مقــدمـة
ما اجمل الكنيسة الكاثوليكية في شجاعتها. هذه الشجاعة التي تجعلها تُعلن إيمانها جهرُا. وإعلان الكنيسة عن عقيدة المطهر هو تأكيد على رغبتها في الدخول إلى عمق "سر الايمان". وسنحاول في هذه السطور توضيح هذه العقيدة، حتى يكون أبناء الكنيسة على معرفة ووعي بإيمانهم.، وليعرفوا ما هيتها؟ وعلى أي أساس تقوم؟ وسنحاول توضيحها استنادا إلى كلام الوحي في الكتاب المقدس أولاً، ثم أقوال الأباء، وصلواتنا الطقسية.
وسيكون البحث مقسم إلى فصلين:
الأول: أساسيات المطهر، وفيه: الدينونة الخاصة – الخطيئة وعقابها.
الثاني: المطهر، وفيه: إثباتات العقيدة – طبيعة المطهر.
الفصل الأول
أساسيات المطهر
للكلام عن المطهر لابد من البدء بالكلام عن الدينونة الخاصة، حيث لا يذهب إلى المطهر أو السماء أو جهنم إلا من اجتاز الدينونة الخاصة، أي بصفة فردية ومن خلالها تقرر مصيره في أي من الثلاث حالات السابقة الذكر. لذلك نبدأ بالدينونه الخاصة إثباتاتها من الكتاب المقدس، ثم ماهية الدينونة الخاصة؟ وبعد ذلك الرد على الاعتراض عليها.
أولا- الدينونة الخاصة في الكتاب المقدس(ع. ج)
تستند الكنيسة الكاثوليكية في كلامها عن الدينونة الخاصة إلى أماكن كثيرة في العهد الجديد منها كلام السيد المسيح، وكلام القديس بولس. لنذكر منها خمسة شواهد وهي:لو16: 22-23؛ لو43:23؛ أع 1: 25؛ في 23:1؛ 2كو 7:5؛ ا كو12:13.
1. لو16: 22-23 مثل الغنى ولعازر
" مات الفقير فحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم، ثم مات الغنى ودفن. فرفع عينه وهو في مثوى الأموات يقاسى العذاب، فرأي إبراهيم من بعيد ولعازر في أحضانه…".
– يصور يسوع بهذا المثل حالة الإنسان بعد موته مباشرة، ويوضح أن دينونة الإنسان هي بعد موته وإلا كان يمكن القول "مات الفقير ودفن ومات الغنى ودفن" وكنا من خلال ذلك نفهم انهما في حالة انتظار وفي مكان واحد. لكن قوله حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ولم يذكر هذا للغنى ٌيظهر هذا التمييز بينهما، فالملائكة لا تحمل إنسان خاطئ، وإبراهيم أبو المؤمنين بالتأكيد لا يتساوى مع أشخاص لم يعرفوا الله حتى يذهب إليه لعازر وإلا فذهب إليه أيضا الغنى.
من ناحية أخرى على أي أساس يذهب هذا إلى حضن إبراهيم؟ والآخر إلى العذاب؟ وعلى أي أساس لعازر يُعزى والغنى يتعذب؟ إنها إذا دينونة خاصة يمتثل أمامها الشخص بعد الموت مباشرة، ويتحدد عليها مصيره في السماء إما في المطهر إما في جهنم. وهنا نعرف مصير القديسين الّذين تكرمهم الكنيسة.
على أي حال إذا كان هذا مثل واقعي – وهذا الأقرب إلى الحقيقة- أو رمزي، فلا يوجد مثل من أمثال السيد المسيح التي رواها الإنجيليون تحمل مثل بنية هذا المثل، حيث انه لا توجد أسماء مذكورة في أمثال قبل ذلك، والحال أن هذا المثل يوضح الأسماء والحالة والتي تخص الموتى والأحياء معا، على الأرض (أهل الغنى) وفي السماء.
2. لو 43:23 "فقال له الحق أقول لك ستكون اليوم معي في الفردوس"
E ما هو الفردوس
«كلمة فارسية الأصل تعنى البستان استعملت لترجمة كلمة"عدن" (بستان) حيث جعل آدم وحواء على ما ورد في سفر التكوين. في العهد الجديد تشير هذه الكلمة إلى المكان الّذي يرمز إلى السعادة الأبدية»[1].
الفردوس إذا هو مكان الحياة الأبدية وكما نصلى في القداس القبطي، هو (دار الأحياء إلى الأبد، أورشليم السمائية)؛ ليس هو مكـان انتظـار كما عند الكنيسـة الأرثوذكسية. لذلك فان اللص الّذي آمن بالمسيح قد نال الحياة الأبدية بعد موته مباشرة اليوم وليس في الدينونة الأخيرة، وحيث المسيح هناك اللص الّذي وعده.
3. في 23:1
"وأنا في نزاع بين أمرين: فلي رغبة في الرحيل لاكون مع المسيح وهذا هو الأفضل جداً جداً ".
يظهر من كلام القديس بولس أنه لا يوجد انتظار بعد الرحيل (الموت) بل يكون مع المسيح. وعلى أي أساس يكون مع المسيح؟ لابد من إعطاء حساب عن حياته وهي الدينونة الخاصة والمباشرة بعد الموت؛ وإذا كان هناك انتظار للدينونة العامة أي لم يكن مع المسيح فكيف يشتهي هذا الانتظار وهو عالم أن الجماعة في احتياج إليه أ لم يكن من الأفضل الانتظار مع الكنيسة المحتاجة إليه؟ "أشد ضرورة لكم".
4.رؤ 14:13
" سمعت صوتا من السماء يقول اكتب طوبى للأموات اللذين يموتون في الرب، نعم منذ الآن يقول الروح فليستريحوا من جهودهم لان أعمالهم تتبعهم "
الذين يموتون في الرب وليس كل الأموات، منذ الآن وليس بعد انتظار، يستريحوا الآن هذه الراحة هي ثمار جهودهم واعمالهم التي تتبعهم.
