المجامع المسكونية الأولى (أسبابها –تعاليمها)

ب- تعاليم آريوس الكرستولوجية:

يمكن تلخيص تعاليم آريوس عن الابن والروح القدس في النقاط الآتية:

1- إن الابن ليس أزلياً إذ أنه يوجد وقت ما لم يكن الابن موجوداً فيه مع إنه موجود قبل وجود الخليقة، وهذه الأخيرة قد وُجدت به، إلا أنه غير أزلي.

2- الابن غير أزلى وهو خليقة الله الآب مثل الخلائق الأخرى إلا أنه سابق لها.

3- الابن ليس من جوهر الآب بل من جوهر آخر فقد خرج من العدم بحسب مشيئة الله وقصده.

4- الابن متغير وليس ثابت.

5- إن معرفة الابن للآب محدودة وليست مطلقة ولا يستطيع الابن أن يُعلن لنا مَن هو الآب بطريقة كاملة.

6- إن الله الآب قد خلق الابن لأجلنا، لأنه عندما أراد أن يخلقنا فقد خلق كائناً يُدعى الكلمة أو الحكمة لكي نكون على صورته، فلو لم يرد الله خلق الخليقة لأصبح وجود الابن مستحيلاً.

7- إن المسيح الذي يتعبد له المسيحيون ليس إلهاً، ولا يملك الصفات الإلهية المطلقة مثل كونه كلي القدرة والعلم والحكمة، وكونه عديم التغير وأزلي.

8- بناء على ذلك فهو ليس إلهاً بذاته ومن ذاته ولكنه ارتقى إلى هذه الدرجة عن طريق رفع الله الآب له.

9- يعتقد آريوس بأن الروح القدس هو أيضاً أدنى من الآب وهو مخلوق أيضاً.

ويمكن تلخيص عقيدة آريوس في نقطتين هامتين:

·   كان آريوس يرى في الله الآب إلهاً عظيماً سامياً وبعيداً عن البشر وكل المخلوقات، وكان هذا الإله السامي يريد الاقتراب من هذه الخليقة.

·   فخلق الكلمة أو المسيح الذي هو أول كل الخليقة والذي أصبح عن طريق النعمة الممنوحة له من الله ثم عن طريق مثابرته وسعيه نحو الكمال حاصلاً على درجة اللاهوت بالتبني.

ثانياً: مجمع نيقية 325م

1- ألكسندروس وآريوس:

كان ألكسندروس أسقف الإسكندرية في ذلك الوقت شيخاً ضعيفاً ومريضاً وكان بجانبه الشماس أثناسيوس المتقد غيرة وحماسة، عندما سمع ألكسندروس بتعاليم آريوس استدعاه وناقش معه تعاليمه وطالبه بالرجوع عنها، إلا أنه لم يقبل فعقد ألكسندروس مجمعاً محلياً حوالي عام 320م حضره مائة أسقف مصري وليبـي، وقرّر المجمع حرمان آريوس.

2- ما قبل مجمع نيقية:

ذهب آريوس إلى قيصرية فلسطين وشرح لأسقفها (يوسابيوس القيصراني) تعاليمه فنصحه بالكتابة إلى يوسابيوس النيقوميدى الذي ساند آريوس كثيراً وقبله كاهناً في إيبارشيته، وطلب من أسقف الإسكندرية رفع الحرمان عنه ولكنه رفض، وخلال هذه الفترة ألّف آريوس كتاب المثالية الذي شرح فيه تعاليمه. عاد آريوس إلى الإسكندرية بعد فترة مع مجموعة من أتباعه، وبدأ ينشر تعاليمه عن طريق الترانيم والأناشيد، ولأن الإسكندرية ميناء عظيم وصلت تعاليمه إلى الكثير من بلاد الشرق والغرب.

3- مجمع نيقية:

علم الإمبراطور قسطنطين بهذه الانقسامات فأرسل الأسقف هوسيوسhosius  كوسيط بين آريوس وألكسندروس ولكن مهمته باءت بالفشل، بعد أن كان قد جمع معلومات كاملة عن الخلاف، وقام بإقناع الإمبراطور بعقد مجمع مسكوني بدأت جلساته في 19يونيو325م وحضره حوالي 318 أسقفاً من الشرق والغرب وكان في المجمع ثلاثة أحزاب هي:

* حزب آريوس: وعلى رأسه يوسابيوس النيقوميدي.

* الحزب المصرى: وعلى رأسه ألكسندروس وأثناسيوس.

* الحزب المحايد: وعلى رأسه يوسابيوس القيصراني.

