نبذة تاريخية عن كنيسة الأقباط الكاثوليك

عيّن القديس مرقس قبل موته أنيانوس ليخلفه في الرئاسة على كرسي الإسكندرية، ثم تتابع الخلفاء على هذا الكرسي وقد اشتهروا بالعلم والفضيلة والنضال عن الحق حتى استحق أغلبهم إكليل الشهادة من أجل المسيح مع عدد وفير من رعاياهم المؤمنين. دام ازدهار الكنيسة الإسكندرية إلى منتصف القرن الخامس. ففي أوائل هذا القرن اعتلى الكرسي الإسكندري القديس كيرلس (412-444م) وواصل أعمال سلفائه في النضال والكفاح، وترأس المجمع المسكوني الثالث المنعقد بأفسس في آسيا الصغرى سنة 431م حيث حرم تعاليم نسطور الخادعة. وفي سنة 444م خلفه في الرئاسة البابا ديوسقورس، وفي عهده حدث انشقاق بين الكنيسة الإسكندرية وكنيسة روما سنة 451م على إثر انعقاد المجمع الخلقيدوني وتبع بطريرك الإسكندرية أغلب الشعب المسيحي المصري من إكليروس وعلمانيين بسبب ما كان له من نفوذ وشأن في رعاياه. وتمسّك عدد قليل من المصريين بقرارات المجمع فأقيم لهم الأنبا بروتيريوس بطريركاً بدلاً من الأنبا ديوسقورس الذي مات في غنجرا عام 454م. وبعد موت الإمبراطور مرسيانوس سنة 457م أقام أتباع ديسقورس لهم بطريركاً في شخص تيموتاوس ايلير، وبعد أيام قلائل قتل بروتيريوس أثناء إقامته مراسيم أسبوع الآلام يوم 28 مارس سنة 458م. وعامل الأنبا تيموتاوس الشعب الذي بقي أميناً لتعاليم المجمع معاملة قاسية طارداً أساقفتهم من كراسيهم ومقيماً بدلاً منهم أساقفة تابعين له. فلما رأى ذلك الإمبراطور لاون الأول نفاه سنة 460م بعد أن استشار جميع أساقفة الكنيسة وأقام بدلاً منه بطريركاً كاثوليكياً يُدعى تيموتاوس سالوفاكيوس، ومنذ ذلك الحين انقسمت الكنيسة الإسكندرية إلى فريقين: فدعا المنشقون الفريق التابع للمجمع الخلقيدوني باسم “ملكيين” نسبة إلى الملك الإمبراطور الذي كان من عقيدتهم، كما أطلق الخلقيدونيون على معارضيهم لقب “مونوفيزيين” أي أصحاب الطبيعة الواحدة.

 

بدأ الأنبا سالوفاكيوس يدير الكنيسة في هدوء وسلام مدة 15 سنة إلا أنه سنة 475م لجأ إلى الانفراد في ديره وانتهز تيموتاوس ايلير فرصة قدوم الإمبراطور باسيليكوس المؤيد له ورجع من منفاه إلى الإسكندرية حيث قوبل بحفاوة.

 

وفي السنة التالية تسلّم الإمبراطور زينون الحكم وحاول مصالحة الفريقين فرجع الأنبا سالوفاكيوس إلى منصبه وهكذا صار للكرسي الإسكندري بطريركان: واحد كاثوليكي متحد بكراسي روما والقسطنطينية وأورشليم والآخر منفصل عنها. واتبع أغلب الشعب المسيحي المصري هذا الأخير. أما أتباع البطريرك الكاثوليكي فكان عددهم أقل من الآخرين، ويتغلّب عليهم العنصر البيزنطي لا سيما وأن البطاركة الذين تتابعوا في هذه السلسلة كان أغلبهم من الأجانب ولو أنهم حافظوا على الطقس الإسكندري. وعلى مرّ السنين اتبعوا كرسي القسطنطينية في الأجيال الوسطى بين الجيل العاشر والجيل الثالث عشر واتخذوا أيضاً الطقس البيزنطي، وقد سبق الملكيون الخاضعون لكرسي أنطاكية أن تركوا هم أيضاً طقسهم الإنطاكي واتخذوا الطقس البيزنطي في أواخر القرن الحادي عشر، في أيام البطريرك الإنطاكي الكاثوليكي يوحنا الرابع. ولم تشترك الكنائس الملكية رأساً في الخلاف بين روما والقسطنطينية أيام فوثيوس، وظلت العلاقات قائمة بينها وبين روما على قدر ما تسمح به الظروف آنذاك. ولم يتأصّل الانفصال في البطريركيات الملكية إلا عندما تسلّم زمام إدارتها الروحية الإكليروس القسطنطيني.