2. أع 25:1
" ليقوم بخدمة الرسالة مقام يهوذا الّذي تولى عنها ليذهب إلى موضعه "
المقصود هنا هو يهوذا الاسخريوطى والّذي ترك رسالته (التلمذة ليسوع) وذهب إلى موضعه أي الهلاك " لم يهلك أحد منهم إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب" يو 12:17.
كما يوضح ذلك نفس الإنجيلي "أجابهم يسوع أما أنا اخترتكم انتم الاثنى عشر؟ ومع ذلك فواحد منكم شيطان" 70:6، لقد ذهب إلى موضعه. واضح تقرير مصيره، كما انه واضح لا يوجد انتظار.
ثانيا: مفهوم الدينونة الخاصة
ما هي الدينونة الخاصة إذا؟
«هي دينونة الله لكل إنسان عند الموت، حين يتناول العهد الجديد موضوع مُجازة كل واحد بحسب أعماله (متى 16: 27 ؛ روم 6:2)، يُشعرنا بمثل هذه الدينونة (متى 24: 34،25:1؛ 2 كور 10:5؛ يو48:12)، كما أنه يُشعرنا بأن الدينونة تهدف إلى خلاص كل إنسان بالمسيح (يو 3:16)»[2]
تظهر هنا الدينونة من خلال الشواهد المذكورة، أنها تخص كل إنسان بمفرده من خلال الأعمال التي عاشها على الأرض؛ وتتبعه إلى السماء حيث يقول: "كل واحد حسب أعماله". فإذا كان كل واحد يُدان بمفرده على أعماله، هل هذا يتطلب الانتظار إلى الدينونة العامة؟
«الدينونة الخاصة وهي التي تتبع الموت مباشرة والتي سنقف فيها بمفردنا أمام منبر المسيح الديان العادل حقيقة واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، لا ريب فيها، فلا اقل، كعبيد حكماء من أن نسهر ونستعد لملاقاة السيد، في أي لحظة، حتى إذا جاء فجأة طلب منا أداء الحساب، يقول لنا مع العبد الصالح الأمين:"لقد أحسنت أيها العبد الصالح الآمين قد وُجدت أميناً في القليل فسأقيمك على الكثير، ادخل فرح ربك " متى 21:25».[3]
ثالثا: اعتراض على الدينونة الخاصة
يعترض قداسة البابا شنودة الثالث، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في كتابه لماذا نرفض المطهر؟ على الدينونة الخاصة ويقول: «مادام الإنسان قد وقف أمام الله ونال دينونتة، البار ذهب إلى السماء والشرير ذهب إلى جهنم، وانتهي الأمر ….فما لزوم الدينونة العامة إذا؟ وما هدفها؟ وما قيمتها؟ ما تأثيرها على تلك النفوس؟ ولكن تكون لها قيمة، إن كانت هي الدينونة الوحيدة التي يتقرر فيها مصير الإنسان».[4]
ورداً على هذا الاعتراض نبدأ من النهاية إلى البداية:
* يقول:"لكن تكون لها قيمة إن كانت هي الدينونة الوحيدة التي يتقرر فيها مصير الإنسان"، نقول إن كانت هي الدينونة الوحيدة هذا يعنى، أن جميع نفوس الموتى في انتظار ولن يُقرر مصيرهم بعد، لذلك نتسأل على أي أساس تُقيم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية القديسين؟ وتطلب شفاعتهم ؟اشفع فينا أيها السابق الصابغ يوحنا المعمدان ليغفر لنا خطايانا، أو اطلب من الرب عنا، أو اطلبوا من الرب عنا إنها تشفعات من القديسين وهنا نتسأل: كيف تكون شفاعة القديس وهو في حالة انتظار ولم يقرر مصيره بعد؟، وان كان في حالة برارة لماذا ينتظر الدينونة العامة ومصيره معروف الأبرار للحياة الأبدية؟
* يقول: "ما دام الإنسان قد وقف أمام الله ونال دينونته، البار ذهب إلى السماء والشرير ذهب إلى جهنم، انتهي الأمر …… فما لزوم الدينونة العامة إذا؟ ".
نقول: في الجزئية الأولى وهي أن البار ذهب إلى السماء والشرير إلى جهنم، حيث يوضح المسيح في كلامه أنهم لم يدخلوا إلى اليوم الأخير والدينونة الأخيرة وذلك في يوحنا 24:5 "الحق الحق أقول لكم: من يسمع لي ويؤمن بمن أرسلني فله الحياة الأبدية ولا يحضر الدينونة لانه انتقل من الموت إلى الحياة ".
بالتأكيد الحياة الأبدية ليست على الأرض، وبالتالي الكلام عن الّذين رحلوا من العالم إلى الحياة الأخرى. وبالتأكيد أيضا أن الدينونة ليست على الأرض لكنها في السماء حيث يُقرر مصير الإنسان.
فان كان هناك ناس دخلت الحياة الأبدية ولا يحضروا الدينونة فعلى أي أساس دخلوا الحياة الأبدية ويوم الدينونة العامة لم يأتى؟ وكما أنه يوجد مَن دخلوا الحياة الأبدية بالتأكيد يوجد من دخلوا النار الأبدية.
وأما عن لزوم الدينونة العامة نقول عنه: زك 10:12؛ لو 27:21؛ أع 11:1.هذه الآيات تؤكد أن مجيء المسيح لن يأتى بعد انتهاء البشر أجمعين، ولكن سيأتي وتنظره كل عين، أي يوجد ناس أحياء على الأرض وهذا بقوله "يوجد في الحاضرين هنا من لا يذوق الموت" هؤلاء ستكون دينونتهم في اليوم الأخير، وفي الدينونة العامة ستكون قيامة الأجساد حيث يقوم كل من يسمع صوت ابن الله.
2- الخطيئة والعقاب
من بين أساسيات المطهر الخطيئة والعقاب، فالخطايا بينها تفاوت وليس على مستوى واحد، وهكذا يكون العقاب فهو مختلف باختلاف الخطيئة، لابد أن يكون القصاص عادلا. لذلك سوف نوضح التفاوت بين الخطيئة، ثم العقاب.
