمولية الخلاص بالمسيح:«كما أنه بزلة واحدٍ كان القضاء على جميع الناس، كذلك ببر واحدٍ (برّ المسيح) يكون لجميع الناس تبرير الحياة» (رو18:5).

403- لقد اتبعت الكنيسة القديس بولس، فعلمت دائماً أن الشقاء العارم الذي يهبظ البشر، وميلهم إلى الشر وإلى الموت لا يُفهمان بمعزل عن علاقتهم بخطيئة آدم، وبواقع أنه أورثنا خطيئة نُولد حاملين وزرها وهي «موت النفس»[35]. وانطلاقا من هذا اليقين العقائدي تمنح الكنيسة المعمودية لمغفرة الخطايا، حتى للأطفال الصغار الذين لم يرتكبوا خطيئة شخصية[36].

404- كيف أصبحت خطيئة آدم خطيئة ذريَّته كلها؟ الجنس البشري كله في آدم «كأنه الجسد الواحد لإنسان واحد»[37]. وبسبب «وحدة الجنس البشري هذه» جميع البشر داخلون في خطيئة آدم، كما أنهم داخلون جميعاً في تبرير المسيح. ومع ذلك فإن انتقال الخطيئة الأصلية سرٌّ لا نستطيع إدراكه إدراكاً تاماً. إلا أننا نعلم عن طريق الوحي أن آدم نال القداسة والبرارة الأصليتين، لا له وحده، بل للطبيعة البشرية كلها: وبانقياد آدم وحواء للمجرب، ارتكبا خطيئة شخصية، ولكن هذه الخطيئة انتقل أثرها إلى الطبيعة البشرية التي سينقلانها وهما في حالة سقوط[38]. إنها ستنتقل إلى جميع البشر عن طريق التفشي، أي بنقل طبيعة بشرية مجردة من القداسة والبرارة الأصليتين. ولهذا فالخطيئة الأصلية مدعوة «خطيئة» على سبيل المشابهة: إنها خطيئة «موروثة» لا «مُرتكبة»، حالة لا فعل.

405- وإن كان كل إنسان مخصوصاً بالخطيئة الأصلية[39]، فإنها ليست ذات طابع شخصي عند أيٍ من أبناء آدم. إنها حرمان من القداسة والبرارة الأصليتين، ولكن الطبيعة البشرية ليست مُنفسِدة إنفساداً كاملاً: لقد جُرحت في قواها الطبيعية الخاصة، وأخضعِت للجهل والألم وسلطان الموت، ومالت إلى الخطيئة الأصلية (وهذا الميل إلى الشر يُسمى «شهوة»). والمعمودية بمنحها حياة نعمة المسيح، تمحو الخطيئة الأصلية وتردُّ الإنسان إلى الله، ولكن العواقب في الطبيعة المُضعفة والميالة إلى الشر، تبقى في الإنسان وتدعوه إلى الجهاد الروحي.

406- إن عقيدة الكنيسة في موضوع انتقال الخطيئة الأصلية اكتسبت دقّةً خصوصاً في القرن الخامس، ولا سيّما مع القديس أوغسطينوس في دفق تأمُلاته ضد البلاجية، وفي القرن السادس عشر في مناهضة البروتستانتية. كان بلاجيوس يعتقد أن الإنسان يستطيع، بقوة إرادته الطبيعية الحرّة، بدون معونة نعمة الله الضرورية، أن يسلك سلوكاً صالحاً أدبياً؛ كان بذلك يحول تأثير خطيئة آدم إلى تأثير مثال سيء. وبعكس ذلك دعاة الإصلاح البروتستانتي الأولون يُعلمون أن الإنسان قد أصبح في عمقه فاسداً وأن حريته أصبحت، بخطيئة الأولين، مُعطلة. كانوا يوجدون ما بين الخطيئة التي ورثها كل إنسان والميل إلى الشر (الشهوة) الذي لا يمكن التغلب عليه. وقد أثبتت الكنيسة موقفها في معنى الوحي المتعلق بالخطيئة الأصلية في مجمع أورانج الثاني، سنة529[40]، وفي المجمع التريدنتيني، سنة1546[41].

