تهديد المتطرفين يرغم آلاف المسيحيين على الفرار من العراق

تهديد المتطرفين يرغم آلاف المسيحيين على الفرار من العراق

مساعِ لتشكيل منطقة حكم ذاتي لحماية الأقليات
\"\"
بغداد، 25 مايو 2007 (zenit.org).  – طاولت آثار التدهور الامني المتصاعد في العراق جميع العراقيين ومنهم الأقليات العرقية والدينية التي بدأت موجة نزوح متسارعة الخطى منذ غزو العراق في ابريل 2003، حسب ما أفادت به جريدة المستقبل في بغداد.

وقد اجبرت أعمال العنف العوائل المسيحية المقيمة في مناطق مختلفة من بغداد او في محافظات جنوبية كالبصرة وذي قار على الهرب من مناطق سكنهم واللجوء الى مناطق اكثر أمناً في العراق، وخصوصاً في اقليم كردستان، او الهجرة الى الخارج لدول الجوار كالاردن وسوريا فضلاً عن دول اوروبية عدة تمنحهم حق اللجوء.

والمثير ان موجات النزوح التي تقوم بها العوائل التي تنتمي الى الأقليات الدينية لا تقتصر على المسيحيين فقط، وانما على "الصابئة المندائيين" وهي ديانة قديمة في العراق، وينتشر افرادها قرب الانهار، ويبلغ عددهم حالياً نحو 20 الف نسمة بعدما كان عددهم في السبعينيات من القرن الماضي يصل الى أكثر من مئة الف نسمة، حيث اجبروا على التخلي عن مناطق سكنهم الأصلية.

وجاء في مقال لجريدة المستقبل بأن "هؤلاء يتعرضون في مناطق من بغداد وبعض المحافظات الجنوبية وحتى في الموصل (شمال العراق) الى تهديد متواصل، حيث قام متطرفون يعتقد انهم من تنظيم "القاعدة" بتهديد عشرات العوائل التي تقطن في منطقة الدورة (جنوب بغداد)، ووضع المسيحيين امام خيارات مرة "إما التخلي عن معتقداتهم واعتناق الإسلام او دفع الجزية، أو الرحيل عن العراق وترك ممتلكاتهم غنائم للمسلمين، أو مواجهة القتل بالاضافة الى اجبارهم في حال البقاء على تزويج بناتهم من متطرفي القاعدة".
هذه الخيارات المرة فرضت على نحو 100 عائلة مسيحية الهرب من منازلهم واللجوء الى مناطق اكثر هدوءاً في بغداد او الى السفر خارج العراق، كما تشير بعض المعلومات الى ان الميليشيات الشيعية في بعض مناطق الجنوب تمارس ضغوطاً كبيرة على تحركات وتنقل ابناء هذه الديانات وتمارس معهم الترويع والتهديد مما يدفع بهم للنزوح عن مناطق سكنهم.

ويقول رئيس "لجنة المرحلين والمهجرين" في مجلس النواب العراقي عبد الخالق زنكنة "ان ما يجري للمسيحيين او الاقليات الاخرى في العراق امر مخطط له من قبل المتطرفين ضمن سيناريو ينطلق لدوافع دينية او خارجية مرسومة لافراغ العراق من ابنائه وكفاءاته، ومحاولة خلق الفوضى وعدم الاستقرار، وهي محاولة تهدف ايضاً الى فرض الارادات من قبل الاكثرية على الاقلية وهذا امر مرفوض".

واشار الى ان اقليم كردستان استقبل الالاف العوائل المسيحية المهجرة والمرحلة من مناطق في بغداد والموصل والعمارة والناصرية والبصرة، مؤكداً "ان جميع مكونات وشرائح المجتمع العراقي تتعرض الى التهجير داخل وخارج العراق". واوضح انه "لا يمكن ان يقدم أي تقارير رسمية او ارقام بشأن اعداد المهاجرين من العوائل المسيحية الى خارج العراق او الى مناطق كردستان كون التهجير يشمل الجميع الا انه ذكر ان اعدادهم تتجاوز الالاف العوائل".

ويرى كثير من المراقبين ان دور الحكومة العراقية غير فعال في هذا الجانب، وعدم جديتها في حماية ابناء الاقليات الدينية في العراق خصوصاً ان الدستور العراقي نص على حماية الاقليات الدينية في البلاد وضمن مشاركتها في الحياة السياسية في العراق وفي مختلف المجالات، مؤكدين على ضرورة تدخل الحكومة العراقية وقواتها الامنية لتوفير الحماية لمناطق المسيحيين وضمان حرية الممارسة الدينية والعقائدية.

