عقيدة زواج غير المؤمنين عند الكاثوليك؟؟؟؟

جاء إلى الموقع هذا السؤال: عقيدة زواج غير المؤمنين عند الكاثوليك؟؟؟؟ وقد رأينا أنه من المهم أن نطرح السؤال والإجابة عليه تحت باب سؤال وجواب ليستفاد منه الجميع:

 

نص السؤال (أنظر أسفل)

 

نص الإجابة

الابن المبارك

بداية أشكرك على هذا السؤال المهم والذي سيتيح لنا الفرصة لتوضيح بعض الأمور التي، وكما يتضح في سؤالك، تغيب عن كثيرين:

 

أولاً: أود أن أؤكد لك أن هدف الموقع ليس التجريح أو المهاجمة أو التقليل من أي شخص أو كنيسة أو جماعة ولهذا فأنا أطلب منك التكرم بطرح أسألتك بطريقة منهجية ودون التقليل من أحد. ومن باب الوقت أطلب منك طرح سؤال واحد وعند الانتهاء منه يمكنك طرح السؤال الثاني وهكذا.

 

ثانياً: عندما تطرح سؤالاً، أيها الفاضل، لا يجب أن تطرحه بناءً عن ما قاله لك بعض الأشخاص غير المتعمقين، فالمنهج العلمي يقوم على رؤية الأشياء كما هي وليس كما نراها، فطرحك لسؤال زواج الكاثوليك من غير الكاثوليك يؤكد "عدم معرفتك" بما يقوله الكاثوليك وبما يؤمنون به. فأنت تقدم السؤال وكأن الكاثوليك (مليار ونصف مسيحي) لا يفهمون تعاليم القديس بولس الرسول ولا كلمات السيد المسيح، وهذا بالطبع لا يعبر إلا عن عدم تعمقك في الموضوع. وهذا ليس غريبا فقد تعودنا في ثقافتنا العربية إثبات أنفسنا بمهاجمة الآخرين، رفع شأننا بتحقير الآخرين، ورفض كل الآراء الأخر لأننا وحدنا نملك الحقيقة والآخرون هم في "ضلال مبين". ولهذا فأنا أرجوا أيها الأخ الكريم التكرم بقراءة ما يقوله الكاثوليك وليس فقط ما يقوله غير الكاثوليك عنهم. فعنوان سؤال: "عقيدة زواج غير المؤمنين عند الكاثوليك؟؟؟؟  والأمر لا يتعلق بأي عقيد بل بتنظيم كنسي، كما سأشرح لك لاحقا. وكلمة عقيدة هي أكبر من استخدامها بدون حساب وبدون علم.

 

ثالثاً: في سؤالك الكريم خلط بين أمرين: الأول زواج الكاثوليك من غير الكاثوليك، والثاني "الإنعام البولسي" وهما أمران مختلفان تماما ولا علاقة بينهما.

 

رابعاً: المفهوم الكاثوليكي للزواج من غير المؤمنين:

 

1- مفهوم سر الزواج بحسب الإيمان الكاثوليكي: يعرف القانون الكنسي الزواج بأنه: "ق. 776: البند 1 – إن عهد الزواج الذي وضعه الخالق وحصّنه بشريعته، وبه يقيم الرجل والمرأة، برضاهما الشخصي الذي لا رجعة فيه، شركة بينهما تشمل الحياة بأسرها، مرتب بطبيعة أمره لخير الزوجين وإنجاب البنين وتربيتهم. البند 2- بترتيب من المسيح، الزواج الصحيح بين المعمّدين هو سر بذات الفعل، به يجمع الله بين الزوجين على مثال الاتحاد السرمدي بين المسيح والكنيسة، ونعمة السر تمنحهما نوعاً من التكريس والحصانة. البند 3- للزواج خاصتان جوهريتان: الوحدة وعدم الانحلال، وتكتسب كلتاهما، بفضل السرّ، استقراراً خاصاً في الزواج بين المعمدين". وبالتالي فالزواج لكي يكون صحيحا يجب أن يكون بين رجل وإمرأة معمدين لأنه كسر اتحاد المسيح بالكنيسة.

