مقابلة مع الجنرال ميشال عون

روما، 13 يونيو 2007 Zenit.org

الجنرال عون، اسم ارتبط بتاريخ لبنان المعاصر، من قائد للجيش الى رئيس حكومة انتقالية، الى حربه ضد الوجود السوري، واعتراضه على الطائف، الى المنفى في فرنسا، الى العودة في 7 ايار2005.

 لدى عودته إلى لبنان في 7 مايو 2005، استقبله ما يقرب من ستمائة ألف لبناني في ساحة الشهداء وسط بيروت، وقد خاض العماد عون الانتخابات النيابية سنة 2005 أي بعد عودته بفترة قصيرة وحصد نجاحاً ودخل البرلمان اللبناني بكتلة نيابية مؤلفة من 21 نائباً. وهو حالياً يتزعم التيار الوطني الحر، أهم الأحزاب السياسية المعارضة في لبنان.

عد ر فرنسا مؤخراً حيث وقّع كتابه عن الواقع اللبناني، والذي فيه يأتي أيضاً على ذكر المسيحية في الشرق، ثم زار روما والفاتيكان بعد ان انهى زيارته الى فرنسا، وكان له لقاء مع المونسنيور دومينيك مامبرتي، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول، وكان له لقاء في وزارة الخارجية الإيطالية ولقاءات كثيرة أخرى مع مسؤولين إيطاليين وكنسيين.

أجرت وكالة زينيت مقابلة مع الجنرال عون، حاورته خلالها عن معنى زيارته الى الفاتيكان، وماذا يعني له الفاتيكان، مفهومه للمسيحية العربية ووقاعها عبر تاريخ لبنان، وتقييمه لواقع العيش المسيحي الإسلامي في لبنان، نظرته للدين والسياسة ونظرته للعائلة وأهميتها في بناء المجتمع البشري.

ننشر في ما يلي المقابلة التي أجرتها وكالة زينيت مع الجنرال ميشال عون في روما.

زينيت: الجنرال عون رئيس أكبر تكتل نيابي، بأغلبية مسيحية عربية. ماذا تعني للجنرال زيارة الفاتيكان؟

الجنرال عون: بالنسبة لي، الفاتيكان هو المرجع الروحي الأعلى في الكنيسة الكاثوليكية، كما ويكننا أن نقول بأنه سلطة معنوية مهمة في العالم المسيحي ككل، أكانوا من الكاثوليك أو من غير الكاثوليك. فموقف الفاتيكان له تاثيره، اخلاقياً ومعنوياً. وبالنسبة لنا نحن الموارنة، فنحن جزء من العالم الكاثوليكي، وبالتالي، عندما يمر لبنان بأزمات، نجد بأنه من الأهمية بمكان أن نطلع المسؤولين في الفاتيكان عن الوضع لأن الصورة الإعلامية المنقولة تدلّ على مصالح منتجي هذه الصورة أكثر منه على واقع يعيشه الناس، يعيشه الشعب اللبناني والواقع اللبناني. ومن هنا أهمية الحضور الشخصي، والحوار والمناقشة مع المسؤولين (الفاتيكانيين) لتوضيح هذه الصور. ونحن طبعاً نتعاطى مع أناس يتمتعون بالحس النقدي، فيميزون عندئذ ما هو حقيقة وما ليس هو بحقيقة. وهكذا يصبح الموقف الذي تأخذه الكنيسة، أكان موقفاً معنوياً، أم نصيحة تعطيها وما الى ذلك، أكثر فائدة وأكثر موضوعية.

زينيت: إنطلاقاً من خبرتكم الإيمانية الطويلة، هل يمكننا التحدث عن المسيحية العربية؟ وهل هناك من وجود لها؟

الجنرال عون: المسيحية العربية هي من المسيحيات الأولى التي انتشرت في شبه الجزيرة العربية وما بين النهرين ووصلت الى الهند. فشمال سوريا يعجّ بآثار مسيحية لا تزال موجودة حتى الآن. والتاريخ المدون العربي يدل على أنه كان للمسيحية انتشار واسع. وما تبقى من المسيحية العربية هو القسم القليل، لكنها تاريخياً كانت منتشرة في كل شبه الجزيرة العربية.

ما هو دور هذه المسيحية العربية اليوم؟

الجنرال عون: مسيحية لبنان، يضمون موارنة وأورثوذكس شرقيين، ويونانيين كاثوليك وغيرهم. وهناك ايضاً خمسة بطاركة يحملون جميعهم لقب بطريرك انطاكيا. فكلنا يعلم بأنه في انطاكيا انطلقت الكنيسة الأولى والبشارة. وأنا في كتابي، أشرت الى الوجود المسيحي في الشرق، والى انتسابنا، والى أننا لسنا بمستورَدين، فنحن من الأصلاء في الشرق قبل الإسلام بستمائة واثنسن وعشرين سنة. هناك نوع من الالتباس عندما يسمع الغرب اللغة العربية. فليس كل ما هو عربي مسلم. فالعربية كعرق تحتوي على جميع الديانات. أما بالنسبة للحضارة العربية، فالمسيحيون هم أكثر من حافظ عليها وحافظوا على اللغة وكانوا من أشهر الكتاب وحتى في عهد الخلافة، فشعراء البلاط كانوا من المسيحيين، والأخطل مثلاً كان مسيحياً. العرب إذاً هم جزء من المحيط المشرقي، ومن هذا المنطلق، نرى فائدة الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس، من أجل لبنان، والذي عممه سعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني في شهر مايو من عام 1997، ويتحدث عن المسيحيين في لبنان وفي المشرق. ويبقى المسيحيون في لبنان حالياً كمرجعية وجود في الشرق الأوسط، ونموذجهم في التعاطي مع محيطهم، يساعد في طمأنة والمحافظة على الوجود المسيحي في الدول العربية الأخرى.

