المقال الثالث:الحبل بيسوع المسيح

 

أؤمن بيسوع المسيح ابن الله الوحيد من 456 ـ570

المقال الثالث

"كان الحبل بيسوع المسيح من الروح القدس،

ولد من البتول مريم"

الفقرة 1 ـ ابن الله صار إنساناً

1ً. لماذا صار الكلمة جسداً ؟

456 ـ مع قانون إيمان نيقية ـ القسطنطينية، نجيب معترفين: "من أجلنا ،نحن البشر وفى سيل خلاصنا، نزل من السماء، بالروح القدس تجسد من مريم البتول وصار إنساناً".

457 ـ صار الكلمة جسداً ليخلصنا بمصالحتنا مع الله: الله: "هو نفسه أحبنا وأرسل ابنه كفارة عن خطايانا" (1 يو 4:14). "إن ذاك قد ظهر ليرفع الخطايا" (1 يو 3: 5):

"مريضة، كانت بيعتنا تطلب الشفاء، وساقطة، أن تقال عثرتها، وميته، أن تبعث حية كنا فقدنا امتلاك الخير، فكان لابد من إعادته إلينا. وكنا غارقين في الظلمات فكان لابد من رفعنا إلى النور؛ وكنا أسرى ننتظر مخلصاً؛ وسجناء عوناً؛ وعبيداً محرراً. هل كانت هذه الدواعي بدون أهمية ؟ ألم تكن تستحق أن تحرك عطف الله إلى حد أن تنزله حتى طبيعتنا البشرية كانت في حالة جد بائسة وجد تعسة؟".

458 ـ الكلمة صار جسداً لكي نعرف هكذا محبة الله.” بهذا ظهرت محبة الله في ما بيننا بأن الله أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لنحيا به "(1 يو 4: 9)؛ إذ إن الله "أحب العالم هكذا حتى إنه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 1)

459 ـ لقد صار الكلمة جسداً لكي يكون مثالاً لنا في القداسة: "احملوا نيرى عليكم وتعلموا منى… " (متى 11: 29)  "أنا الطريق والحق والحياة؛ لا يأتي أحد إلى الآب إلا بي" (يو 14: 6). والآب، على جبل التجلي يأمر: "اسمعوا له" (مر 9: 7). فهو في الحقيقة مثال التطويبات وقاعدة الناموس الجديد: "أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا" (يو 15: 12). هذه المحبة تتضمن تقدمة الذات الفعلية في أثره.

460 ـ صار الكلمة جسداً لكي يجعلنا "شركاء في الطبيعة الإلهية" (2 بط 1: 4): "فهذا هو السبب الذي من أجله صار الكلمة بشراً، وابن الله ابن الإنسان: لكي يصير الإنسان ابن الله بدخوله في الشرك مع الكلمة وبنيله هكذا البنوة الإلية" إذ إن ابن الله صار إنساناً لكي يصيرنا إلها . "ابن الله الوحيد، إذ أراد أن نشاركه في ألوهته، تلبس طبيعتنا حتى إذا صار هو بشراً يصير البشر آلهة".

2ً. التجسد

461 ـ تعيد الكنيسة تعبير القديس يوحنا ("الكلمة صار جسداً" : يو 1:14) وتدعو "تجسداً" كون ابن الله اتخذ طبيعة بشرية لكي يحقق فيها خلاصنا. في نشيد يثبته القديس بولس، تتغنى الكنيسة بسر التجسد "ليكن فيكم من الاستعدادات ما هو في المسيح يسوع: فإنه، هو القائم في صورة الله، لم يعتد مساواته لله [حالة] مختلسة؛ بل لاشى ذاته، آخذا صورة عبيد، صائرا شبيها بالبشر، فوجد كإنسان في الهيئة. ووضع نفسه، وصار طائعاً حتى الموت، [بل] موت الصليب ! " (في 2: 5 ـ 8).

462 ـ والرسالة إلى العبرانيين تتحدث عن السر نفسه:

"فلذلك يقول المسيح عند دخوله العالم: ذبيحة وقراناً لم تشأ، غير أنك هيأت لي جسداً. لم ترتض محرقات ولا ذبائح خطيئة؛ حينئذ قلت: هاءنذا آتى (…) لأعمل بمشيئتك" (عب 10: 5 ـ 7 مورداً مز 40: 7 ـ 9، حسب السبعينية).

463 ـ الإيمان بالتجسد الحقيقي لابن الله هو العلامة المميزة للإيمان المسيحي: "بهذا تعرون روح الله: إن كل روح يعترف بان يسوع المسيح فد أتى في الجسد هو من الله" (1 يو 4: 2). ذلك هو يقين الكنيسة البهيج منذ البدء، عندما تتغنى "بسر التقوى العظيم": "لقد أظهر في الجسد" (1 تي 3: 16).

3ً. إله حق وإنسان حق

464 ـ إن الحادث الوحيد والفريد جداً لتجسد ابن الله يعنى أن يسوع المسيح إله في قسم منه وإنسان في قسم خر، ولا انه نتيجة المزيج المبهم للعنصرين الإلهي والإنساني. لقد صار إنسانا حقاً وبقى إلهاً حقاً. يسوع المسيح هو إله حق وإنسان حق هذه الحقيقة الإيمانية اضطرت الكنيسة إلى أن تدافع عنها وتوضحها خلال القرون الأولى في وجه هرطقات كانت تزروها.

465 ـ الهرطقات الأولى أنكرت ناسوت المسيح الحقيقي أكثر مما أنكرت لاهوته (الظاهرية الغنوصية) ومنذ العهد الرسولي شددت العقيدة المسيحية على التجسد الحقيقي لابن الله "الآتي بالجسد" ولكن منذ القرن الثالث اضطرت الكنيسة إلى أن تناهض بولس السميصاطى، وتثبت في مجمع عقد في إنطاكية، ان يسوع المسيح هو ابن الله بالطبيعة لا بالتبني. ومجمع نيقية المسكوني الأول، سنة 325، اعترف في قانون إيمانه أن ابن الله "مولوداً لا مخلوق، وهو والأب جوهر واحدا" وأدان آريوس الذي ذهب إلى أ، "ابن الله خرج من العدم" ، وأنه من "جوهر غير جوهر الآب".

466 ـ كانت البدعة النسطورية ترى في المسيح شخصاً إنسانياً مقترناً بشخص ابن الله الإلهي. في وجهها اعترف القديس كيرلس الإسكندري، والمجمع المسكونى الثالث المعقود في أفسس، سنة 431، أن "الكلمة، باتخاذه في شخصه جسداً تحييه نفس عاقلة، صار إنسانا". ليس لناسوت المسيح شان إلا في شخص ابن الله الإلهي، الذي اتخذه وخص به ذاته منذ الحبل به. ولهذا أعلن مجمع أفسس، سنة 431، أن مريم أصبحت في الحقيقة والدة الإله بالحبل البشرى بابن الله في أحشائها: "والدة الإله، لا لكون كلمة الله اتخذ منها طبيعته الإلهية، ولكن لكونه اتخذ منها الجسد المقدس مقروناً بنفس عاقلة، والذي اتحد به الكلمة شخصياً، فكان أنه ولد بحسب الجسد".

467 ـ أصحاب الطبيعة الواحدة يذهبون إلى أن الطبيعة البشرية توقف وجودها في المسيح كطبيعة بشرية عندما تلبس بها شخصه الإلهي كابن لله. وتجاه هذه البدعة اعترف مجمع خلقيدونية المسكونى الرابع، في سنة 451:

"على أثر الآباء القديسين نعلم بالإجماع الاعتراف بابن واحد هو هو، سيدنا المسيح. هو هو الكامل في اللاهوت، والكامل في الناسوت، هو هو إله حق وإنسان حق، المركب من نفس عاقلة ومن جسد، الذي جوهره جوهر الآب من حيث اللاهوت ، وجوهره جوهرنا من حيث الناسوت، الذي "يشبهنا في كل شئ ما عدا الخطيئة"؛ الذي ولده الآب قبل جميع الدهور من حيث الألوهة، وفى هذه الأيام الأخيرة ولد من مريم البتول، والدة الإله، من حيث الناسوت، لأجلنا ولأجل خلاصنا. واحد هو، وهو نفسه المسيح والرب والابن الوحيد، الذي يجب أن نعترف به في طبيعتين، غير مختلطتين، وغير متغيرتين، ولا منفصلتين. إن اختلاف الطبيعتين لم يلغه اتحادهما، بل بالحرى احتفظت كل واحدة بمميزاتها، واجتمعت كلها في شخص واحد وأقنوم واحد".