 

2- الزواج من غير الكاثوليك: يحكم الزواج الشرع الإلهي والشرع الكنسي: وهنا يؤكد القانون الكنسي رقم 780 ما يلي: "البند 1- يحكم زواج الكاثوليك، حتى إذا كان طرف واحد كاثوليكياً، لا الشرع الإلهي فحسب، بل القانون الكنسي أيضاً، مع عدم الإخلال باختصاص السلطة المدنية، في ما يتعلق بآثار الزواج المدنية المحض. البند2- الزواج بين طرف كاثوليكي وآخر معمّد غير كاثوليكي، مع عدم الإخلال بالشرع الإلهي، يحكمه أيضاً: (1) الشرع الخاص بالكنيسة أو الطائفة الكنسية التي ينتمي إليها الطرف غير الكاثوليكي، إذا كان لهذه الطائفة قانون زواج خاص؛ (2) الشرع الذي يخضع له الطرف غير الكاثوليكي، إذا لم يكن للطائفة الكنسية التي ينتمي إليها قانون زواج خاص.

 

وبالتالي فإن الكنيسة الكاثوليكية لا يمكنها أن تفرض أو تتغاضي أو تغض النظر عما يتعلق "بالشرع الإلهي" أي كل ما أسسه الله من شرائع ومن وصايا موجودة في الكتاب المقدس. ولكن عندما يتعلق الأمر بغير الكاثوليك فإن الكنيسة الكاثوليكية وبالإضافة إلى احترامها المطلق للشرع الإلهي فإنها تحترم أيضا "الشرع الكنسي" الخاص بغير الكاثوليك. فهي مثلا لا تعيد معموديتهم ولا تكفرهم ولا تعاملهم وكأنهم خراف ضالة، لأن هذا يخالف "الشرع الإلهي" و"الشرع الكنسي".

 

3- زواج الكاثوليك من غير المعمدين: يقول القانون الكنسي صراحة: "ق. 803: البند1- لا يمكن الاحتفال بالزواج على وجه صحيح مع غير معمّدين". وبالتالي فإن القانون الكاثوليكي يوضح أنه لا يمكن الزواج مع غير المعمدين، أي غير المسيحيين. فأحد موانع الزواج هو مانع "اختلاف الدين" أنظر ق. 802.

 

4- ولكن لأن المنع ليس إلهيا بل كنسيا، أي خاضع للشرع الكنسي وليس للشرع الإلهي (فلا توجد في الكتاب المقدس آية تقول أنه لا يمكن الزواج من غير المعمدين) فإن للكنيسة المقدسة الحق في التفسيح من هذا المانع لأسباب مهمة وتحت شروط لا يمكن التنازل عنها.

 

5- شروط التفسيح من مانع "إختلاف الدين"بحسب ق. 814 "بوسع الرئيس الكنسي المحلي، منح هذا الترخيص لسبب صوابي؛ لكن لا يمنحه ما لم تتمّ الشروط التالية: (1) أن يعلن الطرف الكاثوليكي عن استعداده لدفع خطر ترك الإيمان، ويعد وعداً صادقاً بأنه سيبذل كل ما في وسعه لتعميد جميع أبنائه وتربيتهم في الكنيسة الكاثوليكية؛ (2) أن يُحاط الطرف الآخر في حينه علماً بهذه الوعود، الواجب أن يؤديها الطرف الكاثوليكي، ليتضح أن ذلك الطرف أدرك حقاً وعود الطرف الكاثوليكي وواجباته؛ (3) يجب تلقين الطرفين أهداف الزواج وخصائصه الجوهرية التي يجب ألا يستبعدها أي من المخطوبين". وبالتالي فهناك ثلاث شروط من أجل التفسيح إن لم تتوفر فلا يمكن للرئيس الكنسي أن يمنح هذا التفسيح