صراع ٌ عنيف

407- عقيدة الخطيئة الأصلية- مقرونة بعقيدة فداء المسيح – تُخول نظرة تمييز واضح في شأن موقع الإنسان وعمله في العالم. بخطيئة الأبوين الأولين اكتسب الشيطان شبه سيطرة على الإنسان، وإن لبث هذا حُراً. الخطيئة الأصلية تجرُّ «العبودية تحت سلطان ذاك الذي كان بيده سلطان الموت، أعني إبليس»[42]. تجاهل كون الإنسان ذا طبيعة مجروحة، ميالة إلى الشر، يُفسح المجال لأضاليل جسيمة في موضوع التربية، والسياسة، والعمل الإجتماعي[43]، والأخلاق.

408- عواقب الخطيئة الأصلية، وجميع خطايا البشر الشخصية، تصِمُ العالم، في مجمله، بوصمة الخطيئة، التي يمكن أن يُطلق عليها تعبير القديس يوحنا:«خطيئة العالم» (يو29:1). بهذا التعبير يُشار أيضاً إلى التأثير السلبي الذي تُلحقه بالأشخاص الأحوال المجتمعية، والبُنى الاجتماعية، التي هي ثمرة آثام البشر[44].

409- الحالة المأسوية هذه التي يقيم فيها العالم «كله تحت سُلطان الشرير» (1يو19:5)[45] تجعل حياة الإنسان صراعاً:

«يتخلل تاريخ البشر العام صراع عنيف به قوى الظلمة، وقد بدأ مع وجود العالم وسيبقى على حد قول الرب، إلى اليوم الآخر. فعلى الإنسان وقد أُدخِل المعركة، أن يُناضل أبداً لكي يلزم الخير، وهو لن يستطيع تحقيق وحدته الذاتية إلا بعد جهودٍ شديدة، وبمؤازرة النعمة الإلهية»[46].

4ً. «إنك لم تُسْلِمه لسلطان الموت»

410- الله لم يتخلَّ عن الإنسان بعد سقوطه. فهو، بعكس ذلك، يدعوه[47] ويبشره، بطريقة سرية، بالتغلب على الشر وبإقالته من عثرته[48]. هذا المقطع من سفر التكوين سُميّ «مقدمة الإنجيل» لأنه البشرى الأولى بالمسيح الفادي، البشرى بصراعٍ بين الحية والمرأة، وبالانتصار النهائي لنسل هذه المرأة.

411- التقليد المسيحي يرى في هذا المقطع البشرى بـ «آدم الجديد»[49] الذي، «بطاعته حتى الموت موت الصليب» (في8:2) يُعوض تعويضاً لا يُقاس عن معصية آدم[50]. وإلى ذلك فإن كثيرين من آباء الكنيسة وملافنتها يرون في المرأة التي ورد ذكرها في «مقدمة الإنجيل» أمَّ المسيح، مريم، على أنها «حواء الجديدة». إنها تلك التي كانت الأولى، وبطريقة فريدة، استفاد\\ةً من الانتصار على الخطيئة الذي حققه المسيح: لقد صِينت من دنس الخطيئة الأصلية كله[51]، وعلى مدى حياتها الأرضية كها لم ترتكب أيّ نوع من الخطيئة، وذلك بنعمةٍ خاصة من الله[52].

412- ولكن لماذا لم يمنع الله الإنسان الأول أن يخطأ؟ يجيب عن ذلك القديس لاون الكبير: «نعمة المسيح التي لا توصف وهبتنا خيراتٍ أعظم من تلك التي كان حسدُ إبليس قد انتزعها منا»[53]. والقديس توما الأكويني يقول:«لا شيء يمنع من أن تكون الطبيعة البشرية قد أُعدت لغايةٍ أرفع من الخطيئة. فإن الله يسمح بأن تحصل الشرور لكي يستخرج منها خيراً أعظم. من هنا قول القديس بولس:«حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة» (رو20:5). ومن هنا يقال في بركة شمعة الفصح:«يا للخطيئة السعيدة التي استحقت هكذا فادياً وبمثل هذه العظمة»[54].

بإيجاز

413- «ليس الموت من صنع الله، ولا هلاك الأحياء يسر (…). بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم» (حك 13:1؛ 24:2).

414- الشيطان أو إبليس وسائر الشياطين هم ملائكة ساقطون لأنهم رفضوا باختيارهم أن يخدموا الله وقصده. واختيارهم ضد الله نهائي. وهم يعملون على إشراك الإنسان في ثورتهم على الله.

415- «أقام الله الإنسان في حالة برارة. ولكن الشرير أغواه منذ بدء التاريخ، فأساء استعمال حريته، مُنتصباً في وجه، وراغباً في أن يبلغ غايته من دون الله».[55]

416- في كون آدم الإنسان الأول، أضاع بخطيئته القداسة والبرارة الأصليتين اللتين كان قد نالهما من الله، ليس فقط لنفسه، بل لجميع البشر.