قام يوسابيوس النيقوميدي بعرض قانون إيمان ولكنه رُفِضَ لأنه كان مليئاً بتعاليم آريوس. ثم قام يوسابيوس القيصراني بعرض قانون إيمان آخر ولكن الحزب المصرى اعترض عليه، وقام بتصحيحه وشدّد هذا القانون على أن يسوع المسيح هو الابن الوحيد المولود من الآب وأنه واحد مع الآب في الجوهر (هومسيوس) Homsios وكذلك ركّز على أنه مولود غير مخلوق. انتهى المجمع بإدانة بدعة آريوس.

 

(2) مجمع القسطنطينية الأول 381م

أ- ما قبل المجمع:

بسبب الطريقة التي اتبعها آريوس في نشر تعاليمه لم يستطيع مجمع نيقية القضاء على بدعته فاستمرت هذه التعاليم منتشرة، وكذلك ظهرت أيضاً بدعة جديدة هي بدعة مكدونيوس الرامية إلى إنكار لاهوت الروح القدس. لذا حينما تولى الإمبراطور ثاودوسيس الحكم دعا إلى عقد مجمع للقضاء على هذه التعاليم.

ب – مجمع القسطنطينية:

عُقد المجمع في مدينة القسطنطينية عام 381م، ترأسه القديس ملانيوس رئيس أساقفة إنطاكية، ولم يتم الاعتراف بالمجمع كمجمع مسكوني إلا في القرن الخامس عندما أقرّت روما قراراته.

ج- قرارات المجمع:

1) العقائدية:

– أقرّ المجمع قانون الإيمان النيقاوي وزاده بعض التفاصيل.

– أوضح المجمع التمييز بين الأقانيم الثلاثة وأكّد على ألوهية الروح القدس.

– أضاف إلى قانون الإيمان الجزء الخاص بسمات وعلامات الكنيسة والحياة الأبدية.

2) القرارات الإدارية:

كان من أهم القرارات الإدارية التي أُخذت في المجمع هو جعل كرسي القسطنطينية في المرتبة الثانية بعد كرسي روما وإعادة كرسي الإسكندرية إلى المرتبة الثالثة، وهذا القرار أثّر تأثيراً بليغاً في الأحداث الكنسية التي تلت ذلك، وبصفة خاصة في الصراع بين كنيستي القسطنطينية والإسكندرية.

 

 

(3) نسطوريوس ومجمع أفسس

مقدمة : الاتجاهات اللاهوتية في القرنين الرابع و الخامس:

كان هناك اتجاهان لاهوتيان أساسيان للتعليم في هذا الوقت:

1- الاتجاه الأول: الكلمة- جسد أو اللوغس- جسد

يشهد على اللاهوت (الكلمة صار جسداً) أي اللاهوت هو الذي يسيطر و يحكم و يقود الجسد وهذا هو اتجاه كنيسة الإسكندرية.

 2- الاتجاه الثانى : الكلمة – إنسان أو اللوغس- إنسان

علم إتباع هذا المذهب أن الله ظهر فعلاً ولكن في إنسان يُدعى يسوع الناصرى وكان هذا الإنسان كامل التكوين من روح عاقلة وجسد حقيقي وهذا هو اتجاه مدرسة إنطاكية.

ثم تحوّل الخلاف في القرن الخامس من حقيقة لاهوت وناسوت المسيح إلى كيفية اللاهوت بالناسوت.

** نسطوريوس:

أ- حياته :

وُلد نسطوريوس بعد عام 381م في مرعش شمال سورية، ويعتقد أنه ينحدر من عائلة فارسية، درس نسطوريوس في إنطاكية وكان راهباً زاهداً ومتقشفاً بدأ نجمه يلمع في سماء إنطاكية كواعظ مفوّه وخطيب قدير. فاتجهت الأنظار إلى واعظ إنطاكية الشهير نسطوريوس. نُصِّب نسطوريوس أسقفاً للقسطنطينية عام 428 في 10 أبريل وبدأ أسقفيته بخطاب حماسى ضد الهراطقة وطلب من الإمبراطور مساندته في القضاء على الهراطقة.

ب- تعاليمه:

1) حول مريم العذراء:

عندما قام اناستسيوس ( تلميذ نسطوريوس ) بإلقاء عظة قال فيها أنه لا يجوز القول بأن مريم هي أم الله، فاقترح نسطوريوس أن تُلقَّب مريم بأم المسيح لأن هذا اللقب بالنسبة له يعني إنها أم الله وأم الإنسان، وبالغ في تعاليمه لدرجة أن الشعب فهم منها أن مريم ولدت الإنسان فقط. وحينما حرم وورثيوس أسقف مركيانوبوليس مَن ينادى بمريم كأم لله لم يعترض نسطوريوس مما أدى إلى انفصال عدد من الإكليروس عنه. كان هدف نسطوريوس من رفضه للقب أم الله عدم الخلط بين أمومة مريم للمسيح وبين المفهوم الشعبى الوثنى للإلهات أو أمهات الإله.

