مقابلة مع مدير مركز ليناكر

لندن، 25 يونيو 2007 (ZENIT.org).

على الحجج المنطقية أن تحتل الصدارة في النقاش حول المسائل الأخلاقية، على حدّ قول مدير مركز ليناكر لأخلاقيات الرعاية الصحية.
تحدثت هيلين وات، من مركز الأخلاقيات الكاثوليكي الوحيد في المملكة المتحدة وإيرلندا، مع وكالة زينيت مؤخراً حول الفرصة المتاحة للكاثوليك اليوم لإدخال أوروبا المعاصرة في نقاش أخلاقي أصيل وحقيقي.
وينعقد المؤتمر الدولي لمركز ليناكر بين 5 و7 يوليو حول موضوع "العجز والرعاية: المشاكل الأخلاقية في الرعاية الصحية والأبحاث".

س: بما يختلف النقاش الأخلاقي اليوم حول مسائل الرعاية الصحية في أوروبا عما كان عليه قبل ثلاثين عاماً؟

ج: قبل ثلاثين عاماً، كانت مسألة الطفل الأنبوب تطوراً جديداً يشكل صدمة – تماماً شأن الإختبارات على الأجنة التي مهدت الطريق لهذا النوع من التلقيح. واليوم أصبح التلقيح الإصطناعي إجراءً عادياً لكل من يرغب في إنجاب الأطفال ولا يمانع العملية التصنيعية والسلوك المتبع. والطفل الجنيني الذي ينتج عن ذلك يُعامل أكثر كملك خاص منه كعضو جديد في العائلة.
وغالباً ما يتركز النقاش اليوم بين المتحررين إلى حد التطرف الذين يتبنّون سلوكاً إستهلاكياً بحتاً تجاه الطب والأبوة ومن يريدون وضع بعض الحدود ولكن يفتقرون إلى الإطار الأخلاقي اللازم ليقوموا بذلك بطريقة جديرة بالثقة. ما يعني أن المقاربة القائمة على المبادىء التي تقدمها الكنيسة تُدفع إلى الهامش في غالبية الأحيان—ولكن ليس بصورة مستمرة، لحسن الحظ.

س: ما هي الخطوط الحمراء الرئيسة المرسومة اليوم بالنظر إلى المسائل الأخلاقية في أوروبا؟

ج: إحدى الخطوط الحمراء هي مسألة الموت الرحيم، بالفعل أو بالإهمال. وخط أحمر آخر هو احترام الحياة التي لم تولد بعد، أي ما يتعلق بالإجهاض وطفل الأنبوب والإختبارات عل الأجنة.
وطبعاً، من بين الخطوط الحمر تقع مسألة الزواج والأبوة. وهذه المسألة الأخيرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقضية طفل الأنبوب – كما في الطلب بأن تلغى في القانون البريطاني إلزامية قيام أطباء التخصيب بمراعاة ضرورة أن يكون للطفل والد.
وفي حين أن البعض في بريطانيا يأمل بتشديد في قوانين الإجهاض، نرى بلداناً أخرى في الإتحاد الأوروبي تخضع للضغوط بهدف "تحرير" القوانين المقيِدة للإجهاض. كما نشهد زخماًً قوياً لناحية تمويل الإتحاد الأوروبي البحوث على الخلايا الأصلية الجنينية.
وكلنا أمل بأن الدول التي انضمت حديثاً إلى الإتحاد الأوروبي، مثل بولندا على سبيل المثال، ستحمل نفساً جديداً إلى باقي الدول الأوروبية، بدل أن تنجر في التيار العلماني/الإستهلاكي.

س: ما هي نسبة الأمل بأن يتم كبح النزعة إلى تشريع الموت الرحيم والبحوث على الخلايا الأصلية الجنينية؟

ج: إن الخبرة الهولندية قد بيّنت مدى الترابط بين الموت الرحيم المقصود وغير المقصود، عندما تعتبر حياة ما غير جديرة بالإستمرار في العيش.
وفي حين أن بلجيكا قد حذت حذو جارتها وشرّعت الموت الرحيم، إن تشريعاً كهذا قد نجح ائتلاف المجموعات المناصرة للحياة وتسكين الآلام في إحباطه في بريطانيا – مع أنه ثمة حاجة أكيدة إلى التيقظ بالنسبة إلى الموت الرحيم بالإهمال أو عن غير قصد.
وعلى صعيد مسألة الخلايا الأصلية، تمّ إحراز تقدم ملحوظ بفضل الخلايا الأصلية التي أكملت نموها وخلايا الحبل السرّي – وهي بدائل مقبولة أخلاقياً لتقنية استخدام الخلايا المأخوذة من الأجنة البشرية المدمّرة. إنه لوقت ممتاز بالنسبة إلى الباحثين في مجال الخلايا الأصلية المكتملة الذين يستطيعون التحجج بحق بالعديد من العلاجات الحالية الناتجة عن هذه التقنية لمداواة أمراض بشرية.
فإيطاليا مثلاً من الدول التي قطعت أشواطاً في إصدار قوانين لحماية الأجنة البشرية، فأظهرت بذلك أن التقدم في هذا المجال يمكن أن يحصل ولو بعد مرور سنوات من الممارسات المتساهلة.