468 ـ من بعد المجمع الخلقيدونى، جل البعض من الطبيعة البشرية في المسيح نوعاً من كيان شخصي وقد ندد بهم المجمع المسكونى الخامس، المنعقد في القسطنطينية، سنة 553، واعترف: "ليس هنالك إلا شخص واحد، هو سيدنا يسوع المسيح، أحد الثالوث". فكل ما في ناسوت المسيح يجب أن ينسب إلى الشخص الإلهي على أنه من عمله الخاص، ليس المعجزات وحسب، ولكن الآلام أيضا، وحتى الموت: "إن الذي صلب بالجسد، سيدنا يسوع المسيح، هو إله حق، رب المجد وواحد من الثالوث الأقدس ".

469 ـ الكنيسة تعترف هكذا أن المسيح إله حقاً وإنسان حقاً بغير انفصال إنه حقاً ابن الله الذي صار إنساناً، أخا لنا، وذلك من غير أن يتوقف عن أن يكون إلها، ربنا:

"لقد ظل ما كان، واتحد ما لم يكنه، على حد نشيد الليترجيا لرومانية. وليترجيا القديس يوحنا الذهبي الفم تعلن وتنشد: "يا كلمة الله الابن الوحيد، الذي لا يموت، لقد رضيت من اجل خلاصنا، أن تتجسد من والدة الإله القديسة مريم الدائمة البتولية، فتآنست بغير استحالة، وصلبت أيها المسيح الإله، وبالموت وطئت الموت، أنت أحد الثالوث القدوس، الممجد مع الآب والروح القدس. خلصنا".

4ً. كيف يكون ابن الله إنساناً ؟

470 ـ بما أنه في اتحاد التجسد السري "الطبيعة البشرية متخذة لا ممتصة"، فقد ألجئت الكنيسة عبر القرون إلى الاعتراف بملء حقيقة نفس المسيح البشرية، مع أعمال عقلها وإرادتها، وبجسده البشرى. ولكن بإزاء ذلك كان عليها كل مرة أن تذكر بان طبيعة المسيح البشرية هي خاصة شخص ابن الله الإلهي الذي اتخذها. فكل ما هو عليه، وكل ما يعمل فيها مرجعه "إلى أحد الثالوث". ومن ثم فابن الله يبث ناسوته الطريقة الخاصة لوجوده الشخصي في الثالوث. وهكذا فالمسيح يعبر بشرياً، في نفسه وفى جسده، عن السلوك الإلهي للثالوث.

"اشتغل ابن الله بيدين بشريتين، وفكر بعقل بشرى، وعمل بإرادة بشرية، وأحب بقلب بشرى؛ وإنه ولد من العذراء مريم، وصار في الحقيقة واحداً مناّ، شبيها بنا في كل شيء ماعدا الخطيئة".

نفس المسيح ومعرفته البشرية

471 ـ ذهب ابوليتاريوس اللاذقانى إلى أن الكلمة في المسيح قام مقام النفس أو الروح. وضد هذا الضلال اعترفت الكنيسة بان الابن الأزلي اتخذ أيضا نفساً بشرية عاقلة.

472 ـ هذه النفس البشرية التي اتخذها ابن الله هي ذات معرفة بشرية حقيقية. ومعرفة بهذه الصفة لم تكن في ذاتها غير محدودة: كانت تستعمل في الأحوال التاريخية لوجودها في المكان والزمان. ولهذا ارتضى ابن الله، إذ صار إنساناً، أن "ينمو في الحكمة والقامة والنعمة" (لو 2: 52)، وحتى أن يكون في حاجة إلى تتبع ما يقتضيه الواقع البشرى من تعلم عن طريق الاختبار. وهذا كان يتمشى وحقيقة تنازله الاختياري في” صورة عبد” .

473 ـ ولكن في الوقت نفسه كانت معرفة ابن الله البشرية الحقيقة هذه تعبر عن حياة شخصه الإلهية. "كانت طبيعة ابن الله البشرية، لا بذاتها بل باتحادها بالكلمة، تعلم وتظهر في ذاتها كل ما يليق بالله. من ذلك أولاً المعرفة الحميمة والمباشرة التي كانت لابن الله المتجسد عن أبيه. وكان الابن يظهر أيضا في عمله البشرى ما كان له من نفاذ ألهى إلى الأفكار السرية في قلب البشر.

474 ـ وكانت معرفة المسيح البشرية، بفضل اتحادها بالحكمة الإلهية في شخص الكلمة المتجسد، تتمتع تمتعاً كاملاً بعلم المقاصد الأزلية التي جاء ليكشف عنها. وما يعترف بجهله في هذا المجال، يعلن في موضع آخر أن ليس له أن يكشف عنه.

إرادة المسيح البشرية

475 ـ بموازاة ذلك اعترفت الكنيسة في المجمع المسكونى السادس بأن للمسيح إرادتين وفعلين طبيعيين، إلهي وبشرى، لا متعارضين، بل متعاونين، بحيث إن الكلمة المتجسد أراد بشريا، في طاعة أبيه، كل ما أقره إلهيا مع الآب والروح القدس من أجل خلاصنا. إن أراده المسيح البشرية "تتبع إرادته الإلهية، بدون أن تكون معيقة ولا معارضة لها، بل بالحري بخضوعها لهذه الإرادة الكلية القدرة".

جسد المسيح الحقيقي

467ـ بما أن الكلمة صار جسداً متخذا ناسوتاً حقيقياً فإن جسد المسيح كان محدداً. ولهذا كان بالإمكان "رسم" وجه يسوع البشرى. وفى المجمع المسكوني السابع، اعترفت الكنيسة بأنه من الشرعي رسمه في صور مقدسة.

477 ـ وفى الوقت نفسه اعترفت الكنيسة دائماً بان في جسد يسوع "أصبح الله غير المنظور بطبيعته منظورا لعيوننا". وهكذا فإن ميزات جسد المسيح الفردية تعبر عن شخص ابن الله الإلهي. وهذا اتخذ لذاته ملامح جسده البشرى إلى حد إنها إذا رسمت في صورة مقدسة يمكن إكرامها، إذ إن المؤمن الذي يكرم صورته "يكرم فيها الشخص الذي رسم فيها".

قلب الكلمة المتجسد

478 ـ يسوع عرفنا وأحبنا جميعاً كما عرف وأحب كل واحد بمفرده، في حياته، وفى نزاعه وآلامه، وأسلم ذاته من أجل كل واحد منا: "أحبني ابن الله وبذل نفسه عنى" (غل 2: 20). لقد أحبنا جميعاً بقلب بشرى. لهذا السبب فقلب يسوع الأقدس، الذي طعن بآثامنا ولأجل خلاصنا، "أيعد العلامة والرمز الجليلين.. لهذه المحبة التي يحب بها الفادي الإلهي، محبة لا تنقطع، الآب الأزلي وجميع البشر في غير استثناء.

بإيجاز

479 ـ في الزمن الذي حدده الله تجسد ابن الآب الوحيد، الكلام الأزلي، أي كلمة الآب وصورته الجوهرية: بدون أن يفقد الطبيعة الإلهية اتخذ الطبيعة البشرية.

480 ـ يسوع المسيح إله حقيقي وإنسان حقيقي، في وحده شخصه الإلهي؛ ولهذا فهو الوسيط الوحيد بين الله والبشر.

481 ـ في يسوع المسيح طبيعتان، الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، غير ملتبستين بل متحدتين في شخص ابن الله الوحيد.

482 ـ إذ كان المسيح إلها حقاً وإنساناً حقاً فهو يملك عقلاً وإرادة بشريين متفقين كل الاتفاق، وخاضعين لعقله وإرادته الإلهيين اللذين يشترك فيهما مع الآب والروح القدس.