أولاُ: التفاوت بين الخطيئة[5]
التفاوت بين الأشياء هو من طبيعة الحياة، ليس هناك أشياء على مستوى واحد، ما هو جميل يوجد اجمل منه، وما هو قبيح يوجد اقبح منه وهكذا ………وفي الخطيئة يوجد هذا التفاوت، ففيها الخطيئة الكبيرة والصغيرة، يوجد ما يصلى من اجلها وما لا يصلى من اجلها؛ وتسميها الكنيسة في لاهوتها الخطيئة المميتة، والخطيئة العرضية، هناك الخطيئة التي تغفر والتي لا تغفر.
كما أن هناك الخطيئة التي تؤدى إلى الموت جهنم الأبدية، والخطيئة التي لا تؤدى إلى جهنم ولكنها أيضا لا يدخل بها الإنسان السماء، وهنا المطهر حيث التطهير من هذه الشوائب للخطيئة. لهذا الكلام أدلة في الكتاب المقدس، العهد الجديد.
* متى 3:7-5
«لماذا تنظر إلى القذى الّذي في عين أخاك والخشبة التي في عينك أفلا تأبه لها؟ بل كيف تقول لأخيك: "دعني اُخرج القذى من عينك فها هي ذي الخشبة في عينك"، أيها المرائي أخرج الخشبة من عينك أولاً وعندئذٍ تبُصر فُتخرج القذى من عين أخيك».
* القذى:هي الشيء الّذي يقع في العين ويرى بصعوبة، لصغر حجمها و يستخدمها السيد المسيح ليُشبه بها الخطيئة الصغيرة التي لا تؤدى، إلى هلاك الإنسان. ولكن أيضا لا يجب أن تهُمل لكن لابد التخلص منها أيضا.
* الخشبة: شئ معروف من الجميع، حجمها وتأثيرها إذا أصيب بها إنسان. ويستخدمها السيد المسيح ليُشبه بها الخطيئة الكبيرة التي تقف حائل بين الإنسان وأخيه الإنسان. بل وذاته والتي قد تؤدى إلى هلاك الإنسان. إذا واضح من النص أن هناك تفاوت بين الخطايا (القذى – الخشبة).
* يو16:5-17
«إذا رأي أحد أخاه يرتكب خطيئةً لا تؤدى إلى الموت فليُصلِّ، والله يهب له الحياة (أعنى الّذين يرتكبون الخطايا التي لا تؤدى إلى الموت، فهناك الخطيئة التي تؤدى إلى الموت ولست اطلب الصلاة لها) كل معصيةٍ خطيئةٍ ولكن هناك الخطيئة التي لا تؤدى إلى الموت».
* يوضح ويؤيد هذا الكلام قول السيد المسيح في متى 31:12-32 "لذلك أقول لكم: كل خطيئة وتجديف يغفر للناس أما التجديف على الروح، فلن يغفر. ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر، له أما من قال على الروح القدس، فلن يغفر له لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة". التفاوت في الخطايا يكون في الخطايا المميتة ذاتها و الخطايا العرضية ذاتها.
– من هذه الآيات يتضح لنا أن ليس الخطايا على نفس المستوى، لكن هناك الخطيئة التي تُغفر والخطيئة التي لا تُغفر. ولا ننسى قول القديس بولس إلى روما "إن أجرة الخطيئة الموت" رو25:6.هذه الخطيئة هي الخطيئة المميتة وهذا ما يذكره القديس يوحنا "هناك خطيئة للموت".
– هذا التفاوت بين الخطايا يدعنا نرى أيضا التفاوت في العقاب،وذلك حسب قوله:"يُجازي كل واحدٍ حسب أعماله". متى 27:16.
ثانياُ: عقاب الخطيئة
بداية نقول إن غفران الخطيئة شئ، وعقاب الخطيئة شئ آخر، فغفران الخطايا لا يمنع من العقاب والتكفير عنها واشتراكنا في آلام المسيح وحيث نتألم معه نتمجد معه رو17:8.
فالعقاب هو بمثابة تطهير للنفس، كما تطهر النار الحديد من الصدأ ليرجع إلى طبيعته الأولى، هذا العقاب يكون على قدر الخطيئة، يقول السيد المسيح " يكال لكم بما تكيلون " متى1:7.
* عقاب الخطيئة في الكتاب المقدس
داود النبي في ثلاثة خطايا: الزنى والقتل وإحصاء الشعب. في الثلاثة خطايا هذه كان داود يندم ويتوب وينقل الرب عنه الخطيئة فلا يموت ولكن كان لابد له من العقاب.
·الحادث الأول الزنى والقتل 2 صم 11 ارتكب داود الخطيئة مع امرأة اُوربا وقتل زوجها وكلنا نعرف الحادث.
غفران خطيئة داود 2صم 13:12
اعترف داود بخطيئة أمام الرب الّذي اخبره عن طريق ناثان النبي، "فقال داود: قد خطأت إلى الرب. فقال له النبي: إن الرب أيضا نقل عنك خطيئتك فلا تموت أنت"، لكن العقاب لن ينقل عن داود.
عقاب الخطيئة 2صم 10:12-14
"والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد وسأخذ زوجاتك وأدفعهن إلى غيرك، والابن الّذي يولد لك من بيتشابع يموت". فعقاب الزنى الّذي كان في السر هو هتك عرض عشر من زوجاته علاناً. وعقاب قتل اُوريا، هو قتل ثلاثة من أبناءه.
· الحادث الثاني إحصاء الشعب (الكبرياء): 2 صم2:24 "طف مع أعوانك في جميع أنحاء المملكة من دان إلى بئر سبع وأحصوا الشعب لكي اعلم عددهم ".
اعتراف بالخطيئة "قد خطأت جدا فيما صنعت والآن يارب انقل إثم عبدك لأني بحماقة عظيمة فعلت" 2صم 10:24.
العقاب «كان كلام الرب إلى "جاد" النبي: امضي وقل لداود، هكذا يقول الرب: "إني عارض عليك ثلاثا. فأختر لنفسك واحد منها فأنزلها بك، أ تأتي عليك سبع سني جوع في أرضك، أم تهرب أمام أعدائك ثلاثة اشهر، أما يكون ثلاثة أيام وباء في أرضك؟» 2صم 11:24-12.
