صديق للأب رغيد، يتذكّره في كلمة وداعية

"لا أدري باسم أي إله للموت قتلوك، باسم أية وثنية صلبوك… هل يعلمون حقا ماذا كانوا يفعلون؟" هذا ما كتبه  السيد عدنان مقراني – أستاذ الإسلاميات بمعهد الدراسات حول الأديان والثقافات، الجامعة الحبرية الغريغورية في روما – في رسالة وداع للأب العراقي الراحل رغيد كني.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
روما في 4 يونيو 2007

أخي رغيد…

معذرةً أخي لأنني لم أكن إلى جنبك عندما أطلق المجرمون النار عليك وعلى إخوانك، ولكن الرصاصات التي اخترقت جسدك الطاهر اخترقت أيضا قلبي وروحي.

 كنتَ من أول الوجوه التي عرفتها عندما قدمتُ إلى روما، في أروقة أنجيليكوم تعارفنا وشربنا الكابوتشينو معا في مقهى الجامعة، أذهلتني براءتك وبشاشتك وابتسامتك العذبة الصافية التي لا تفارقك، لا أستطيع أن أتخيّلك إلا مبتسمًا سعيدًا رغيدًا.

  رغيد بالنسبة لي هو البراءة المتجسّدة، براءة حكيمة تحمل في قلبها هموم شعبها بكامله. أتذكّر عندما كنّا في مقهى الجامعة أيام حصار العراق، قلت لي إنه بثمن كوب واحد من الكابوتشينو يمكن لعائلة عراقية أن تعيش يومًا كاملاً، وكأنّك كنت تشعر بشيء من الذنب لوجودك بعيدا عن المحاصرين ولا تشاركهم آلامهم…

ها أنت عدت إلى العراق لا فقط لتشارك الناس آلامهم بل لتختلط دماؤك بدماء آلاف العراقيين الذين يموتون يوميا.

أتذكّر جيدا يوم رسامتك في الأوربانيانا، أتذكّر الدموع في عينيك، قلت لي: "اليوم متُّ في نفسي"، كانت عبارة صعبةبالنسبة لي، لم أفهمها جيدا، أو لعلي لم آخذها مأخذ الجدّ كما يجب… اليوم بشهادتك فهمت، لقد متّ في نفسك وجسدك لتقوم في حبيبك وسيدك، وليقوم المسيح فيك رغم الآلام والأحزان، رغم العبث والجنون.

لا أدري باسم أي إله للموت قتلوك، باسم أية وثنية صلبوك… هل يعلمون حقا ماذا كانوا يفعلون؟!

 لا نسألك اللهمّ ثأرًا أو انتقامًا، بل انتصارًا… انتصارا للحق على الباطل، للحياة على الموت، للبراءة على الغدر، للدماء على السيف…

 لن تضيع دماؤك هدرًا يا رغيد، تقدّس تراب بلدك بك، وستبقى ابتسامتك العذبة من السماء بشارة خير لنا في الليل البهيم…

معذرةً أخي، عندما يلتقي الأحياء يظنون أن لديهم ما يكفي من الوقت لكي يتحدثوا ويتزاورا ويعبّروا عن مكنونات قلوبهم، لقد دعوتني إلى العراق، ولا زلت أحلم بذلك، لأزور بيتك وأهلك ومكتبك، لم أتصوّر أن أزور قبرك أو أقرأ الفاتحة على روحك.

 صاحبتك يومًا لتشتري التذكارات والهدايا لأهلك قبيل أول زيارة لك للعراق بعد مدة من الغياب، حدثتني عن عملكالمستقبلي، وقلت لي: "أريد أن أحكم بين الناس بالمحبة قبل العدل"، وكان صعبًا عليّ آنذاك أن أتصوّرك "قاضيًا" كنسيًا… ولكن اليوم دمك وشهادتك يحكماننا، حكم الوفاء والصبر، حكم الأمل رغم الألم، حكم البقاء رغم الفناء…

 أخي، لم يسل دمك عبثًا ولا هدرًا، ومذبح كنيستك لم يكن للضحك على الذقون… لقد أخذتَ الأمر محمل الجدّ وإلى النهاية، بابتسامة لا تنطفئ… أبدًا.

أخوك الذي يحبّك…

عدنان المقراني 

 

البابا يبرق معزياً بوفاة الأب رغيد والشمامسة الثلاثة

الفاتيكان، 4 يونيو 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي، برقية التعزية لمناسبة مقتل الأب رغيد كنين وثلاثة شمامسة من معاونيه، التي أرسلها الأب الأقدس بندكتس السادس عشر الى أسقف الموصل، المونسنيور بولص فرج رحّو، عبر أمين سر حاضرة الفاتيكان، الكاردينال ترشيسيو برتوني.إلى سيادة الأسقف الموقر  بولص فرج رحّوأسقف الموصل للكلدان يعبّر الأب الأقدس عن حزنه العميق لمقتل الأب رغيد عزيز كني والشمامسة بسمان يوسف داود، غسان بيداويد ووديد حنا، ويسألكم أن تنقلوا الى عائلاتهم تعازيه القلبية.

 ويضم قداسته صلاته الى صلاة الجماعة المسيحية في الموصل، مسلماً أرواحهم الى رحمة الآب المحب اللامتناهية، شاكراً إياه على شهادتهم السخية للإنجيل.

 وفي الوقت عينه، يسأل الأب الأقدس الله أن تبعث تضحيتهم الثمينة هذه في قلوب جميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الحسنة عزماً متجدداً لرفض دروب الكراهية والعنف، ولقهر الشر بالخير والتعاون في التحضير للمصالحة والعدل والسلام في العراق.

والى العائلات وجميع الذين يبكون أمواتهم في الإيمان وفي الرجاء المبني على القيامة، يعطي الأب الأقدس بركة رسولية قلبية عربون مواساة وقوة في الرب.