(أ) التعهد الكتابي من قبل الطرف الكاثوليكي بعدم جحد الايمان المسيحي؛

(ب) التعهد الكتابي من قبل الطرف غير المسيحي بعدم إجبار الطرف الكاثوليكي على تغيير دينه؛

(ج) التعهد الكتابي من قبل الطرف غير الكاثوليكي بتعميد الأولاد في الإيمان المسيحي وبتربيتهم بحسب تعاليم الكنيسة. ويضاف على ذلك أن الطرف غير المسيحي يجب أن يتعلم شروط وواجبات الزواج المسيحي (الديمومة وعدم الانحلال) وكل ما يتعلق بسر الزواج من قدسية لكي يشارك الطرف الكاثوليكي "إيمانه المسيحي" بالزواج كسر مقدس.

 

6- لأن هذه الشروط غير ممكنه مع بعض الديانات، مثلا مع الدين الإسلامي، فالكنيسة الكاثوليكية لا تمنح التفسيح على الإطلاق، ما لم تعهد الطرف غير المسيحي بكل ما سبق. ويكفي القول بأنه في مصر لم يمنح هذا التفسيح على الإطلاق حتى الآن. وفي هذا تأكيد على جدية الكنيسة الكاثوليكية في احترام الشرع الإلهي والشرع الكنسي من ناحية ومن ناحية أخرى انفتاحها واحترامها لحق كل انسان في الزواج "حق طبيعي".

 

7- مفهوم التفسيح أو"الإنعام البولسي": كما يتضح من الاسم فهو يعود للقديس بولس الرسول، وهو إنعام لا يعطي بعد الزواج بل قبله. ولا يعطى من أجل التفسيح أو السماح بزواج بين طرف مؤمن وطرف غير مؤمن. لأن "الانعام البولسي" يعطي للطرف الذي اعتنق الإيمان المسيحي بعد اعتناقه، أي بعد قبوله سر المعمودية المقدس. وهذا هو نص القانون الكنسي الذي يتكلم عن هذا الأمر ق. 854 "البند1 – الزواج المبرم بين طرفين غير معمدين، ينحل بحكم الشرع بناء على الامتياز البولسي، في صالح إيمان الطرف الذي يقبل العماد، إذا احتفل هذا الطرف بزواج جديد وبشرط أن يهجره الطرف غير المعمّد. البند 2- يعتبر الطرف غير المعمد قد هجر إذا رفض مساكنة الطرف المعمّد بسلام ومن غير إهانة الخالق، ما لم يُتح الطرف المعمّد بعد قبوله العماد، سبباً صوابياً ليهجره الآخر". أي أن الأمر لا يتعلق بالسماح بالزواج مع غير المؤمنين بل بحل أو فصل الزواج بين طرف مؤمن وطرف غير مؤمن. فللطرف الذي قبل العماد حق ترك الطرف الذي لم يقبل العماد في حالة أن الطرف الذي لم يقبل العماد قد رفض العيش مع الطرف المعمد.

 