483 ـ التجسد إذن سرّ الاتحاد العجيب للطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في شخص الكلمة الوحيد.

الفقرة 2 ـ ”..كان الحبل به من الروح القدس، ولد من البتول مريم “

1ً. كان الحبل به من الروح القدس…

484 ـ بشارة مريم تفتتح "ملء الزمان" (غل 4:4)، أي إنجاز الوعود و التهييئات لقد دعيت مريم إلى الحبل بمن "سيحل فيه ملء اللاهوت جسدياً" (كول 2: 99). الجواب الإلهي عن سؤالها : "كيف يكون ذلك وأنا لا أعرف رجلاً ؟" أعطته قدرة الروح: "الروح القدس يأتى عليك" (لو 1: 35).

485 ـ رسالة الروح القدس ترافق دائما رسالة الابن وتواكبها. فقد أرسل الروح القدس لكي يقدس حشا العذراء مريم ويخصبه إلهياً، هو "الرب الذي يحيى" ، فتحبل بابن الآب الأزلي في ناسوت متخذ من ناسوتها.

486 ـ وبما أن ابن الآب الوحيد قد حبل به إنساناً في حشا العذراء مريم فهو"مسيح" أي ممسوح من قبل الروح القدس، منذ بدء وجوده البشرى، وإن لم يظهر إلا تدريجيا: للرعاة، للمجوس، ليوحنا المعمدان، للتلاميذ. كل حياة يسوع المسيح ستظهر إذن "كيف مسحه الله بالروح القدس والقدرة" (أع 10: 38).

 2ً. …ولد من البتول مريم

487 ـ ما تؤمن به العقيدة الكاثوليكية بالنسبة إلى مريم يتركز على ما تؤمن به بالنسبة إلى المسيح، ولكن ما تعمله في ما يتعلق بمريم ينير بدوره إيمانها بالمسيح.

اختيار مريم

488 ـ "الله أرسل ابنه" (غل 4: 4)، ولكنه هيّا له جسداً. فقد أراد الإسهام لحر من إحدى خلائقه. ولهذا، فمنذ الأزل، اختار الله أما لابنه، إحدى بنات إسرائيل، فتاة من ناصرة الجليل، "عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف، من بيت داود، واسم العذراء مريم" (لو 1: 26 ـ 27).

"لقد أراد أبو المراحم أن يسبق التجسد قبول من قبل مريم المختارة، بحيث إنه كما أسهمت امرأة في عمل الموت تسهم كذلك امرأة في عمل الحياة".

489 ـ على مدى العهد القديم هيأت رسالة مريم رسالة نساء قديسات. فأولا كانت حواء. فإنها، وإن خالفت الوصية، نالت الوعد بنسل يتغلب على الماكر، وبأنها ستكون أما لجميع الأحياء. وبناء على هذا الوعد حبلت سارة بابن على تقدمها في السن. وخلافاً لكل انتظار بشرى اختار الله ما كان يعد عاجزاً وضعيفاً لكي يظهر أمانته لوعده: حنة، أم صموئيل، دبورة، راعوث، يهوديت، أستير، ونساء آخر كثيرات. مريم "تحتل المكان الأول بين أولئك المتواضعين وفقراء الرب الذين يرتجون منه الخلاص بثقة وينالونه. ومعها، هي ابنة صهيون المثلى، تتم الأزمنة، بعد انتظار الموعد طويلاً، ويبدأ التدبير الجديد".

الحبل بلا دنس

490 ـ لكي تكون مريم أم المخلص "نفحها الله من المواهب بما يتناسب ومثل هذه المهمة العظيمة" فالملاك جبرائيل يحييها إبان البشارة على أنها "ممتلئة نعمة". ولكي تستطيع أن توافق موافقة إيمانها الحرة على البشارة بالدعوة التي دعيت إليها، كان لابد لها من أن تكون محمولة على نعمة الله.

491 ـ على مر العصور وعت الكنيسة أن مريم :التي عمرتها نعمة الله" ، قد افتديت منذ حبل بها. هذا ما تعترف به عقيدة البل بلا دنس، التي أعلنا الباب بيوس التاسع، سنة 1854:

"إن الطوباوية العذراء مريم قد صينت، منذ اللحظة الأولى للحبل بها، سليمة من كل لطخة من لطخات الخطيئة الأصلية، وذلك بنعمة من الله الكلى القدرة وبإنعام منه، نظراً إلى استحقاقات يسوع المسيح مخلص الجنس البشرى".

492 ـ هذه "القداسة الرائعة والفريدة" التي "أغنين بها منذ اللحظة الأولى من الحبل بها" تأتيها كلها من المسيح: لقد "افتديت بوجه سام، باعتبار استحقاقات ابنها". فوق كل شخص آخر مخلوق، "باركها الآب بكل أنواع البركات الروحية في السماوات، في المسيح" (أف 1: 3). إنه "أختارها فيه عن محبة، من قبل إنشاء العالم، لتكون قديسة وبغير عيب أمامه" (أف 1: 4).

493 ـ آباء التقليد الشرقي يدعون والدة الإله "بالكلية القداسة" ويحتفلن بها على أنها "معصومة من كل وصمة خطيئة، لأن الروح القدس عجنها وكونها خليقة جديدة" لقد لبثت مريم طول حياتها بريئة، بنعمة الله، من كل خطيئة شخصية.

"فليكن لى بحسب قولك… "

494 ـ عندما بشرت مريم بأنها ستلد "ابن الله العلي" من غير أنها تعرف رجلاً، بقوة الروح القدس، أجابت "بطاعة الإيمان" (رو 1: 5) موقنة بأن "لا شيء مستحيل عند الله: "أنا أمة الرب، فليكن ليس بحسب قولك" (لو 1: 37 ـ 38). وهكذا بإذعان مريم لكلام الله أصبحت أما ليسوع، وإذ اعتنقت بكل رضى، وبمعزل عن كل عائق إثم، الإرادة الإلهية الخلاصية، بذلك ذاتها كلياً لشخص ابنها وعمله، لتخدم سر الفداء، بنعمة الله، في رعاية هذا الابن ومعه.

"لقد صارت بطاعتها ـ على حد قول القديس إيربناوس ـ علة خلاص، لها هي نفسها وللجنس البشرى كله" ومعه يقول كثيرون من الآباء الأقدمين: "إن العقدة التي نجمت عن معصية حواء قد انحلت بطاعة مريم؛ وما عقدته حواء العذراء بعدم إيمانها، حلته العذراء مريم بإيمانها" وبمقارنتهم مريم بحواء، يدعون مريم "أم الأحياء"، وكثيراً ما يعلنون: "بحواء كان الموت وبمريم كانت الحياة".

أمومة مريم الإلهية

495 ـ مريم التي دعيت في الإنجيل "أم يسوع" (يو 2: 1؛ 19: 25) نودي بها، بدافع من الروح القدس، ومن قبل أن تلد أبنها "أم ربى" (لو 1: 43). فهذا الذي حبلت به إنسانا بالروح القدس والذي صار حقاً ابنها في الجسد ليس سوى ابن الآب الأزلي، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. والكنيسة تعترف بان مريم هي حقاً والدة الإلهة" .

بتولية مريم

4996 ـ منذ إعلان الصيغ الأولى للإيمان، اعترفت الكنيسة أن يسوع جرى الحبل به بقوة الروح القدس وحدها، في حشا العذراء مريم، مثبته أيضا الناحية الجسدية في هذا الحدث: يسوع حبل به "من الروح القدس بدون زرع رجل" والآباء يرون في الحبل البتولي علامة لأن هذا هو حقاً ابن الله الذي آتى في ناسوت كناسوتنا:

قال في هذا المعنى القديس إغناطيوس الانطاكى (أوائل القرن الثاني): "اتضح لي أنكم على أشد اليقين في ما يتعلق بربنا الذي هو في الحقيقة من ذرية داود بحسب الجسد، وابن الله بحسب إرادة الله وقدرته، ومولود حقاً من عذراء (…) وقد سمر حقاً من أجلنا في جسده في عهد بنطيوس بيلاطس (..) فتألم حقا، وحقا قام أيضاً".