وبعد أن اختار داود العقاب وهو الوباء فبعث الرب في كل إسرائيل وباء شديدا جدا فمات من الشعب سبعون ألف رجل. لقد اهلك داود بخطيئته سبعين ألف رجلا. حيث الخطيئة هناك العقاب الّذي يرجع به الإنسان إلى طبيعته الأولى ويتمم الغفران. هذا العقاب الّذي هو بمثابة تكفير إن لم يكتمل في هذه الدنيا، لابد أن يكتمل في الآخرة أي في المطهر قبل الدخول إلى الحياة الأبدية.
الفصل الثاني
المطهر
نص العقيدة
«في مجمع ليون الثاني ( 1274) حيث أعلنت شهادة إيمان ميخائيل باليولوغس، إمبراطور القسطنطينية: إن مات المؤمنون التائبون حقا في المحبة، قبل أن يكفرِّوا بثمار لائقة بالتوبة، عما ارتكبوه أو أهملوه، فستطهَّر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهِّرة. هذا وإن تشفاعات المؤمنين الأحياء ستفيدهم للتخفيف عن هذه العقوبات، وهي ذبيحة القداس والصلوات والصدقات وسائر أعمال التقوى التي اعتاد المؤمنين أن يقوموا بها من اجل سائر المؤمنين، بحسب ما أنشأته الكنيسة».[6]
نتكلم عن المطهر انطلاقا من هذا النص في أربعة نقاط كالآتي:
1- إثباتات العقيدة
أولاً- الكتاب المقدس
أ. العهد القديم
سفر المكابيين الثاني 42:12-46 "واخذوا يصلون ويبتهلون إليه أن يمحوا تلك الخطيئة، وبعد ذلك بدأ يهوذا النبيل يعظ الحاضرين ……لهذا قدم الكفارة عن الموت ليغفر الرب لهم خطاياهم".
يوضح النص أن الصلاة هي من اجل غفران خطايا الّذين ماتوا بخطاياهم، ولكن كيف تغفر الخطايا بعد الموت؟ كيف يتطهر الإنسان من خطاياه ويقدم كفارة عنها، إن كان هناك مكانين (حالتين) فقط السماء وجهنم ولا ثالث لهم؟ لذلك النص يدعو كل إنسان للتفكير في هذا العمل الذي قام به يهوذا المكابي.
ب. العهد الجديد
E متى 32:12
يقول الرب:"كل من قال كلمة على الروح لا يغفر له لا في هذا الدهر ولا في الأتي".
يظهر من النص في كلام يسوع، إنه توجد خطايا تغفر في هذه الدنيا وخطايا تغفر في الحياة الأخرى. وهنا نتسأل كما في السابق كيف تغفر الخطايا بعد الموت؟ كيف يتطهر الإنسان من خطاياه ويقدم كفارة عنها إذا كان هناك حالتين السماء وجهنم ولا ثالث لهم كما يقول البعض؟ فأين المكان التي تغفر فيه الخطايا؟
E متى25:5-26// لو58:12-59
"سارع إلى إرضاء خصمك ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم إلى الشرطي فتلقى في السجن الحق أقول لك: لن تخرج منه حتى تؤدي أخر فلس ".
– طلب التوبة في الحياة أي قبل الموت والوقوف أمام الديان، وإذا مات الإنسان وعليه دين أي غير تائب فانه يلقى في السجن (المطهر) ولن يخرج منه حتى يوفي كل ما عليه أي يتطهر
تماما من خطاياه.
السجن هو المطهر وليس جهنم لان من يدخل جهنم لا يخرج، فهي مصيرا أبدي أما هنا فيشير إلى الخروج (لن يخرج) وبالطبع ليس السماء لأنها ليست سجن بل هي الفرح الدائم مع الرب. إذا السجن هنا إشارة إلى وجود مكان ثالث يوفي فيه الإنسان دين كان يجب إيفائه على الأرض ونسميه المطهر. [7]
E 1 كور 3:13-15
"سيظهر عمل كل واحد، في يوم الله سيُعلنُه، لأنه في النار سيكشف ذلك اليوم، وهذه النار ستمتحن قيمة عمل كل واحد. فمن بقى عمله الّذي بناه على الأساس نال أجرة ومن احترق عمله كان من الخاسرين أما هو فسيخلص ولكن كمن يخلص من خلال النار".
– الأساس هنا هو السيد المسيح وكل من يبنى عمله عليه ينال اجره أي انه سيخلص. ولكن من خسر عمله إنما يخلص ولكن من خلال النار، أي لابد أن يجتاز النار وهذا هو الجهد الّذي من خلاله يخلص الإنسان.
"مع إن المقصود في قول بولس ليس نار المطهر بل مجرد تشبيه يريد منه الإشارة إلى صعوبة الخلاص"[8].
ثانياً- أقوال بعض الآباء عن المطهر
·القديس قبريانوس يقول:"بأن التائبين الّذين ماتوا بعد أن غُفرت خطاياهم، يجب عليهم أن يؤدوا في الحياة الأخرى ما تبقى عليهم من التعويض المفروض، بينما الشهادة هي بمثابة تعويض كامل وافٍ. ليس بسيان غسل النفس من الخطايا باحتمال عذاب أليم طويل والتطهير بالنار وغسل النفس من الخطايا بشهادة الدم"[9].
·أوغسطينوس يقول: "بعض الناس لا يعانون العذبات الزمنية إلا في هذه الحياة، وبعضهم بعد الموت فقط، وغيرهم في هذه الحياة وبعد الموت. إلا انهم جميعا يقفون بين يدي هذه المحكمة الصارمة الأخيرة"[10].
– واضح من كلام القديس أوغسطينوس أن المطهر ليس حالة تبدأ بعد الموت، ولكن بما أنها حالة اكتمال تكفير، فالتكفير يبدأ من هنا على الأرض ويكتمل بعد الموت، إذا يبدأ المطهر من هنا على الأرض. وبالتالي يمكن تفنيد كلامه إلى ثلاثة حالات كالآتي:
1) "بعض الناس لا يعانون العذابات الزمنية إلا في هذه الحياة "، وهنا يقصد بهم الشهداء والقديسين الّذين عاشوا تحت نير الاضطهادات والآلام وماتوا من اجل المسيح.