8- عدم السماح بالطلاق مع الزوجة الزانية: إن الزواج الكاثوليكي يقوم على الوحدانية والديمومة أي على زوج واحد لزوجة واحدة وعدم الانحلال إلا بالموت وذلك إتباعا لقول السيد المسيح "ما يجمعه الله لا يستطيع أن يفرقه الإنسان" وبناء على الإيمان الراسخ بأن الزواج في المسيحية ليس مجرد لقاء بين رجل وامرأة بل هو لقاء حب بين أثنين يجمعهما الله ويباركهما ويحصنهما بشريعته. ولهذا فلا يوجد طلاق على الإطلاق في الكنيسة الكاثوليكية. وهنا يعترض البعض قائلا بأن السيد المسيح قد قال: "إلا في علة الزنى" وهي هذا الاعتراض تجاهل لبقية الآية المقدسة فالسيد المسيح قد قال حقيقة "إلا في علة الزنى" ولكنه أكمل كلامه قائلا: "ومن تزوج بمطلقة فقد زنى بها" وبالتالي فالسيد المسيح  (وليس الكنيسة الكاثوليكية) قد منع الزواج مرة بالمطلقين أو بالمطلقات واعتبر أن الزواج بهم أو بهن هو زنى. ولهذا فالكنيسة الكاثوليكية لا تعطي "الطلاق" في حالة زنى أحد الطرفين بل "الانفصال" أي أن يتركا بعضهما بعضا مع بقاء الوثاق، الذي لا تستطيع سلطة بشرية حلّه أو إلغائه. ويقول نص القانون الكنسي ق. 863: "البند1- يُرجى الزوج كل الرجاء ألا يأبى- بدافع المحبة والحرص على خير الأسرة- الصفح عن القرين الزاني، وألا يقطع شركة الحياة الزوجية؛ أما إذا لم يعف له عن الذنب صراحة أو ضمناً، فيحق له حل شركة الحياة الزوجية، ما لم يكن قد رضى بالزنى أو أتاح له سبباً، أو اقترف هو نفسه الزنى. البند 2- العفو الضمني يحصل إذا عاشر الزوج البريء الزوج الآخر بعطف زوجي من تلقاء نفسه بعد علمه بالزنى؛ لكنه يُفترض إذا حافظ لمدة ستة أشهر على شركة الحياة الزوجية بدون رفع الأمر إلى السلطة الكنسية أو المدنية. البند 3- إذا حلّ الزوج البريء شركة الحياة الزوجية من تلقاء نفسه، يجب عليه في غضون ستة أشهر، أن يحيل قضية الانفصال إلى السلطة المختصة، التي عليها بعد التحقيق في جميع الظروف أن تقدّر إن كان ممكناً حمل الزوج البريء على العفو عن الذنب وعدم التمادي في الانفصال".

 

ومما سبق يمكنا التأكيد على أن الاتهامات الموجهة للكاثوليك تنبع عن جهل بالإيمان الكاثوليكي ذلك الإيمان الذي يقوم أولا على الشرع الإلهي وعلى التقليد الرسولي وثانيا على الشرع الكنسي. وهو لا يحل ما حرمه الله ولا يحرم ما حلله. بل أن القوانين الكنسية نفسها ليست إلا ترجمة عملية للتشريعات الإلهية.

 

وأرجوا أن أكون بهذه الإجابة المختصرة قد أجبتُك على سؤالك.

 

والرب يباركك

 

الأب د. يوأنس لحظي جيد

 

نص السؤال:

الزواج بغير المؤمنين هو تشريع قانونى تقبله الكنيسة الكاثوليكية وتعتبره نوعاً من التساهل أو التفسيح، يصدر به تصريح من الأسقف المسئول وتستند فى ذلك إلى ما تسميه (بالتفسيح البولسى) نسبة إلى القديس بولس الرسول، الذى لم يقصد أن يعطى تفسيحاً مثل هذا على الإطلاق.

 

ومن العجيب أن الكنيسة الكاثوليكية فى الوقت الذى ترفض فيه التصريح للشخص الذى خانته زوجته مع رجل آخر أن يطلقها ويتزوج بغيرها، فإنها تقبل أن يتزوج الطرف المسيحى بطرف غير مسيحى.. أياً كانت ديانته حتى لو كان ملحداً !! وأن يتم ذلك الزواج داخل الكنيسة وبحل منها، وأن تبارك هذه العلاقة. أو أن يتم خارج الكنيسة أو أن يتم على مرحلتين بأن تصلى الكنيسة على الطرف المسيحى فى الكنيسة وتصلى على الطرف غير المسيحى خارج الكنيسة أو أن تصلى على الطرف المسيحى وحده ويكون الطرف الآخر -الغير مسيحى- غائباً إذ أنه لا يقبل أحياناً -أى الطرف الغير مسيحى- أن يدخل الكنيسة، كما لا يقبل أحياناً أن يضع الكاهن يده فوق رأسه. وبهذا يتم الزواج فى غياب أحد الطرفين.