2) تعاليم نسطوريوس الكرستولوجية:

حاول نسطوريوس أن يصف كل طبيعة من طبيعتي السيد المسيح بطريقة متميزة واضحة واعتبر اللاهوت كحقيقة واقعية وجوهر كامل في حد ذاته، جوهر قائم بذاته وفي ذاته وعلى ذاته، فاللاهوت طبيعة كاملة وكذلك الناسوت أيضاً هو جوهر كامل فى ذاته.

استخدم نسطوريوس كلمة “برسوبون” للتعبير عن الطبيعة (تفهم هذه الكلمة في الإسكندرية بمعنى شخص). وقال نسطوريوس في شرحه إن في المسيح طبيعتين وجوهرين مختلفين وكل طبيعة تحتوي على جوهر وعلى أقنوم (كلمة أقنوم عند نسطوريوس تعني المظهر الخارجي أو الهيئة و الشكل) وبالتالي فقد رأى في كل طبيعة للمسيح جوهرها الخارجي أو الهيئة والشكل الذي يميزها. رأى البعض أنه يتكلم عن وحدة بين الطبيعتين في المسيح، في حين رأى آخرون أنه فقط يتكلم عن وحدة ظاهرية بين هيئتين في المسيح وليس وحدة الطبائع.

يقول نسطوريوسإننا ننادي بوجود طبيعتين، توجد طبيعة لابسة وطبيعة ملبوسة يوجد بروسوبانان (هيئتان) البرسوبون اللابس“.

 

كيرلس و نسطوريوس:

أسباب الصراع بين كيرلس ونسطوريوس :

أ- الأسباب العقائدية :

1-   تمسّك كيرلس بالتعليم المنسوب لأثناسيوس  “واحدة هي الطبيعة الإلهية المتجسدة “.

2-   رفض نسطوريوس لفكرة أن ابن الله وُلد وتألم ومات وكذلك رفض لقب مريم أم الله.

ب- الأسباب السياسية:

1-   سعي كيرلس لنشر نفوذه وسلطانه في الشرق من الناحية الدينية والسياسية.

2-   الصراع القديم بين كرسي الإسكندرية والقسطنطينية على الأولوية بعد روما خصوصاً بعد مجمع القسطنطينية 381.

 

موقف روما من نسطوريوس :

أرسلت روما إلى الإسكندرية شماساً يبلغها بتعاليم نسطوريوس، فقامت روما بدون دراسة وافية لتعاليم نسطوريوس بعقد مجمع محلي بروما عام 430 حرمت فيه تعاليم نسطوريوس.

مجمع أفسس 431 :

بعد أن علم نسطوريوس بقرار مجمع روما 430 لجأ إلى الإمبراطور ثاودوسيس الثاني وطالبه بعقد مجمع يفصل في الخلاف القائم بينه وبين كيرلس. عُقِدَ المجمع في شهر يونيو عام 431 في مدينة أفسس وترأسه كيرلس الكبير بطريرك الإسكندرية وافتتحت الجلسة الأولى قبل وصول يوحنا رئيس أساقفة إنطاكية والوفد المرافق له. رشق المجتمعون نسطوريوس بالحرمان وأقروا أن مريم العذراء هي والدة الإله، وحين وصل السوريون رفضوا قرار المجمع وانفصلوا عن كيرلس ولكن كيرلس تفاهم معهم إلى أن وصلوا لصيغة مشتركة فاعترفوا بأنه في المسيح يوجد شخص واحد.

نفي الملك نسطوريوس إلى شرق الأردن ثم إلى الصحراء الواقعة بين مصر وليبيا. وحتى اليوم مازال أناس يتبعون النسطورية ولا يزيد عددهم عن النصف مليون وهم النساطرة والآشوريين ويقطن أغلبهم في إيران والعراق.

 

 (4) أوطيخا ومجمع خلقدونية

أ- أوطيخا :

كان أوطيخا رئيس دير القسطنطينية من المتحمسين لعقيدة الطبيعة الواحدة في شخص الرب يسوع، كان ضد نسطوريوس والنسطورية وقام بإحياء تعاليم كيرلس الكبير والمناداة بطبيعة واحدة للإله المتجسد (حسب الآراء المنسوبة للقديس أثناسيوس). كان أوطيخا محدوداً جداً في دراساته وإطلاعه، لذا ظن أن القديس كيرلس يعلِّم بوجود طبيعة واحدة في المسيح، إلا أنه تطرّف جداً وابتعد كثيراً عن مفهوم تعاليم القديس كيرلس عن الوحدة.