497 ـ الروايات الإنجيلية تري في حبل العذراء عملا إلهيا يفوق كل إدراك إنساني وكل قدرة بشرية: "لذي حبل به فيها إنما هو من الروح القدس"، هكذا قال الملاك ليوسف في شأن مريم خطيبته(متى 1: 20). والكنيسة ترى في ذلك إنجاز الوعد الإلهي الذي نطق به النبي أشعيا قائلاً: "ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا" (أ ش 7: 14)، على ما جاء في الترجمة اليونانية لمتى 1: 23.

498 ـ أثار صمت إنجيل مرقس ووسائل العهد الجديد أحيانا القلق في شأن حبل مريم البتولي وكان من الممكن أن يتساءل المرء هل في الأمر خرافات أو تركيبات لاهوتية من النوايا التاريخية.فعن ذلك يجب أن يكون الجواب: لقد لقى الإيمان بالحبل البتولي بيسوع معارضة حادة، وهزءا أو سوء فهم من قبل غير المؤمنين، اليهود والوثنين: لم تكن هذه العقيدة معللة بالميثولوجيا الوثنية أو بأي مطابقة لآراء العصر. لم يكن إدراك معنى هذا الحادث ممكنا إلا للإيمان الذي يراه في هذه العلاقة التي تربط ما بين الأسرار، في مجموعة أسرار المسيح، من تجسده إلى فصحه والقديس إغناطيوس الانطاكى يعرب عن هذه العلاقة ويقول: "لقد جهل سلطان هذا العالم بتولية مريم وولادتها، كما جهل موت الرب: ثلاثة أسرار باهرة تمت في صمت الله".

مريم ـ دائمة البتولية

499 ـ تعمق الكنيسة في إيمانها بالأمومة البتولية قادها إلى الاعتراف ببتولية مريم الحقيقة والدائمة، حتى في ولادتها ابن الله المتأنس. فميلاد المسيح "لم ينقص ببتولية أمه ولكنه كرس كمال تلك البشرية، ليترجيا الكنيسة تشيد بمريم على إنها دائمة البتولية".

500 ـ يعترض على هذا أحيانا بأن الكتاب المقدس يذكر أخوة وأخوات ليسوع والكنيسة رأت دائما أن هذه المقاطع لا تشير إلى أن للعذراء مريم أولادا آخرين: وهكذا فيعقوب ويوسى "أخوة يسوع" (متى 13: 55) هم أبناء امرأة اسمها مريم كانت تلميذة للمسيح، أشير إليها بطريقة معبرة على أنها "مريم الأخرى" (متى 28: 1) فالكلام كان على أقرباء ليسوع أدنين، على طريقة تعبيرية معهودة في العهد القديم.

501 ـ يسوع هو ابن مريم الوحيد. ولكن أمومة مريم الروحية تشمل جميع البشر اللذين أتى ليخلصهم: "ولدت ابنها الذي جعله الله "بكرا ما بين أخوة كثيرين" (رو 8: 29)، أي مؤمنين تسهم محبتها الأمومية في ولادتهم وفى تنشئتهم".

أمومة مريم البتولية في تصميم الله

502 ـ يستطيع نظر الإيمان، مرتبطا بمجمل الوحي، أن يكشف الأسباب الخفية التي لأجلها أراد الله، في قصده الخلاصي، أن يولد ابنه من بتول. هذه الأسباب تتعلق بشخص المسيح ورسالته الفدائية كما تعلق بتقبل مريم لهذه الرسالة من أجل جميع البشر.

503 ـ "إن بتولية مريم تظهر مبادرة الله المطلقة في التجسد فأبو يسوع الوحيد هو الله والطبيعة البشرية التي اتخذها لم تبعده قط عن الأب (…)؛ فهو طبيعيا ابن الآب بلا هوته، وطبيعيا ابن والدته بنا سوته، وهو خصوصا ابن الله في طبيعته".

504 ـ يسوع حبل به من الروح القدس في حشا العذراء مريم لأنه آدم الجديد الذي يفتتح الخليقة الجديدة: "الإنسان الأول من الأرض من التراب، والإنسان الثاني من السماء" (1 كو 15: 47). فناسوت المسيح، منذ الحبل به، "مملوء بالروح القدس، لأن الله يعطيه الروح بغير حساب" (يو 3: 34). فمن "ملئه" هو رأس البشرية المفتداة ،"أخذنا نعمة فوق نعمة" (يو 1: 16).

505 ـ يسوع، آدم الجديد، يفتتح، بالحبل البتولي به، الولادة الجديدة لأبناء الله بالتبني في الروح القدس بالإيمان "كيف يكون ذلك؟" (لو 1: 34). الاشتراك في الحياة الإلهية لا يأتي "من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل بل منن الله" (يو 1: 13). فتقبل هذه الحياة بتولي لأن الحياة بكاملها عطية للإنسان من الروح القدس. والمعنى الزواجي في الدعوة البشرية بالنسبة إلى الله يكتمل اكتمالا وافيا في أمومة مريم البتولية.

506 ـ مريم بتول لأن بتوليتها علامة إيمانها الذي "لا يشوبه شك" واستسلامها الكامل لمشيئة الله. فإيمانها هو الذى يخولها أن تصير أما للمخلص: "مغبوطة مريم لكونها نالت إيمان المسيح، أكثر مما لأنها حبلت بجسد المسيح".

507 ـ مريم بتول وأم معاً، إذ أنها معاً، إذ أنها صورة الكنيسة وأكمل تحقيق لها: "الكنيسة.. تصير هي أيضا أما بكلام الله الذي تتقبله بإيمان: فبالكرازة والمعمودية تلد ، لحياة جديدة خالدة، أولادا يحبل بهم من الروح القدس ،ويولدون من الله. وهى أيضا عذراء، إذ قطعت لعريسها عهداً تحفظه كاملا لا تشوبه شائبة".

بإيجاز

508 ـ في نسل حواء اختار الله العذراء مريم لتكون أما لابنه. وإذ كانت "ممتلئة نعمة" فهي "خير ثمار الفداء": فهي منذ لحظة الحبل بها الأولى، صينت على وجه كامل من وصمة الخطيئة الأصلية، ولبثت طول حياتها بريئة من كل خطيئة شخصية.

509 ـ مريم هي حقاً "والدة الإله" لأنها والدة ابن الله الأزلي المتجسد، الذي هو نفسه إله

510 ـ مريم "لبثت بتولاً في الحبل بابنها، وبتولا في ولادتها له، وبتولا في حملها له، وبتولا في إرضاعه، بتولا أبدا": كانت بملء كيانها "أمة الرب" (لو 1: 38).

511 ـ "أسهمت العذراء مريم في خلاص البشر، بإيمانها وخضوعها الاختيارين.لقد فاهت بـ "نعمها"، "باسم الطبيعة البشرية كلها جمعاء". بطاعتها صارت حواء الجديدة، أم الأحياء.

الفقرة 3 ـ أسرار حياة المسيح

512 ـ قانون الأيمان لا يتحدث، في موضع حياة المسيح، إلا عن سرى التجسد (حبل وميلاد)، و الفصح (آلام، وصلب، وموت، ودفن، وانحدار إلى الجحيم، وقيامة وصعود). ولا يذكر شيئا بصراحة عن أسرار حياة يسوع الخفية والعلنية، إلا أن بنود الإيمان المتعلقة بتجسد يسوع و فصحه تلقى نوراً على حياة المسيح الأرضية كلها. كل "ما عمل يسوع وعلم به من البدء حتى اليوم الذي صعد فيه إلى السماء" (أع 1: 1 ـ 2) يجب أن يؤخذ على نور سرى الميلاد و الفصح.

513 ـ للكرازة أن تنشر، وفاقا للأحوال، كل غنى أسرار يسوع. تكفى هنا الإشارة إلى بعض العناصر المشتركة في أسرار حياة المسيح (1) للوصول بعد ذلك إلى رسم الخطوط الكبرى من الأسرار المهمة في حياة يسوع الخفية (2)، والعلنية (3).