س: إن مسائل كمسألة الطفل الأنبوب والإستنساخ البشري واختيار الأجنة تدور جميعها حول المراحل الأولى للحياة البشرية. لمَ يصعب إلى هذا الحدّ إقناع الناس بإنسانية الجنين أو حتى إبقاؤه في وعي الناس كمسألة قائمة؟

ج: إنه مزيج من البرغماتية (العملانية) وفشل في الخيال. فمن جهة، يريد الناس أن يظلوا قادرين على مواصلة الإختبارات على الأجنة واستعمال وسائل منع الحمل المجهضة. ومن جهة أخرى، إن الأجنة تشكل تحديًا من حيث الشكل، فبالرغم من الحجج القوية بأنها تشكل استمرارية مع الشخص البشري الأكبر سناً.

إننا نعيش في زمن يقوم على الصور والمظاهر. الجنين صغير ومظهره مختلف عن مظهر الكبار – ما لا يحول طبعاً دون تمتعه بحقوق إنسانية، شأنه شأن أي طفل مولود.
والإلتزام العاطفي الذي تجعله الصور الصوتية ممكنة حيال الأطفال الذين اكتمل تكوينهم ولم يولدوا بعد غالباً ما لا يكون ممكناً مع الأجنة. إذاً، ثمة حاجة للجوء إلى العقل والمنطق أكثر منه إلى العواطف والأحاسيس وحسب.

س: كيف تستطيع الكنيسة أن تحسن تربية الكاثوليك في ما خص المسائل الأخلاقية الجدلية؟

ج: إن مركز ليناكر مختص بتوفير الحجج والبراهين لنظرة الكاثوليك إلى الأمور الأخلاقية التي لا تتطلب قبولاً مسبقاً للإيمان الكاثوليكي.
إننا نسعى إلى أن نبين أنه يمكن لأي صاحب نية حسنة يستخدم منطقهم أن يقدّر حسنات هذه النظرة وإيجابياتها. إنها مقاربة تحث على حس واقعية متين يبلغ أشخاصاً من ديانات أخرى أو حتى من دون ديانة.
مؤخراً، تحدث البابا بندكتس السادس عشر عن الحاجة إلى إعادة اكتشاف تقليد القانون الطبيعي، خصوصاً في زمن الشكوك والنسبية هذا. وأعتقد أنه بهذا كان يشجع الكنيسة على الحديث على الملأ عن مسائل لها تأثير على السياسة العامة بأسلوب يلجأ إلى العقل والمنطق لتبيان الأسس الموضوعية لتعاليمها.
فمن الجيد أن تعطى المسائل الأخلاقية درجة أعلى من الأهمية في التعليم منذ منابر الوعظ. فالكثير من الأشخاص ببساطة لم يعوا بعد أن الكنيسة تعارض تقنية الطفل الأنبوب على سبيل المثال. وحتى من يدركون ذلك قد لا يكونون على بيّنة من غنى اللاهوت الكاثوليكي حول مسائل الجنس والزواج.
فمن الأهمية بمكان أن نتواصل مع الشباب في المدارس والجامعات قبل أن يلتزموا في عملهم أو حياتهم الشخصية بالأيديولوجيات العلمانية. ويأمل مركز ليناكر أن يتمكن من إنجاز المزيد في هذا المجال، شريطة أن يتوافر التمويل اللازم – ناهيك عن تأمين المعلومات والدعم للعاملين في مجال الصحة الذين تمارَس عليهم ضغوط لكي يمتثلوا إلى الثقافة المناهضة للحياة.

س: لمَ تعتقد أنه يتمّ تجاهل مساهمة الكنيسة في النقاشات حول المسائل الأخلاقية بهذه السهولة في أوروبا المعاصرة؟

ج: تختلف النقاشات حول المسائل الأخلاقية في أوروبا بين بلد وآخر. ففي بريطانيا على سبيل المثال إن الفكر الفلسفي المهيمن قائم على البرغماتية (العملانية) المتزامنة مع العلمية وعلى الشك بأن أي إشارة إلى الثوابت الأخلاقية يجب أن يقوم على أسس دينية.
وينتج عن ذلك نقاش يفتقر إلى ما يكفي من المنطق في مجال الأخلاقيات. فيُنظر إلى النقاش على أنه مجرد طريقة لاسترضاء الرأي العام، وفي أفضل الحالات للتوصل إلى مساومة بين مصالح متضاربة من دون إيجاد إطار أخلاقي متماسك.
والحال مختلفة في بعض الدول الأخرى حيث يتوافر دعم ديني وثقافي أكبر بكثير للمنطق الأخلاقي الذي من شأنه أن ينير مفهومنا للحياة البشرية وأهدافها.
وكثيراً ما يتمّ تجاهل الكنيسة لاعتبار أنها ضدّ العلم – بدل أن يُنظر إليها على أنها ضدّ القتل – وضدّ الحريات – بدل أن تُعتبر ضدّ قمع حرية الآخرين واستعباد الذات.
وعادةً ما لا تضطلع وسائل الإعلام بحس المسؤولية في تصويرها لتعاليم الكنيسة كما تعتمد في الإجمال مقاربة سطحية بدل أن تقدم للناس صورة تمكنهم من معاينة عقلانية الرسالة التي تقدمها الكنيسة وجمالها.
بالإضافة إلى ذلك، يجب الإعتراف بأن الكثيرين منا، سواء من الكهنة أو من العلمانيين، يفتقرون إلى الجرأة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن تعاليم الكنيسة في هذه المجالات وشرح لما هي صادقة وحسنة وتؤدي إلى السعادة.
وقد تكون بداية جيدة أن نبدأ بمحاسبة حكوماتنا – وبالحكم على أنفسنا بالإستناد إلى المعايير ذاتها التي نقيّمها على أساسها. لدينا رسالة رائعة ننقلها وعلينا أن نقوم بذلك بكل ثقة وحماسة.