ب- تعاليم أوطيخا :

يعترف أوطيخا ويعلِّم بوجود طبيعتين، فعندما سأله رئيس الأساقفة فلافيانوس “هل تؤمن بأن السيد المسيح الذي وُلد من العذراء كان مكوّن من طبيعتين؟” أجاب قائلا “إني أؤمن بأن سيدنا يسوع المسيح كان مكوّن من طبيعتين قبل التجسّد أو الاتحاد، ولكن بعد التجسّد لا توجد فيه إلا طبيعة واحدة“.

كذلك فهم أوطيخا عملية التجسّد كما لو كانت عملية اختلاط أو امتزاج بين الطبيعتين، فالطبيعتان الموجودتان المنفصلتان قبل التجسد، صارتا طبيعة واحدة بعد التجسد، ومع أنه يعترف بأن الناسوت لم يتلاش تماماً بعد الاتحاد، إلا أنه يعتقد بأن اللاهوت أقصى الناسوت، الذي ذاب في اللاهوت كما تذوب نقطة خل في محيط ماء، كذلك كان يرى أن جسد المسيح ليس من طبيعة جسدنا البشري.

ج- الحكم بحرم أوطيخا :

في 8 نوفمبر عام 448 عقد فلافيانوس رئيس أساقفة القسطنطينية مجمعاً محلياً ناقش تعاليم أوطيخا وحاول رده عنها دون جدوى فقرّر المجمع حرمانه لضلال تعاليمه، فكتب أوطيخا تظلماً إلى مجامع روما والإسكندرية وأورشليم في قرار حرمانه.

     وجد أوطيخا نعمة في عينى ديسقورس بطريرك الإسكندرية، فهب للدفاع عنه ضد فلافيانوس لأسباب كثيرة يأتي السياسي منها قبل العقائدي. كذلك تظلم أوطيخا لدى الإمبراطور الذي نادى بعقد مجمع في مدينة أفسس.

** مجمع أفسس 449 (مجمع اللصوص) :

أصدر الإمبراطور ثيئودوسيوس الثاني في يوم 30 مارس 449 قراراً بعقد المجمع في مدينة أفسس في أول أغسطس من نفس العام. ولكن المجمع لم يبدأ فعلياً قبل يوم 30 أغسطس 449 وصلت الوفود إلى أفسس وكان ديسقورس بطريرك الإسكندرية على رأس وفد كبير كذلك وصل وفد روما المكوّن من أسقفاًَ وشماساً.

وصل عدد الأساقفة في المجمع إلى 130 أو 140 أسقفاً، أسندت رئاسة المجمع إلى ديسقورس بطريرك الإسكندرية الذي كان يناصب فلافيانوس العداء، قام ديسقورس بمناصرة أوطيخا ومنع مندوبي البابا لاون (بابا روما) من قراءة رسالته، وقد قام المجمع بحرم فلافيانوس ونفيه بعد تعذيبه حتى أنه مات في الطريق لذا أُطلق على هذا المجمع »مجمع اللصوص أو لصوصية أفسس«.

 

(5) مجمع خلقدونية 451

لم يرض البابا لاون الكبير عن ما تم في مجمع أفسس، لذا قام بدعوة الإمبراطور بالمناداة بعقد مجمع جديد ولكن الإمبراطور لم يستجب، قامت أخت الإمبراطور يوليكاريا بالاستجابة لطلب البابا لاون بعد وفاة أخيها.

بدأ المجمع أعماله في 8 أكتوبر عام 451 وقد عيَّن البابا لاون الأسقف باسشاسينوس رئيساً للمجمع من قبله.

حضر المجمع نحو 220 أسقفاًَ من كل المسكونة، أمر المجمع أن يجلس ديسقورس في وسط المجمع كمتهمٍ ولا يجلس مع الأساقفة لأنه أساء استغلال سلطته كرئيس لمجمع أفسس.

أ- تعاليم المجمع:

·   أقر المجمع بوجود طبيعتين في المسيح، ولكن ديسقورس اعترض وأراد القول “المسيح من طبيعتين” ولكن المجمع أقر “في المسيح طبيعتين كاملتين متميزتين في أقنوم واحد“.

·       قرر المجمع حرمان ديسقورس وعزله من منصبه، كما حكم المجمع بتجديد حرم أوطيخا وتبرئة ساحة فلافيانوس.

ب- الانشقاق:

رأى الأقباط أن المجمع ضد تعاليم كيرلس فقاطعوه واستقلوا وكوّنوا المونوفيزيّة أي أصحاب الطبيعة الواحدة، الذين عرفوا فيما بعد بالأقباط الأرثوذكس ورفضوا الشركة مع روما و القسطنطينية ولُقِبوا (بالغير خلقدونيين). كذلك انشق عدد من الرهبان السريان على المجمع، وتبعهم مجموعة من المجمع نقضوا شركتهم مع روما (السريان الأرثوذكس).

 

عن مجلة صديق الكاهن