1ً. كل حياة المسيح سرّ

514 ـ أمور كثيرة تستهوي معرفتها الفضول البشرى في ما يتعلق بيسوع، ولا ترد في الأناجيل. فلم يقل شئ تقريبا عن حياته في الناصرة، وقسم كبير من حياته العلنية لم يرو خبره. فما كتب في الأناجيل "إنما كتب لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح، ابن الله، وتكون لكم، إذا آمنتم، الحياة باسمه" (يو 20: 31).

515 ـ الأناجيل كتبها أناس كانوا من الأولين في الإيمان وكانوا يريدون أن يشركوا الآخرين في ذلك الإيمان. فإذ عرفوا بالإيمان من هو يسوع، استطاعوا أن يروا ويروا آثار سره في حياته الأرضية كلها. فمن قط ولادته إلى خل آلامه والى كفن قيامته، كل شيء في حياة يسوع علامة سره. فمن خلال حركاته، ومعجزاته وأقواله، كشف أن المسيح "يحل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو 2: 9) وهكذا ظهر ناسوته أشبه بالسر "أي العلامة والوسيلة للاهوته وللخلاص" الذي يأتي به: ما كان منظوراً في حياته الأرضية قاد إلى السر غير المنظور في بنوته الإلهية وفى رسالته الفدائية

عناصر أسرار يسوع المشتركة

516 ـ كل حياة المسيح كشف عن الآب: أقواله وأعماله، صمته وآلامه، طريقة كينونته وكلامه، يستطيع أن يقول: "من يرني ير الآب (يو 14: 9)، و الآب: "هذا هو أبني الحبيب، فاسمعوا له" (يو 9: 35). وإذ كان ربنا قد تجسد لإتمام مشيئة الآب، فأصغر ملامح أسراره تظهر لنا "محبة الله لنا" (1 يو 4: 9).

517 ـ كل حياة المسيح سر فداء. الفداء يأتينا قبل كل شيء بدم الصليب، ولكن هذا السر يعمل على مدى حياة المسيح كلها: في تجسده الذي، إذ صار به فقيراً، يغنينا بفقره؛ في حياته الخفية التي عوض فيها بخضوعه عن عصياننا؛ في كلامه الذي يطهر سامعيه؛ في أشفيه وإخراجه الشياطين التي بها "أخذ عاهتنا وحمل أوجاعنا" (متى 8: 17)؛ في قيامته التي بها يبررنا.

518 ـ كل حياة المسيح سر تلخيص. فكل ما عمله يسوع، وما قاله، وما تألمه، كان هدفه إعادة الإنسان على دعوته الأولى:

"عندما تجسد وصار إنسانا، لخص في ذاته تاريخ البشر الطويل، وحصل لنا الخلاص مختصرا، بحيث إن ما فقدناه بآدم، أي كوننا على صورة الله ومثاله، نستعيده في المسيح يسوع. وهذا الذي حمل المسيح على أن يمر بجميع أعمال الحياة، معيدا إلى جميع البشر الشركة مع الله".

شركتنا في أسرار يسوع

519 ـ كل غني المسيح "معد لكل إنسان وهو يؤلف خير كل واحد" المسيح لم يحي حياته لنفسه، بل لنا منذ تجسده من أجلنا نحن البشر وفي سبيل خلاصنا إلى موته "من اجل خطايانا" (1 كو 15: 3) والي قيامته لأجل تبريرنا (رو 4: 25) والآن أيضا هو لنا شفيع لدي الآب (1 يو 2: 1) إذ "انه علي الدوام حي ليشفع فينا" (عب 7: 25) فهو مع كل ما عاني في حياته وآلامه لأجلنا مرة واحدة يظل حاضرا أبدا أمام وجه الله لأجلنا (عب 9: 24)

520 ـ يظهر يسوع في حياته كلها مثالا لنا: انه الإنسان الكامل الذي يدعونا إلى أن نصير تلاميذه والي أن نتبعه: بتنازله قدم لنا مثالا لنتبعه وبصلاته يجذب إلى الصلاة وبفقرة يدعو إلى قبول اختياري للفقر والاضطهادات.

521 ـ كل ما عانى المسيح في حياته يعمل علي أن نعانيه فيه وعلي أن يعانيه فينا "بالتجسد اتحد ابن الله نوعا ما بكل إنسان ونحن مدعوون إلى أن لا نكون إلا واحدا معه وما عاناه في جسده من أجلنا وكمثال لنا يجعلنا نشترك فيه كأعضاء من جسده":

"يجب علينا أن نواصل ونكمل فينا حالات يسوع وأسراره وان نسأله غالبا أن يتمها ويكملها فينا وفي كل كنيسته، بالنعم التي يريد أن يمنحناها، وبالأثر الذي يريد أن يجربه فينا بهذه الأسرار.وبهذه الطريقة يريد أن يتمها فينا".

2ً. أسرار حداثة يسوع وحياته الخفية

التهيئة

522 ـ مجيء ابن الله على الأرض حدث بهذا العظم حتى إن الله أراد أن يهيئه سحابة قرون. طقوس وذبائح، صور "العهد الأول" ورموزه، كل ذلك وجهه الله إلى المسيح إنه ينبئ به بلسان المتعاقبين في إسرائيل؛ ويوقظ في قلوب الوثنين ترقب هذا المجيء الغامض.

523 ـ القديس يوحنا المعمدان هو سابق الرب المباشر؛ أرسل ليهيئ له الطريق "نبي العلي" (لو 1: 76)؛ يفوق جميع الأنبياء، وهو آخرهم، يفتتح الإنجيل؛ يحيى مجيء المسيح ولما يزل في حشا أمه، ويجد حبوره في أن يكون "صديق العريس" (يو 3: 29)، دالاً إليه أنه "حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم" (يو 1: 29). سبق يسوع "في روح أبليا وقدرته" (لو 1: 17)، وشهد له بكرازته، ومعمودية التوبة، وأخيراً باستشهاده.

524 ـ عندما تحتفل الكنيسة بليترجيا تهيئة الميلاد (المجيء) تجعل ترقب الماسيا هذا حالياً باشتراك المؤمنين في التهيئة الطويلة لمجيء المخلص الأول، يجددون تشوقهم الحار إلى مجيئه الثاني. والكنيسة عندما تحتفل بميلاد السابق واستشهاده تتحد برغبته: "له ينبغي أن ينمو ولى ان أنقص" (يو 3: 30).

سر الميلاد

525 ـ ولد يسوع في ضعة مذود، في أسرة فقيرة؛ رعاة بسيطون كانوا أول من شهد للحادث. ففي هذه المسكنة يتجلى مجد السماء. والكنيسة لا تألوا جهدا في الإشادة بمجد هذه الليلة:

"اليوم البتول تلد الفائق الجوهر،

والأرض تقدم المغارة لمن لا يدنى منه

الملائكة مع الرعاة يمجدون،

والمجوس مع الكوكب يسيرون،

لأنه من أجلنا ولد طفلا جديداً

الإله الذي قبل الدهور.

526 ـ إن "يصير الإنسان طفلاً"، بالنسبة إلى الله، هو الشرط لدخول الملكوت؛ ولهذا يجب الإتضاع، والتصاغر؛ وأكثر من ذلك: يجب أن "يولدوا من فوق" (يو 3: 7)، أن "يولدوا من الله" لكي "يصيروا أبناء الله" سر الميلاد يتم فينا عندما "يتصور المسيح فينا". الميلاد سر هذا "التبادل العجيب":

"يا للتبادل العجيب ! خالق البشرى، باتخاذه جسدا ونفسنا، يتنازل ويولد من عذراء ويصيرونه إنسانا بدون وساطة إنسان، ينعم علينا بموهبة ألوهيته".

أسرار حداثة يسوع

527 ـ ختان يسوع في اليوم الثامن لميلاده هو علامة دخوله في نسل إبراهيم، في شعب العهد، وخضوعه للناموس، وانتدابه لشعائر إسرائيل الدينية التي سيشترك فيها سحابة حياته كلها. هذه العلامة هي صورة مسبقة "لختانة المسيح" أي المعمودية.