2) "بعضهم بعد الموت فقط "، وهنا قد يقصد الأشخاص الذين ماتوا دون أي تكفير عن خطاياهم في الحياة.
3) " بعضهم في هذه الحياة وبعد الموت"، أي الأشخاص الّذين بدءوا مرحلة التكفير على الأرض وفاجأهم الموت، وبالتالي لابد أن يكتمل تكفيرهم هذا. وذلك يكون بعد الموت. إذا يمكن القول إن المطهر يبدأ على الأرض. يتضح لنا من هذه الاشتشهادات أن المطهر هو حالة تكفير بل اكتمال، هذا ما سنراه فيما بعد.
·كيرلس الاروشليمى يقول:"نثق بأننا نقدم عوناً كبيرًا لنفوس الأموات بالصلاة من أجلهم، حين تكون الضحية المقدسة الرهيبة على المذبح … نقدم لله من أجل الأموات صلواتنا، نقدم بوجه خاص المسيح، المذبوح بسبب خطايانا، وبذلك نستعطف الله المحب للبشر من أجلهم" [11].
ثالثاً- صلوات الطقس القبطي
أ. القداس الإلهي
بعد المجمع يقول الكاهن:"أولئك يا رب الّذين أخذت نفوسهم نيحهم في فردوس النعيم في كورة الأحياء إلى الأبد، في أورشليم السماوية، في ذلك الموضع …".
نقول إذًا: إن الصلوات في الطقس القبطي من اجل الراقدين، هي من أوضح الأدلة أن أنفس الموتى في حالة تتطلب الصلاة من اجلها. هذه الحالة ليست حالة انتظار إلى يوم الدينونة الأخيرة فنقول: "فهي الآن قائمة أمام منبر مسيحك" لكن واضح أنها في حالة تكفير عن خطاياها، قد يكون بدأ هنا على الأرض أو بعد الموت مباشرة. هذه الحالة هي ما تسميها الكنيسة الكاثوليكية المطهر أي التطهير.
وفي صلاة رفع البخور تُصلى الكنيسة من اجل الراقدين:"تفضل يارب نيح نفوسهم جميعاً في أحضان أبانا القديسين إبراهيم وإسحاق ويعقوب، علهم جميعًا في موضع خضرة على ماء الراحة في فردوس النعيم، الموضع الّذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد، في نور قديسيك".
ب. في صلاة الجناز
· جناز الرجال الكبار: وان كان صنع شيئا من الخطايا إليك مثل سائر البشر اغفر له وسامحه ولتزل عنه سائر عقوباته، لانك لم تخلق الإنسان للهلاك بل للحياة، نيحه في ذلك المكان ……".[12]
·جناز النساء الكبار:"نسألك يا محب البشر المتحنن أرجعها ونيحها وسامحها وأغفر لها كثرة خطاياها، وتجاوز عنها لانك لم تخلق الإنسان للشرور بل للخيرات، فهي الآن أيضا قائمة أمام منبر مسيحك، فليكن لها نياح وراحة وبرودة وفرح …".[13]
ويوجد كثير من هذه الصلوات التي وإن دلت تدل على طلب الراحة والغفران للنفس المنتقلة، ويعلق الأب مكسيموس في كتابه "لماذا نؤمن بالمطهر؟" على هذه الصلوات وغيرها قائلا:"وهل إذا كانت كل أنفس الراقدين سواء في الانتظار ليوم الدينونة العامة تحتاج إلى قولنا للرب افتح لها باب الفردوس وافتح لها باب السماء واجعلها أن تكون في حضن ابائنا القديسين إبراهيم واسحق ويعقوب؟".[14]
بعد أن عرضنا بإيجاز إثبات عقيدة المطهر من الكتاب المقدس، وأقوال الآباء، والصلوات في الطقس القبطي، نود أن نعرض مفهوم المطهر، وما هي النار التي يتكلم عنها القديس بولس "يخلص كما بنار".
2- طبيعة المطهر
·بالرجوع إلى النص:"إن مات المؤمنون التائبون حقا في المحبة، قبل أن يكفروا بثمار لائقة بالتوبة، عما ارتكبوه أو أهملوه، فستُطهَّر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهِّرة…..".
·في تعليم الكنيسة الرسمي:"الّذين يموتون في نعمة الله وصداقته، ولم يتطهروا بعد تطهيراً كاملاً، وان كانوا على ثقة من خلاصهم الأبدي، يخضعون من بعد موتهم لتطهير، يحصلون به على القداسة الضرورية لدخول فرح السماء"[15].
من النصين نستخلص أن المطهر هو حالة تكفير، هذا التكفير يؤدى إلى تطهير النفس تطهيرًا كاملاً، ينقلها إلى القداسة والحياة مع الله إلى الأبد، هذا التكفير قد يكون بدأ على الأرض ولم يكتمل بعد.[16]
أولاً- لماذا المطهر؟
للكلام عن طبيعة المطهر لابد الانطلاق من طبيعة الله وطبيعة الإنسان.
أ. طبيعة الله
يخبرنا القديس يوحنا في رسالته الأولى بأن "الله محبة"8:4،16، الله هو المحبة الكاملة والتي منها نستمد كل محبة، في هذه المحبة يوجد الفرح الكامل، والسعادة الكاملة. يوجد فيها كل شئ كامل. يوجد في هذه المحبة كل ما يطوق إليه الإنسان بطريقة كاملة لا نهائية.
– محبة الله هي أن يشركنا في محبته الكاملة وسعادته الكاملة، في فرحه الكامل. ولكن هذه المحبة الكاملة لا ولن يشاركها أي محبة ناقصة، فالمشاركة لهذه المحبة تكون على نفس الكمال التي فيها. فهل توجد محبة كاملة غير الله؟.
– بالطبع لا توجد محبة كاملة غير الله لان الله هو مصدر كل شئ، ولكن توجد محبة خُلقت من الله تسعى لان تكون كاملة، وهي محبة الإنسان التي وُهبَ إياها من الله، وهنا لابد الكلام عن طبيعة الإنسان.