 

وخلال العصور الوسطى ظلّ الملكيون في مصر قليلو العدد، وأقام بطاركتهم في القسطنطينية في غالب الأوقات- وقد اشتهر بينهم البطريرك مرقس (1180-1209) الذي استعمل خدمة قداس يوحنا الذهبي الفم بدلاً من خدمة قداس القديس مرقس التي كانت سائدة في الكنيسة القبطية. وقام بعده نيقولاوس الأول (1210-1243) واتحد بكنيسة روما وأرسل عنه ممثلاً إلى المجمع اللاتراني الرابع (1215) وقد سمح له البابا إينوسنيوس الثالث برسامة كاهن لاتيني للقيام بخدمة الأسرى الغربيين خلال حملات الفرنجة على مصر، إلا أن كثيرين منهم رجعوا إلى حضن الكنيسة الكاثوليكية وخصوصاً في القرن الثامن عشر فأقيم لهم بطريرك كاثوليكي على كرسي أنطاكية عام 1724م باسم كيرلس السادس. ثبّته البابا بنديكتس الثالث عشر سنة 1724م. أما الذين تمسكوا بإيمانهم الكاثوليكي والذين ارتدوا من الخاضعين لكرسي الإسكندرية وكرسي أورشليم فإنهم أُخضعوا للبطريرك الأنطاكي لقلة عددهم بموجب قرار صدر من مجمع انتشار الإيمان بتاريخ 13 يوليو عام 1772م. وهذا يثبت أن الكاثوليك المصريين لم ينقطعوا أبداً إلا أن إدارة كنيستهم آلت إلى البطريرك الملكي إلى أن استقلوا عنه سنة 1741م. وقد حافظ المصريون على طقسهم الإسكندري، الذي تغلبت فيه اللغة القبطية على اليونانية.

 

وبعد الفتح الإسلامي تسربت إليه اللغة العربية التي لم تُعتمد رسمياً في الطقوس الدينية إلا في القرن الثاني عشر، وقد اعتمدها البطريرك غبريال الثاني بن تريك (1131-1145م). وكانت كنيسة روما تحاول بشتى الطرق إرجاع الصلة المتينة التي كانت بينها وبين كنيسة الإسكندرية[1].

 

وفي أواخر القرن السابع عشر استوطن بعض المرسلين الكاثوليك صعيد مصر فانضمت إليهم جماعات من الأقباط فأسس لهم بابا روما ولاية رسولية سنة 1687 برعاية الآباء الفرنسيسكان وتم اختيار بعض الشباب الغيورين وإرسالهم إلى جامعة انتشار الإيمان بروما إعدادهم للكهنوت وعلى رأس هؤلاء أبو الخير بشارة من صدفا الذي توفى في روما برائحة القداسة وغيره كثير سوف يرد ذكرهم خلال الفصل الرابع من هذا الكتاب.

 

وتزايد عدد الأقباط الكاثوليك تدريجياً منذ ذلك الحين،. ففي عام 1739م انضم إلى الكثلكة أسقف أورشليم القبطي أنبا أثناسيوس، وكان يقيم بالقاهرة. فعهد إليه البابا بنديكتوس الرابع عشر رعاية الأقباط الكاثوليك بصفة نائب رسولي وذلك ببراءة صدرت في 4 أغسطس 1741م، وخلفه وكيله العام صالح مراغي منذ عام 1744 إلى 1748م، ومن بعده عهدت الإدارة بالتتابع لثلاثة من رؤساء الإرسالية الفرنسيسكانية، ثم إلى الأنبا أنطونيوس فليفل الذي كان أسقف مدينة جرجا عام 1758م، ثم إلى روكسي قدسي من عام 1780-1781م. وهكذا تتابع النواب الرسوليون والمديرون كما هو مبين في القائمة إلى أن أعيد للأقباط الكاثوليك بطريركهم الخاص. فقد أعيد نهائياً الكرسي البطريركي الإسكندري للأقباط الكاثوليك بقرار أصدره البابا لاون الثالث عشر بتاريخ 21 نوفمبر 1895م (منشور بعنوان المسيح الرب). وشغل هذا الكرسي بعد شغوره مئات السنين مثلث الرحمات غبطة الأنبا كيرلس الثاني منذ عام 1899 إلى عام 1908م. وظل الكرسي شاغراً إلى أن تعيّن له غبطة البطريرك مرقس الثاني بعد أن أدار زمامه ما يزيد على العشرين سنة كمدير رسولي وقد سبقه الأنبا مكسيموس صدفاوي.

 

اعتباراً من عام 1950 قام ثلاثة من الآباء اللعازريين بتنشئة الشمامسة في مبنى الإكليريكية في طنطا.

 

وفي عام 1953 طلب الكاردينال أوجين تيسران من الآباء اللعازريين إدارة المعهدين المتوسط والكبير للإكليريكية في مبناها الجديد بالمعادي. لبى هذا النداء فريق مكون من تسعة من الآباء اللعازريين ذوي التخصصات.

 
أنظر أيضا قائمة النواب والمديرين الرسوليين والبطاركة الذين تولوا إدارة الكرسي الإسكندري بعد أن استقلوا عن الكرسي الإنطاكي الملكي عام 1741م إلى أيامنا (تحت عنوان البطاركة والأساقفة – تاريخ الكنيسة)






[1] اهتم الكرسي الرسولي مراراً بهذا الأمر، ففي عام 1440م مثلاً أوفد البابا أوجانيوس الرابع رسلاً إلى البطريرك الإسكندري يوحنا الحادي عشر يدعوه إلى المجمع الفلورنتيني وفعلاً قبل البطريرك الدعوة، وأوفد رئيس دير القديس أنطونيوس ودير الأنبا بولا على رأس وفد مؤلف من اثنين وعشرين راهباً من أقباط وأحباش ووقع باسم البطريرك على قرار الاتحاد يوم 4 فبراير 1442م، ولكن القرار لم ينفذ لعدة أسباب ولا يسعنا هنا أن نذكر عناية البابوات قبل وبعد هذا التاريخ واهتمامهم بمصر والأقباط خاصة.