528 ـ الظهور هو ظهور يسوع على أنه ماسيا إسرائيل، ابن الله ومخلص العالم وهو مع اعتماد يسوع في الأردن وعرس قانا، يحتفل بالعبادة التي أداها ليسوع "المجوس" الآتون من المشرق في هؤلاء "المجوس" الممثلين للديانات الوثنية المجاورة، ويرى الإنجيل بواكير الأمم التي تتلقى بشرى الخلاص بالتجسد فمجيء المجوس إلى أورشليم يظهر أنههم عرفوا في طفل بيت لحم، على ضوء النجمة الماسيوي، ملك الأمم مجيئهم يعنى أن الوثنين، باكتشافهم يسوع، وبالسجود له على انه ابن الله ومخلص العالم، يتقبلون المواعيد الماسيوية، كما احتواها العهد القديم. الظهور يعلن أن "جمهور الوثنين يدخل في أسرة الأجداد"، وبالمسيح يكتسب كرامة شعب الله.

529 ـ تقدمة يسوع إلى الهيكل تظهره البكر الذي للرب مع سمعان وحنة يأتي كل رجاء إسرائيل للقاء مخلصه (هكذا يدعو التقليد البيزنطي هذا الحديث) فيسوع هو الماسيا الذي طالما انتظر ،"نور الأمم" و"مجد إسرائيل"، و"هدف المخالفة" أيضا. وسيف الألم الذي أنبئت به مريم ينبئ بتلك التقدمة الأخرى، الكاملة والفريدة، تقدمة الصليب، التي ستعطى الخلاص الذي "أعده الله أمام وجوه الشعوب كلها".

530 ـ الهرب إلى مصر وقتل الأبرياء يظهر أن معارضة الظلمات للنور: "أتى إلى خاصته لم تقبله" (يو 1: 11) كل حياة يسوع ستكون هدفا للاضطهاد وسيكون أتباعه شركاءه فيه. صعوده إلى مصر يذكر بالخروج ويظهر يسوع محرراً نهائياً.

أسرار حياة يسوع الخفية

531 ـ قاسم يسوع، في القسم الأكبر من حياته، أكثر الناس حالتهم ووضعهم حياة يومية خالية من الأبهة الظاهرة، حياة عمل يدوى، حياة تدين يهودي خاضعة لناموس الله، حياة مشتركة من هذه المرحلة كلها كشف لنا عن أن يسوع كان خاضعاً لأبويه، وأنه كان "ينمو في الحكمة والقامة والنعمة أمام الله والناس" (لو 2: 52).

532 ـ خضوع يسوع لأمه وأبيه الشرعي يتم الوصية الرابعة إتماماً كاملاً إنه الصورة الزمنية لطاعته البنوية لأبيه السماوي خضوع يسوع اليومي ليوسف ومريم كان ينبئ ويعلن مسبقاً خضوع المسيح في صلاته ببستان: "لا مشيئتي.." (لو 22: 42) إن خضوع يسوع في يوميات حياته الخفية كان يفتتح عمل إصلاح ما دمره عصيان آدم.

533 ـ حياة الناصرة الخفية تتيح لكل إنسان أن يشترك مع يسوع في طرائق الحياة اليومية

"الناصرة هي المدرسة التي تبدأ فيها فهم حياة يسوع: مدرسة الإنجيل (..). درس صمت أولا فليولد فينا تقدير الصمت، هذا الوضع العجيب والضروري للنفس (…) درس حياة عيلية فلتعلمنا الناصرة ما العيلة، وما شركة محبتها، وما جمالها القشف والبسيط، وما طابعها المقدس وغير قابل الانتهاك (..) درس عمل الناصرة، ويا لها من منزل "لابن النجار!" ههنا نود لو نفهم ونعلى القانون القاسي والفدائي للجهد البشرى (..) وكم نود أخيرا أن نحيى هنا جميع عمال العالم كله، وأن نريهم مثالهم العظيم، وأخاهم الإلهي".

534 ـ وجود يسوع في الهيكل هو الحدث الوحيد الذي يقطع صمت الأناجيل في أن سنوات يسوع الخفية. يسوع يجعلنا نستشف في هذا الحدث سر تكرسه الكامل لرسالة تنبع من بنوته الإلهية: "ألم تعلما أنى ملتزم بشؤون أبى ؟" و"لم يفهم" يوسف ومريم الكلام، ولكنهما تقبلاه بالإيمان، وكانت مريم "تحفظ جميع هذه الأشياء في قلبها" سحابة السنين التي لبث يسوع فيها متواريا وراء صمت حياة عادية.

3ً. أسرار حياة يسوع العلنية

تعميد يسوع

535 ـ افتتحت حياة يسوع العلنية بالمعمودية التي تلقاها من يوحنا في الأردن كان يوحنا يكرز "بمعمودية توبة لمغفرة الخطايا" (لو 3: 3) وكان جمهور من الخطأة والعشارين والجنود و الفريسين و الصدوقيين والبغايا أتوا ليعتمدوا منه "حينئذ ظهر يسوع". فيتردد المعمدان. ويلح يسوع: فينال المعمودية؛ وإذا بالروح القدس ينزل بشكل حمامة ويحل عليه؛ وإذا صوت من السماوات يقول: "هذا ابني الحبيب" (متى 3: 13 ـ 17)، إنه "ظهورا" يسوع ماسيا إسرائيل وابن الله.

536 ـ اعتماد يسوع هو، من جهته، قبول وافتتاح رسالته كخادم متألم. إنه يسمح بان يعد في الخطأة وهو منذ الآن "حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم" (يو 1: 29)؛ وهو منذ الآن يستبق "معمودية" موته الدامي. إنه يأتي منذ الآن "ليكمل كل بر" (متى 3: 15)، أي ليخضع بكليته لمشيئة أبيه: إنه يرتضى بمحبة معمودية الموت هذه لمغفرة خطايانا ويقابل هذا الرضى جواب صوت الآب الذي يجعل في ابنه كل مسرته والروح، الذي يملكه يسوع بملئه منذ الحبل به، يأتي و"يستقر عليه وهو سيكون ينبوعه لجميع البشر فعند اعتماده "تفتح السماوات" (متى 3: 16) التي ألقتها خطيئة آدم؛ والمياه تتقدس بحلول يسوع والروح القدس، افتتاحاً للخلق الجديد.

537 ـ بالمعمودية يشبه المسيحي سرياً بالمسيح الذي يستبق بمعموديته موته وقيامته يجب عليه أن يدخل في سر التنازل الوضيع والتوبة، وأن ينزل في الماء مع يسوع، لكي يعود إلى الصعود معه، وان يولد من الماء والروح لكي يصبح، في الابن، الابن الحبيب للآب و"يحيا حياة جديدة" (رو 6: 4).

"لندفن ذواتنا بالمعمودية مع المسيح، لكي نقوم معه؛ لننحدر معه، لكي نرفع معه، لنصعد معه لكي نمجد فيه"

"كل ما جرى في المسيح يعلمنا أن بعد حمام الماء، ينزل علينا الروح القدس من السماء،

وأننا بتبني صوت الآب لنا، نصبح أبناء الله".

تجارب يسوع

538 ـ الأناجيل تتحدث عن زمن عزلة ليسوع في البرية حالاً بعد المعمودية التي نالها من يوحنا: "دفعه الروح إلى البرية" (مر 1: 22)، فأقام يسوع فيها أربعين يوماً بغير طعام؛ عاش مع الوحوش وكانت الملائكة تخدمه في آخر هذا الزمن جربه الشيطان دفعات ثلاث محاولا أن يختبر موقفه البنوي تجاه الله. فيرد يسوع هذه الحملات التي تلخص تجارب آدم في الفردوس وإسرائيل في الصحراء، وينصرف عنه إبليس "إلى الوقت المعين" (لو 4: 13).

539 ـ الإنجيليون يشيرون إلى المعنى الخلاصي لهذا الحادث العجيب فيسوع هو آدم الجديد الذي ظل وفيا حيث سقط الأول في التجربة ويسوع يتم دعوة إسرائيل على وجه كامل: فبخلاف أولئك الذين استفزوا الله قديما سحابة أربعين سنة في الصحراء، ظهر المسيح خادما لله، خاضعاً تمام الخضوع لمشيئته الإلهية بهذا يتغلب يسوع على إبليس: إنه "ربط القوى" لكي يسترجع أمتعته إن انتصار يسوع على المجرب في الصحراء استباق لانتصار الآلام، أي خضوع محبته البنوية المطلق للآب.