ب. طبيعية الإنسان
·الإنسان هو صورة الله ومثاله "لنخلق الإنسان على صورتنا ومثالنا" تك 26:1
· الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله مدعو للقداسة مثل الله "كونوا قديسين لأني أنا قدوس" اح44:11-45، 2:19، الإنسان إذا مطبوع بطبيعة الله، طبيعته من طبيعة الله هذا ما يقوله القديس بطرس "إن قدرة الله منحتنا أن نصير شركاء الطبيعية الإلهية" 2بط4:1، هذه القدرة وُهبت للإنسان في المعمودية، ليشارك المسيح في موته وقيامته، ويدخل من خلالها الحياة فائقة الطبيعية أي الحياة في المسيح التي بدأت على الأرض وتكتمل في السماء أي "الرؤية المباشرة لوجه الله"، ولكن كيف يصل الإنسان إلى هذه الرؤية والكتاب يقول: "ما من أحد بار، لا أحد، ضلوا جميعًا ففسدوا معاُ ما من أحد يعمل الصالحات لا أحد" روم10:3-12.
كيف الوصول إذا إلى محبة كاملة تشارك الله المحبة؟ فالإنسان إلى آخر لحظة في حياته لن يتخلى عن ذاته، ولن يخرج من ذاته ليكن مثل الله. فما زالت محبته ناقصة ولابد أن يتطهر من هذا النقص في المحبة. "فمن الّذي يجرؤ على الاعتقاد في ساعة موته بأنه قائم في حالة المحبة الكاملة وانه تخلص من كل ذرة من الأنانية؟ هذا أمر مستحيل، باستثناء مريم العذراء".[17] إذا لابد من المطهر لكل إنسان حتى يشترك في حياة الله المحبة.
– الإنسان قد يبدأ التكفير هنا على الأرض للتحرر من ذاته، ليهبها لله، هذا التحرر هو الألم الّذي نعانيه في هذا الزمن الحاضر والّذي يستكمل بعد الموت، فالإنسان لا يعيش شيئاً كاملاً على الأرض، هذا الألم الّذي نعاينه هنا على الأرض إن لم يكن له قيمة تطهير لصار آلماً لا يحتمل وحجر عثرة في حياة الإنسان يؤدى به إلى هلاك نفسه. ومن هنا نقول أن المطهر يبدأ هنا على الأرض.
إذا المطهر على الأرض ألما قد يكون في الجسد مع النفس وبعد الموت يكون تطهير بالنار. ما الفرق بين نار المطهر ونار جهنم التي تحرق إذا؟.
"لا فرق بين النار التي تُهلك في جهنم، والنار التي تطهر في المطهر، والنار التي تُسعد في السماء. نحن هم المختلفون أمام المحبة الثابتة اللامتناهية: فإن كنا مخالفين تماما للمحبة عذبتنا نار الله، وإن كنا قادرين على الأطهار، طهرتنا هذه النار، وإن كنا متحدين بالله، أسعدتنا هذه النار".[18] إذا النار هي نار المحبة التي تطهر، وهنا نضيف اختلاف بسيط بين نار المطهر ونار جهنم، وهي أن الأولي مؤقتة والثانية دائمة. المطهر إذا هو محبة مطهرة لابد للإنسان أن يمر بها ليدخل ويشارك الله محبته الكاملة.
ثانياً- المطهر محبة مطهرة[19]
تحت هذا العنوان نكتب افضل ما قرأناه عن "طبيعية المطهر"، في كتاب فرح الأيمان بهجة الحياة، متبنين رأيه ومضيفين بعض التوضيحات الممكنة.
v "المطهر هو ألم يقاسيه الإنسان طوعا"، أي بكامل حريته يشترك في خلاص نفسه، فعندما يقف الإنسان أمام قداسة الله الكاملة الساطعة يرتاع من حالته، حالة النقص التي يكون فيها. فلا يُكتشف الناقص إلا على ضوء الكامل، هذا الارتياع أمام المحبة هو الندامة. هذه الندامة هي شدة محبة تُريد التعويض عن حقارة الماضي.
فالمطهر إذا هو ألم اختياري لا يُريد الإنسان أن يفوته على الإطلاق، ففيه يحترق الإنسان بنار المحبة المطهرِّة، وكلما شعر بالاحتراق والتطهير ورأي نفسه يمتلك القدرة على مشاركة المحبة الكاملة "الله"، فيغمره فرحٌ لا يفوقه فرحاً أخر إلا فرح السماء.
حين يرى الإنسان نفسه أمام المحبة، لا يسعه إلا أن يرغب فيها. وليس ألمه إلا الشعور بأنه غير قادر على ذلك تماما فآلامنا هو الاعتراف في وعي تام، بأننا عاجزون عن المحبة الحقيقية.
المطهر هو ساعة الحقيقة، هو لحظة اكتشاف النفس في كامل حقيقتها على ضوء قداسة الله. هذه المعرفة التامة للنفس يسميها الكاتب "صلب النفس". في المطهر يشعر الإنسان بألم التطهير، ويفرح بالتخلص من نقص المحبة ليدخل ويشارك الله المحبة.
3- اعتراضات على المطهر
ما من قضية تُطرح إلا ويوجه إليها النقد والاعتراض. النقد والاعتراض لهما أهداف، قد يكون هدفهما هو تنقية القضية من الشوائب لتظهر في افضل صورها، وهذا إيجابي. وقد يكون الهدف عكس ذلك أي للهدم وليس للبناء، بل ولإظهار المجد الذاتي باعتراضات قد تكون لمجرد الاعتراض فقط.
عقيدة المطهر قضية إيمانية في الكنيسة الجامعة، هي من القضايا التي تلفت نظر المؤمن وتدعوه للتفكير في حياته، ما هي؟ ما هدفها؟ ماذا سيكون بعد هذه الحياة؟ ومن بين اعتراضات كثيرة نأخذ اعتراضين ومن المعترض:
اولا- المعترضون
الكنيسة الأرثوذكسية ممثله في شخص قداسة البابا شنودة الثالث الّذي تفضل بتأليف كتابه لماذا نرفض المطهر؟.