417- لقد أورث آدم وحواء ذريتهما الطبيعة البشرية مجروحة بخطيئتهما الأولى، ومن ثمَّ مجردة من القداسة والبرارة الأصليتين. وهذا الحرمان يُسمى «خطيئة أصلية».

418- نتج عن الخطيئة الأصلية أن الطبيعة البشرية أُضعفت في قواها، وأُخضعت للجهل، والألم وسيطرة الموت، ومالت إلى الخطيئة (وهذا الميل يُسمى «شهوة»).

419- «فنحن نعتقد، مع المجمع التريدنتيني، أن الخطيئة الأصلية تنتقل مع الطبيعة البشرية، «لا تقليداً بل انتشاراً»، وهي هكذا «خاصة بكل واحد».[56]

420- الانتصار على الخطيئة الذي حققه المسيح أعطى خيرات أفضل من تلك التي أفقدتها الخطيئة:«حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة» (رو20:5).

421- «في إيمان المسيحيين أن هذا العالم هو وليد محبة الله وحفيظها، سقط في عبودية الخطيئة، ولكن المسيح قد حطم بالصليب والقيامة شوكة الشرير وحرره…» [57].



[1] اعترافات 7، 7، 11

[2] رَ: 1تي16:3

[3] رَ: رو20:5

[4] رَ: لو21:11-22؛ يو11:16؛ 1يو8:3

[5] رَ: رو12:5-21

[6] رَ: 1كو16:2  

[7] رَ: ك ع 13، 1

[8] رِ: مجمع ترنت، الجلسة الخامسة 5أ، قرار في الخطيئة الأصلية: د1513؛ بيوس 12ً: د3897؛ بولس 6ً، خطاب 11تموز 1966

[9] رَ: تك1:3-5          

[10] رَ: حك24:2

[11] رَ: يو44:8؛ رؤ9:12

[12] مجمع لاتران 4ً، (سنة1215)، فصل1، في الإيمان الكاثوليكي: د800

[13] رَ: 2بط4:2

[14] القديس يوحنا الدمشقي، م م 2، 4   

[15]  رَ: متى1:4-11

[16] رَ: تك1:3-11             

[17] رَ: رو19:5     

[18] رَ: تك5:3

[19] القديس مكسيموس المعترف، كتاب الالتباسات

[20] رَ: رو23:3

[21] رَ: تك9:3-10

[22] رَ: تك5:3                                                                                                                                 

[23] رَ: تك7:3

[24] رَ: تك11:3-13

[25] رَ: تك16:3

[26] رَ: تك17:3، 19

[27] رَ: رو20:8

[28] رَ: تك17:2

[29] رَ: تك19:3

[30] رَ: رو12:5                                                                                           

[31] رَ: تك3:4-15

[32] رَ: تك5:6، 12؛ رو18:1-32

[33] رَ: 1كو1-6؛ رؤ2-3

[34] ك ع13، 1

[35] رَ: مجمع ترنت، الجلسة الخامسة أ، قرار في الخطيئة الأصلية، ق2: د1512

[36] رَ: المرجع السابق، ق4: د1514

[37] توما الأكويني، في الشر 4، 1

[38] رَ: مجمع ترنت، الجلسة الخامسة أ، قرار في الخطيئة الأصلية، ق1-2: د1511-1512

[39] رَ: المرجع السابق، ق3: د1513

[40] رَ: د:371-372

[41] رَ: مجمع ترنت، الجلسة الخامسة، قرار في الخطيئة الأصلية: د1510-1516

[42] المرجع السابق، ق1:د 1511؛ عب14:2

[43] رَ: س م 25

[44] رَ: م ت16

[45] رَ: 1بط8:5

[46] ك ع 37، 2

[47] رَ: تك9:3

[48] رَ: تك 15:3                                                       

[49] رَ: 1كو21:15-22، 45     

[50] رَ: رو19:5-20  

[51] رَ: بيوس 9ً: د2803

[52] رَ: مجمع ترنت، الجلسة السادسة أ، قرار في التبرير، ق23: د1573                     

[53] عظات 73، 4

[54] توما الأكويني، خ ل 3، 1، م3؛ هذا القول للقديس توما يرنمّ به في نشيد الفصح

[55] ك ع 13، 1

[56] ق ش 16

[57] ك ع 2، 2

أؤمن بالله واحد، المقام الأول من 385- 421