 

زينيت: كيف تقيّمون واقع العيش المسيحي الإسلامي الحالي في لبنان؟

الجنرال عون: لبنان بطبيعته هو بلد التسامح، والتسامح لدينا ليس شيئاً مصطنعاً وعيشه لا يتطلب منا جهداً، فهو جزء من طريقة عيشنا، فحياتنا الاجتماعية إذاً نعيشها كلٌّ بحسب تقاليده وأفكاره. لا شك أن هناك نوع من التفاعل المشترك في بعض التقاليد والعادات، ولكن من هذه الناحية وحتّى في أحلك الظروف التي مرّ بها لبنان، وما سمّي بالحرب الأهلية، وكل ما وُجد من حواجزَ مادية ونفسية بين الناس، لم يتأثر الشعب إجتماعياً بأية ظروف قاهرة في ما يتعلق بطريقة عيشهم، بقيت الحياة الاجتماعية تُمارس بشكلها الطبيعي. أما الناحية الأخرى، وأعني بها الوضع السياسي، فهي التي أثرت ولا تزال حتى اليوم تؤثر سلباً على الواقع اللبناني.

 

زينيت: نحن نعلم أنه في الإسلام هناك ترابط بين الواقع السياسي والواقع الاجتماعي، هل تتوقعون أن يصل لبنان يوماً ما الى نوع من التمايز بين السياسة والدين؟

الجنرال عون: نحن نسعى كحركة سياسية لفصل الممارسة السياسية عن الممارسة الدينية، لقد مرّ لبنان بحالات – كما في العهد التركي، والذي كان هو الأظلم – حيث فرض على الناس الانتساب الديني كنوع من العزل والاضطهاد في المجتمع. ثم بدأ الوضع بالتحسّن لغاية ما بعد الحرب العالمية الثانية ودخول لبنان تحت الوصاية والحماية الفرنسية، الى أن وصلنا الى الاستقلال بموجب الميثاق الوطني. وهنا كان التأثير المسيحي في الحياة الاجتماعية قوياً جداً، وكان المسيحيون عنصراً فاعلاً في الحياة السياسية، الى أن بدأت أحداث السبعيات، حيث كان هناك نوع من الترابط الذي أدى الى قلب الموازين السياسية، الأمر الذي أدى الى تهميش المسيحيين. لا يمكن للبنان أن يستمر دون وجود لحكم متوازن يشارك فيه الجميع من مسيحيين وشيعة وسنة. كان ميشال شيحا، رحمه الله، – وهو من أهم من فهم الحياة اللبنانية – كان يقول: "من يحاول إلغاء طائفة في لبنان، يريد إلغاء لبنان".

 

زينيت: في الثاني عشر من مايو نُظِّمت في إيطاليا وفي روما بالتحديد، تظاهرة كبيرة لدعم العائلة وأطلق عليها اسم "يوم العائلة"، وكانت مبادرةً ضخمة عاشتها روما، وجاءت بمثابة ردّة فعل على مشروع قانون يتعلق باتحادات الأمر الواقع، ومنها تشريع الزواج بين المثليين. وشاركت الكنيسة في هذه التظاهرة دعماً وحرصاً منها على العائلة. ما هي نظرة الجنرال عون للعائلة، ما هو مفهومه لها؟

الجنرال عون: العائلة هي الخلية الطبيعية لتكوين المجتمع، ومعروف بأن للعائلة دورها الطبيعي والذي يتجسد في الحياة المنزلية والزواج والإنجاب والمحافظة على امتداد العرق البشري، وفي نهاية المطاف، تكوين المجتمع. عندما تُحذف هذه المهمة (امتداد العرق البشري) من العائلة، فلا يعد هناك من وجود لها (العائلة). إذا لم تكن المحافظةُ على امتداد العرق البشري في العائلة فلا يمكننا عندئذ أن نسميها عائلة. وإذا اردنا أن نميّز ما هو أخلاقي من ما هو غير أخلاقي، قد تجوز العودة الى عبارة لـ "عمانوئيل كانط" الذي قال بأن "كل عمل يمكنك أن تقوم به دون أن تعرقل مسيرة الكون، هو عمل أخلاقي، وما يعرقل طبيعة الأحداث وسيرها الاعتيادي فهو لا أخلاقي". صحيح بأن ممارسة الجنس مصطحبة باللذة ولكن الغاية منها هي إنجاب الأولاد. وإذا لم تكن هناك من ممارسة طبيعية، فلا وجود للأولاد.

 

زينيت: هل تتحدثون هنا عن التعليم الكاثوليكي؟

الجنرال عون: لا فرق ولا تناقض بين التعليم الكاثوليكية والأخلاق الطبيعية. فأنا لم أتحدث هنا عن الكاثوليك، بل عن امتداد الجنس البشري. فالتعاليم الكاثوليكية لا تناقض القانون الطبيعي، وكل ما يخرج عن هذا القانون الطبيعي هو "تطبيع ما لا يُطبَّع". ومن هنا التربية وضرورة الفرائض الشرطية في المجتمع

\"\"