ثانياً- الاعتراضات
1) ورد في كتاب لماذا نرفض المطهر؟ ص70 هذا الاعتراض:
«الذين يعاصرون القيامة، وُيخطفون إلى السماء، لا يدخلون المطهر طبعاً، مهما كانت لهم خطايا عرضيه أو غيرها. فكيف يتم العدل الإلهي، كاثوليكيا؟ ……فان كان عدل الله يسمح بمسامحة هؤلاء المختطفين، فبنفس المنطق ألا يسامح السابقين لهم في الزمن، مادامت العدالة الإلهية راضية، ولا حاجة إلى مطهر. أم هل يحتج البعض ويقولون: كيف يُختطف هؤلاء دون أن يتطهروا؟! ويبقى السؤال قائما: كيف التصرف مع هؤلاء؟ وكيف يمكن تحليل الأمر لاهوتيا ……وبنفس المنطق يمكن أن نسأل عن مجموعة أخرى من معاصري القيامة: كانت عليهم عقوبة وجاءت القيامة قبل أن يتمموها …».[20]
v التساؤل قائم هنا على الذين يعاصرون القيامة؟ بأنهم لم يدخلوا المطهر لأنه لا مطهر بعد القيامة العامة. وهذا يتنافى مع عدل الله كما انه يثير احتجاج البعض.
نتكلم هنا عن نقطتين الأولى احتجاج البعض، الثانية عدل الله انطلاقا من مثل العمله واجرتهم متى 20:1-16:
E احتجاج: "وكانوا يأخذونه ويقولون متذمرين على رب البيت: هؤلاء الذين أتوا أخرا لم يعملوا غير ساعة واحدة فساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار وحره الشديد".
E عدل الله: "فأجاب واحد منهم : يا صديقي، ما ظلمتك، ألم تتفق معي على دينار؟ خذ مالك وانصرف. فهذا الّذي أتى أخرا أريد أن أعطيه مثلك: ألا يجوز لي أن أتصرف بما لي كما أشاء؟ أم عينك حسود لأني كريم؟".
رحمة الله إذا هي أوسع وأشمل مما يقتضيه عدله، دون أن تخالف العدل. ويختم المثل "فهكذا يصير الآخرون أولين والأولون آخرين".
إضافة إلى ذلك نقول: أن المطهر هو اكتمال تكفير، قد يبدأ على الأرض ويشترك فيه الإنسان بحريته لأجل خلاصه وتطهيره، هذا ما أوضحناه سابقا.
2) اعتراض آخر يقدمه البابا في نفس الكتاب يتلخص في الآتي: المطهر كتكفير هو ضد كفارة المسيح بل ويلغيها.[21]
v ردا على ذلك نوضح أن كفارة المسيح هو عن خطيئة العالم الذي يشترك فيها الكل "حمل الله الّذي يحمل خطيئة العالم" هذا الوضع الخاطئ الّذي يشمل البشرية. وعن الإنسان كفرد مشترك في الوضع الخاطئ. ولكن ما لم يفعله المسيح هو: إجبار الإنسان، بل أعطاه أن يعيش حريته كما أعطيت له، هذه الحرية جعلت يسوع يشرك الإنسان في خلاص نفسه بأي طريقة وإلا لما كان معنى لفداء المسيح المجبر على الإنسان ولكن يقول القديس بولس"أكمل ما نقص من آلام المسيح في جسدي" إذا الإنسان يشترك في خلاص نفسه بحريته. والفداء والكفارة هي عمل مشترك بين المسيح والإنسان، الدعوة تتطلب تجاوبا معها.
خـاتمة
إن مخطط الله الأزلي للإنسان، هو أن جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون. هذا الخلاص والحق في الإنسان هما دعوته للقداسة. والقداسة هو أن يشارك الإنسان لله في محبته وسعادته. ولكي يحقق الإنسان هذه الشركة لابد أن يكون على نفس مستوى محبة الله، ومَن في البشر يصل إلى هذا الحد من المحبة الكاملة؟ من اجل هذا كان المطهر.
– فالمطهر هو حالة تطهير النفس، من كل شوائب الخطيئة، ليصل الإنسان إلى كمال المحبة، حيث لا يدخل السماء نجس أو رجس.
– المطهر هو نار الحب التي تُطهر، والإنسان يشترك في هذا التطهير بحريته، وكلما رأى نفسه قادر على التطهير والاقتراب من مجد الله، كان هذا فرح المطهر له. ولان المطهر هو حالة تكفير، فهو يبدأ على الأرض، مع الإنسان الذي يبدأ مسيرة توبته والتكفير عن خطاياه على الأرض.
– في الكلام عن المطهر لابد من الخروج من الزمن، فهو لا يرتبط بزمان أو مكان، لا يجوز استخدام قبل وبعد. ولكن الأفضل أن نقول أن المطهر هو شرط دخول السماء.
– عقيدة المطهر نشأت لوجود، الصلوات من اجل الموتى في الكنسية من قديم الزمن، وليس العكس.
– المطهر هو تكفير لأجل التطهير، هذا التكفير ليس ضد ولا يلغى كفارة المسيح على الصليب، ولكن يقول القديس بولس:"أكمل ما نقص في جسدي من آلام المسيح" كو24:1، هو اشتراك في كفارة المسيح، واشتراك الإنسان في خلاص نفسه.
– المطهر هو لحظة الحقيقة، لحظة اكتشاف حقيقة النفس أمام قداسة الله.
– الكلام عن الآخراويات، هو من اكثر الكلام الذي يواجه صعوبات، فهو لابد أن نخرج من الزمن. لأنه لا وجود للكلام عن شئ ملموس أو محسوس.
– وبالرغم من كل ما تتكلم فيه الكنيسة من عقائد وقضايا إيمانية، إلا إنها تبقى في مسيرة دائمة نحو الحقيقة. وتترك دائما الكلمة الأخيرة لله.
قائمة المصادر والمراجع
1. الكتاب المقدس، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1991، الطبعة الثانية.
2. التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، ترجمة مجموعة من الدارسين، المكتبة البولسية، بيروت، لبنان، 1999.