 

ورأى الكاثوليك فى السماح بهذا الزواج هو أن بولس الرسول قال " أن الرجل غير المؤمن مقدس فى المرأة" (1كو7: 14) ولكن بولس الرسول قال ذلك عن رجل وامرأة غير مسيحيين تزوجا قبل الإيمان ثم آمن أحد الطرفين ولذلك فهو يسمح باستمرار زيجة قائمة فعلاً وليس بإنشاء زيجة جديدة، ولذلك فقد جاء قو له هذا بالنص التالى : "إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة وهى ترتضى أن تسكن معه فلا يتركها لأن المرأة غير المؤمنة مقدسة فى الرجل المؤمن" ومن الواضح أنه يتكلم عن أخ له امرأة لكى لا يتركها، لا أخ يبحث عن زوجة لكى يرتبط بها وفرق شاسع بين القولين. ويضاف إلى ذلك أن بولس الرسول قال : "المرأة…حرة لكى تتزوج بمن تريد فى الرب فقط" (1كو7 :39). فهنا فى قو له الأخير هو يتكلم عن الزواج الجديد الذى بعد الإيمان وليس السابق له. كما أنه يقول فى رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين وأى شركة للنور مع الظلمة" (2كو6: 14). وأظن أن شركة الزواج هى جديرة بأن تُصان فى دائرة المسيح.

تعليم بولس الرسول فيما يختص بهذا الموضوع

يتلخص تعليم القديس بولس الرسول فى هذا الأمر فى نقطتين :

أولاً: أنه يأمر بعدم وجود شركة حياتية سرائرية بين المؤمن وغير المؤمن.

ثانياً: أنه يسمح لزواج قام قبل الدخول فى الإيمان بأن يستمر ولو إلى حين دون أن تكون لهذا الزواج صفة السر الكنسى الذى لا يمكن إلغاؤه ويكون استمرار هذا الزواج ممكناً حينما يدخل أحد الطرفين إلى الإيمان. فإذا لحق به الطرف الآخر.. فهنا يمكن أن تعطى الكنيسة لهذا الزواج بركة السر المقدس الذى لا ينفصل.

وسنتناول بالشرح والتحليل هاتين النقطتين:

أولاً : من رسالة معلمنا بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس من العدد الرابع عشر من الإصحاح السادس حتى العدد الأول من الإصحاح السابع (2كو6: 14-7 :1) "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين. لأنه أية خلطة للبر والإثم. وأية شركة للنور مع الظلمة. وأى اتفاق للمسيح مع بليعال. وأى نصيب للمؤمن مع غير المؤمن. وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان. فإنكم أنتم هيكل الله الحى كما قال الله إنى سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً. لذلك أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجساً فأقبلكم. وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لى بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شىء. فإذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة فى خوف الله".

ونحن نرى هنا بوضوح أن القديس بولس الرسول ينهى عن أن المؤمن باعتباره هيكل لله الحى أن يلتصق مع غير المؤمن فى جسد واحد وهيكل واحد ونشير هنا إلى :

•  قوله (1كو 6 :16) "أم لستم تعلمون أن من التصق بزانية هو جسد واحد لأنه يقول يكون الاثنان جسداً واحداً".

•  وفى (1كو 6 :17) "وأما من التصق بالرب فهو روح واحد".

وفى (1كو 6 :19) "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم الذى لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم".