540 ـ تجربة يسوع تظهر الطريقة التي يعتمدها ابن الله ليكون ماسيا، خلافاً للطريقة التي يعرضها عليه إبليس والتي يريد البشر أن ينسبوها إليه ولهذا تغلب المسيح على المجرب من أجلنا: "فإن الحبر الذي لنا ليس عاجزا عن لرثاء لأسقامنا، بل هو مجرب في كل شيء، على مثالنا، ما خلا الخطيئة" (عب 4: 15). والكنيسة تتحد كل سنة بالصيام الكبير أربعين يوماً، بسر يسوع في الصحراء.

"ملكوت الله قريب"

541 ـ "بعدما أسلم يوحنا، أتى يسوع إلى الجليل. وقد أعلن فيه البشرى الآتية من الله بهذه الألفاظ: "لقد تم الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 1: 14 ـ 15) و"لكي يتم المسيح مشيئة الآب، افتتح ملكوت السماوات على الأرض" ومشيئة الأب هي في "رفع البشر إلى الشركة في الحياة الإلهية" وهو يفعل ذلك في جميع البشر حول ابنه يسوع المسيح هذا التجمع هو الكنيسة التي هي على الأرض "بذار ملكوت الله وبدؤه".

542 ـ المسيح هو في قلب تجمع البشر هذا في "أسرة الله" . إنه يدعوهم إلى التحلق حوله بكلامه، وبإشارته التي تظهر ملك الله، وبإرساله تلاميذه. إنه سيحقق مجيء ملكوته خصوصاً بسر فصحه العظيم: موته على الصليب وقيامته. "وأنا متى رفعت عن الأرض اجتذبت إلى الجميع" (يو 12: 32). جميع البشر مدعوون إلى هذه الوحدة مع المسيح.

إعلان ملكوت الله

543 ـ جميع البشر مدعوون إلى الدخول في الملكوت. هذا الملكوت المسيانى الذي أعلن أولا لأبناء إسرائيل، مؤهل لتقبل البشر من جميع الأمم. وللدخول فيه يجب تقبل كلمة يسوع.

"يشبه كلام الرب بالبذر يطرح في الحقل: من استمعوا إليه بإيمان وانضموا إلى قطيع المسيح الصغير تقبلوا الملكوت نفسه؛ ثم أن الزرعة تنمو بقوتها الذاتية إلى زمن الحصاد".

544 ـ الملكوت هو للمساكين والصغار، أي لأولئك الذين تقبلوه بقلب متواضع لقد أرسل يسوع "ليحمل البشرى إلى المساكين" (لو 4: 18). إنه يعلن الطوبى لهم "لأن لهم ملكوت السماوات" (متى 5: 3)؛ "فللأطفال" أرتضى الآب أن يكشف ما ظل خفياً عن الحكماء وذوى الدهاء ويسوع شارك الفقراء في حياتهم، من المغارة إلي الصليب؛ فقد خبر الجوع، والعطش، والعوز. وفضلا عن ذلك: صار مماثلا للمساكين في شتى فئاتهم، وجعل منن العطف الفعال عليهم شرطاً للدخول في ملكوته.

545 ـ يسوع يدعو الخطأة إلى مائدة الملكوت إني لم آت لأدعو الصديقين بل الخطأة (مر 2: ‍7) إنه يدعوهم إلى التوبة التي بدونها لا يمكن الدخول إلى الملكوت، وهو يريهم بالقول والفعل رحمة أبيه غير المحدودة لهم، "وفرح السماء العظيم بخاطئ واحد يتوب" (لو 15: 7) والبرهان الأعظم على هذه المحبة سيكون في بذل حياته الخاصة "لمغفرة الخطايا" (متى 26: 28).

546 ـ يسوع يدعو إلى الدخول في الملكوت من خلال أمثاله التي هي ميزة تعليمه الخاصة بها يدعو إلى وليمة الملكوت، ولكنه يطلب اختيارا جذريا: للحصول على الملكوت يجب التضحية بكل شيء؛ والكلام لا يكفى بل يجب العمل الأمثال هي بمنزلة مرايا للإنسان: هل يتقبل الكلمة كالأرض الحجرة أم يتقبلها كالأرض الجيدة ؟ ماذا يفعل بالوزنات التي أخذها ؟ يسوع ووجد الملكوت في هذا العالم هما في قلب الأمثال سريا يجب الدخول في الملكوت. أي يصير الإنسان تلميذا للمسيح لكي "يعرف أسرار ملكوت السماوات" (متى 13: 11) أما بالنسبة إلى الذين يبقون "خارجاً" (مر 4: 11) فكل شيء يظل معمى.

علامات ملكوت الله

547 ـ يسوع يصحب أقواله كثيراً من "العجائب والمعجزات والآيات" (أع 2: 22) تظهر أن الملكوت حاضر فيه. إنها تثبت أن يسوع هو الماسيا الموعود به.

548 ـ الآيات التي أتى بها يسوع تشهد أن الآب أرسله أنها تدعو إلى الإيمان به والذين يتوسلون إليه بإيمان يمنحهم ما يسألن وهكذا فالمعجزات تقوى الإيمان بالذي يعمل أعمال أبيه: إنها تشهد بأنه ابن الله. ولكنها قد تكون أيضا "سبب عثرة" فهي لا تريد أن ترضى الفضول والرغبات السحرية ومع ما آتى به يسوع من معجزات باهرة فقد رفضه البعض؛ وتوصلوا إلى اتهامه بأنه يعمل بالشياطين .

549 ـ عندما حرر يسوع بعض البشر من الشرور الأرضية، من الجزع والظلم، والمرض والموت، قدم آيات مسيانية؛ وهو مع ذلك لم يأت ليزيل جميع شرور هذا العالم، بل ليحرر البشر من العبودية الأشد خطورة، عبودية الخطيئة التي تعوقهم في دعوتهم كأبناء الله، وتسبب جميع مذلاتهم البشرية.

550 ـ مجيء ملكوت الله هو انكسار لمملكة إبليس: "إن كنت بروح الله أخرج الشياطين فذلك أن ملكوت الله قد انتهى إليكم" (متى 12: 28) معالجات يسوع تحرر الناس من سيطرة الشياطين..إنها تستبق انتصار يسوع الأعظم على "رئيس هذا العالم". فبصليب المسيح يستقر ملكوت الله نهائيا: "الله ملك من أعالي الخشبة".

"مفاتيح الملكوت"

551 ـ يسوع اختار منذ فجر حياته العلنية، أثنى عشر رجلا لكي يكونوا معه ولكي يشتركوا في رسالته إنه يشركهم في سلطانه ، "ثم أرسلهم ليبشروا بملكوت الله ويجروا الأشفية" (لو 9: 2). إنهم سيظلون إلى الأبد شركاء في ملكوت المسيح لأن المسيح يسوس بهم الكنيسة.

"أنا أعد لكم الملكوت كما أعده لي أبى، لكي تأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي، وتجلسوا على عروش لتدينوا أسباط إسرائيل الأثنى عشر" (لو 22: 29 ـ 30).

552 ـ في مجمع الاثنى عشر يحتل سمعان بطرس المحل الأول لقد عهد غليه المسيح في رسالة خاصة. بفضل كشف آت من الآب كان بطرس قد اعترف: "أنت المسيح، ابن الله الحي" (متى 16: 16) وقد أعلن له ربنا إذ ذاك: "أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، و أبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 18).

و المسيح "الصخرة الحية" المبنية علي الصخرة، انتصارها علي قوات الموت وبطرس بالنظر إلى إيمانه الذي اعترف به سيبقى صخرة الكنيسة التي لا تتزعزع وسيكون في عهدته أن يحفظ هذا الأيمان من أي عثرة وان يثبت فيه إخوته.

