قداس في جامعة القديس توما الأكويني لراحة نفس الأب رغيد والشهداء الأربعة

الأب كريستيان: "لقد اعتدنا أن نعلم قادة الكنيسة المستقبليين. فعندما نسمع بأن أحد تلامذتنا القدامى قد أصبح أسقفاً، يغمرنا الفرح ونتعزى. ولكن أن نعلّم شهيداً، فهذا مختلف تماماً"

"نحن هنا نواجه الموت كل يوم"

 

روما، 12 يونيو 2007 (zenit.org). – "يوم السبت، 2 يونيو، وصلتني رسالة الكترونية من الموصل، جاء فيها: الحالة هنا أسوء من الجحيم، وقد تعرضت كنيستي عدة مرات منذ آخر مرة التقينا فيها. فالأسبوع الماضي جُرح إثنان من حراس الكنيسة بسبب أحد الاعتداءات. على أمل اللقاء في المستقبل القريب لنتحدث عن هذه المواضيع…باركك الله. الأب رغيد".

يوم الأحد، 3 يونيو، طال الجحيم رغيد وثلاثة شمامسة، ولكن براثن الجحيم لم تستطع أن تلتهمهم

كلمات مؤثرة استهل بها الأب روبرت كريستيان الدومينيكاني – أستاذ لاهوت في جامعة القديس توما الاكويني في روما –  عظته، خلال الذبيحة الإلهية التي احتُفل بها يوم الثلاثاء لراحة نفس الأب رغيد كني والشمامسة الثلاثة، في  كنيسة الجامعة، حيث أكمل الأب كني دروسه اللاهوتية والمسكونية.

 وقال الأب كرستيان: "لقد دعاهم بطريرك الكنيسة الكلدانية شهداء. وكلمة شهداء، بارتباطها الوثيق بآلام وموت يسوع المسيح، كانت تعني منذ القديم: قديسين".

 أما الجحيم بمعناه المجازي– تابع الأب روبرت يقول – هو ما يختبره من بقي: عائلة الأب رغيد وأصدقاؤه، رعيته، كنيسته الكلدانية، والمسلمون أيضاً، الغارقون في دوامة من العنف البغيض والأعمى وأعني بها الحياة اليومية في العراق.

 وأضاف كريستيان: "كان باستطاعة رغيد أن يهرب. فقد قدم الى إيطاليا ثلاث مرات بعد عودته الى الموصل من أجل الماجستير في العلوم المسكونية في جامعة القديس توما الأكويني. ولكن رغيد كان يتحلى بحس كهنوتي قوي، جعل منه أيقونة الراعي الصالح لشعبه".

 وتعقيباً على هذه الكلمات، تلا الأب روبرت على مسامع المؤمنين رسالة وصلته من الأب رغيد في أكتوبر الماضي. وجاء في الرسالة:

 
"عزيزي الأب كريستيان،

كيف حالك؟ أسعدتني رسالتك كثيراً، وأسعدتني أيضاً معرفتي بأنه لا يزال هناك أناس يفكرون ويصلون من أجل بلادي. الحالة هنا – كما تعلم من خلال متابعتك للأخبار – مروعة. إن معاناة المسيحيين مزدوجة. فهم أولاً يعانون بسبب الوضع، وثانياً بسبب ديانتهم. إن خطاب البابا أدى الى اندلاع النار في المدينة. أُعدِم كاهن أورثوذكسي؛ وتعرضت كنيسة رعيتي الى خمس اعتداءات. وجِّهت إلي تهديدات حتى قبل اختطاف هذا الكاهن، ولكنني كنت متيقظاً جداً في تجوالي. أجلت عطلتي مرّتين لأنني لم استطع أن أترك المدينة على هذه الحال. كنت سأزور أوروبا في 18 سبتمبر، غير أنني أجلت موعد رحلتي الى 4 أكتوبر، ثم من جديد الى 1 نوفمبر. خلال شهر رمضان حلّت بنا الكارثة، فقد هجرت مئات العوائل المسيحية المدينة (ومن بينهم أهلي وأقاربي: حوالي 30 شخصاً تركوا وراءهم كل ما يملكون وهربوا بسبب التهديدات). ليس الأمر سهلاً ولكن نعمة الرب تساعدنا وتقوينا. نحن هنا نواجه الموت كل يوم…"

 
ولدى انتهائه من قراءة الرسالة قال الأب كريستيان: "لقد عرف رغيد بأنه كان مستهدَفاً، وعرف بأنه يواجه خطر الموت بسبب إيمانه. ولكنه علم أيضاً بأن البقاء كان واجباً عليه، ليقدم شهادة حقيقية وشجاعة لإيماننا بالرب القائم من بين الأموات".

 
"خلال زيارته الأخيرة الى روما، حلّ رغيد ضيفاً عندنا على الغذاء. وبعد الغذاء تحدّث بكل بساطة عن التحديات الكبيرة التي كان عليه مواجهتها في بلاده. وعندما غادرنا، قال بعضنا للآخر "هذا شهيد"".

 وتابع الأب والأستاذ الدومينيكاني: "لقد اعتدنا أن نعلم قادة الكنيسة المستقبليين. فعندما نسمع بأن أحد تلامذتنا القدامى قد أصبح أسقفاً، يغمرنا الفرح ونتعزى. ولكن أن نعلّم شهيداً، فهذا مختلف تماماً. في بعض الأحيان نتعلم نحن الأساتذة من تلامذتنا. إن الأحاسيس قوية: حزن، ألم، وغضب وشعور بعدم القدرة على فعل شيء".

 "ولكننا – تابع يقول- نعي بأننا أمام إنسان تهيّاً ليدفع الثمن الأغلى؛ إنسان أراد العيش والموت ببطولة؛ إنسان مستعد لسفك دمائه في سبيل حياة المؤمنين. وهذا الوعي يجعلنا متواضعين".

 "لقد كانت قوة الأب رغيد، الإفخارستيا. وكان في عظاته يشرح للمؤمنين بأن جسد ودم يسوع المائت والقائم يعزز ويقوي الشراكة بين أعضاء جسد المسيح السري. فلتعطنا الإفخارستيا الشجاعة لنعيش ونموت كالأب رغيد".

 ونبّه الأب كريستيان الى أن تكريم الأب رغيد لا يكون بالانصياع الى تجربة الأخذ بالثأر، وإنما من خلال تعزيز السلام، الحوار وبناء حضارة المحبة.

 وتساءل الأب الدومينيكاني مع الرسول قائلاً: "أين شوكتك يا موت؟ وأين غلبتك يا جحيم؟"

 "إن شوكة الموت – جاوب يقول – هي الخطيئة، وقوة الخطيئة هي الشريعة"، شاكراً الله الذي "ينصرنا بواسطة ربنا يسوع المسيح!".

 هذا وكان قد احتُفل بالذبيحة الإلهية يوم الأحد 10 يونيو أيضاً في كنيسة دير مار روكز التابعة للرهبانية الأنطونية المارونية في لبنان لمناسبة مرور أسبوع على مقتل الأب رغيد والشمامسة الثلاثة، ترأسها الأب يوسف شديد الأنطوني.

  وألقى الأب شديد كلمة عن روح "الشهداء الذين سُفكت دماؤهم من أجل الشهادة الحقة لكلمة الله"، طالباً من المؤمنين أن يرفعوا تضرعاتهم لقلب يسوع الأقدس على نية الشعب العراقي الجريح وبخاصة المسيحيين، ليزيل "هذه الغيمة السوداء عنهم في هذه الظروف العصيبة التي يمرون بها".