فإذا كان من التصق بزانية فهو جسد واحد.! فما بالك بمن يتزوج بامرأة غير مؤمنة.. ألا يصيرا جسداً واحداً ؟!! وكيف يصير هيكل الله واحداً مع هيكل الأوثان؟!! هل هذا يوافق إرادة الله؟!! وأين ذلك من قول السيد المسيح "ما جمعه الله لا يفرقه إنسان" عن الزواج المسيحى المقدس.

وبهذا يتضح أن القديس بولس الرسول ينهى عن الزواج بغير المؤمنين. ومما يؤكد ذلك قوله فى (1كو 7 :39 ،40) "المرأة مرتبطة بالناموس مادام رجلها حياً. ولكن إن مات رجلها فهى حرة لكى تتزوج بمن تريد فى الرب فقط. ولكنها أكثر غبطة إن لبثت هكذا بحسب رأيى. وأظن أنى أنا أيضاً عندى روح الله". ونراه هنا يؤكد بالنسبة لمن هو غير مرتبط بزواج، وحر بأن يتزوج بمن يريد. أن هذه الحرية تدور فى داخل إطار محدود وهو أن الزواج فى المسيح فقط. وقد ذكر هذه الحقيقة بالضرورة لأنه قال -هى حرة بأن تتزوج بمن تريد- فلم يكن ممكناً أن يتوقف عند هذه العبارة، وإلاّ يكون قد فتح الباب على مصراعيه للزواج بكل من تختاره من بين البشر.. ولهذا عاد وحدد الإطار "فى الرب فقط" أما كلامه عن الحرية فمن زاوية أنها بعد موت رجلها لا تدعى زانية إن صارت لرجل آخر كما ذكر من قبل.

فى (رو7 :1-5) "أم تجهلون أيها الأخوة. لأنى أكلم العارفين بالناموس. أن الناموس يسود على الإنسان مادام حياً. فإن المرأة التى تحت رجل هى مرتبطة بالناموس بالرجل الحى. ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل. فإذن مادام الرجل حياً تدعى زانية أن صارت لرجل آخر. ولكن إن مات الرجل فهى حرة من الناموس حتى إنها ليست زانية إن صارت لرجل آخر. إذاً يا إخوتى أنتم أيضاً قد متم للناموس بجسد المسيح لكى تصيروا لآخر للذى قد أقيم من الأموات لنثمر لله. لأنه لما كنا فى الجسد كانت أهواء الخطايا التى بالناموس تعمل فى أعضائنا لكى نثمر للموت".

ثانياً: الزواج السابق قبل الدخول فى الإيمان لأحد الطرفين أو كليهما

والمقصود هنا هو الزواج الذى تم بين أشخاص غير مسيحيين ثم دخل أحدهما إلى الإيمان. فى رسالة معلمنا بولس الرسول الأولى لأهل كورنثوس الأصحاح 6 ، 7 نجد أنه بعد أن تكلم فى الأصحاح السادس عن أهمية البعد عن الزنا بدأ يتكلم عن الزواج، وتكلم فى البداية عن البتولية ثم تطرق إلى الزواج كوسيلة لحماية الناس من الزنا، وعن العفة فى الحياة الزوجية أثناء الصوم.. وتكلم أيضاً عن أهمية النزاهة فى أن لا يسلب أحد الزوجين حق الآخر فى هذه العلاقات إلا بموافقته، ثم انتقل إلى تصنيف أنواع الزواج، وبعدما أوصى غير المتزوجين والأرامل أن يستحسنوا عدم الزواج صرّح لهم بأن يتزوجوا وفى تصنيفه بالأنواع الموجودة من الناس بالنظر إلى الحياة الزوجية ذكر الآتى:

1-  غير متزوجين

2-  أرامل

3- متزوجين فى الكنيسة

4- متزوجين قبل الإيمان.. وقد آمن أحد الطرفين ولم يؤمن الآخر بعد (1كو 7 :8 – 27) "ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل أنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا. ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا. لأن التزوج أصلح من التحرق. وأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب أن لا تفارق المرأة رجلها. وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها. ولا يترك الرجل امرأته. وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة وهى ترتضى أن تسكن معه فلا يتركها. والمرأة التى لها رجل غير مؤمن وهو يرتضى أن يسكن معها فلا تتركه. لأن الرجل غير المؤمن مقدس فى المرأة، والمرأة غير المؤمنة مقدسة فى الرجل. وإلا فأولادكم نجسون. وأما الآن فهم مقدسون. ولكن إن فارق غير المؤمن فليفارق. ليس الأخ أو الأخت مستعبداً فى مثل هذه الأحوال. ولكن الله قد دعانا فى السلام. لأنه كيف تعلمين أيتها المرأة هل تُخلّصين الرجل؟. أو كيف تعلم أيها الرجل هل تخلص المرأة؟. غير أنه كما قَسَم الله لكل واحد كما دعا الرب كل واحد هكذا ليسلك وهكذا أنا آمر فى جميع الكنائس. دعى أحد وهو مختون فلا يصير أغلف. دعى أحد فى الغرلة فلا يختتن. ليس الختان شيئاً وليست الغرلة شيئاً بل حفظ وصايا الله. الدعوة التى دُعى فيها كل واحد فليلبث فيها. دعيت وأنت عبد فلا يهمك بل وإن استطعت أن تصير حراً فاستعملها بالحرى.. ما دعى كل واحد فيه أيها الأخوة فليثبت فى ذلك مع الله. وأما العذارى فليس عندى أمر من الرب فيهن ولكننى أعطى رأياً كمن رحمه الرب أن يكون أميناً.. أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة"

تعليق :

من هذا كله يتضح الآتى :

فى قول معلمنا بولس الرسول "أما الباقون" يقصد الفئات الأخرى التى لا تدخل تحت عنوان غير المتزوجين والأرامل والمتزوجون زواجاً مسيحياً غير قابل للانفصال. وهذا دليل على أن المقصود بكلمة "الباقون" هو أشخاص قد تزوجوا قبل الإيمان، وليس غير المتزوجين الذين سوف يدخلون فى زيجة جديدة.

ويتضح أيضاً أنه يؤكد أن الإنسان يستطيع أن يستمر فى حياته الزوجية مع إمرأة واحدة كما كان وضعه قبل الإيمان وذلك بقوله فليلبث فى ذلك مع الله بعد دعوته وقد كرر مراراً كثيرة "دعى أحد" فى وضع معين، وهذا دليل أنه يتكلم عن وضع سابق للإيمان، وما الذى ينبغى عمله بعد الدخول فى الإيمان.

ويتأكد ذلك أيضاً بقوله "إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة" فهو يتكلم عن شخص متزوج بالفعل وله امرأة وليس عن شخص ينوى الزواج، بل ليس له امرأة فقط بل وله منها أولاد.. فأين ذلك من التصريح بزيجات جديدة بين أطراف تختلف فى الإيمان تماماً.

ونلاحظ أيضاً أن هذه الحالة قد صرّح فيها القديس بولس الرسول بالافتراق لأنها تختلف عن الزواج المسيحى الذى يتم فى الكنيسة حيث قال السيد المسيح أن [ ما أزوجه الله لا يفرقه إنسان ].

والعجيب أنهم يرفضون التطليق لعلة الزنا وهى التى سمح بها السيد المسيح ويقبلون تطليق من زوجوه هم من غير مؤمن بالإرادة التى لغير المؤمن.

والأعجب من ذلك أنه لو تعب ضمير الطرف المسيحى الذى تورط فى زيجة كهذه وأراد أن يتراجع عنها (زواج مسيحى من طرف غير مسيحى).. فإن الكنيسة الكاثوليكية تمنعه ولا تعطيه حِلاً بفصل هذا الزواج، وتتركه تحت رحمة الطرف الغير مؤمن، متعارضة بذلك مع قول بولس الرسول "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين" (2كو6: 14) فكيف يدخل الإنسان برجليه إلى هذا القيد الأبدى؟!