553 – يسوع عهد إلى بطرس في سلطة نوعية: "سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطا في السماوات وما تحله علي الأرض يكون محلولا في السماوات" (متى 16: 19) فسلطة المفاتيح تعنى سلطة سياسة بيت الله الذي هو الكنيسة ويسوع الراعي الصالح (يو 10: 11) قد ثبت هذه المهمة بعد قيامته: "رع خرافي" (يو 21: 15 – 17) وسلطان الحل والربط يعنى سلطة حل الخطايا و إعلان أحكام عقائدية واتخاذ قرارات تأديبية في الكنيسة ويسوع عهد في هذه السلطة إلى الكنيسة عن طريق خدمه الرسل ولا سيما بطرس الذي سلم صراحة مفاتيح الملكوت إلية دون سواه.

استهلال الملكوت: التجلي

554 – من يوم اعترف بطرس بان يسوع هو المسيح ابن الله الحي شرع المعلم يبين لتلاميذه انه ينبغي له أن يمضي إلى أورشليم ويتألم (…) ويقتل وان يقوم في اليوم الثلث (متى 16: 21) فتأبي بطرس هذا الإعلان ولم يكن الآخرون أكثر فهما له في هذا السياق يرد ذكر الحادث العجيب لتجلي يسوع علي جبل عال أمام ثلاثة شهود اختارهم هو: بطرس ويعقوب ويوحنا فيصير وجه يسوع وثيابه متلألئة بالنور ويظهر موسى و ايليا "فيحدثانه عن السفر الذي سيقوم به إلى أورشليم" (لو 9: 31) وتظللهم غمامه و ينطلق صوت من السماء قائلا: "هذا هو أبني مختاري فاسمعوا له" (لو 9: 35)

555 – لحين ما يظهر يسوع مجده الإلهي مثبتا هكذا اعتراف بطرس وهو يظهر إلى ذلك أن الدخول في مجده (لو 24: 26) يقتضي منه اجتياز الصليب في أورشليم وكان موسى وإيليا قد شاهدا مجد الله علي الجبل وكان الناموس والأنبياء قد انبأوا بآلام الماسيا و آلام يسوع كانت بمشيئة الأب: فالابن يعمل خادما لله والغمامة تدل علي حضور الروح القدس الثالوث كله ظهر: الأب في الصوت والابن في الإنسان والروح في الغمامة المضيئة تجليت أيها المسيح الإله علي الجبل وبقدر ما استطاع تلاميذك شاهدوا مجدك لكي يفهموا إذا ما رأوك مصلوبا انك تتألم باختيارك و يكرزوا للعالم انك أنت حقا ضياء الأب.

556 – علي عتبة الحياة العلنية الاعتماد وعلي عتبة الفصح: التجلي باعتماد يسوع ظهر سر تجددنا الأول: معموديتنا والتجلي هو سر التجدد الثاني قيامتنا الخاصة فمنذ ألان نشترك في قيامة الرب بالروح القدس الذي يفعل في أسرار جسد المسيح التجلي يجعلنا نستمتع مسبقا بمجيء المسيح المجيد الذي سيحول جسد هو أننا إلى جسد علي صورة جسد مجده (في 3: 21) ولكنه يذكرنا أيضا انه بمضايق كثيرة ينبغي لنا أن ندخل ملكوت الله (أع 14: 22).

هذا الأمر لم يكن بطرس قد فهمه بعد عندما كان يتمنى أن يعيش مع المسيح علي الجبل لقد حفظ لك هذا يا بطرس إلى ما بعد الموت و أما الآن فهو نفسه يقول: انزل إلى الأرض لتكد وتتعب لتخدم علي الأرض لتزدرى لتصلب علي الأرض الحياة ينزل لكي يقتل الخبز ينزل لكي يجوع الطريق ينزل لكي يتعب في الطريق الينبوع ينزل لكي يعطش وأنت ترفض أن تشقى ؟

صعود يسوع إلى أورشليم

557 – وإذ كان زمن ارتفاعه من هذا العالم قد اقترب صمم أن ينطلق إلى أورشليم (لو 9: 51) بهذا التصميم كان يعنى انه كان يصعد إلى أورشليم مستعدا لان يموت فيها كان قد أنبا ثلاثا بآلامه وقيامته وفيما هو متوجه إلى أورشليم قال لا يليق أن يهلك نبي خارج أورشليم (لو 13: 33)

558 – يسوع يذكر باستشهاد الأنبياء الذين قتلوا في أورشليم ومع ذلك فلا يزال يدعو أورشليم إلى التجمع حوله كم من مرة أردت أن اجمع بنيك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها (…) ولم تريدوا (متى 23: 37) وعندما تظهر اماه أورشليم يبكى عليها ويعبر مرة أخرى عن رغبه قلبه: اوه لو علمت أنت أيضا في هذا اليوم رسالة السلام ولكن وآسفاه قد خفي عن ناظريك (لو 19: 42)

دخول يسوع المسيانى إلى أورشليم

559 – كيف ستستقبل أورشليم ماسيها؟ في حين كان يسوع يتهرب دائما من المحاولات الشعبية لإعلانه ملكا فهو يختار الزمان ويهيئ تفاصيل دخوله المسياني إلى مدينة داود أبية (لو 1: 32) فيهتف به ابن داود الذي يحمل الخلاص هوشعنا تعني أذن خلص امنح الخلاص فملك المجد (مز 24: 7 – 10) يدخل مدينته راكبا علي جحش (زك 9: 9) انه لا يستولي علي ابنه صهيون رمز كنيسته بالحيلة أو العنف بل بالتواضع الذي يشهد للحق ولهذا فأبناء مملكته في ذلك اليوم هم الإحداث ومساكين الله الذين يهتفون له كما كان الملائكة يبشرون به الرعاة وهتافهم مبارك الآتي باسم الرب تردده الكنيسة في قدوس الليترجيا الافخارستية لافتتاح ذكري فصح الرب

560 – دخول يسوع إلى أورشليم يظهر مجيء الملكوت الذي سيتمه الملك الماسيا بفصح موته وقيامته وبالاحتفال به في احد الشعانين تفتتح ليترجيا الكنيسة الأسبوع العظيم المقدس

بإيجاز

561 – وكانت حياة المسيح كلها تعليما متواصلا: صمته معجزاته حركاته صلاته محبته للإنسان ايثارة للصغار والمساكين قبول ذبيحة الصليب الكاملة لأجل فداء العالم قيامته كل ذلك تفعيل لكلمته وتحقيق للوحي

562 ـ يجب على تلاميذ المسيح أن يتمثلوا به إلى أن يتصور فيهم " ولهذا فنحن مشتركون في أسرار حياته، وصورنا على مثاله، ونموت ونبعث معه، إلى أن نملك معه "

563 ـ لا يمكن الإنسان ، سواء كان راعيا أو مجوسياً، أن يصل إلى الله على هذه الأرض إلا بالركوع أمام مغارة بيت لحم وبالسجود له متواريا في ضعف طفل .

564 ـ بخضوع يسوع لمريم ويوسف، وبعمله الوضيع سنين طويلة في الناصرة، يعطينا مثالاً للقداسة في حياة العيلة والعمل اليومية .

565 ـ إن يسوع، منذ بدء حياته العلنية، في اعتماده، هو " الخادم " المكرس بكليته لعمل الفداء الذي سيتم بـ " معمودية " آلامه .

566 ـ التجربة في الصحراء تظهر يسوع ماسيا متواضعاً يتغلب على إبليس بانصياعه الكلى لتصميم الخلاص الذي ارادة الآب .

567 ـ ملكوت السماوات افتتحه المسيح على الأرض، وهو " يتجلى على عيون الناس في كلام المسيح وأعماله وحضوره ". والكنيسة هي بذر هذا الملكوت وبذوره ومفاتيحه سلمت إلى بطرس .

568 ـ تجلى المسيح هدفه تثبيت إيمان الرسل لجل الآلام: الصعود إلى " الجبل العالي " يهيئ الصعود إلى الجلجة. والمسيح، رأس الكنيسة، يظهر ما يتضمنه وينفحه جسده في الأسرار: " رجاء المجد " (كو 1: 27) .

569 ـ يسوع صعد بإختياره إلى أورشليم وهو عالم أنه سيموت فيها قتلا بسبب مخالفات الخطأة .

570 ـ دخول يسوع إلى أورشليم يظهر دخول الملكوت الذي سيتمه الملك ـ الماسيا وقد استقبله في مدينته الأحداث ومتواضعو القلب، بفصح موته وقيامته.