كما يسعى ناشطون عراقيون في مجال حقوق الانسان الى القيام بحملة دولية لشرح ما يجري في العراق تجاه الأقليات الدينية والأثنية للمساعدة في تحقيق الأمن الكامل لكل العراقيين بغض النظر عن معتقداتهم وإستعادة حقوقهم وأملاكهم مع تأكيد حقهم في الحياة الآمنة وضمان إقامتهم لشعائرهم الدينية بكل حرية كما يضمنها الدستورالعراقي.

وتتركز الكثير من العوائل المسيحية في كمب سارة والكرادة والدورة والبتاويين، ومناطق اخرى متفرقة، كما تنتشر الكنائس والاديرة في مختلف المناطق، الا ان تردد المصلين اليها اصبح شبه معدوم، وخصوصا الكنائس التي تقع في مناطق ساخنة، واقتصار الكثير منها على استقبال المصلين ضمن مناطق سكنهم حيث تعرضت الكثير منها الى اعمال التفجير بسيارات مفخخة اوقعت العشرات من القتلى في اعنف هجمات تستهدف المسيحيين في العراق. كما وتعرض عدد كبير من رجال الدين الى اعمال قتل واختطاف.

واستمرت معاناة هذه العوائل حتى بعد استقرارهم في مناطق آمنة نسبيا كاقليم كردستان العراق او دول الجوارحيث يوصف وضعهم بالصعب بسبب عدم توفر فرص عمل وغلاء المعيشة.

ويقول ممثل الكلدان في البرلمان العراقي ابلحد افرام ان الشهر الحالي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في مستوى استهداف المسيحيين، وحسب الاحصاءات الموجودة لدى الجهات الكنسية، بلغ عددهم في اقليم كردستان وحده نحو 7500 عائلة، فيما تقدر المصادر ان عدد العوائل النازحة الى دول مجاورة يبلغ نحو 40 الف عائلة، تعيش ظروفاً مأسوية.

ودعا الحكومة العراقية الى شمول المناطق المسيحية بالخطة الامنية وضرب اماكن تواجد المسلحين، الذين يحمل بعضهم جنسيات افغانية وعربية وينتمي اغلبهم الى تنظيم "القاعدة"، محذرا من ان "استمرار الاعتداء عليهم قد يجبر البعض منهم على التفكير باللجوء الى القوة، على الرغم من اننا نرفض ذلك ونحترم القانون".

وذكرت تقارير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ان الكلدوآشوريين والصابئة المندائيين يشكلون نسبة 40 في المئة من اللاجئين الذين فروا من العراق في السنوات الماضية، على الرغم من ان هذه الأقليات تمثل ثلاثة في المئة فقط من سكان العراق، حيث تشير تقارير اخرى الى ان "قرابة 7 في المئة من المهجرين هم مسيحيون، ثم ان هناك نسبة قليلة جداً تقل عن واحد في المئة تمثل الصابئة المندائيين والأيزيديين".

كما ان تقريرا صدر مؤخرا عن لجنة في الكونغرس الاميركي انتقد بشكل كبير الحكومة العراقية بسبب عدم حمايتها للاقليات الدينية في العراق، او بسبب تقييد الحريات الدينية لهذه الاقليات.

وحسب متابعين لشؤون المسيحيين في العراق، يسعى العديد من الشخصيات الى انشاء منطقة حكم ذاتي للشعب الكلداني الاشوري السرياني في منطقة سهل نينوى او أي منطقة امنة في شمال العراق لتوفير الحماية الاجتماعية لهم بعد معاناة مع القتل والترويع والتهجير على يد المتطرفين.

ويؤكدون ان هذا المسعى يحظى بدعم حكومة اقليم كردستان ومساندتها، وخصوصا بعد اجتماع عقد قبل نحو شهرين في اربيل حضره عدد من الشخصيات الكلدانية والاشورية والسريانية في العراق والعالم حيث يأمل هؤلاء مساندة جهودهم لتحقيق الحكم الذاتي من اجل المساهمة باعادة الالاف العوائل التي اضطرتها اعمال العنف الى الفرار خارج البلاد وتشكيل منطقة آمنة يستطيعون العيش فيها بسلام.