3. صبحي حموي اليسوعي(الأب)، معجم الأيمان المسيحي، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1994.
4. أوغسطين دوبره لاتور (الأب)، دراسة في الاسكاتولوجيا، = سلسلة دراسات لاهوتية، ترجمة صبحي حموي اليسوعي، دار الشرق، بيروت، لبنان، 1994.
5. ايسذوروس البراموسي (الأب)، الصلوات الطقسية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مكتبة مار جرجس، شبرا، مصر، د.ت.
6. سليم بسترس (الأب)، اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر ج3، = سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، 4، المكتبة البولسية، بيروت، لبنان، 1988.
7. شنودة الثالث(البابا)، لماذا نرفض المطهر؟، القاهرة، 2000، الطبعة الثالثة.
8. فرنسوا فاريون اليسوعي (الأب)، فرح الأيمان بهجة الحياة، ترجمة صبحي حموي اليسوعي، دار الشرق، بيروت، لبنان، 1996، الطبعة الثالثة.
9. لودويغ اوت، مختصر في علم اللاهوت العقائدي ج2، ترجمة جرجس المارديني، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، لبنان، 1965.
10. لويس برسوم (الأب)، المطهر، المعهد الاكليريكى الفرنسيسكانى القبطي بالجيزة، القاهرة، 1984.
11. مكسيموس كابس (الأب)، لماذا نؤمن بالمطهر؟ ج2، مطبعة السلام، القاهرة، 1989، الطبعة الثانية.
الفهــرس
مقــدمـة…………………………………………………………………….. 1
الفصل الأول……………………………………………………………………. 2
أساسيات المطهر………………………………………………………………… 2
1- الدينونة الخاصة…………………………………………………………. 2
أولا- الدينونة الخاصة في الكتاب المقدس(ع. ج)……………………………….. 2
ثانيا: مفهوم الدينونة الخاصة………………………………………………….. 4
ثالثا: اعتراض على الدينونة الخاصة…………………………………………… 5
2- الخطيئة والعقاب………………………………………………………… 6
أولاُ: التفاوت بين الخطيئة……………………………………………………. 6
ثانياُ: عقاب الخطيئة…………………………………………………………. 8
الفصل الثاني……………………………………………………………………. 9
المطهر……………………………………………………………………….. 10
1. إثباتات العقيدة…………………………………………………………. 10
أولاً- الكتاب المقدس……………………………………………………….. 10
ثانياً- أقوال بعض الآباء عن المطهر………………………………………… 12
ثالثاً- صلوات الطقس القبطي……………………………………………….. 13
2. طبيعة المطهر…………………………………………………………. 14
أولاً- لماذا المطهر؟……………………………………………………….. 14
ثانياً- المطهر محبة مطهرة…………………………………………………. 16
3. اعتراضات على المطهر………………………………………………… 17
أولا- المعترضون……………………………………………………………………………………17
ثانيا- الاعتراضات………………………………………………………… 17
الخـاتمة……………………………………………………………………… 19
قائمة المصادر والمراجع …………………………………………………………………………………20
[1] صبحي حموي اليسوعي(الأب)، معجم الإيمان المسيحي، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1994،ص352.
[2] صبحي حموي اليسوعي، مرجع سابق، ص219.
[3] لويس برسوم(الأب)، المطهر، المعهد الاكليريكي الفرنسيسكاني القبطي، الجيزة، القاهرة، 1984، ص19.
[4] شنودة الثالث (البابا)، لماذا نرفض المطهر؟، الأنبا رويس، القاهرة، 2000، الطبعة الثالثة، ص112.
[5] لويس برسوم، مرجع سابق، ص42-47.
[6] اوغسطين دوبره لاتور، دراسة في الاسكاتولوجيا، = سلسلة دراسات لاهوتية، ترجمة صبحي حموي اليسوعي، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1994، ص115.
[7] تشبيه المطهر بالسجن غير مقبول عند البعض، ولكن هذه الكلمة استعملها السيد المسيح بالتأكيد ليس بمعناها الدارج، حيث أن كلامه يحمل معاني اعمق واشمل من اللفظ المستعمل.
[8] سليم بسترس(الأب)، اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر جزء3، = سلسلة الفكر المسيحي بين ألامس واليوم، 4، المكتبة البولسية، بيروت، لبنان، 1998، ص347.
[9] لودغ اوت، مختصر علم اللاهوت العقائدي، جزء2، ترجمة جرجس المارد يني، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، لبنان، 1965، ص152.
[10] المرجع السابق، ص152.
[11] اوغسطين دوبره لاتور، مرجع سابق، ص118.
[12]ايسذوروس البراموسي (الأب)، الصلوات الطقسية في الكنيسة الأرثوذكسية، مكتبة مارجرجس، شبرا، مصر، د.ت، ص178.
[13] الصلوات الطقسية في الكنيسة الأرثوذكسية، المرجع السابق، ص184.
[14] مكسيموس كابس (الأب)، لماذا نؤمن بالمطهر؟جزء2، مطبعة السلام، القاهرة، 1989، الطبعة الثانية، ص73.
[15] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، ترجمة مجموعة من الدارسين، المكتبة البولسية، بيروت، لبنان، 1999، ص317.
[16] الفارق بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية في الصلوات لأجل الموتى هو: الكنيسة الكاثوليكية تتشفع من اجل اكتمال التكفير أي العقوبة التي استوجبتها الخطيئة، في حين تتشفع الكنيسة الأرثوذكسية من اجل اكتمال غفران الخطيئة أي الحل من الخطيئة، راجع كتاب دراسة في الاسكاتولوجيا، مرجع سابق، ص119.
[17]فرا نسو فاريون اليسوعي(الأب)، فرح الإيمان بهجة الحياة، ترجمة صبحي حموي اليسوعي، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1996، الطبعة الخامسة، ص214.
[18] فرا نسو فاريون اليسوعي، مرجع سابق، ص214-215.
[19] المرجع السابق، ص215.
[20] شنودة الثالث(البابا)، لماذا نرفض المطهر؟، القاهرة، 2000، الطبعة الثالثة، ص70.
[21]لماذا نرفض المطهر، مرجع السابق، ص75-78.