تعقيب عام

إن الزواج فى المسيحية هو على مثال اتحاد المسيح بالكنيسة (أف22:5-33).

والرجل فى المسيحية هو رأس المرأة، والمرأة تخضع للرجل خضوع الكنيسة للمسيح فكيف يقوم هذا المثال فى زيجة بين طرف مسيحى وطرف غير مؤمن؟!

وكيف يكون الرجل هو مثال المسيح فى الأسرة إذا كان إنساناً غير مؤمن؟!

ولذلك فإن التصريح بزواج المسيحى من غير المسيحى هو تدمير للحياة الزوجية من منظار المسيحية.

وما مصير الأطفال الذين يولدون فى أسرة ممزقة من الناحية الدينية؟

وما موقف الطرف المسيحى فى الدول التى تحتم أن يكون الرجل له دين معين؟

وفى الدول التى تحتم أن يكون الأطفال لهم دين معين؟

وما مصير الأطفال الذين يولدون فى ظل قوانين تمنعهم أن يكونوا مسيحيين؟ وتكون الكنيسة هى المتسببة فى ذلك!!

وهل تستطيع الكنيسة أن تعمد أطفالاً يولدون فى أسرة ممزقة من الناحية الدينية، لا تعرف لهم مصيراً تربوياً فى الحياة المسيحية ولا مصيراً قانونياً فى ديانتهم؟

وإذا كان معلمنا بولس الرسول قد قال إن الرجل غير المؤمن مقدس فى المرأة المؤمنة أو العكس فإنه يقصد أن العلاقة الزوجية بين رجل وامرأة تزوجا زواجاً حقيقياً قبل الإيمان لن تعتبر زنا حينما يؤمن أحد الطرفين.. لأن المسيحية تحترم الزواج السابق للإيمان وتميّز بينه وبين الزنا والفجور، وتعتبر أن إيمان أحد الطرفين سوف يقدّس العلاقة الزوجية بين رجل واحد وامرأة واحدة هى زوجته ويقدس ما ينتج عنها من أطفال بشرط أن لا يكون هؤلاء الأطفال تحت قانون ملزم بأن يكونوا غير مسيحيين.. وعلى العموم؛ فإن معلمنا بولس الرسول لم يذكر أن أطفالاً سوف ينجبون فى المستقبل ولكنه تكلم عن أطفال سبق إنجابهم. ولم يذكر أن هناك علاقة زوجية سوف تستمر مثل تلك التى تكلم عنها فى علاقة الرجل بالمرأة فى الزواج المسيحى ولكنه قال فقط إنها ترتضى أن تسكن معه.. وهنا يبقى السؤال قائماً :

هل قصد بولس الرسول بالسكنى أن تستمر العلاقة الزوجية؟ وأن تستمر عملية الإنجاب؟ أم أن تسكن معه إلى حين أن يقبل الطرف الآخر الإيمان؟

ولهذا فنحن نؤكّد بكل يقين أن المسيحية لا تقبل بزواج لا يشترك فيه الطرفان فى الإيمان والعقيدة( ) والحياة الروحية والمعمودية الواحدة ( )، ولا يمكن أن يتراجع لكى يرتبط بجسد غريب، وإذا كان الكتاب المقدس فى العهد القديم قد نهى عن الارتباط بغير المؤمنات من النسوة الأجنبيات حتى أن عزرا قد طرد جميع النسوة بعد زواجهن، ونادى بتوبة للشعب عن هذا الأمر (انظر عزرا10: 2-17) ، فكم يكون الحال فى عهد النعمة والقداسة والبنوة لله والأسرار المقدسة.